ياسين لمقدم
الحوار المتمدن-العدد: 4356 - 2014 / 2 / 5 - 03:38
المحور:
الادب والفن
الزفَّة
عاد الوزير* إلى مدخل العُشَّة حاملا بندقية مُلقمةً وكيسا محُوكاً بخيوط رفيعة من الصوف المصبوغ بألوان كثيرة، ومدهما إلى العريس ثم انشغل بمحاولة إبعاد الفضوليين عن عش الزوجية الصغير، ولكن دون جدوى. فالكل يتهافت على محيط الخيمة لاستراق السمع لما قد يصدر من همسات عن العروسين الذيْنِ بالكاد يعرفان بعضهما البعض، وقد تُسجَّل عليهما أية بادرة غير اعتيادية كطَرْفة أبد الدهر. وكان العريس يعلم ذلك، ولهذا قرر الاشتغال في صمت مطبق وهو تراوده حكاية تلوكها الْسِنَة الناس منذ عقود عن عريس من أحد المداشر البعيدة، سأل عروسته خلال حميميتهما المضطربة هل وصلها شيء؟. فهو لم يكن يتحكم في حركاته ولا في شعوره بسبب خجله وارتباكه لما يأتيه من الحشد المنتظر خارجا والذي يصدر لغطا هو خليط من التندُّر والتهكم والشك ونفاذ الصبر. فوصل سؤاله إلى آذان الفضوليين الذين سجلوا عليه كلامه هذا على أنه قلة خبرة وارتباك عظيم.
حاول عريسنا خلق جو من الألفة مع حليلته، وحدثها همسا عن الهدايا القيمة التي أحضرها لها محاولا أن يجعلها تتلمس نعامة الأثواب التي يضمها الكيس الصوفي في ظلمة الليل. وسحبت قارورة صغيرة ودون أن تنبس ببنت شفة للسؤال عن ماهيتها، أسرَّ لها الشاب بأنها عطر مقطر من زهور أشجار حمضيات، طلبه لها من عند "بَّاإدريس" وهو بائع أعشاب طبية متجول يعرض بضاعته مرة في الشهر على الناس في أزقة وحواري مدينة العيون القريبة ويَقْدِم إليها من أرياف تازة الجبلية.
ولما فتحت الجميلة القارورة تنسم المكان بالطيب. وهَبَّ على الواقفين في محيط الخيمة الخارجي عبق الزهر الذي داعب أنوفهم مُحمَّلا إليهم عبر نسمات وديعة تُلَطف من جو ليلتهم الصاخبة بكل أنواع الاحتفال، فخلب ألبابهم وأسقطهم في صمت محتارين عما يدور في العشة من تفاعلات تبدو مبهمة حتى على من مر من قبل بنفس التجربة التي لم ينس أدق تفاصيلها رغم مرور السنين. وما استفاق الجمع إلا على صوت البارود الذي فرقعه العريس عبر كوة صغيرة من عُشَّته إيذانا بنجاح مهمته. وتابع الأهالي حركة الوزير وهو يتلقف إزارا أبيض مخضبا بنقط حمراء، وكان قد ألقاه على عتبة العشة سلطان الدُّوار.
يتبع...
هامش:
----------
*الوزير: في الأعراس هو الشخص الذي يقوم بخدمة العريس، وغالبا يكون من أقرب الأصقاء.
#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