|
رِسَالَةُ إلى مَن يقف وراء كمال القضقاضي
محمّد نجيب قاسمي
الحوار المتمدن-العدد: 4359 - 2014 / 2 / 8 - 18:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رِسَالَةُ إلى مَن يقف وراء كمال القضقاضي
نَشَأَ كَمَالٌ مِثْلَ مُعْظَمِنا فَقيرًا مُعْدَمًاً لا أمَلَ له في الرُّقِيّ الاجتماعيِّ سِوى بِالتَّرقَّي في مَدارج العلمِ المعرفةِ ..واجتهدَ والدُه بالقليل المُتاح في تَربيته وتَعليمه عسى أن يأخذَ بيدِه عند العَجْز والكِبَر...ونشأ نَبيهًا ذكيًّا يتّقدُ حيويّةً ونشَاطا. وتَفوّقَ في الدّراسة السّبيلِ الوحيدِ الّذي له أنْ يَتميّز فيه بالإمكانيّات الذّاتيّة..ثمّ التحق بأمريكا . فَفُتحت الآمال والطّموحاتُ الفرديّةُ والأسريّةُ على مِصْراعيْها... وانتظرتْ الأسرةُ وكلُّ مَن عَرِف الفتى عَوْدة شابٍّ حاصلٍ على أرْقى الشّهائدِ العالميّةِ لينفعَ بعلمِه وطنَه وعائلته الصّغيرةَ المُعدَمةَ ونفسَه الّتي عاشت الحرمان والخصاصة ..انتظرناه جميعا وإِن لم تجمعنا به سابقُ معرفةٍ ليكونَ بيْننا قُدْوة في الانضباط والعمل وأُسْوةً حسنةً لشبابِنا في الأدبِ والأملِ والقُدرةِ على مُغالبة الصّعاب ...انتظرنَاهُ... فَعَادَ لأنّ بلدَ الوِفاَدةِ رَغِب عنْه اثْر أحداثِ 11 سبتمبر وتداعياتها الكارثيًّة على الملايينِ ..فكانت الخيبةُ وتعمّقَ الجُرح ..واكفهرّتِ الدّنيا وضاقت بما رَحُبَت ...وفُقِدَ الرَّفيق والأنيسُ وجابِرُ العَثرات وضاقت السُّبل ..وفي مثل هذه الأحوال يَتحوّل الحبُّ إلى كراهيّةٍ وتُصبح الصّداقةُ عداوةً وينقلبُ الأملُ إلى آلام مُبْرَحَةٍ..وأثناءَ أيّامُ الضّياعِ في العاصمةِ تَدرّب على رياضةِ فُنونِ القتالِ الّتي أرادها واضعُوها للتّحكّم في النّفس والسّيطرة على أهوائها وللتّنفيس عن الكُرَبِ والهُموم ولتكوينِ الشّخصيّة الرّصينة المتّزنة المنضبطةِ. ولم يكن من أهداف حِذْقِها الاعتداءُ على الآخرين ...ولا شكّ أنّ شهاداتِ من عَرِف الشّابَّ تُؤكّد جميعها أنّه كان هادئا وَديعًا مُسالِمًا .... فَمَنْ الّذي جعله قَاتِلا يُزْهِقُ الأرواحَ البشريّةَ ويُرَمِّلُ الزّوجاتِ ويُثْكِلُ الأُمّهَاتِ ويُيَتِّمُ الأطفالَ ويُرَوِّع الكبارَ والصّغارَ؟ لا شكَّ أنّ ما نُسِب إلى الرّجل مِن أفعال حسَب السَّلطات الرّسميّة العَلِيمةِ لا يُمكن أن يكون هو وحدُه المسؤولُ عنها والمخطّطُ لها .فلم يكن وحدَه بل معه كثيرون مِنهم من قُتِل ومنهم من هو بيْن القُضبان ومنهم من هو طليقُ.ثمّ إنّ الأسلحةَ والمتفجّراتِ والأحزمةِ النّاسفةِ والأموال لا يَقْدِر فرْدٌ، مهما كان، على توفيرها ونقلها وتأمينها دون شبكة منظّمة...