أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - فؤاد قنديل - 25 يناير ليست ثورة















المزيد.....

25 يناير ليست ثورة


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4358 - 2014 / 2 / 7 - 09:09
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


إذا حاول المرء أن يدقق النظر في صورة فليس عليه أن يدسها في عينيه حتى تلامس رموشه وإنما أن يترك مسافة مناسبة حتى توفر له الرؤية المتوازنة ، وهذا ما يتطلبه الحكم على انتفاضة يناير 2011 التي لا يجب التقليل من شأنها لأنها كانت فرحة الشعب الكبري بعد استكانة طويلة وصبر مريب منذ انتفاضة 19،18يناير 1977( 34سنة ) تغير خلالها العالم وظهرت دول لم تكن موجودة وصعدت أخري كانت مخبوءة في طيات الظلام . لكن أية محاولة صادقة مع النفس لمجمل ما جري على مدي عام هو عمر هذه الانتفاضة يفرض علينا مساعدة التاريخ إذ مهما كان يمتلك من البصر والبصيرة و الأدوات البحثية والأساليب العلمية والموضوعية فهو بحاجة إلى أصحاب الرأي كي يحاولوا بإخلاص إضاءة الطريق أمامه حتى يتمكن من أداء مهمته على نحو دقيق وعميق ، وفي الوقت ذاته علينا ألا نقترف أو نصرح بما يخدع الجماهير لأن ما في عقولهم وقلوبهم مسئولية الكتاب والمفكرين والمؤرخين وكل أرباب القلم ووسائل الإعلام والتعليم والثقافة ، ومن يحرف في مفردة واحدة لحساب سلطة أو مصلحة إنما يخون الأمانة المنوطة به ضمنا والعقد الأدبي الموقع عليه لحساب الحقيقة والضمير والناس، لذلك نقول حتى لو انزعج البعض : الحشود وحدها لا تكفي لقيام ثورة .. العبرة بالنتائج .
كل هَبّة أو غضبة حتى لو خرجت لها الجماهير الغفيرة لا تعتبر ثورة ، وليس كل جديد ثورة كما أن الخروج على الحاكم وإسقاط نظامه وإبعاد رجاله لا يُعد ثورة ، لأن الثورة لها معنى يتجاوز دلالات الألفاظ المجانية التى ينثرها البعض في فضاء فكري مضبب من منطلق عاطفي بحت لوصف انتفاضات جماعية هنا وهناك ، تتسم في الأغلب بالعشوائية و لا تؤسس لها فلسفة ومبادئ وبرامج ودراسات ، أما مفهوم الثورة على وجهه الصحيح فهو - مهما تعددت أغراضها – يشير إلى المشهد الذي تُعبّر فيه جماعات سياسية أو اقتصادية أو علمية أو ثقافية عن رفضها لنظام سائد أيا كان نوعه بأية وسيلة حتى ولو بالقوة ، ويستتبع هذا الرفض والإزاحة العمل بحماس على إحداث نقلات نوعية في أساليب الإدارة والإنتاج بما يحقق أماني وأهداف شرائح واسعة من البشر ، وليست الثورة إذن سياسية أو عسكرية فقط لكنها يمكن أن تكون اقتصادية أو علمية أو ثقافية أو دينية .
واتساقا مع المفهوم السابق للثورة يصبح من المحتم الاتجاه صوب الماضي لإعادة تقييم وتصنيف ما سمى بالثورات التي تعددت بما لا يحصى من المرات عبر التاريخ ، وكل منها يكشف فداحة الظلم الذي تعرض له البشر على أيدي وأنياب السلطات الاستبدادية القامعة متحجرة القلوب على تنوعها من السياسي إلى الدينى ، ولعل الثورة الدينية ضد محاكم التفتيش الشائهة من أولى الثورات الحقيقية التي طهرت أوروبا من غواية السلطة الدينية وفتحت الآفاق أمام ثورة عقلية وضعت كل أوروبا على طريق الفكر القويم والإبداع الحر ، ومثله حدث في بريطانيا عندما انطلقت الثورة الإنجليزية ( 1642) وهي احدي الثورات الكبري في العالم ومن أقدمها حيث ثار الشعب ضد الملك الذي كان يحكم بوصفه مالكا لحق إلهى لا راد له ، وانتهت الثورة إلى نتائج غير مسبوقة فقد أعلنت الحكومة الجديدة ضرورة تأسيس برلمان وتوفير الأمن وتحسين الخدمات للجماهير ومقاومة الغلاء وجشع التجار ، ومن الثورات الكبري الثورة الصناعية