|
تعافي المعارضة السورية ضرورة وطنية
شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن-العدد: 4359 - 2014 / 2 / 8 - 15:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تربى الكثير من السوريين أجيالاً طويلة على ثقافة اللون الواحد، التي يلخصها شعار "من ليس معنا فهو ضدنا"... ولا يقتنع هؤلاء بوجود من هو مع الوطن ككل، وفي الوقت نفسه ليس مع كل ما يطرحونه من أفكار ورؤى، لأنهم يختصرون الوطن في ذاتهم... * تطال هذه الثقافة الكثيرين في المعارضة، التي تربى أغلب رموزها في ظروف إلغاء الآخر، أو السجن، والإقصاء، والاضطهاد، مما يجعلهم يفتقدون إلى الثقة بأي موقف معارض لا يتطابق مع رؤيتهم... هذا ما تجلى، على سبيل المثال، في ضرب وفد المعارضة القادم إلى جامعة الدول العربية بالقاهرة من داخل سوريا، وعلى رأسه الدكتور عبد العزيز الخير، بالبيض من قبل شيوعيين وإسلاميين متطرفين يؤيدون المجلس الوطني المشكل في اسطنبول، في حينه، لعدم انضواء الخير وأعضاء الوفد المرافق له تحت لواء المجلس... فضلاً عن عمليات تشويه سمعة الشخصيات المعارضة في الداخل، كالشيخ معاذ الخطيب، والأستاذ فايز سارة قبل مغادرتهما الوطن، والكثيرين غيرهم من الذين تركوا وظائفهم احتجاجاً على أسلوب التعامل مع الحراك الشعبي...الخ. لأنهم لم يعلنوا تأييد كل ما يطرحه المجلس الوطني، والإئتلاف... وخير من وصف هذه الحالة الأستاذ حبيب عيسى الذي أبى مغادرة الوطن، حين كتب رداً على رسائل تأتيه من معارضين في الخارج، يتساءل أصحابها مستغربين لماذا هو، وأمثاله من المعارضة في الداخل، ليسوا في السجن، ولماذا لم يقتلوا!!! ـ ألا تذكر وجهة نظر هؤلاء المعارضين بشعارات غلاة الصهاينة العنصريين التي تقول: "أفضل الفلسطينيين الفلسطيني الميت"ـ... * وتكال التهم إلى من يدعو لإعلاء صوت العقل، وإلى من يرى في النضال السياسي السلمي التراكمي لتغيير البنية السياسية، ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحق السوريين، ولو استمرت عقداً من الزمان، أفضل، وأنبل من أي فعل مسلح يودي بحياة طفل... كما تكال التهم، أيضاً، إلى من يتأسف على جميع السوريين الذين سقطوا في هذه المأساة، ويتهم بأنه يساوي الجلاد والضحية، أو يمسك العصا بالمنتصف... * وجود من يكيل هذه التهم وغيرها ليس مفاجئاً نظراً لحرمان المجتمع من الفعل السياسي المتنوع بما فيه المعارض، فضلاً عن هيمنة وطغيان اللون الواحد على الأذهان، مما يقود إلى تبني التهم لمن لا تتطابق رؤيته معهم... مع أنهم يبدون ساذجين مع ازدياد وتنوع فصول معاناة السوريين، بمن فيهم المعارضين... تلك المعاناة التي تلخص بعض جوانبها أحاديث المعارضين السياسيين في هذه المدينة أو تلك، التي تسيطر عليها بعض التنظيمات المتطرفة، قائلين: "لقد شاركنا في الحراك السياسي المعارض، وتعرضنا للتعذيب بتهمة إضعاف الشعور الوطني، ونشر الطائفية، وعندما دخلت التنظيمات المتطرفة مدننا سجنا وتعرضنا للتعذيب بتهمة أننا "نصيريون وعلمانيون""... * من الظواهر الغريبة التي عرفها الحراك السياسي السوري منذ بداية الألفية الثالثة، والتي ما زالت طاغية على أذهان كثير من المعارضين، تنصيب أناس لأنفسهم ولاة على الآخرين يمنحونهم شهادة معارضين، أو يحجبونها عنهم، وتتردد تساؤلات كثيرة حول حقيقة معارضة هذه الشخصية السياسية، أو التيار السياسي، أو ذاك، وغالباً ما توجه هذه التساؤلات حول معارضات الداخل السوري، كأن يسأل، هل هذا التيار السياسي الذي ينشط في الداخل، أو ذاك، تيار معارض فعلاً ؟ * عند محاولة الإجابة على هذه التساؤلات، من الضروري التنويه إلى أننا نعالج مسألة في بلد كانت كلمة معارض منذ سنتين، وربما ما زالت في أذهان الكثيرين، رديفة للخيانة... لأن مافيات الفساد تعلم جيداً أن وجود معارضة حقيقية في مناخ ديمقراطي ستعريها، وتحرمها من الاستحواذ على خيرات الوطن الذي تعده مزرعة لها... ومن هنا الدعاية الإعلامية الكبيرة المعادية لمفهوم المعارضة، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، إن من يهتم بالشأن العام، ويعلن معارضته لبنية الفساد والظلم سيجد نفسه محاصراً تكال إليه التهم، ويتعرض للكثير من الظلم والاضطهاد، ويحملّه ذلك تبعات كبيرة... قد لا نتفق مع مجمل أفكار هذا التيار المعارض أو ذاك، لكن من الإجحاف ألا نقدر تضحياته... ومن الحكمة رؤية كل مقارع للفساد، والظلم، والاضطهاد معارضاً للبنية التي تولد ذلك الفساد... والكثيرون ممن تكال إليهم الاتهامات بأنهم صنيعة هذه الجهة، أو تلك، من المعارضين في الداخل، يعانون أكثر بكثير ممن يكيلون التهم إليهم... *تحتاج مسألة وآلية تشكيل المجلس الوطني والإئتلاف إلى وقفة خاصة ونظرة نقدية عميقة، مع التأكيد على أن الفعل السياسي الحقيقي يأتي من داخل المجتمع لا من خارجه، ولبناء دولة المؤسسات القانونية المنشودة نحتاج إلى معارضة داخل المجتمع، تمارس العمل السياسي بشكل سليم، وسيحتاج ذلك إلى ظروف موضوعية بعيداً عن لغة السلاح، والإرهاب، والبطش، والتخوين، وإلى مؤسسات تعنى بهذا الأمر، منطلقة من حقيقة أن الوطن يتسع للجميع، وفي حاجة إلى الجميع، ويبنى بكافة قواه وفئاته المتنوعة والمتعددة... * من الضروري في هذا السياق التنويه إلى أن لغة الاتهامات، والرؤية ضيقة الأفق، تضعف الوطن، والمعارضة، وتقود إلى التشرذم، والتشتت، والصراعات العبثية، وتدفع المعارضة ثمنها بتشويه سمعتها، وبضعف ثقة الشعب بها، في أحلك الأوقات التي أصبح المجتمع بأمس الحاجة إلى وجود معارضة معافاة فعالة على أرض الوطن... طرطوس 8/2/2014 شاهر أحمد نصر
#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عادا ب-خفي حنين-
-
متى ينضج الحل؟!
-
مرض الطفولة السياسية؛ هل هو وباء؟!
-
الوفدان سوريان
-
السوريون في حاجة لتعلم فن السياسة
-
في مسؤولية المثقف
-
من يعرقل الحل السياسي يخدم أعداء الشعب السوري
-
في رأس السنة ساسة العالم يرقصون على دماء الشعب السوري
-
الملحمة السورية.. إلى أين؟!
-
تحديات العلمانية في سوريا
-
الشعب هو الضمانة
-
الكابوس لن ينتصر
-
فن التراجع
-
على من تتلو مزاميرك يا داود!
-
الثورة إبداع
-
شعوب العالم تتطلع إلى شعب مصر
-
لا بد للعقل أن ينتصر!
-
في أسس الحل السياسي كضرورة وطنية
-
الحل السياسي ضرورة وطنية
-
الحوار المتمدن نقيض الشتائم
المزيد.....
-
شاهد.. رئيسة المكسيك تكشف تفاصيل مكالمتها مع ترامب التي أدت
...
-
-لم يتبق لها سوى أيام معدودة للعيش-.. رضيعة نٌقلت من غزة لتل
...
-
وزير الخارجية الأمريكي يتولى إدارة وكالة التنمية الدولية، وت
...
-
شهادات مرضى تناولوا عقار باركنسون -ريكويب-: هوس جنسي وإدمان
...
-
شاهد: الرئيس السوري الإنتقالي أحمد الشرع يؤدي مناسك العمرة ف
...
-
باريس تُسلِّم آخر قاعدة عسكرية لها في تشاد.. هل ولّى عصر -إف
...
-
أول رئيس ألماني يزور السعودية: بن سلمان يستقبل شتاينماير
-
لماذا تخشى إسرائيل تسليح الجيش المصري؟
-
-فايننشال تايمز-: بريطانيا تستعد للرد على الولايات المتحدة إ
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يصدر بيانا إثر مغادرته السعودية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|