أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - فّلْنَعُدْ إلَىْ رُشْدَنَاْ وَنُحَكِّمْ عُقُوْلَنَاْ:















المزيد.....



فّلْنَعُدْ إلَىْ رُشْدَنَاْ وَنُحَكِّمْ عُقُوْلَنَاْ:


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4357 - 2014 / 2 / 6 - 13:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فّلْنَعُدْ إلَىْ رُشْدَنَاْ وَنُحَكِّمْ عُقُوْلَنَاْ:

وردنا التعليق التالي من الأخ مدحت محمد بسلاما،، على موضوعنا الذي نشرناه في الحوار المتمدن - بالعدد: 4348 – 28/1/ 2014 – والذي جاء بعنوان: (تعليق على سامي الذيب - صورة الحمار).
جاء تعليقه تحت عنوان في صيغة نصيحة، يقول لنا فيه: (عد إلى رشدك وحكّم عقلك)،، وهو يعتقد بأنني سأندم كثيرا على الوقت والجهود المبذولة للوصول إلى هذه المحصلة من الهراء (حسب تعبيره وتصوره). ثم فصل بعد ذلك دوافعه ومبرراته التي دفعته لتقديم هذه التعليقات وهذا التقييم الذي جادت به نفسه علينا،، وقد حصرها في سبعة نقاط، كلها تدول هول منطلق واحد هو "سؤء الظن بالله تعالى"، وحيث أن خلفيته إسلامية كما يبدوا من إسمه الثاني، فهذا جعل طرحه بهذه الطريقة التي تتعارض مع هذه الخلقية، يحتاج إلى وقفة تأمل ومراجعة دقيقة، الملاحظ أنه في الآونة الأخيرة ظهر ثقافات لم نعهدها من قبل خاصة بين الشباب – شأنه في ذلك شأن الكثيرين منهم الذين جنت عليهم الأجيال التي سبقتهم من الذين لم تسلم "المحجة البيضاء" التي تركها النبي الخاتم من عبثهم وتفريطهم، فلم تعد - من خلال كتبهم وأفكارهم - كما هي،، بل عملت فيها معاويلهم الهدامة بتشرذمهم إلى طوائف ومذاهب ومدارس، ومشايخ، كل فرقة منها لا ترضى عن الأخرى ولا تلتقي معها حتى على الثوابت التي توحد ولا تفرق، وتجمع ولا تشتت،، فتشوهت لديهم "الفطرة السليمة التي فطر الله تعالى الناس عليها". فأدى سلوكهم غير المسئول هذا - في كثير من الأحيان - إلى تشكيك الشباب في مصدقية وتفرد هذا الدين القويم الذي لا يأمر إلَّا بمعروف ولا ينهى إلَّا عن منكر،، ولا يجادل ويحاور ويناظر إلَّا بالتي هي أحسن. ولكن هؤلاء المتطفلين على هذا الدين المتين – الذي أمر رسوله الكريم بالوغول فيه برفق – أصبح منابر ومناحر للمناظرات الغوغائية في فروع الفرعيات الجدلية والفلسفية والتي ترك الشرع فيها فسحة للتيسير على الناس، وتركوا الأصول والثوابت في أسوء حال من الضبابية والغبش الذي قد بلغ في بعضها حد التشكك والتدليس، والزندقة أحياناً. فعَاِلمٌ يُكَذِّبُ الآخر، وجاهل يُكَذِّبُ العالمَ ويدعي العلم،، وزنديقاً يدعي الكرامات وعلم الغيب فيبتدع في الدين كما يشاء، فيحتار الناس في كل هذا التناقض الغريب، و قد غابت المرجعية المباشرة لكتاب الله تعالى وحلت محله مرجعيات أخرى قُدِّسَ أصحابُهَا حتى بلغوا حَدَّ العصمة التي وصلت حد العبادة والتدله فيهم. المهم، تساءل مدحت محمد بسلاما فيها قائلاً ما يلي:
1. ما الفائدة من الإيمان بكتاب مليء بالتناقضات والترهات والحذلقات والفذلكات!
2. ما الفائدة من الإيمان بإلهٍ بدّعِيْ أنَّه خير الماكرين،
3. إله باتر، بتّار، منتقم، متجبّر، متكبّر، مذّل، ضّار،
4. يدعو إلى القتل،
5. يهدي من يشاء، ويضلّ من يشاء، إلخ!
6. يخاف أن لا يؤمن به أحد فيعمد إلى القسم بنبيّه وبمخلوقاته وبكتبه!
ثم يقول إخيرا ... (هل هذا إله)؟
ثم يكرر مرة أخرى قوله لي: عُد إلى رشدك يأخي، فلا فائدة من كل التبريرات والمخارج لإنقاذ سور في كتاب لا طعم لها ولا لون.
فأقول لمحمد بسلاما،، إنني أقبل نصيحتك هذه إن استطاع إقناعي بجدية وصدق ما قلته بأن يقيم عليه الدليل المقنع،، أم لعله تريدني أن أكون إمِّعَةً،، أقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت؟ لذا سيجدني في إنتظار ما تجود به نفسك من حقائق وبراهين موثقة يؤكد بها صدق هذا الذي يقوله، لنعلم أنه قاله عن قناعة ودراسة لمعطيات حقيقية خالية من الهوى والتحامل.

كما تلاحظ فإنني ارغب في إجراء حوار مباشر معك في هذه الأفكار والتصورات التي أتى بها،، والدليل على ذلك، أنني جعلت عنوان تعليقاتك كعنوان لموضوعي هذا للرد عليها، بعد أن أجريت عليه تعديلاً بسيطاً ليكون مناسباً للموضوع المطروح، وقد أسميته (فلنَعُدْ إلى رُشْدِنَا، ونُحَكِّمُ عُقُوْلَنَا). وهذه العبارة في الحقيقة هي شعارنا الذي ننطلق من خلاله إلى أفق الفكر الرحيب لنخرج معاً من دائرة الإتهامات والمكائد ومقاتلة طواحين الهواء مثل Don Quixote of La Mancha. فقط كنا نتوقع منك الإلتزام بمعايير التبادل الثقافي المفيد، لأنه بلا شك يكون ذلك الكلام المرسل مجحفاً، وتوجيه الإتهامات دون مبرر أو تقديم أدلة مادية كافية لقبول طرحك وأفكارك ومعتقداتك ومشاركتك فيها، ومناقشتها معك بالحج والبراهين، من أجل الإقناع والإقتناع،، حتى لا يكون هذا القول قادحاً في حق الآخرين وتجنياً عليهم وإستخفافاً بعقولهم.