التي غيرت الحياة الأوروبية تماما حيث بدأ عصر البخار واختراع الآلات وزيادة الإنتاج بصورة مذهلة مما أتاح فرصا غير محدودة لتشغيل العمال وفتح الأسواق وتأسيس الشركات الكبيرة العابرة للدول وتسببت تلك الثورة في اتساع النهم الاستعماري وفتح الباب على مصراعيه لاحتلال الدول ذات الموارد الطبيعية خاصة في أفريقيا وآسيا، ومن الثورات الكبري الثورة الأمريكية ( 1775-1783) والفرنسية ( 1789-1799) والروسية (1917 – 1923) والصينية (1949) والمصرية ( 1952)التي حمل عبئها الجيش وأيدها الشعب لما لاحظ حرصها الشديد على توفير كل أسباب العيش الكريم لمختلف طبقاته ، وبناء مشروعات ضخمة في المجالات الزراعية والصناعية والطاقة يلتحق بها ملايين العاطلين والخريجين الجدد، مع العمل بمنتهى الجدية على تحقيق العدالة الاجتماعية وتمثيل العمال في الإدارة وتحسين الخدمات خاصة الصحة والتعليم المجاني .
أما الثورة الإيرانية ( 1979 – 1989) فلم تحقق من أهداف الشعب إلا درجات من التحسن في الخدمات وبعض المشروعات التي التحق بها العاطلون، أما على الصعيد السياسي فقد ازداد القمع لحساب التوجهات الدينية المتعصبة .
ولا تعتبر ثورة عرابي ( 1881 ) ثورة بالمعنى المفهوم فلم تكن غير غضبة من أجل مشاكل مهنية تخص ضباط الجيش وعدده بالإضافة إلى مطالبة عرابي بتشكيل مجلس نيابي ، ومن المؤسف أنها بلا نتائج إيجابية على الإطلاق غير محاولة متواضعة لزيادة الوعي القومي الذي تزايد بقوة مع مصطفي كامل ومحمد فريد وسعد زغلول ، ولا تعد ثورة 1919 ثورة بالمعنى الدقيق أيضا وإن كانت أفضل من ثورة عرابي بمراحل ، والغريب أن الثورة اندلعت بخروج جموع الشعب للمطالبة فقط بإطلاق سراح سعد زغلول وزملائه من المعتقل واستمرت بلا توقف لمدة شهر كامل من 9 مارس حتى 7 أبريل 1919 ، لكنها في الحقيقة كانت غضبا كامنا منذ دخول الإنجليز مصر عام 1882 وكانت كأنما تثأر لعرابي المشعل الأول للمد الثوري قبل ما يقرب من أربعين عاما ، وكانت كل تلك السنوات جمرا يحرق الأفئدة التي تبحث عن سبيل يمكنها من طرد المحتل البغيض وتحقيق الاستقلال ، والأغرب أن نتائجها لم تقم عليها القيادة الجديدة برئاسة سعد زغلول ولا الملك فؤاد لكن النتائج بالغة الأهمية قام بها المواطنون سواء رجال الأعمال والآلاف من الشباب والعمال بتوجيهات من الكتاب والفنانين وقادة الرأي .
وليس ما حدث في إفريقيا على مدى نصف قرن من تغيير لنظم الحكم وحدها يعد ثورة ، لأن جميعها ليست غير انقلابات على السلطة القائمة دون أن يعقبها أي تغيير من أي نوع ولم تكن هناك محاولات تذكر لتحسين أحوال الناس .
لقد دلت قراءات معمقة للعديد من الثورات الكبري بما تقدمتها من عوامل وأسباب وما اكتنفتها من ظروف وما انتهت إليه من نتائج وما أحدثته من تغييرات محلية وعالمية على أن البركان الشعبي الذي يتفجر في شكل ثورة حقيقية يمر في العادة بخطوات ضرورية تفرضها طبيعة الأحداث التي تفضي كل منها لما بعدها ، وتتدفق على النحو التالي :
1 – تراكم حالة من عدم الرضا إلى درجة الاستياء ، يصاحبها طرق شديد من أصحاب الرأي حيث يقومون بإشعال النار تحت القدر لتعميق الإحساس ببشاعة الظلم وتحديد الأهداف .
2 – التعبير عن الغضب عبر الاحتجاجات والانتفاضات الصغيرة كمقدمات تمهيدية على أمل تحقيق تغييرات ذات قيمة بأقل الخسائر.
3 – تعنت السلطة واستعراض الغطرسة النابعة من الثقة المفرطة بالسيطرة وازدراء كل صور التظاهر.
4 – توجيهات القيادات الثورية بتحديد ساعة الصفر وأماكن الاحتشاد .
5 – احتشاد الجماهير الغاضبة واستخدام كافة أساليب التعبير عن السخط في محاولة لإزاحة النظام العقيم .