باختصار هناك من يقف وراء الرّجل الذي كان في الصّفّ الأخير ، صَفِّ التّنفيذِ المباشرِ و هناك من هو قبلَ الصّفّ الأخير وهناك من هو في الصّفّ الأول ممّن يُخطِّطون ويُدبِّرون ..وهؤلاء الّذين أعْنِيهم بالخطابِ وأتوجَّه إليهم بهذه الأسئلةِ الحارقةِ: أَلَمْ تَتَوَقَّعُوا أنّ كمالَ لن يمشيَ في جنازته أحدُ؟ أَلَمْ تَتَصَوَّروا أنّ وراء كمال أسْرةُ مُلِتاعةٌ ؟ أَلَمْ تُفَكّرُوا لحظةً في أنّ القاتِل والمَقْتولَ في "غزوات كمال" لا يختلفان كثيرا؟ فَلمْ يكن كمال سوى واحدا من كثيرين من عائلات فقيرةٍ ومناطق محرومة يقاتلون آخرين من الجهات نفْسِها والفئاتِ ذاتِها..لقد حضرتُ شخصيًّا جنازتَيْنِ مَهِيَبَتَيْنِ لِجُنْدِيَيْنِ قُتِلا في جبال الشّعانبي وهما من عائلتيْن ريفيَّتيْن متواضعتيْن تُحيطُ بهما الجبالُ الجَرْدَاءُ من كلّ ناحية ولا عائِل لهما سوى الفَقِيديْن... فَلِمَ يُحْشَر الفقراء دوْما في حروب الكبار ومشاريع الكبار ؟ هل كُتِب على الفقير دوما أن يُشْترى بالمال؟ فهناك منْ يشتري عَرَق جبينِه وجهدِه وهناك مَن يشتري جسدَه وعرضَه وشرَفه وهناك من يشتري رُوحَه ودمَه...يشترون كلَّ شيءٍ فيه بالمال القليل ويبيعون ذلك لاحقًا في صفقاتِ الملياراتِ وفي صفقاتِ الأوْطانِ والشّعوب ...والمَزادُ دائمًا مفتوحٌ لبَيْعِنا لِمنْ يدفَع الكثيرَ أو القليلَ وسُوقُ النِّخاسةِ على مصْراعيْه للمتاجرةِ بكلّ شيْء ..نَموت نحْن مُعفَّرين في التّراب ومُلطَّخين بدمائنا والذُّبابُ الأزْرقُ يَحومُ حوْلنا وتُنْتفَخ جُثَثُنا وتُنتشَر منّا الرّوائح الكريهة ولا خلاص منّا سوى بالتّراب والطّين ويَرْفُل من يَبيعُنا في الحرير ويَتمدّدُ على الأرائك الوثيرة في الغرف الواسعة المكيّفة و المجهّزة بأحدث الماركات العالمية ويركبُ السيارات الفارهة والخيول المطهّمة والطائرات الضخمة.... ألم يكن من الممكن أن يكون كمال صاحب اختراعات واكتشافات علمية وتكنولوجيّة؟ ألم يكن من الممكن أن يكون ذا يد ماهرة تصنع أو تزرع ؟ ألم يكن من الممكن أن يكون مدرّبا ناجحا ومكوّنا مقتدرا وكاتبا عظيما ؟...بلى كان يمكن أن يكون من هؤلاء وأولئك الذين ينمّون الأوطان وينفعون البشر كلّ لحظة.. لقد استخلَفَنا الخالقُ البَارئُ لِنُعَمّرَ الكوْنَ ونَنْعَم بما سَخّرَه لنا فَنَشْكُرَهَ ونحْمُدَه .أمّا القَتْل والقِتال فهْو كرْهٌ لنا نَتَجَنّبُه بكلّ ما أُوتِينا مِن قُوّة وبأْسٍ ولا نَأْتِيَهُ إلاّ مُكْرهين ونُعْلِنَه على مَنْ يُقاتلنا لا على مَنْ يُسالمُنا، وعلى عَدُوّنا وليس على أنْفسِنا ، وساحةُ حرْبنا لا تكون أبدا في بيوتِنا وأعراسِنا وأسواقنا ...