طبعاً لكل شخص الحق في أن يقول ما يريد وتحت مسئوليته الخاصة أمام ربه فقد خلقه الله مختاراً، ولكن عليه دائماً أن يتذكر أنه لا يوجد إختيار بلا ثمن، وليعلم أنَّ كثيراً من الكلام الأجوف يمر مع الرياح فلا يستفيد منه حتى قائله، تماماً كزبد السيل أو القدر، لا قيمة له مهما أزبد وأربد،، أما الكلام الموزون الهادف الذي له رصيده من حقيقة وواقع،، وقابل لإقامة الدليل والبراهين عليه فهذا إن لم يستفد منه صاحبه فإن فائدته ستعم غيره حتماً،، وحيثما وقع سيثمر، تماماً كالسيل،، الذي زبده يذهب جفاءاً،، وماؤه يمكث في الأرض ليفيد الزرع والضرع والخلق.
على أية حال، أنا سأبدأ النقاش حول النقاط التي أثرتها في مداخلتك،، وسأقدم لك ما عندي مدعوماً وموثقاً بالأدلة والبراهين الكافية للوصول إلى الحقيقة،، بعد ذلك يمكنك أنْ تأتينا بما ينقضها، إن إستطعت لذلك سبيلاً،، بالمثل، فإن نجحت في ذلك فسآخذ بنصيحتك وأعُدْ إلى رشدي، ولكن إن لم تستطع أنت ذلك ....... فماذا أنت فاعل؟؟؟

1- فلنبدأ أولاً بالكتاب الكريم وإتهامك له بإنه (مليء بالمتناقضات، والتراهات, والحزلقات, والفذلكات)... فبإعتبار أنني لا أعرف أي من مثل هذه الصفات فيه، ولا أقبلها أو أتصورها فلا يسعني سوى أن أطالبك بتوفير كل المعلومات الكافية التي أوحت إليك بهذه الأفكار،، بالقدر الذي يؤكد لنا صدق ما ذهبت إليه حتى يرد القرآن الكريم على قولك هذا مباشرةً،، لذا فالمطلوب منك الآتي:
أولاً: أعطاؤنا مثالاً واحداً على الأقل لهذه المتناقضات التي قلت عنها، وطبعاً لن تغلب في إيجادها ما دام أنت قلت "تحديداً" بأنه مليء بها،، وسنثبت لك أنها غير موجودة على الإطلاق بكتاب الله تعالى، وسنقيم الدليل على ذلك، فيمكنك الإتيان بأي عدد تستطيعه من مثل تلك التي تقول عنها إنها متناقضات - دون أي تقييد لك من جانبنا "لا كَمَّاً ولا كَيْفَاً"،
ثانياً: إن كنت تقصدني أنا شخصياً بكلمة "تراهات"، فهذا رأيك الشخصي، ولا أستبعد أن يكون وارداً، أولاً وأخيراً فأنا بشر وهذا يعني أنني لا أخلوا من نواقص وهفوات وأخطاء، ولست معصوماً، ولا محيطاً بعلمٍ فوق علم البشر،، مع العلم بأنني – كما ترى - أكتفي بعرض كلام الله تعالى وليس لي في ذلك رأي شخصي، إلَّا ما فهمته منها "متدبراً، منصطاً"،، أمَّا إن كنت تقصد "بالتراهات"، «آيات الله البينات»،، فأقول لك إنَّ كلام الله ليس فيه ثرثرة ولا هزيان ولا كلام فارغ لا معنى له حتى توصفه "بالتراهات"،، بل هو كلام مُحْكَمٌ ومُفَصَّلٌ من لدن حكيم خبير. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،، والله تعالى أقام عليه الدليل القطعي المعجز فتحدى الإنس والجن مجتمعين بأن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله مفتريات إن كانوا صادقين،، أو حتى بسورة واحدة. فمن اراد أن يماري في هذا فما عليه إلَّا أن يقبل التحدي،، ونحن بدورنا نشجعه ونحثه، بل ونستحلفه أن يفعل فوراً وبكل جد – إن إستطاع لذلك سبيلاً،، فإن فشل في ذلك "وسيفشل لا محالة كما فشل الذين من قبله فهذا هو الدليل المادي على أنه ليس كما قلت، وإنما كلام من أعجز الخلق كله بإنسه وجنه.
ثالثاً: إن كنت تقصد شخصي بكلمة "حزلقات"، فأنا لا أدعي المهارة أو التفوق في العلم، بل أنني أقل حذقاً مما تتصور، كل ما هنالك أعرف "يقيناً" أن هذا الكتاب «حَقٌّ مُبِيْنٌ»، وأنه «من عند الله خالق السموات والأرض»، وبالتالي أقوم فقط بعرض آيات الله تعالى «بثقة المتيقن» وأعرف أن هذا الكتاب قادر على أن يقيم الدليل على صدقه بنفسه فقط يجب أن «يُقْـــرَأُ بِتَدَبُّرٍ» «ويُسْمَعُ بِإنْصَاتٍ». أما إن كنت تقصد القرآن بهذه الكلمة، فإن "الحزلقات"، هي مهارات وتفوقات البشر وهي ملكات محدودة لا يليق أن يوصف به كلام الله تعالى لأنها مهما علت وسمت فهي أقل بكثير مما ينبغي أن يوصف به لأنه فوق تصور البشر والجن معاً.
رابعاً: أما كلمة فزلكة في حق القرآن الكريم، فمعروف أن آيات الله تعالى قد أحكمها الله تعالى إحكاماً بالغاً، لذا تبدوا لك «خُلَاصَةً، ومُجْمَلَةً» مثلاً الآيات المحكمات البينات المبينات: («الم» و «الر» و «يس» و «حم عسق» و «كهيعص» ... الخ). قد فَصَّلَهَا اللهُ بعد ذلك تفصيلا دقيقاً. فإذا أخذت مثلا (الم) في سورة البقرة، تجدها "محكمة"، ولكن إذا نظرت إلى تفصيلها تجده قد تضمن عشرين آية بعدها،، وأيضا (ألم) في سورة آل عمران "محكمة"، فإذا تتبعنا تفصيلها وجدناها أتت في ستة عشر آية،، كما أن الآية (كهيعص) من سورة مريم، محكمة، فإذا رأيت تفصيلها وجدتها أيضا في خمسة وثلاثين آية بعدها. فليست هذه فذلكة وإنما هي إحكام ثم تفصيل معجز.
2- أما قولك في مكر الله فهذا ناتج طبيعي لعدم تحديد معطيات هذه القيمة وقيم أخرى كثيرة لدى الكثيرين، وبالتالي ينشأ الخلط أو التشكك في مقاصدها، وأسمح لي بأن اضرب لك عدة أمثلة لتقريب المقصد وتوضيح المعنى:

أولاً: إذا عُرِفَ عن شخص مَاْ بأنَّهُ من أكثر الناس قدرةً وجرأةً على الوصول إلى مقاصده وتحقيق أهدافه تماماً كما اراد، وله قدرة متميزة على تذليل الصعاب وحل المشاكل. فهذا الشخص، إذا عرفت عنه الأمانة والنزاهة والتجرد والشفافية،،، الخ قيل عنه "ذكي"، أما إن عرف عنه عكس ذلك قيل عنه "خبيث"، لأن الإثنان (الذكاء، والخبث) معاً هما نتاج فكري وقيم إنسانية متناقضة ولكنها توصل إلى نفس النتيجة في ظاهرها، بيد أن هناك قيمتان أخريان تميزان بينهما، هما (الخير، والشر). كذلك قيمة "القول"، يمكن أن يكون صدقاً أذا صدق قائله، أو كذباً إذا كذب،، وأيضاً جمع المال يمكن أن يكون "كسباً" إذا جمع بالوسائل المشروعة، ويكون "إكتساباً" إذا لم تراعى فيه هذه الضوابط والقيود. كذلك «الجدل والجدال» قيمتان منبوذتان، ولا يأتي منهما أي خير،، بينما «المجادلة» فهي قيمة طيبة محببة ومشجع عليها لأنها تعني المحاورة، وبالتالي تثمر لأنها تتيح عبرها تبادل الأفكار وتترك الفرصة كاملة للتفاعل وألإختيار. فالأفعال في الحالتين سواء، إذ نقول: (جادل، يجادل)، أما الإختلاف بينهما يكمن في المشتق، فالخير والمحبب منه (المجادلة) لأنها محاورة يستوي فيها الطرفين دون أن يتغول أحدهما على الآخر، والفيصل هو الإقناع والإقتناع بكامل الحرية، والبغيض منه هو (الجدل او الجدال)، لأن كل من الطرفين المتجادلين يصر على رأيه بغض النظر عن خطئه أو صوابه، لذا،، غالباً ما ينتهي إلى خصام أو قتال أو فرقة وعداء. فعندما أراد الله تعالى إستعمال المصدر "جدل"، عرف الكلمة للقاريء أولها لذا جعلها إسم للسورة التي ستدر فيها هذه الكلمة: فقال تعالى في سورة «المجادلة»: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي - ««تُجَادِلُكَ»» فِي زَوْجِهَا - وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ - وَاللَّهُ يَسْمَعُ ««تَحَاوُرَكُمَا»» - إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ 1)، إذاً، فقد كانت المرأة تُجَادِلُ النَّبِيَّ في زَوْجِهَا «مُجَادَلَةً» وليس «جدَلاً أو جِدَاْلَاً»,

ثانياً: أما المكر في معناه العام هو "الخداع" أو "المخادعة"، بِأنْ تَصْرِفَ غَيْرَكَ عَنْ مَقْصَدِهِ بِحِيْلَةٍ. فهو أيضاً قيمة سلوكية لها ضربان، هما: (إما: تَحَايُل محمود وهو «المكر الحسن»، أو: إحْتِيَال مذموم وهو «المكر السيء»), إذاً،، فالمكر إما أن يكون تحايلاً: بإستخدام الوسائل المشروعة لتحقيق الحق والتغلب على الباطل الذي يسعى المتحايل إلى تحقيقه لحساب وصالح الآخرين، أو أن يكون إحتيالاً: بإستخدام الوسائل غير المشروعة، لتحقيق غايات غير مشروعة لصالح المحتال على حساب الآخرين. وهذا يعني أن هناك نوعان من المكر، المكر الحسن والمكر السيء، وقد ميز الله تعالى تماماً بين المكرين، فقال عن المكر السيء للمشركين في سورة فاطر: («وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ-;---;-- مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ» - « فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ» - مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا 42)، فكان هذا النفور منهم ليس لقناعة عندهم بل: (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ -- «وَمَكْرَ السَّيِّئِ» -- ««وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ»» -- فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ -- «فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا» «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا» 43).

أما فيما يتعلق بالخداع والمخادعة فقد صورها الله تعالى عن المنافقين في سورة البقرة عبر ثمانية آيات متتابعة، قال فيها: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ...), بأفواههم فقط دون قلوبهم، (... وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ 8)، لأنهم بهذا القول الكاذب: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...)، محاولة منهم خداعهم ظناً منهم أن الله لا يعلم بنواياهم ولا هو قادر على إحباط مخططهم والقضاء عليه في مهده، ولكنه قال: (... وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ 9)، وهذه المخادعة الخبيثة منهم لأن: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا - وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ 10)، إلى أن قال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ 11)، ولكن الله هو الذي يُقَيِّمُ عملهم ويحكم عليه إن كان صالحاً أو طالحاً، لذا قال: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰ-;---;--كِن لَّا يَشْعُرُونَ 12)، وقد تنوعت مخادعتهم، فقال موضحاً: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ - أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰ-;---;--كِن لَّا يَعْلَمُونَ 13)، وقد بلغ خبثهم مداه، حيث قال فيهم: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا - «قَالُوا آمَنَّا» - وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ-;---;-- شَيَاطِينِهِمْ «قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ» - إِنَّمَا نَحْنُ «مُسْتَهْزِئُونَ» 14)، ولكن الله كان لهم بالمرصاد فمكر بهم، بأن تركهم يتمادون في ظنهم بأنهم هم الذين يستهزئون بمكرهم السيء، فقال: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ 15).