6 – اندلاع الصراع بين القوى الشعبية وقوات أمن السلطة .
7 – انكسار الثورة أو نجاحها في الإزاحة .
8 – تأسيس فريق قيادي مؤقت يحظي برضا الثائرين .
9 – إجراء تغييرات جذرية لتصحيح المسار وتحسين فكر وآليات الإدارة والإنتاج.
10 – شيوع حالة من الرضا عن المشهد في شكله الجديد أو تجدد الرغبة في التصحيح السلمى عبر قنوات التعبير والحوار.
فإذا تأملنا بروية مسار ما يسمى " ثورة " 25 يناير 2011 في ضوء ما سبق؛ فسوف نلحظ أن ما جري في يناير ليس أكثر من ربع ثورة لأن الأهم لم ير النور بعد . لقد تم الهدم بالتخلص من السلطة ورجالها ، وهذا هو الجهاد الأصغر ثم اجتاحت البلاد رياح مسمومة عصفت بكل شيء وبعثرت كل الأوراق وخلطت كل الصور والأجندات إلى الدرجة التي اختفت معها تماما كل الأماني والأهداف ، ولم يتأسس فريق قيادي مؤقت ، ولم يتم اجراء أية تغييرات يمكن أن تصب في صالح الجماهير المتعطشة للحرية والعدالة والتنمية وحقوق الإنسان ، وبدلا من الفرح بالحرية بوصفها المناخ الضروري للبناء والحوار والاستقرار والتطوير والتقدم نحو مستقبل أفضل على كل الأصعدة ، إذا بالجماهير المتطلعة لحياة جديدة منقطعة الصلة بما فات تجد نفسها مسحوقة بمشاهد الفوضي العارمة ، و تجد نفسها عرضة في كل لحظة لأمطار الرصاص المنهمر يلتقط شبابها ويختطف أرواحهم ويفقأ عيونهم ويدمر المنشآت العامة والخاصة ، وكان المشهد في مجمله يدل بكل ثقة واطمئنان على أن مسّا من الجنون قد تلبس الأمة وأهلها ، والأغرب أن الجميع بقصد أو بدونه - سواء النخب أو الجماهير البسيطة - شاركوا فيما أصاب الأمة من هوس واندفاع عشوائي نحو وديان سحيقة من الضياع ، وفي مقدمتهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أناط به الرئيس المعزول تحمل المسئولية في الفترة الانتقالية ،وتأتي بعده مباشرة أسوأ الفصائل المتربصة وهي جماعة " الإخوان المسلمين " الذين نحّوا عظمة الإسلام جانبا وتفرغوا للنهب والسيطرة والمؤامرات والقتل والتدمير، كما أن الأحزاب المدنية متواضعة الفكر كان لها نصيب في التخريب ، ومثلها كانت وسائل الإعلام وبعض القيادات الشبابية التي أرادت استثمار الهوجة في مشروعات تصب في نفعها الخاص على حساب الوطن الذي كان آخر ما فكر فيه الكثيرون ، فضلا عن قوي خارجية يعنيها أن تفشل الثورة المصرية الناشئة التي كانت تبحث عن قيادة وطنية مخلصة تقبض بأيد قوية على الدفة وتمضي بالمسيرة نحو شواطئ الأمان والاستقرار والنهضة .لذلك نطلق على يناير " سورة " أي غضبة أو انتفاضة شعبية لم تكتمل ، بل وجرّت الوبال على المصريين وتسببت في وقوع مصر في أسر جماعة شيطانية أعادتنا إلى الخلف عشرات السنين وقضت على الأخضر واليابس خلال أشهر معدودة .



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الناصر واليوسفي
- كيف نقضى على التتار؟
- - كناري - مجموعة الخميسي الفاتنة
- السيسي ومعايير اختيار الرئيس
- فى مديح الجمعة
- في رحاب السيد المسيح
- -قصة ما ئلة-
- أيام أمى الأخيرة فصل من رواية -دولة العقرب-
- حساب الأرباح والخسائر لعام 2013
- الحياة ... مشكلة جمالية
- أ رَ د تُه جَبَا نا
- الترجمة وصورة مصر في الثقافة العالمية (2)
- الترجمة ومكانة مصر فى الثقافة العالمية(1)
- حب خريفي بطعم العواصف
- دستوركم يا مصريين
- المفتون - مقدمة الجزء الأول من سيرتي الروائية
- الحب على كرسي متحرك
- حبى يمنعنى من خداعها
- أسرار رابعة2
- أسرار رابعة 1


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - فؤاد قنديل - 25 يناير ليست ثورة