فَلْيَكُنْ مشروعُنا البناءُ لا الهدمُ والدّمارُ ولْيَكُنْ مستقبلُنا في الحياةِ لا في الموتِ....وكَمْ مِن تَاجِرٍ تَقِيٍّ وَرِعٍ أمينٍ نظيف البَدَن واللّسان واليدِ نَشَرَ الإسلام في رُبوع الشّرق الأقصى بالقُدْوة الحسنةِ قديما ولم يُشْهِر سيفَه على أحدٍ فَتَداعى النّاسُ على يديْه إلى الإسلام وحَسُنَ إسلامهم إلى يومِ النّاسِ هذا على خلافِ مَنْ أسْلموا بالفتوحات الّذين لم يَسْتَقِم حالُهم إلى اليوم ....والله يهدي من يشاء . ملاحظة: بُنِيَ هذا المقال على ما توفّر لحدّ هذه السّاعة من معلومات منشورة شائعة بين النّاس.وهو ذو غاية توجيهية لا غير. المكناسي 08/02/2014
#محمّد_نجيب_قاسمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يُسِفُّ الشّيْخُ القَرَضَاوِي ...إنّه يُسِفُّ.
-
- دويلات دينيّة - فاشلة حول - دولة يهوديّة - ناجحة .
-
حَدِيثُ دُنْبَةَ
-
حَدِيثُ دُنْبَة
-
زيارةٌ إلى فلسطين السّليبة تنغّص فرحة وزيرة جديدة
-
دُستورُ... بِأيّ ثَمنٍ وُضِعْتَ يَا دُسْتُورُ؟
-
الإمامة والخلافة وجهان لعملة واحدة: الجزء الثاني
-
فرحة المسلمين بذكرى مولد الرّسول الأكرم من الحلال الطيّب
-
الخلافة والإمامة وجهان لعملة واحدة : الجزء الأول
-
هل يجوز تكفير الشيعة؟
-
الغناءُ والموسيقى نشاطٌ للبدن وراحةٌ للنّفس أم مزمارُ شَيطان
...
-
تحليل نصّ -طموح أهل الفضل- من كتاب - كليلة ودمنة - لعبد الله
...
-
تحليل نصّ : - آدم والشّعر - من رسالة الغفران لأبي العلاء الم
...
-
هل من حقّنا - نحن العرب - أن نقول لأردوغان: ارحل؟
-
المسلمون يفرحون أيضا بمولد عيسى بن مريم
-
في الطّريق إلى الحريق
-
إلى أيّ جحيم تأخذنا سياسة الأحزمة الناسفة والسيّارات المفخّخ
...
-
نصّ من رواية ثورة الجسد
-
الحريق الكبير
-
أدب الثورة
المزيد.....
-
اصطدمتا وسقطتا في نهر شبه متجمد.. تفاصيل ما جرى لطائرة ركاب
...
-
أول تعليق من العاهل السعودي وولي العهد على تنصيب أحمد الشرع
...
-
بعد تأجيله.. مسؤول مصري يكشف لـCNN موعد الإفراج عن فلسطينيين
...
-
السويد: إطلاق نار يقتل سلوان موميكا اللاجئ العراقي الذي احرق
...
-
حاولت إسرائيل اغتياله مرارا وسيطلق سراحه اليوم.. من هو زكريا
...
-
مستشار ترامب: نرحب بحلول أفضل من مصر والأردن إذا رفضتا استقب
...
-
الديوان الأميري القطري يكشف ما دار في لقاء الشيخ تميم بن حمد
...
-
الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته العسكرية في الضفة الغربية ويق
...
-
بعد ساعات من تعيينه رئيسا لسوريا.. أحمد الشرع يستقبل أمير قط
...
-
نتانياهو يندد بـ-مشاهد صادمة- خلال إطلاق سراح الرهائن في غزة
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|