الآن أنظر معي إلى هذه الصورة الرائعة بسورة الأنفال، وكيف صور الله تعالى مكره في مقابل مكرهم السيء، حيث قال لنبيه الكريم، الذي كان غافلاً عن المؤامرات التي تحاك ضده للقضاء عليه وعلى دينه وأتباعه، فأعلمه الله بأن هناك مؤامرات تحاك ضده وهو لا يعرفها ولا يتصورها لأنه لا تعلم الغيب، ولكن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وسيمكر بهم لينجيه ومن معه من شرهم، فقال: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا - «لِيُثْبِتُوكَ» «أَوْ يَقْتُلُوكَ» «أَوْ يُخْرِجُوكَ» -- ««وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ»» -- «وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين»َ 30). أليس المكر السيء يحتاج إلى قوة مضادة له من جنسه لتقضي عليه وعلى شره؟ أليس مكر الله تعالى هو "ضرورة" لازمة لإقامة العدل وتنقية المجتمع من الغبن والقهر وإزالة آثار المكر السيء الخبيث؟

3- وعن قولك بأن الله هو (إله باتر بتّار منتقم متجبّر متكبّر مذّل ضّار). لا ندري ما هو مصدر هذا الإعتقاد الباطل؟ إذاً، نقول لك: هلا سمعت منه مباشرة لمقف على ما يقوله عن نفسه بنفسه سبحانه، فيما يلي؟:
أولاً: أما كلمتي (بَاتِرٌ بَتَّارٌ) هذه لم نسمع عنها إطلاقاً في كتابه، بل ولا في كل كتبه المقدسة: التي هي (صحف إبراهيم وموسى، والتوراة، والإنجيل، والزبور)، ولم ترد في سنته المطهرة،، فلا ندري من أين بلغتك وما مصدرها،، نرجوا العمل على مدنا بالمصدر "إن وجد" لنكذبه لك تماماً.

ثانيا: قولك بأن الله "منتقم" هذا حق لأنه سبحانه وتعالى "المنتقم" فهذا أحد أسمائه المقدسة الكريمة السامقة وصفاته العلا،، ولكن السؤال الأهم هو "مُنْتَقِمٌ مِمَّنْ؟" و "مُنْتَقِمٌ "لِمَنْ؟". فإذا عرف السبب بطل العجب. الله تعالى ينتقم من الظالم المعتدي الذي يصر على الإستمرار في إعتدائه على الآخيرين ولم يُجْدِ مَعَهُ نُصْحُهُ ولا تحذيرُهُ، فينتقم الله منه في الدنيا لصالح المعتدى عليه،، وإنْ مات على ذلك ولم يستغفر ويتوب توبةً مقبولة، ينتقم منه في الآخرة. أمَّا لِمَنْ إنتقامه؟ فهو بلا شك للمظلوم أياً كان دينه أو عقيدته،، حتى لو كان المظلوم "كافراً به" والظالم المعتدي "مؤمناً"، أما عن نفسه فهو ينتقم من الذي عَرِفَ أنَّهُ أحَدٌ فَعَبَدَ معه أو دونه غيره. وهذا هو العدل وتلك هي الرحمة في أعلى وأسمى درجاتها ومقاماتها. فأنظر إلى ما جاء في سورة إبراهيم، من قوله تعالى: («وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ» - «إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ» 42)، وسيكون حالهم يومئذ غايةً في التعاسة والشقاء البَئِسِ: («مُهْطِعِينَ» - «مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ» - «لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ» - وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ 43)، فهذا مصير تقشعر منه الأبدان وترتعد منه الفرائض... إلى أن قال: («وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ» -- وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ -- ««وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ»» 46)، ولكنهم غافلون عن مكر الله بهم، الذي يَعُدُّ لهم عَدَّاً،، فقال لرسوله الكريم: (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ - إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ 47). فهل إنتقم لنفسه أم للمظلومين الغافلين المعتدى عليهم؟

ثالثاً: تقول أن الله تعالى "متجبر"، وهذا قول غير صحيح،، لأن هذه صفة أعدائه وأعداء الحق والعدل،، ألله تعالى إسمه "الجَبَّارُ". وقد ورد ذلك في سورة الحشر، قال عن نفسه: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ -- الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ «الْجَبَّارُ» «الْمُتَكَبِّرُ» - سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ 23). إن لم يكن الله تعالى هو «الْجَبَّارُ» برحمته، ورأفته، ومغفرته، وعفوه،، فمن يكون إذن؟ فلتقريب الصورة للأذهان، فلنناقش هذه الأسئلة فنقول: هل "جبر الكسر الدوري" يعتبر ميزة حسنة تضاف للعدد المجبور كسره أم سيئة؟، وهل الجبيرة التي توضع لجبر العظم المكسور تعتبر ميزة حسنة أم سيئة،، وهل جبر الخواطر، يعتبر ميزة حميدة أم خبيثة،، وهل الذي يُدْعَىْ له في مصيبته بقولهم له "جبر الله كسركم" هل هذا دعاء له أم عليه؟ وهل الذي يظلم ويفسد ويتحرى الفساد والغي في كل مكان فيكسر العرف والنظام والإستقرار، ألا يحتاج من يجبر ذلك الكسر المخل؟ فمن إذاً الذي يفوق الجبارين قوةً وإقتداراً سوى الله "«الْجَبَّارُ»؟. فكلمة "متجبر" لا تليق بالله تعالى فهي تقابل كلمة "متأله" عند إدعاء المتأله بالإلوهية، وكذلك "متجبر" في مقابل "الجبار". وقد جاءت هذه الكلمة في سورة غافر: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ -- ««ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ-;---;--»» -- وَلْيَدْعُ رَبَّهُ - إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ - أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ 26)، (وَقَالَ مُوسَىٰ-;---;-- إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم -- ««مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ»» -- لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ 27).

رابعاً: أنت تقول إنَّ الله "مُذِلٌّ"، ونسيت أنه "مُعِزٌّ" قبلها أيضاً،، فهو يعز من إستحق العزة من الصالحين والمصلحين "المتواضعين"، والمحبين للخير والعدل بين الناس، ويذل من إستحق الذل من الذين يذلون غيرهم ويضطهدونهم، فهو القاهر فوق عباده. وليس من أسمائه "المذل" كما يرى البعض من العلماء،، ولم يرد هذا في القرآن الكريم. أما كلمة "الذل" فقد وردت في بعض السورة و الآيات نذكرها فيما يلي:

ففي سورة الإسراء قال تعالى: (وَقَضَىٰ-;---;-- رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا - إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا -- فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا -- وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا 24)، ثم قال موصياً: (وَاخْفِضْ لَهُمَا -- «جَنَاحَ الذُّلِّ» مِنَ الرَّحْمَةِ -- وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا 25).
وقوله لنبيه الكريم منزهاً نفسه عن الولد والشريك ومبرراً ذلك بأنه لم يكن ضعيفاً أو ذليلاً حتى يتقوى بالشريك أو الولد أو الولي، فأكد ذلك بقوله: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ -- «الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا» «وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» «وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ» -- وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا 111).
وفي سورة المعارج، وجه نبيه بأن لا يهتم بالذين إتخذوا دينهم لهواً ولعباً، ويتركهم في غيهم وليتصرفوا بكامل حريتهم فيما إختاروا لأنفسهم، وسيتحملون مسئوليتهم عنه قريباً عندما يلاقوا مصيرهم المحتوم، فقال له: (فَذَرْهُمْ -- «يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا» -- حَتَّىٰ-;---;-- يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ 42)، حينئذ، وبعد خروجهم من قبورهم للحساب، لن يكون حالهم مرضياً لهم: (يَوْمَ -- «يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا» -- كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ-;---;-- نُصُبٍ يُوفِضُونَ 43)، عندها،، سيكون حالهم بائساً تعساً: («خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ» -- ««تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ»» -- ذَٰ-;---;--لِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ 44). فهل أذلهم الله بدون ذنب أو تركهم غافلين دون نذارة وبشارة أم هم الذي أذلوا أنفسهم بأنفسهم؟ وهل من عاقل يتعاطف مع ظالم معتدٍ فيبحث له عن مكرمة؟؟؟

ثم أنظر إلى قوم موسى عليه السلام في سورة الأعراف،، وقد كفروا بالله فعبدوا عجلاً جسداً له خوار صنعه لهم السامري من حليهم، لمجرد أن غاب عنهم نبيهم موسى أياماً معدودات، وفي حضرة نبيهم هارون، فما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، فقال الله فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ -- «سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ» ««وَذِلَّةٌ»» فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا -- وَكَذَٰ-;---;--لِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ 152). فهل كانوا ظالمين أم مظلومين؟ وهل من ظلم وتجبر وخرج عن القانون فألقي القبض عليه وأودع السجن جزاءاً وفاقاً،، هل سيكون في عزة وإكبار أم في ذل وصغار؟؟؟
ولكلمة "ذل" في القرآن الكريم معاني أخرى متنوعة بعيداً عن الإنسان وعواقبه،، ففي سورة البقرة، عند مماحكة بني إسرائيل عندما طلب منهم ذبح بقرة، فشددوا في اللجاجة وشدد الله عليهم، قال عن البقرة التي يريدهم أن يذبحوها: (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ -- «لَّا ذَلُولٌ» -- تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ...). وفي سورة آل عمران، وهو يمن على المؤمنين ويذكرهم بنصره لهم رغم أنهم كانوا قِلَّةً في العدد والعدة والهيبة، فقال لهم: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ ««وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ»» - فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 123)،
وقال للنحلة في سورة النحل: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ - فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ««ذُلُلًا»» - يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ...)،
وفي سورة الإنسان، واصفاً حال أهل الجنة، قال: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا ««وَذُلِّلَتْ»» قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا 14).

والآن أنظر إلى هذا التفصيل الدقيق في سورة آل عمران من قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ...), يوم الحق والميزان، (... «وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ» ...), مَنْ عَمِلَ صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد: (... ««وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»» 25). ثم تأكيده بأن المُلْكَ لا يتحصل عليه أحد بقوته وسلطانه وميزاته الشخصية، وإنما هبة من عند الله بمشيئته وفضله وحكمته، لأنه هو مالك الملك يؤتيه لمن يشاء، متى شاء، وإلى حيث شاء،، فقال لنبيه الكريم: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ...), أنت وحدك لا شريك لك: (... «تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ» ...), وعندما ينقضي أجل ذلك الملك، أو يتحول الملك إلى طغيان وظلم وتَعَالِي على الخلق، تنزعه منه نزعاً بقوتك وجبروتك وقهرك: (... «وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ» ...), فمن إستحق العزة وعمل لها وقبلت عنه عمله وإرتضيتها له نالها: (... «وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ» ...), وبالمقابل، من عمل ما يستحق عليه الإذلال والصغار، بتكبره على ربه وعلى خلقه، لن يفلت منك: (... «وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ» ...), وهذا وذاك كله مرهون بمشيئتك. فأنت لا يأتي منك شر قط، بل،، (... بِيَدِكَ الْخَيْرُ ...), ولا تُجْبَرُ على شيء أو تُقْهَر أو تُسْأل: «إِنَّكَ عَلَىٰ-;---;-- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» 26)، بدليل أنك: («تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ» «وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ» -- «وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ» «وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ» -- «وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» 27).

خامساً: تقول إن الله "ضار" ونسيت أنه "نافع",، فمعلوم أن الذي يضر عادةً، لا بد أن تكون له غاية ما وهدف معين من ذلك الضرر،، فإما أن يكون لجلب منفعة مادية أو معنوية لنفسه، أو أن يدرأ ضرراً يخشى أن يصيبه فلا يجد بداً من أن يلجأ إلى إلحاق الضرر بمن يظن أنه متربص به حتى يؤمن نفسه. ولكن فلنفكر معاً بعقلانية،،، ما الذي يحيج الله لأن يكون "ضاراً"، هل يريد أن يجلب لنفسه نفعاً وهو مالك كل شيء وهو الغني الحميد؟ أم يريد أن يدرأ ضراً يحيق به وبالتالي يضر من يخشاه حتى يؤمن نفسه،، وهو القوي العزيز؟؟؟
إذن مجرد مرور الفكرة بالذهن تدل على أن الجهل والسفه قد بلغ مبلغه.

على أية حال،، فقط أنظر إلى هذا الحديث القدسي الكريم: عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: («يَاْ عِبَادِيْ إنِّيْ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَىْ نَفْسِيْ , وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَاً فَلَاْ تَظَالَمُوْا»،, «يَاْ عِبَادِيْ كُلُّكُمْ ضَاْلٌّ إلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُوْنِيْ أهْدِكُمْ»،, «يَاْ عِبَادِيْ كُلُّكُمْ جَائِعُ إلَّا مَنْ أطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُوْنِيْ أُطْعِمْكُمُ»،, «يَاْ عِبَادِيْ كُلُّكُمْ عَاْرٍ إلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُوْنِيْ أُكْسِكُمْ»،, «يَاْ عِبَادِيْ إنَّكُمْ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ وأنَا أغْفِرُ الذُّنُوْبَ جَمِيْعَاً فَاسْتَغْفِرُوْنِيْ أغْفْرْ لَكُمْ»،, --- ««يَاْ عِبَادِيْ إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوْا ضَرِّيْ فَتَضُرُّوْنِيْ وَلَنْ تَبْلُغُوْا نَفْعِيْ فَتَنْفَعُوْنَيْ»» --- «يَاْ عِبَادِيْ،, لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَ آخِرَكُمْ , وَإنْسَكُمْ وَجِنُّكُمْ كَانُوْا عَلَىْ أتْقَىْ قَلْبَ رَجُلٍ وَاْحِدٍ مَّنْكُمْ مَّا زَاْدَ ذَلِكَ فِيْ مُلْكِيْ شَيْئَاً»،, «يَاْ عِبَادِيْ لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوْا عَلَىْ أفْجَرِ قَلْبَ رَجُلٍ وَاْحِدٍ مِنْكُمْ مَّا نَقَصَ ذَلِكَ فِيْ مُلْكِيْ شَيْئَاً»،, «يَاْ عِبَادِيْ لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوْا عَلَىْ صَعِيْدٍ وَاْحِدٍ فَسَألُوْنِي فَأعْطِيْتُ كُلَّ وَاْحِدٍ مَسْألَتَهُ مَاْ نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّاْ عِنْدِي إلَّا كَمَاْ يُنْقِصُ المَخِيْطُ إذَاْ أُدْخِلَ الْبَحْرَ»،, --- «« يَاْ عِبَادِيْ إنَّمَاْ هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيْهَاْ لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيْكُمْ إيَّاْهَاْ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَلْيَحْمَد اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَاْ يَلُوْمَنَّ إلَّاْ نَفْسَهُ»».

وعن أبي العَبَّاس، عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْاسٍ رَضي اللهُ عنهما قال: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْه وسلم يًوْماً، فقال: (يا غُلامُ، إنِّي أُعَلِّمُكَ كلِماتٍ: «إحْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ» - «إحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ» - «إذا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ» - «وإذا اسْتَعنْتَ فاسْتَعِنْ باللهِ» - «وإعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ إجْتَمَعَتْ عَلَى ْأَنْ يَنْفَعُـوْكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بِشَيْءٍ قدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ» - «وإنْ اجْتَمَعُوا عَلَىْ أنْ يَضُرَّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضُروْكَ إلَّا بِشَيءٍ قَدِ كَتَبهُ اللهُ عَلَيْكَ» - ««رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»».
وفي رواية غير الترمذي "رواية الإمام أحمد "،، قال: «احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ»، «تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاء يَعْرِفْكَ فـي الشِّدةِ» --- «واعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ»، «ومَا أَصابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ» --- واعْلَمْ «أَنَّ النَّصْرَ مع الصَّبْر»ِ، «وأنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ»، «وأنَّ معَ الْعُسْرِ يُسْراً».

قال الله تعالى في سورة الحج: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ-;---;-- حَرْفٍ -- «فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ» «وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ-;---;-- وَجْهِهِ» -- خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ -- ذَٰ-;---;--لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ 11)، والسبب في ذلك الخسران المبين أنه: (يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ -- «مَا لَا يَضُرُّهُ» «وَمَا لَا يَنفَعُهُ» -- ذَٰ-;---;--لِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ 12)، فهو لجهله وظلمه لنفسه: (يَدْعُو - «لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ» - لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ-;---;-- وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ 13).
فمن طلب من الله الهدى، هداه الله إليه، وما دام قد هداه الله تعالى فلا توجد قوة في الأرض ولا في السماء تستطيع أن تضل من هاده الله تعالى،، وبالمقابل، من طلب الضلالة وسعى لها وإرتضاها أضله الله تعالى، وبالتالي فلن توجد قوة في الأرض ولا في السماء أن تهدي من أضله الله تعالى. أليس ذلك هو العدل الإلهي؟؟ يعطي كل سائل سؤله فمن أضله الله فلا يلومن إلا نفسه.
هذه الآية وحدها تكفي، ألا يكفيك حديث رسول الله الذي روي:
قال تعالى في سورة الأعراف لنبيه الكريم: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي «نَفْعاً وَلَا ضَرّاً» إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ - وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ - إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 188).
وفي سورة يونس وقال تعالى له: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي «ضَرّاً وَلَا نَفْعاً» إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49).
وقال في سورة النحل: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ «الضُّرُّ» فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ 53)،
وقال تعالى في سورة الروم: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ «ضُرٌّ» دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ 33).
كما قال عن المؤمنين في سورة المائدة: («أَذِلَّةٍ» عَلَى الْمُؤْمِنِينَ «أَعِزَّةٍ» عَلَى الْكَافِرِينَ54).
وقال في سورة الرعد: (لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ «نَفْعاً وَلَا ضَرّاً» .16).
وقال في سورة الفتح: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا - يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ - قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا - «إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا» - بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا 11).

تأمل معي هذا التحفيذ والتحريض على حب الخير للناس والإختصاص في قضاء حوائجهم بلهفة وشوق،، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ للهِ عِبَادَاً اِخْتَصَّهُمْ بِقَضَاءِ حَوَائِجَ النَّاسِ، حَبَّبَهُمْ إلَىْ الخَيْرِ، وَحَبَّبَ الخَيْرَ إلَيْهِمْ، هُمْ الآمِنُوْنَ مِنْ عَذَابِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ).
وفي الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

4- وقولك إن الله "يدعوا إلى القتل",, فإن هذا من أغرب ما سمعت في حياتي،، لأنه لا يوجد في الشرائع السماوية "بصفة عامة" وفي الدين والشريعة الإسلامية "بصفة خاصة" مِنْ ذَنْبٍ "بعد الشرك بالله" أكبر ولا أمقت ولا أبغض عند الله من "القتل" على الإطلاق. وقد أنزل الشرائع السماوية أساساً للقضاء على الفساد الذي من أهمه تحريم الشرك والقتل والظلم. ويكفي أنه كتب عليه غضبه في الدارين، وقد فرض عليه أقسى الحدود وهي " حد القتل" بدرجاته، في الدنيا، والخسران في الآخرة، وذلك في أول تشريع ينزله الله من السماء على البشر. قال تعالى في سورة المائدة: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ - «إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ» «قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ» - قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27)، ولأن المؤمن "تلقائياً" لا يمكن أن يفكر في القتل، كان رد قابيل واضحاً، ورغم أنه مهدد بالقتل، وان الدفاع عن النفس مشروع، إلَّا أنه فضل الموت مظلوماً من أن يلقى الله قاتلاً ممقوتاً، لذا قال على الفور: («لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي» «مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ» - إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28)، ومع ذلك لم يبخل عليه بالنصيحة والوعظ حتى ينقذ نفسه من سيطرة الشيطان، ولكن الكفر دائماً يعمي القلب، قال له: (إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ - وَذَٰ-;---;--لِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ 29)، ولكن الإيمان والخشية كانت عنده بعيدة المنال وتمكن منه الشيطان وأعماه الحقد والحسد: («فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ» - ««فَقَتَلَهُ»» - فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ 30)، إلى أن قال:(مِنْ أَجْلِ ذَٰ-;---;--لِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ-;---;-- بَنِي إِسْرَائِيلَ - «أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» - وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰ-;---;--لِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ 32). فلا يمكن للمؤمن الصادق في إيمانه أن يفكر في قتل النفس التي حرم الله إلَّا بالحق، فإن فعل فهذه شهادة عملية منه على نفسه بأنه ليس بمؤمن كما يدعي. فأنظر إلى مواصفات المؤمن كما جاءت في سورة الفرقان، قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰ-;---;--نِ - «الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا» «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا» 63)، ولم يردوا على السيئة بمثلها، بل يعفوا ويصفحوا تقرباً إلى الله تعالى:) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا 64 (، يرجون فضل ربهم ورضائه عنهم: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ - إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا 65)، خوفاً من أن يجازيهم الله بها، وهم يعرفون قدرها وشرها: (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا 66)، ليس ذلك فحسب، بل: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰ-;---;--لِكَ قَوَامًا 67). أبعد كل هذا التفصيل، يمكن لعاقل أن يتصور أن الله يدعوا للقتل، أو أن يدور في ذهن مؤمن فكرة القتل؟ إن كان صادقاً في إيمانه؟؟؟
الشيء الذي يحير، لماذا إعتاد الناس نسبة أعمال البشر وسلوكياتهم الخاصة بهم وتجاوزاتهم فيرمون بها الإسلام، والمسلمين بل ويتجرءون على الله تعالى ذاته،،، هل هو درجة عالية من الكفر والتردي والوقوع في حبائل الشيطان الذي يستخف بهم ويعبث في عقولهم، أم أنه الجهل المركب،، أم أن هذا تصديقاً لما بلغوه من إبتعاد عن الحق فغلبت عليهم شقوتهم؟؟؟

5- أما عن قولك بأن الله سبحانه (يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، إلخ!)، فهذا حق لأنه لا يوجد سلطان لأي مخلوق في أن يفرض الإيمان على أحد إن لم يرقق الله قلبه إليه، وبالمقابل، لن يستطيع أياً كان أن يغير إيمان من وفَّقَهُ الله تعالى وهداه إليه،، وقد حاول النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه "أبي طالب" عندما حضره الموت ولكن علم الله تعالى أنه ميال للشرك على الرغم من قناعته بأن إبن أخيه محمد هو على حق، ونصح إبنه علي بأن يلازمه ويطيعه،، لذا قال الله تعالى لنبيه الكريم في سورة القصص («إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ» «وَلَٰ-;---;--كِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ» - وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 56).
وقال في سورة الأعراف: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ «الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ» -- «وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا» «وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا» «وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا» -- ذَٰ-;---;--لِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ )،
وقال في سورة التغابن: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ «فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ» وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 5)، (ذَٰ-;---;--لِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ - «فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا» - فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا - وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ - وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 6)، (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا -- «قُلْ بَلَىٰ-;---;-- وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ» «ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ» -- وَذَٰ-;---;--لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ 7)، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا -- «أُولَٰ-;---;--ئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا» -- وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 10)، (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ - ««وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ»» - وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 11).

6- وقولك بأن الله تعالى (يخاف أن لا يؤمن به أحد فيعمد إلى القسم بنبيّه وبمخلوقاته وبكتبه!).
أولاً: ألا تتفق معي أن النقاط التي أثرتنا عن الله تعالى بأنها "متناقضة معى بعضها البعض ويلغي صدرها عجزها؟؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر،، (لو سلمنا جدلاً بأن تقديرك في أن الله تعالى كما تقول: "إله ماكر، باتر بتّار منتقم متجبّر متكبّر مذّل ضّار، يدعو إلى القتل، ويهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، إلخ!"،، فهل في رأيك من يتحلى بهذه الصفات كلها يمكن أن يخاف من الذين ملك ناصيتهم؟ أيعجز مثل هذا أن يقهرهم الكل على عبادته وطاعته دون الحاجة إلى القسم إليهم بنبيه وبمخلوقاته وبكتبه)؟ إذاً،، ما رأيك أنت في هذا التناقض المخل في هذه الفكرة والتصور؟؟؟

ثانياً: هل قَدَّمَ الله طلباً لكائن من كان، يستأذنه فيه ويأخذ رأيه "أيخلقه الآن أم في وقت لاحق؟"... أيخلقه ذكراً أم أنثى؟ .... أيخلقه غنياً أم فقيراً؟ .... أيطيل عمره أم يقصره؟ .... أيخلقه كاملاً معافاً أم يخلقه معاقاً .... الخ. وهل إستأذنه أو أعلمه مسبقاً بأنه سيمرضه أو يفقره أو يبتر جزءاً من أطرافه؟ .... وهل إستأذن أحداً من الخلق كله عندما قضى أجله بأن خيره في الكيفية التي يذهب بها عنه الحياة؟ الله "القاهر فوق عباده وهو اللطيف الخبير" لا يُسْألُ عَمَّا يفعل وهم يسألون. إن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. تجلى للجبل فجعله دكاً وخر موسى صعقاً. وقال للسموات والارض وهي دخان "إئتيا طوعاً أو كرهاً،، قالتا أتينا طائعين". ألم يقل في قوم ثمود لما جاءهم العذاب منه إليهم: (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم - ««فَسَوَّاْهَا»» – ولا يَخَافُ عُقْبَاهَا)؟ .... فإذا قهرك الله وجاء بك إلى الدنيا، وقهرك بأن بسط أو قدر عليك رزقك، وقهرك بأن أمرضك أو أفقرك أو أذهب عنك بصرك أو عطل حركتك،، وقهرك بالموت جوعاً وعطشاً والسحب الممطرة فوق رأسك تمر إلى غيرك إن قَدَّرَ حرمانك منها، أو ينزلها عليك لإغراقك إنتقاماً وعقاباً أو رحمة،، فأنت لا تملك في كل الأحوال إلَّا الإستسلام لقدره شئن أم أبيت،، حيث لن يجديك سخطك أو إحتجاجك، ولن ينفعه بالمقابل شكرك وعرفانك. كما قهرك عند إخراجك من الحياة كلها متى وأين وكيف شاء،، أيُعْجِزُهُ أن يخلقك ساجداً لا تتحرك ابداً ثم يطيل عمرك ملايين السنين كما قهر الجبال، والسموات والأرض والشمس والقمر والكواكب والنجوم والمجرات والنيازك والدواب... إعلم أن الله تعالى لا يَخْرُجُ مِنْ طوعه ولا من سلطانه أو إرادته أو يفلت من قبضته أحد أو شيء أبداً. إلَّا من أذن له بإختيارٍ محدودٍ كَمَّاً وكَيْفَاً وأجَلَاً، "إبتلاءاً مؤقتاً" في إطار ما وهبه الله له بنفسه لغايةٍ هو أعلم بمداها وأهدافها. ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟ ألم تر كيف فعل ربك بعاد،، إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد؟ الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد،،، «فصب عليهم ربك سوط عذاب» ........ إن ربك لبالرمرصاد!!!.
لنفرض أن كل من في الأرض لم يؤمن بالله تعالى،،، فما الضرر الذي يمكن أن يقع عليه "في رأيك؟"، وما تأثيرهم أساساً في تسيير هذا الكون؟ فلو نظرت إلى الشمس مثلاً،،، مقارنةً بالأرض من حيث الحجم والفعالية والتأثير فهل هناك وجه شبه أو مقارنة بينهما؟ بمعنى آخر،، إذا إختفت هذه الأرض من الوجود تماماً، فهل يؤثر ذلك على الشمس بشيء؟ كأن يقل ضوءها مثلاً أو تنخفض حرارتها، أو تختل سباحتها في فلكها؟؟؟ علماً بأنها مخلوق لله مثلها وهناك أجرام سماوية أكبر وأعظم من الشمس بكثير،، فما بالك بملايين المجرات التي لا يحصي عددها وعظمتها إلَّا الله تعالى. فما بالك بمن ستكون الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة،، والسموات مطويات بيمينه. فتعالى الله الملك الحق.

وأخيراً تقول: (هل هذا إله)؟ هذا السؤال الذي طرحته سأتركك تجاوب أنت عليه، وسأكتفي فقط بما أورته فيما سبق رداً مختصراً للغاية الأسئلة التي أوردتها في ملاحظاتك. وأقول لك أن هذا غيض قليل من فيض عارم،، لا يسمح المقام هنا بالمزيد،، ولكننا في إنتظار ما قد يجد لديكم من ملاحظات وأفكار على ضوء ما أوردنا. نشأن الله تعالى أن يوفق عباده للمزيد من حبه وفضله ورحمته وهو أهل لذلك.
وبالنظر إلى عبارتك التي تقول فيها: (عُد إلى رشدك يأخي)،، هل لا زلت تراها لازمة؟؟؟ فإذا كانت كذلك، فمن الذي ينبغي عليه أخذها في الإعتبار، والعمل بمقتضاها؟؟؟

تحية طيبة للقراء.
بشارات أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجُبُّ والجَّيْبُ والحِجَابُ في أدبيات الكَذَّابَ:
- تعليقنا على: بين اسلام مكة واسلام المدينة:
- تعليق على سامي الذيب - صورة الحمار:
- ردنا على تعليق: أحمد حسن البغدادي - (قل هو الله أحد):
- براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثاني:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الأول:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الثاني:


المزيد.....




- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...
- مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - فّلْنَعُدْ إلَىْ رُشْدَنَاْ وَنُحَكِّمْ عُقُوْلَنَاْ: