أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - الإصـــــلاح الاقتصـــــادي ضرورة تنموية وطنية















المزيد.....



الإصـــــلاح الاقتصـــــادي ضرورة تنموية وطنية


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 1238 - 2005 / 6 / 24 - 12:21
المحور: القضية الفلسطينية
    


إعداد غازي الصوراني
  
أواخر حزيران/ 2005
المحتويات
 بدلاً من المقدمة: الإصلاح الاقتصادي والتنمية المنشودة في فلسطين        2
 الإصلاح الاقتصادي ضرورة تنموية وطنية                                               11
 
مفهوم الإصلاح الاقتصادي                                                  11
 
الإصلاح في الدول العربية                                                 11
 
أداء الاقتصاد الفلسطيني 1994-2003                                   13
 
من أين يبدأ الإصلاح الاقتصادي                                          25
 
أهداف الإصلاح الاقتصادي ومنطلقاته                                    29
 
الجوانب والإجراءات المتكاملة للإصلاح الاقتصادي                      32
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
يدلاً من المقدمة: الإصلاح الاقتصادي والتنمية المنشودة في فلسطين:
 
زادت في الآونة الأخيرة الأصوات المطالبة بالإصلاح الاقتصادي والسياسي في المجتمع الفلسطيني بين الاقتصاديين ورجال الأعمال من ناحية، وبين الأحزاب والقوى السياسية في السلطة والمعارضة من جهة ثانية خصوصاً بعدما دخلت القضية الفلسطينية مرحلة بالغة التعقيد والخطورة بسبب المحاولات الجارية لفرض " خطة شارون " الهادفة إلى مصادرة الأراضي الفلسطينية والهبوط بمشروع الحكم الذاتي الموسع كما ورد في " اتفاق أوسلو " إلى حكم إداري ذاتي ضيق على مساحة قطاع غزة وجزء من الضفة الفلسطينية استناداً إلى الدعم الأمريكي الصريح والمباشر الذي عبر عن نفسه بعد أحداث 11 سبتمبر واحتلال العراق لتجسيد الهيمنة الأمريكية- الصهيونية على مقدرات شعوب المنطقة العربية عموماً وشعبنا الفلسطيني خصوصاً.
   ومع تصاعد الهجمات العدوانية التوسعية الإسرائيلية، وآثارها الضارة المباشرة وغير المباشـرة، على كـل مناحي الحياة في مجتمعنا الفلسـطيني، فقد تعـرض اقتصـادنا– وما زال – لمزيد من الأزمات والكساد الذي أصاب كافة قطاعاته، بسبب هذه الممارسات العدوانية وما رافقها من حصار وإغلاقات وحواجز، إلى جانب إقامة " الجدار الأمني " الفاصل، وانعدام السيطرة الفلسطينية على المعابر الخارجية والداخلية بما يزيد في إخفاق قدرة الاقتصاد الفلسطيني في التحكم بموارده وأنشطته الاقتصادية ، خاصة في ظل تراكم مظاهر الخلل والتسيب، وغياب مأسسة الوزارات المعنية في السلطة، بصورة متكاملة، مما أدى الى إضعاف قدرتها على تنفيذ السياسات الاقتصادية، الكلية والجزئية، إلى جانب بقاء القيود والتعقيدات الناجمة عن تطبيق "بروتوكول باريس".وآثاره ونتائجه الضارة والمعوقة لتطوير الاقتصاد الفلسطيني.
 
وبالتالي فإن الحديث عن الإصلاح في بلادنا لا ينحصر في عدد من الإجراءات الإدارية والاقتصادية المسّيرة للنشاط الاقتصادي فحسب، لأن الواقع الراهن يتطلب القيام بتنفيذ حزمة من  التغييرات الأساسية في النظام السياسي والأطر المؤسسية والأجهزة المسيطرة على هذا الواقع، خاصة الأجهزة الأمنية، مع التحديد الواضح والملزم لدورها أو صلاحياتها، على أن تؤدي هذه المتغيرات إلى تحقيق مبدأ الشفافية والكفاءة والديمقراطية كقاعدة أولية لهذا النظام، بما يؤهله ليصبح نظاماً سياسياً وطنياً بحيث يمتلك القدرة على صياغة رؤية فلسطينية سياسية اقتصادية، بعيداً عن الوصفات والشروط الخارجية الضارة باقتصادنا ومستقبلنا السياسي، كون هذه الشروط مرتبطة بمشروع " إصلاح ودمقرطة الشرق الأوسط الكبير " الذي نعتبره مشروعاً يخدم المصالح الأمريكية/ الإسرائيلية بالدرجة الأولى، لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار المصالح الاقتصادية/ السياسية العربية عموماً والمصالح السياسية والاقتصادية الفلسطينية خصوصاً، ذلك أن هذا المشروع " الإصلاح الديمقراطي الأمريكي " يهدف بصورة واضحة إلى المزيد من إضعاف دور الدولة أو السلطة في بلادنا، وتحويلها إلى " أداة تنفيذية " لمصلحة رأس المال الاحتكاري – الأمريكي/ الإسرائيلي الذي يتولى العدو الإسرائيلي إدارته في منطقتنا تحت ذريعة اقتصاد السوق وسيادة الحرية الاقتصادية لتكريس عملية السيطرة والنهب الأمريكي- الإسرائيلي لمقدرات شعوبنا، الأمر الذي يفرض بالضرورة أن تكون عملية الإصلاح المطلوبة لمجتمعنا الفلسطيني، عملية شمولية تطال البنية السياسية- الاقتصادية الاجتماعية في تشابكها الراهن والمستقبلي بحركة تطور المجتمعات العربية من حولنا
 
  وبالتالي فإن فكرة الإصلاح السياسي- الاجتماعي – الاقتصادي الشامل هو الهدف المركزي الذي يجب أن تتضافر كافة جهود القوى والفعاليات الوطنية من أجل العمل على بلورته كإطار ناظم لمجتمعنا الفلسطيني في هذه المرحلة الدقيقة، بما يؤكد على الالتزام بثوابتنا الوطنية وتحقيق أهداف شعبنا في الاستقلال والدولة كاملة السيادة على أرضنا المحتلة.
   وفي هذا السياق يأتي الحديث عن الإصلاح الاقتصادي _ موضوع هذه الورقة – كواحد من أهم العوامل أو الركائز المطلوبة لعملية الإصلاح الشامل والتنمية المنشودة.
  لكن الحديث عن الإصلاح وبالتالي التخطيط والتنمية في بلادنا قد يبدو مفارقة أو ثنائية متناقضة في ضوء واقعنا الراهن الذي تكاد أن تكون فيه كافة السبل مغلقة في معظمها أمام التخطيط والتنمية – باعتبارهما أحد أهم ركائز الإصلاح الاقتصادي- وذلك بتأثير عاملين أساسيين ينفصل أحدهما عن الآخر:-
         الأول: العدو الإسرائيلي              الثاني: أوضاعنا الداخلية
العامل الأول: فبسبب الاحتلال الإسرائيلي وطبيعته العنصرية واستراتيجيته النقيضة لمبادئ الشرعية الدولية والسلام العادل، يتعرض شعبنا لأشكال من المعاناة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل الحصار والعدوان والاضطهاد، تتجلى في العديد من الممارسات والمظاهر: غياب السيادة السياسية والاقتصادية/الضغوط الإسرائيلية على العمالة والاستيراد والتصدير وحرية الحركة والتنقل والتصاريح والإذلال والتحكم في المعابر/ وتجزئة الأرض إلى وحدات سكانية وجغرافية مغلقة، محاصرة بالمستوطنات، والجدار العزل، إلى جانب الحصار الاقتصادي المستند إلى الوحدة الجمركية والتبعية الاقتصادية الكاملة للاقتصاد الإسرائيلي كما حددها بروتوكول باريس، بحيث أصبح اقتصادنا رهينة للاقتصاد الإسرائيلي وآلياته وشروطه.
العامل الثاني: أوضاعنا الداخلية المتردية التي أصبح تشخيصها واضحاً لكل الناس، غياب هيبة القانون والنظام/غياب تطبيق النظام الدستوري/ التداخل بين السلطات/ الفوضى ومظاهر الفساد والإنفاق الباذخ في الوزارات والأجهزة والمؤسسات/ والإثراء غير المشروع/ غياب تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص / الفساد الاقتصادي/ الفساد الإداري/ تنامي قطاع الخدمات/ تراجع قطاعي الزراعة والصناعة / تراجع نسبة النمو وغياب السياسة الاقتصادية الواضحة المحددة المعالم، وهي أوضاع أسهمت في تراكم وتعميق عوامل الخلل ورموز وأدوات الفساد في مجتمعنا بحيث لم يكن غريباً الوصول إلى حالة من الفوضى والتسيب كما جرى ويجري في مدن وقرى ومخيمات الضفة وقطاع غزة في ظل حالة الفلتان الأمني التي باتت عنواناً رئيساً فرض نفسه على المجتمع الفلسطيني خاصة في العام الرابع للانتفاضة.
  ولكم رغم شدة المعوقات الكامنة في هذين العاملين، فإننا نؤكد بكل وعي وموضوعية، أن بإمكاننا ليس فقط الحديث عن الإصلاح والتنمية والتخطيط، وإنما يمكن الحديث عن آفاق تطبيقية لهذه المفاهيم تتناسب مع واقعنا، انطلاقاً من أن أحد أهم سبل مواجهتنا للضغوط العدوانية الإسرائيلية، يكمن في ترتيب البيت الفلسطيني، ووقف كافة مظاهر الخلل والفساد فيه، إذ أن إعادة النظر في كل هذه المظاهر السالبة، والمحاسبة القانونية لكل متسبب فيها أو مستفيد منها، ليس لها سوى مخرج وحيد يتمثل في الديمقراطية وسيادة القانون وتكافؤ الفرص، لكي يصبح كل مواطن في بلادنا مالكاً لحريته من جهة، واثقاً من أنه مواطن كامل الحقوق في مقابل أداء الواجب... ولكي نوفر القناعة والوعي لدى هذا المواطن بأن مبدأ المساواة بين الجميع أمر ممكن.. بحيث يشعر أن بإمكانه الوصول إلى أي موقع من مواقع المسئولية عبر الانتخابات، وبحيث يصبح أي حاكم أو مسئول واعياً ومدركاً لحقيقة أنه سيعود بعد فترة محددة لا تتجاوز الأربع سنوات مواطناً عادياً يمارس حياته كما يعيشها الجميع من جهة ثانية.
   إننا ندرك صعوبة أوضاعنا الراهنة للوصول إلى هذا الهدف... الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية في إطار المحيط العربي من حولنا..، وبالتالي فإن حديثنا عن الإصلاح والتخطيط والتنمية مرهون بالخطوة الأولى التي تستهدف إصلاح وترتيب البيت الداخلي... ومواجهة الاحتلال وممارساته، كمهمتين لا إنفصام بينهما.
 
  فالتخطيط بالنسبة لنا يجب أن نعتمده كأسلوب للحياة بما يعنيه من الاستمرارية والتواصل، وليس إجراءاً استثنائياً نلجأ إليه في خطابنا السياسي في لحظة معينة، إن التخطيط هو محاولة منظمة لاختيار أفضل البدائل من أجل تحقيق أهداف محددة في مرحلة محددة مهما كانت تعقيدات هذه المرحلة، وفي هذا السياق لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أهمية التخطيط المركزي العام كرؤية ومؤشرات رئيسية، تهدف إلى تطوير الاقتصاد الفلسطيني عموماً والقطاعات الإنتاجية خصوصاً من ناحية، وبما يؤدي إلى وضوح وتبلور مكونات الصورة الاقتصادية لمواردنا المادية والبشرية لكل تفاصيلها بما يخدم السياسات العامة المركزية من ناحية ثانية.
  إن للتخطيط المركزي[1] بالمعنى النسبي- في ظروفنا الراهنة- أولويته وأهميته بهدف الحد من المخاطر والآثار الضارة للتخطيط اللامركزي الذي يعتمد كما هو معروف- في إطار آليات السوق الحر غير المنضبط- على قرارات جزئية تتخذها الوحدات الاقتصادية للقطاع الخاص انطلاقاً من دوافعه ومصالحه المباشرة التي لا تتطابق- في أحوال متعددة- مع المصالح الاقتصادية العامة أو الاستراتيجية الوطنية العليا في ظل الانفتاح الاقتصادي الكامل بلا قيود أو ضوابط تحول دون تدخل الدولة أو السلطة في الوضع الراهن، لوقف الآثار الضارة الناجمة عن نقص الممارسات الأنانية للقطاع الخاص.
  المسألة الأخرى في تناولنا لأهمية التخطيط المركزي، تنحصر في أهمية إتباع هذا الأسلوب كأساس من أسس التنمية، وليس شرطاً ارتباطه بنظام اقتصادي معين، ..لكنه شرط لوقف الفوضى والتسيب والفساد، دون أن يعني ذلك تكريس مبدأ الاحتكار الضار بالقطاعات الاقتصادية المرتبطة بالقطاع الخاص ودوره المستقل ضمن إطار وتوجيهات التخطيط للتنمية الوطنية في هذا الجانب.
  وفي هذا السياق فإن قناعتنا بالتخطيط المركزي تعمقت في ضوء نتائج ما يسمى بالتخطيط الجزئي- في إطار القطاع الخاص-، الذي يتوجه نحو مشاريع أو قطاعات محددة كل على حدة ( الزراعة- الصناعة- السياحة- الخدمات ...الخ ) بدون الاسترشاد بالخطة أو الاستراتيجية التنموية الوطنية، كما تعمقت في ضوء ما طبق عندنا في معظم برامج وزارات السلطة، حيث يتناول تخطيط هذه الوزارات- إذا توفر- جزءاً أو جانباً واحداً محدداً بنطاق اختصاص هذه الوزارة أو تلك، بدون الترابط المطلوب في إطار الخطة التنموية العامة وهي تجربة لم تنجح في تحقيق التطور الإيجابي النسبي الذي توقعه البعض قبل عشر سنوات، بل أفرزت كثيراً من مظاهر السلبيات التي أصبحت عنواناً في الوعي الاجتماعي العام... وساهمت- إلى جانب عوامل أخرى- في تزايد التراكمات المؤدية إلى الإحباط والقلق بين أطراف القطاع الخاص بدلاً من الميل نحو المشاركة والإسهام في التطور والتنمية والتغيير الديمقراطي المطلوب، وفي هذا السياق لا نستبعد أن تتحول أموال وثروات رموز الفساد، أو الأموال القذرة الى عملية " غسل " تستهدف تحويلها الى أموال " بيضاء " في ضوء نتائج " المشهد الغزاوي " أو ما يسمى بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وشمال الضفة، وما سينتج عن ذلك من اقامة العديد من الشركات المساهمة العامة والقابضة والمساهمة الخاصة والعادية في مشاريع الاستثمار في القطاعات الصناعية والزراعية والسياحة والخدمات والتأمين والتخليص والنقل والمواصلات والنسيج والطاقة... الخ حيث سيسهم أولئك الرموز من أصحاب الثروات غير المشروعة التي تم نهبها من قوت أبناء شعبنا طوال العشر سنوات الماضية في هذه المشاريع ليصبحوا أعضاء في هذه الشركات أو مالكين لها بالتحالف الوثيق مع الكومبرادور المتحفز لصياغة التحالف القوي بينه وبين رموز الفساد في الإطار البيروقراطي المهيمن على السلطة والمشرف التنفيذي على تطبيق ما يسمى بعملية الانسحاب من المستوطنات.
  أخيراً، لا بد من اِلأخذ بعين الاعتبار سلبيات نظام الاقتصاد الحر، الذي يقوم في جوهره وشكله، على تحديد أنواع و كميات السلع المستوردة أو المنتجة وفق رؤية محددة ووحيدة، هي تحقيق الربح ، كمعيار أول وأخير تتحدد بموجبه أهداف المجتمع الإنتاجية وغيرها... وهو معيار لا يخدم في المحصلة النهائية، سوى مجموعة قليلة من الناس، وفي هذا الجانب فإن السلع التي يتم اختيارها وفق هذا المعيار للقلة القادرة على دفع الثمن، تختلف عن السلع التي يتم اختيارها بناء على أولويات واحتياجات أغلبية السكان في بلادنا.... وهم الفقراء ونسبتهم تصل إلى أكثر من 75% من أبناء شعبنا.
  إننا لا نطالب بإلغاء نظام الاقتصاد الحر في هذه المرحلة رغم أن هذا الأمر يشكل هدفاً مركزياً لنا في المدى البعيد،، فهذه مسالة ندرك استحالتها عندنا وفي بلدان الأطراف في اللحظة الراهنة، ولكن ترك هذا النظام دون أية ضوابط أو توجيه، لن يؤدي في بلادنا إلا إلى مزيد من تفاقم الأزمات واتساع الهوة وتزايد الإفقار وتعمق التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
  هنا تتبدى مسؤولياتنا في المطالبة بتطبيق أسلوب التخطيط المركزي النسبي، والتخطيط التأشيري لكافة القطاعات، وإقامة مؤسساته التخطيطية والإدارية و الإحصائية والمحاسبية اللازمة لعملية التنسيق والتواصل بين كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية من ناحية وقطاعات الإنتاج من ناحية أخرى بما يراكم ويدفع بعوامل التقدم والنمو والتنمية ضمن العلاقة الإيجابية بين القطاعين العام والخاص معاً.
  وفي هذا الصدد قد يرى البعض بأن التخطيط المركزي ارتبط بالاقتصاد الاشتراكي، وهذا غير دقيق، فمن المعروف أنه على ضوء تفاقم الأزمة الاقتصادية في أوروبا عامي 1929/1930من القرن الماضي، ظهرت الأفكار الأولى لضرورة التخطيط في نظام الاقتصاد الحر أو البلدان الرأسمالية، وكان الرواد الأوائل " كينز" و"ديكنسون" في بريطانيا و" فريش" في النرويج، ثم "المدرسة السويدية"، و" جان تبرجن" في هولندا، ثم" لاندوير" الأمريكي وكتابه "نظرية التخطيط الاقتصادي القومي"عام 1944، حين تحدث عن إمكانية "تجنب الكساد عبر التخطيط التأشيري من الدولة على الاقتصاد من خلال التنسيق المشترك"[2] 
وبعده الاقتصادي الأمريكي أيضاً " سركين " صاحب كتاب " اليد الظاهرة- أصول التخطيط الاقتصادي " الذي عرف التخطيط بقوله " إن التخطيط محاولة لإدارة الموارد من خلال سلطة مركزية كافية بهدف الأخذ في الاعتبار التكاليف والمنافع الاجتماعية التي قد لا تكون محلاً لاهتمام حسابات متخذ القرار اللامركزي أو القطاع الخاص " وأضاف " أن الفشل في إعطاء معنى لكلمة التخطيط سبب اضطراباً ينطوي على نتائج مكلفة[3] "، بالطبع معظم هؤلاء الاقتصاديين وغيرهم في البلدان الرأسمالية أكدوا على أهمية التخطيط للخروج من أزمة الرأسمالية لكي تتمكن من مواجهة بلدان المنظومة الاشتراكية، وقد نجحت في ذلك، من ناحية، ولتتمكن من الاستمرار في استغلال العمال والفقراء في بلدانها وبلدان العالم الثالث من ناحية ثانية كما يجري اليوم في ظل نظام العولمة الرأسمالي المتوحش.
    بعـد كل ما تقدم فإننا نرى أن هناك ما يستوجب التصدي لسياسة الاقتصاد الحر والسوق المفتوح بلا أية شروط أو ضوابط، والمطالبة بتطبيق منهجية التخطيط في كافة القطاعات،[4] أخذين بعين الاعتبار أن التخطيط الاقتصادي عملية لها أبعـاد زمنية مختلفة، فهنـاك التخطيط طويل الأجل، أو الدائم الذي يشمل كافة القطاعات، ومدته لا تقل عن خمسة عشر عامـاً، وهنـاك التخطيط المتوسط الأجـل، أو التخطيـط القطاعـي، ومدته مرهونة بتنفيـذ المشـروعات المتفق على إقامتها
( الزراعة، الطاقة، المياه، الصناعة... الخ )  وهناك التخطيط قصير الأجل، وهو أقرب إلى الخطة السنوية، وهناك التخطيط المالي الذي يهدف إلى تدبير الموارد المالية اللازمة لتمويل الإنتاج من جهة، وتخصيص هذه الموارد للقطاعات المختلفة حسب احتياجات كل منها من جهة ثانية، مع التركيز على القطاعات المتدنية الإنتاجية أو ضبط الإنفاق الرأسمالي من ناحية ثانية "[5]، وهذا ما نحتاج إليه ضمن التخطيط المركزي النسبي الذي ندعو إلى تطبيقه في بلادنا،   والذي تنحصر أهدافه العامة في ما يلي:-
1.    "حسن استغلال موارد المجتمع الطبيعية والمادية والبشرية بحيث يمكن تحقيق معدلات نمو متقدمة بالنسبة للناتج الإجمالي القومي وبالتالي في الدخل القومي.
2.    صياغة وإقرار الخطة التنموية المركزية، والتنسيق بينها وبين القرارات التي تتخذها المؤسسات العاملة في القطاع الخاص، أو القطاع العام، فيما يتعلق بالاستثمار، والإنتاج والتشغيل، والأجور، والأسعار، مع ضمان العدالة الاجتماعية في توزع الثروات ضمن سياسات الحد الأدنى للأجور الكفيلة بتأمين متطلبات الأساسية للأسر الفقيرة.
  هدف التخطيط إذن، هو التنمية الشاملة، وبالتالي فإن نجاح خطة التنمية، يتوقف على دور الدولة في تحويل طموحات واحتياجات المجتمع إلى أهداف تخطيطية قابلة للتنفيذ، وهو يتوقف على إسهام الجماهير (عبر القوى السياسية والمؤسسات الديمقراطية ) في تنفيذ هذه الخطط، وهذا كله مرهون بتطبيق فلسفة في نظام الحكم تستند إلى أسس ومفاهيم المجتمع المدني بآفاقه المؤدية إلى العدالة الاجتماعية، وفلسفة للنظام الاقتصادي الذي نريد، إذ أننا، حينما نتحدث عن التنمية في بلادنا- يتبادر إلى الذهن الهوة الواسعة بين طموحاتنا التنموية الضرورية، وبين المعوقات الخارجية والداخلية، التي تحول دون تحقق هذه الطموحات... ولكن الرؤية الموضوعية لأوضاعنا الراهنة تحتم علينا، الإسهام- ولو بقدر محدود- في تضييق تلك الهوة انطلاقاً من إيماننا بإمكانياتنا وقدراتنا- كفلسطينيين- على تحقيق التنمية المطلوبة في إطار التشابك والتكامل مع الاقتصاد العربي وهذه مسؤولية كافة القوى والمؤسسات والأفراد، في تغيير الأوضاع أو الظروف الراهنة ديمقراطياً، وبالتالي البدء بالخطوات اللازمة لكسر التبعية مع اقتصاد العدو الإسرائيلي من ناحية وتطبيق خطط التنمية الوطنية الشاملة من ناحية ثانية.
  إن التنمية بالنسبة لنا، هي في شكلها وجوهرها، جهد وطني اجتماعي كلي مؤسسي، يهدف إلى الارتقاء بالحياة الاجتماعية إلى مستويات أعلى، عبر خلق أسس الدافعية، وتطوير إنتاجية العمل، وتجسيد إنتاج فائض مادي، وثقافي، واستخدامه بشكل إيجابي، يؤدي إلى توسيع العملية الاقتصادية الاجتماعية، من أجل توفير أفضل للحاجات البشرية، للجماهير الفقيرة خصوصاً، وفق مبدأ الاعتماد على الذات.
  إن مبدأ الاعتماد على الذات يعني ضرورة الالتزام بسياسة التقشف، والحد من الإنفاق الباذخ، والتعبئة الرشيدة والقصوى لكل الموارد الاقتصادية والبشرية والمالية، وتوجيهها في خدمة الأهداف التنموية التي تعمل على:-
1-                                       تطوير المقومات اللازمة لاستكمال مهمات التحرر الوطني.
2-                                       تحقيق العدالة الاجتماعية، وتلبية الحاجات الأساسية للإنسان الفلسطيني.
3-                                       توفير فرص العمل والنمو الاقتصادي بما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني عموماً، وأغلبيته الفقيرة من الكادحين وأصحاب الدخل المنخفض بشكل خاص، إذ لا يستقيم الحديث عن التنمية، دون التعرض للفقر وبيان آثاره المدمرة.
 من ناحية أخرى، فإن التنمية بالنسبة لنا جزء من مشروع حضاري، وسياسي، وأيديولوجي، ليس فقط على الصعيد القطري في بلادنا، بل بالترابط العضوي في الأهداف والوسائل، بالإطار القومي العربي من حولنا، بديلاً للتبعية أو الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي المعولم، الذي سيكون أشد خطراً، وأكثر إذلالاً من التبعية التي فرضتها إسرائيل خلال سنوات الاحتلال المباشر، إن إسرائيل تسعى لأن تكون- دولة إمبريالية صغرى في المنطقة بالمعنى السياسي والاقتصادي معاً، بما يعني أننا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تستمر حالة الخضوع والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي وشروطه من ناحية وإما أن نسعى إلى فك هذه التبعية وكسرها عبر توفير عوامل الصمود الداخلي على قاعدة سياسات التقشف في مجتمعنا، بالترابط مع توجهنا صوب توسيع وتوثيق علاقاتنا الاقتصادية مع الاقتصاد العربي من ناحية ثانية.
  وعلى ضوء ذلك، فإن هذا التوجه التنموي الذي ندعو إليه يجب أن يستند على ثلاث شروط لا يمكن أن يتحقق بدونها:
أولاً: استكمال المقومات والعناصر المطلوبة لنظام الحكم الوطني، عبر رؤية أو منظومة متكاملة لوظيفته في القضايا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والقانونية، بما في ذلك إلغاء الاتفاقات المجحفة وفي مقدمتها بروتوكول باريس الاقتصادي، وفي هذا الجانب لا بد من القول بأن أهداف السلطة الفلسطينية- حتى اللحظة- غير مقننة، وهذا خلل خطير حيث يجري الحديث عن الديمقراطية، والحريات والانتخابات، وحقوق الإنسان، و التنمية، ولا وجود لنظام سياسي ديمقراطي يقنن هذه المفاهيم، ويجعل منها أسلوباً للحياة، بما يخلق في أوساط شعبنا دافعية أو حافزاً ذاتياً لحماية منجزاتنا، والتضحية من أجل أهدافنا الوطنية، بدلاً من حالة الإحباط، أو الميل نحو الاستسلام التي نلاحظ انتشارها اليوم.
ثانياً: التأكيد على الدور الإيجابي للقطاع العام والقطاع التعاوني وتطويرها بما يساهم في عملية النمو الاقتصادي والتنمية، وإسهامها في تخفيف الأعباء عن كاهل القوى الشعبية الفقيرة، وهذا يتطلب البدء بخطوات جدية في بناء المؤسسات الاقتصادية والتعاونية في القرى والمخيمات والمناطق الفقيرة في المدن بصورة خاصة.
ثالثاً: تحقيق مبدأ المشاركة الشعبية- عبر تطبيق نظام التمثيل النسبي- في كافة المؤسسات الوطنية، والكف عن ممارسة الأوامر والقرارات الأحادية في الاقتصاد وغيره من المجالات الأخرى.
  إن استناد التنمية إلى هذه الشروط، سيؤدي إلى تفعيل الآليات التنموية بصورة إيجابية إلى أبعد الحدود، وخاصة، ألآلية الأساسية العامة التي يجسدها الشعب كله، فهو هدف التنمية وأداتها في آن واحد، كما ستؤدي إلى تفعيل وتطوير كافة الآليات التنموية المباشرة، ونقصد بذلك، الوزارات والمؤسسات الحكومية، والمصارف والقطاع الخاص، والقطاع العام وهيئات الاستثمار، إلى جانب تطوير الخدمات الأساسية والإدارات العصرية، وتفعيل وتطبيق السياسات الاقتصادية الفلسطينية بآفاقها وامتدادها في المحيط العربي.
  إن تفعيل هذه الآليات التنموية العامة والمباشرة، سيكون متوازياً من حيث الفعل والممارسة، مع تنفيذ الأولويات التنموية بالنسبة للقطاعات الاقتصادية في الزراعة والصناعة وترشيد الاستيراد، وتنفيذ مشاريع الطاقة، والعمل على إعادة تشغيل المطار وإنشاء الميناء، وتحقيق الحد الكافي من خدمات البنية التحتية في الرعاية الصحية، والنقل، والطرق، والصرف الصحي، والمياه، والسياحة، وخدمات الرعاية الاجتماعية، والثقافية وغيرها.
   أخيراً: إننا نفترض أن هذا الفهم للتنمية يجب أن يشكل أحد المحاور الرئيسية لنشاط وبرامج أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية، لأنه المحور المكمل عبر علاقة جدلية ومتصلة لعملية التحرر الوطني والاستقلال والدولة، فالتراجع الاقتصادي والاجتماعي يدفع ويراكم بالضرورة نحو خلق مقومات الانهيار السياسي، الذي سيدفع بدوره- فيما لو قدر له الاستمرار- نحو تراجع الوعي الوطني، وهنا تتبدى مسئولية الطليعة الوطنية الديمقراطية المثقفة في ممارسة دورها الذي يجمع في آن واحد بين المهام الوطنية، ومهام البناء الاقتصادي الاجتماعي، الديمقراطي، في إطار البعد القومي العربي من حولنا، وفق برنامج وطني ديمقراطي واضح الأهداف والآليات التي تتيح وتضمن عملية المشاركة والتغيير الديمقراطي الداخلي من جهة، وتعزز عوامل التقدم والصمود من جهة ثانية، كخيار وحيد للخروج من حالة الفوضى والتسيب والفساد، ومحاسبة رموزها وإداراتها قبل فوات الأوان.
لقد بات واضحاً كل الوضوح، أن الأغلبية الساحقة من جماهير شعبنا الفلسطينية، تدرك بعفويتها الصادقة مقدار العدوان المتوحش الذي جرى في بلادنا طوال العشرة سنوات الماضية، على حركة المال العام وعلى قوت الفقراء، كما على حرمة القانون والنظام وقيم العدالة والحرية والديمقراطية، وهو عدوان مزدوج أهدر حقوق المواطن واستباح القيم، وألحق أفدح الأضرار بالاقتصاد الوطني، فضلاً عن تأثير كل ذلك بالأسس والمبادئ والأعراف والقيم السمحة المتوارثة، الأخلاقية، والقانونية لمجتمعنا الذي بات مفككاً منقسماً تسوده روح الإحباط والقلق التي تؤثر صوب الميل نحو الاستسلام لعوامل التراجع والهبوط وشخوصه المتنفذه في السلطة الفلسطينية.
  إن بلادنا اليوم- كما كانت بالأمس- بحاجة الى رؤية أمينة وصادقة للهوية الوطنية بكل مقوماتها وعناصرها الفلسطينية المرتبطة بابعادها القومية والإنسانية معاً، كما إننا بحاجة ماسة أيضاً الى سند في المرجعية ، أصيل ، وبحاجة الى شرعية تؤسس لزمن يستحيل قبوله امتداداً متكرراً لشرعية الرجل الواحد أو تفرد الحزب الحاكم بدواعي المصالح الخاصة بعيداً ونقيضاً للمصالح الوطنية، خاصة وأن هذا الحزب تتزاحم فيه التيارات والأجنحة ومعظمها يسعى الى إثبات الوجود على قاعدة قوة المصالح الذاتية التي باتت تحمل قدراً كبيراً من الهبوط السياسي.
  وفي ضوء ذلك، فقد حان الوقت لفرض شرعية دستورية وقانونية انتظرها شعبنا طويلاً للخلاص من بقايا الشرعية الأبوية التي فرضت نفسها علينا- بحق أو بدون وجه حق- طوال العقود الاربعة الماضية، وكذلك الخلاص الديمقراطي من ورثتها الذين هبطوا بها بعيداً عن كل معقولية أو منطق أو قبول شعبي، الأمر الذي يفرض استجماع وتوحيد القوى الوطنية الديمقراطية المعبرة عن الإجماع الشعبي من ناحية ووحدة وتماسك المجتمع الفلسطيني بجناحيه في الضفة والقطاع من ناحية ثانية.
 
                                                         غازي الصوراني
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الإصلاح الاقتصادي....... ضرورة تنموية وطنية
 
مفهوم الإصلاح الاقتصادي :
 
هو عملية اقتصادية اجتماعية سياسية ثقافية شاملة ومستمرة تستدعي فك الارتباط بين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وإعادة صياغتها من جديد بحيث يؤدي ذلك لظهور أفكار وقيم وعلاقات اقتصادية واجتماعية جديدة تؤدي لزيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، وكل ذلك مشروط- إلى حد بعيد- بإقامة نظام الحكم الديمقراطي الدستوري المستند إلى المساءلة السياسية وسيادة القانون العادل وإدارة الموارد العامة بشفافية خاضعة دوماً للمساءلة، وعلاوة على ما تقدم، فإن الإصلاح يعني بالنسبة لنا في فلسطين، تنفيذ هذه العملية الاقتصادية في إطار الإصلاح والتغيير الديمقراطي بالمعنى السياسي الشمولي الذي يضمن تثبيت سيادة القانون العادل وفصل السلطات وتفعيل السلطة القضائية المستقلة وكذلك الأجهزة الأمنية بعيداً عن تأثير وتوجيهات الحزب الحاكم، الأمر الذي يفتح أبواب النظام السياسي أمام التعددية والديمقراطية من ناحية وأمام تطبيق مبادئ الرقابة والمحاسبة القانونية والجماهيرية أو المجتمعية من ناحية ثانية بما يؤدي ويضمن تطبيق قانون" من أين لك هذا " على كافة " الأثرياء " الجدد من كبار المسئولين في السلطة وغيرهم عموماً، وخاصة ممن وردت أسماؤهم في تقرير الرقابة و"تقرير الرئاسة" ، إلى جانب محاسبة كافة المسئولين عن إدارة المقدرات المالية لشعبنا التي تم جمعها في إطار "صندوق الاستثمار الفلسطيني" ومحاكمة كل من تثبت عليه حالة الإثراء غير المشروع عبر المؤشرات والمظاهر العديدة من أشكال البذخ ومظاهره المتعدده ... الشقق والقصور والسيارات والشركات والأراضي ... الخ
 
وكما يبدو من التعريف فإن الإصلاح عملية اقتصادية اجتماعية سياسية ثقافية شاملة لجميع القطاعات الإنتاجية والخدمية وتشمل كافة الفئات والشرائح الاجتماعية بحيث تتأثر جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من خطوات الإصلاح، وبالتالي فإن لم تكن الخطوات مدروسة ومتكاملة، فإن النتائج تصبح منحازة لجماعات أو قطاعات على حساب الأخرى، ومن هنا يبرز السؤال: هل يمكن إجراء الإصلاح في بعض القطاعات دون الأخرى أو ما يطلق عليه الإصلاح الجزئي ؟ بالطبع لا، فكما تكون التنمية الاقتصادية عملية اقتصادية اجتماعية متكاملة، بالمقابل يكون الإصلاح عملية متكاملة، إذ لا يمكن إصلاح أحد القطاعات دون إصلاح القوانين التي تطبق على هذه القطاعات، فالقوانين والتشريعات الاجتماعية والاقتصادية إضافة للكفاءات البشرية والريادية تشكل إطاراً نوعياً وسبباً رئيسياً لتطور هذه القطاعات أو الاقتصاد بشكل عام . وعلاوة على ذلك يتطلب الإصلاح أيضاً تغييرات أساسية في الأطر المؤسسية والسياسية إذا أريد لهذا الإصلاح الاقتصادي أن يؤدي إلى نظام اقتصادي ليس فقط أكثر كفاية وفعالية بل أكثر استقراراً وعدلاً واستجابة للمصالح الشعبية ، وليس استجابة وتكريسا للمخططات الامريكية الصهيونية المغلفه برداء الاصلاح والديمقراطية شكلا ، فيما تحمل في مضمونها كل آليات التراجع والدمار لمشروعنا الوطني الديمقراطي في فلسطين كما في كل بلدان وطننا العربي .
 
الإصلاح في الدول العربية:
 
شملت الإصلاحات الهيكلية المنفذة في إطار برامج التصحيح الشامل على العديد من المجالات، أهمها إصلاح النظام الضريبي وإعادة هيكلة المؤسسات العامة من خلال برامج الخصخصة وإتباع سياسات "واقعية" لسعر الصرف، وتخفيف وإزالة القيود على الأسعار وتحرير ترتيبات التسويق والتوزيع وتشجيع الاستثمار، إضافة لإصلاح الجهاز المصرفي من حيث تحرير سعر الفائدة وتطوير واستحداث أدوات مالية جديدة والتحول باتجاه الاعتماد على الوسائل غير المباشرة في إدارة السياسة النقدية وتعزيز كفاءة البنوك التجارية وتقوية وسائل الرقابة عليها، وأخيراً الإصلاح التجاري بإزالة القيود الكمية على الاستيراد وتبسيط الإجراءات وتخفيض الحدود القصوى للتعريفة الجمركية، وتشجيع القطاع الخاص لتولي الدور الرئيسي في الإنتاج والتصدير والنشاط الاقتصادي بوجه عام، وتحرير الأنشطة الاقتصادية من القيود والتوجه الإداري اللامركزي وإفساح المجال أمام آلية السوق لتقوم بالدور الأساسي في تخصيص الموارد.
 
ونلاحظ بأن وصفة الإصلاح الاقتصادي التي وضعها صندوق النقد الدولي لجميع دول العالم – وخصوصاً الدول العربية – تتركز على مبدأ الحرية الاقتصادية دون مراعاة لظروف كل منها، الأمر الذي أدى إلى بروز آثار سلبية قد تتطلب في المستقبل إصلاحات أخرى تكون أكثر تكلفة من برامج "الإصلاح" الاقتصادي. إذ أنه بالرغم من بعض العوائد الإيجابية لبرامج الإصلاح من تخفيض لمعدلات التضخم وتقليص عجز الموازنات الحكومية وتزايد معدلات النمو الاقتصادي، لكن تكاد النتائج الايجابية، أن تكون متواضعة بل معدومة في ظل ارتفاع معدل النمو السكاني والتضخم المستورد، في مقابل تزايد الآثار السلبية المتمثلة في تفاقم مشكلة البطالة وتآكل الطبقة الوسطى وتعرض الطبقات الدنيا لمزيد من الإفقار نتيجة انخفاض الأجور الحقيقية وسوء توزيع الناتج المحلي الإجمالي، والفجوة الهائلة في الثروات بين قلة من البيروقراطية الحاكمة والتحالف الكومبرادوري من ناحية والأغلبية الساحقة من السكان الذين باتوا يعيشون أوضاعاً مادية شبه معدمة وبائسة بسبب تزايد مساحات الفقر والحرمان في أوساط هذه الأغلبية التي لن تستطيع الاستمرار في تحمل هذه المعاناة القاسية دون تمرد عليها أو مواجهتها.
 
واقع الاقتصاد الفلسطيني الراهن.... وضرورات الإصلاح
 
قبل التطرق لآليات الإصلاح المقترحة على مؤسسات السلطة الفلسطينية لتطوير الاقتصاد في ظل ظروف الحصار والإغلاق والعدوان الذي تعرضت لها خلال السنوات الأربع الماضية على وجه الخصوص، نقدم فيما يلي عرضاً لمؤشرات الأداء الاقتصادي في فلسطين للوقوف على أهم المعوقات الداخلية والخارجية في سبيل اقتراح السياسات والإجراءات الواجب إتباعها من أجل بلورة رؤية الإصلاح الاقتصادي.
 
 
 
أداء  الاقتصاد الفلسطيني 1994-2004
 
        1-            منذ عام 1994 حتى عام 1999 ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 3081.9 مليون$ الى 4516.6 مليون$ بنسبة زيادة مقدارها46.6% وكان متوسط دخل الفرد السنوي خلال الستة سنوات المشار إليها ( 1994-1999 ) نحو (1424.8) دولار، وبانتهاء العام 2000 بدأ مسار حركة الناتج المحلي الإجمالي بالانخفاض حيث وصل الى 4441 مليون $ هبط الى 4093 مليون$ عام 2001 والى 3390 مليون$ عام 2002، وبنسبة تراجع مقدارها 25% قياساً بعام 1999 حيث وصل نصيب الفرد السنوي عام 2002 ( 952 ) دولار مقارنة بمبلغ 1424.8دولار متوسط دخل الفرد ، خلال الفترة من 1994-1999، أما بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي للعام 2003 فقد بلغ حسب تقرير البنك الدولي الصادر في حزيران 2004، (3144) مليون$ على التوالي أي أن تصيب الفرد من الناتج المحلي لهذا العام بلغ 845 $ فقط، الأمر الذي يشير بوضوح الى حجم التراجع الكبير في مختلف القطاعات الاقتصادية الذي أدى بدوره الى ارتفاع معدلات البطالة والفقر بنسبة تزيد عن 30$و 60% على التوالي.
        2-            تراجع الإنفاق الاستهلاكي النهائي بنسبة 3% عام 2001 ليصل إلى 5575.8 مليون دولار عما كان عليه عام 2000، حيث يشكل الإنفاق الاستهلاكي الحكومي حوالي 25% منه، فيما شكل الإنفاق الاستهلاكي النهائي للأسر المعيشية الحصة الكبرى بنسبة 71.7%، وكان الباقي من نصيب منتجي الخدمات الخاصة غير الهادفة للربح بنسبة 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني لعام 2001 ، في حين بلغت قيمة التكوين الرأسمالي 774.4 مليون دولار[6]، ونلاحظ ارتفاع نسبة فجوة الطلب في ظل انخفاض الناتج المحلي الإجمالي والتي يتم تغطيتها من تحويلات العمالة الفلسطينية في إسرائيل والخارج وتحويلات الدول المانحة إضافة إلى الهبات والمساعدات من قبل الجمعيات الخيرية والأهلية وأخيراً القروض والديون الخارجية.
        3-            ارتفاع نسبة الفقراء إلى إجمالي عدد السكان من 21% عام 1999 إلى 60% عام 2002 تتوزع بنسبة 55% في الضفة و 70%[7] في قطاع غزة، يستهلكون أقل من 20% من السلع والخدمات وخصوصاً في قطاع غزة، حيث تبين أن أسرتين من ثلاثة أسر فقيرة تعاني من حالة الفقر المدقع – أي أنها غير قادرة على توفير المتطلبات الدنيا من الطعام والملبس والمسكن والعلاج والمواصلات - مقارنة مع أسرة واحدة في الضفة الغربية من كل أسرتين فقيرتين تعيش حالة من الفقر المدقع.
        4-            تراجع مستوى المعيشة خلال الفترة 1993-2004 لأكثر من الضعف بفعل ارتفاع الأسعار والتضخم الناتج عنه في ظل ثبات الأجور والتوزيع غير العادل للثروة والدخل، بسبب تفاقم العوامل الداخلية السلبية من ناحية، وغياب الاستراتيجية الوطنية التنموية التي تستجيب لمتطلبات الصمود والمقاومة والتنمية والبناء الذاتي من ناحية ثانية، دون تجاهل المتسبب الرئيسي في المأساة الفلسطينية وهو الاحتلال الإسرائيلي من خلال الإغلاقات المتكررة والتحكم في المعابر الخارجية والداخلية إضافة للسيطرة على المقدرات الذاتية للشعب الفلسطيني وتدمير ما هو موجود .
        5-            تراجع القطاعات الإنتاجية عموماً وقطاع الزراعة خصوصاً ، حيث لم تتجاوز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 6.4% منذ عام 1999 حتى نهاية عام 2002 حسب تقارير معهد ماس والمؤسسات البحثية والإحصائية الفلسطينية الأخرى، كما تراجعت مساهمة الصناعة من 16% عام 1999 إلى 12.6% عام 2001 ، والى 10.8% عام 2002، ارتفعت إلى 13.7% لعام 2003 حسب تقديراتنا[8]  .
        6-            ارتفاع معوقات الاستثمار في الأراضي الفلسطينية حسب المسح الذي أجراه البنك الدولي، حيث أتضح بأن عدم الاستقرار السياسي- الناتج عن الممارسات العدوانية الإسرائيلية بالدرجة الأولى- يأتي في مقدمة المعيقات التي تواجه المستثمرين، إذ أن 77% من المستثمرين يعتبرونها مهمة جداً ، ويليها الفساد في المؤسسات العامة بنسبة 71% إضافة للسلوك غير التنافسي الذي تمارسه بعض مؤسسات القطاع العام ( الشركات الحكومية وشبه الحكومية )[9] .
        7-            استمرار محدودية حجم الائتمان المصرفي، حيث لم تزد نسبة القروض للودائع عن 28.2% عام 2003 في ظل الظروف المأساوية والاغلاقات التي تعيشها الأراضي الفلسطينية[10]، وهذا قلل من قدرة القطاع الخاص على الاستمرارية والمنافسة، مما يتوجب على المؤسسات المصرفية تحمل مسئوليتها الوطنية والاقتصادية في الحد من التراجع والكساد الذي يصيب القطاعات الاقتصادية من خلال خطة وطنية لاستغلال نسبة الودائع الغير مستغلة – أو التي يتم تشغيلها في الخارج – وتوجيهها لتطوير القطاعات الإنتاجية.
        8-            منذ عام 1996 ، تزايد الاتجاه نحو إحلال القروض محل المنح في تمويل الاستثمار العام، وقد وصل حجم الدين العام الخارجي الفلسطيني حوالي 982.15 مليون دولار حتى عام 2002 [11]، مما يعني استمرار الاعتماد على الخارج – قروض أو منح – في تغطية النفقات الحكومية للسلطة الوطنية.
        9-            تزايد محدودية سوق العمل الفلسطيني على خلق فرص عمل جديدة، حيث لم يستطع هذا السوق في سنوات ما قبل الانتفاضة الأخيرة ( قبل عام 2000 ) أن يوفر أكثر من 37% من إجمالي فرص العمل الجديدة خلال تلك السنوات، جزء هام منها في القطاع العام وسوق العمل الإسرائيلي الذي أصبح أداة ضغط سياسية تفرض على السلطة الفلسطينية، ومن ناحية أخرى ارتفعت نسبة البطالة من 11.8% عام 1999 لأكثر من 30% عام 2003 [12] .
   10-            استمرار ممارسة السلطة الفلسطينية للنشاطات الاقتصادية دون إقرار مرجعية قانونية موحدة ومتكاملة تنظم عمل القطاع الحكومي ومجالاته المختلفة نتيجة عدم إحداث التغيير الجوهري المطلوب في البيئة التشريعية والتنظيمية الاقتصادية، مما أثر على عمل القطاع الخاص، وزاد من معاناة الاقتصاد الفلسطيني من حيث حالة الانكشاف المستمر والهشاشة والضعف في القدرة الإنتاجية والاستيعابية من ناحية وساهم في تزايد أنانية وجشع بعض أطراف القطاع الخاص ارتباطاً بعلاقته مع رموز الفساد البيروقراطي من ناحية ثانية.
   11-            تشوه بنية وهيكلية القطاع الخاص الفلسطيني نتيجة اعتماده على معايير الربح والمصالح الخاصة عبر نشاطاته من ناحية وارتباطه – أو اعتماده على – السوق الإسرائيلي بشكل كبير، مما عزز المصالح الأنانية والاستغلالية لدى فئات القطاع الخاص المختلفة، هذا ويعود السبب الرئيسي لتنامي هذه الظواهر إلى اتساع بيئة الفساد والفوضى وعدم الاستقرار التي ساهمت في إعاقة التراكم الرأسمالي والتطور التقني لمؤسسات القطاع الخاص التي تتميز بطابعها الفردي / العائلي، وأحجامها الصغيرة شبه المنغلقة
   12-            آثار ونتائج تطبيقات اتفاقية باريس الاقتصادية وخاصة ما يتعلق بمفهوم وآليات الاتحاد الجمركي وفق الأنظمة والقوانين الإسرائيلية، وفي هذا السياق نشير إلى المخاطر الناجمة عن تطبيق خطة شارون وإلغاء تطبيق مبدأ الاتحاد الجمركي على قطاع غزة واعتباره وحدة اقتصادية منفصلة، في حين استمرار تطبيقه على الضفة الفلسطينية وتواصل ارتباطها بالاقتصاد الإسرائيلي، وما يعنيه ذلك من نتائج سياسية خطيرة في حال نجاح العدو الإسرائيلي بتثبيت فكرة " إنهاء الاحتلال لقطاع غزة " والبدء بالتعاطي مع الدول مع الدول الممسوخة في القطاع وانفصالها عن بقية جسدها وامتدادها في الضفة الفلسطينية
      مما سبق يتضح بأن الاقتصاد الفلسطيني قد عانى- وما زال- من مشكلات بنيوية أعاقت تطوره في المرحلة الراهنة، وستؤثر على مستقبله وأداؤه بشكل سلبي، والأكثر من ذلك أيضاً أننا لا نستطيع وضع الحلول الجذرية لهذه المشكلات في ظل غياب الرؤية الاستراتيجية التنموية التي تسعى إلى تجاوز الواقع الراهن عبر الاستخدام الأمثل للإمكانات المتاحة من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات الإصلاحية في الهيكلية الاقتصادية – المؤسسية والقطاعية – بما يتوافق مع المصلحة الوطنية العليا .
وفي هذا السياق، نرى أنه من المفيد تناول أسباب الاخفاق التي رافقت حركة ومسار الاقتصاد الفلسطيني:
1.     عدم إتاحة فرص التطبيق العملي للإصلاحات المقترحة، من القوى السياسية رغم ضعف هذه المقترحات وعدم تكاملها في رؤية أو استراتيجية محددة.
2.     ضعف تطبيقات مفهوم أو مبدأ المشاركة المجتمعية عبر القوى والفعاليات السياسية،والمؤسسات الأهلية، وغياب دورها في صياغة القرارات البناءة أو في عملية المراقبة والمحاسبة من خلال المؤسسات المختصة في ظل تفعيل القوانين ومبدأ المساءلة والشفافية.
3.     الرضوخ لشروط الدول المانحة في توجيه الإعانات والمنح طوال العشر سنوات السابقة نحو بعض الأوجه غير الملائمة، حيث انفق قسم كبير منها على الاستشارات الفنية والتدريب والمشاريع الطارئة الغير مدرة للدخل في ظل عجز السلطة الوطنية في الإنفاق على المشاريع الإنتاجية الضرورية في المجتمع الفلسطيني، مما عمق الفجوة الاستهلاكية والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
4.     انعدام الاستقرار السياسي واستمرار حالة الإرباك والخلل سواء في المؤسسة التشريعية أو التنفيذية والقضائية، نتج عنه تخبط في الرؤية التنموية والتطويرية وعدم تفعيل القوانين المقرة مما أدى إلى اتساع مناخات الفساد والمحسوبيات والتجاوزات التي أسهمت بدورها في تراجع الاقتصاد الفلسطيني، وخاصة قطاعي الصناعة والزراعة.
5.     الممارسات العدوانية للاحتلال الإسرائيلي، وأحكم سيطرته على أهم الموارد الاقتصادية الفلسطينية التي تتمثل في الطاقة والمياه والأرض التشغيل، إلى جانب التحكم في المعابر، الخارجية والداخلية التي تؤثر بدورها على طبيعة التجارة الخارجية وإعاقة نموها وتطورها.
 
     على ضوء تناولنا لبعض مؤشرات التراجع في الاقتصاد الفلسطيني، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ما هي المشكلة الاقتصادية ولماذا الإصلاح الاقتصادي؟
في محاولتنا الإجابة على هذا السؤال، سنستعرض أهم المشاكل والتحديات الاقتصادية الداخلية والخارجية:-
 
أولاً: التحديات الرئيسية:-
 
بالرغم من أن السلطة الفلسطينية " لا تتمتع بسيطرة تامة على عملية دخول وخروج مواطنيها، أو زائريها، أو البضائع التي تتبادلها، أو مصادرها الطبيعية المحدودة " [13] وبالرغم من سيطرتها على مساحات ضئيلة من الأراضي الفلسطينية المحتلة وافتقارها إلى التواصل الجغرافي، بسبب الموقف الإسرائيلي الرافض لقرارات الشرعية الدولية من ناحية وتصعيد الممارسات العدوانية التدميرية إلى جانب الحصار وجدار الفصل والاغلاقات والمعازل من ناحية ثانية، إلا أن السلطة الفلسطينية تمكنت من تحقيق بعض الإنجازات على صعيد البنية التنفيذية والتشريعية والإدارية الى جانب إقامة المؤسسات الحكومية وتوفير الخدمات الضرورية للجمهور، والعديد من مشاريع البنية التحتية المختلفة- ضمن سياسات الحد الأدنى بعد حسم الاموال المسروقة لحساب المتنفذين في السلطة- ( الطرق، ومشاريع المياه والصرف الصحي، والمستشفيات، والاتصالات والكهرباء ... الخ )، دون القفز عن مظاهر عدم الرضى في أوساط الجمهور بالنسبة لمستوى الخدمات العامة وتفاقم مظاهر الخلل وغياب الاستقرار والفلتان الأمني والفوضى، والفساد والمحسوبيات والهدر في الأموال العامة،  وفقدان الثقة بمؤسسات الحكم، وخاصة المجلس التشريعي والسلطة القضائية والأجهزة الأمنية والوزارات، حسب ما أوردته الاستطلاعات العديدة في هذا الشأن.
    لكن القضية الرئيسية المرتبطة بالاستقلال وإعلان الدولة كاملة السيادة وبناء الوطن، لم يتم التقدم بخطوات جدية نحوها، رغم ما قدمه شعبنا من تضحيات، وذلك بسبب الموقف الإسرائيلي/ الأمريكي المرتكز إلى إرادة القوة دون أي اعتبار للحقوق المشروعة لشعبنا، ما أدى إلى ضعف الاستقرار السياسي والاستقرار المؤسسي ، وانعكاسات هذين العاملين على الاستقرار المجتمعي العام في كل من الضفة وقطاع غزة عموماً، وعلى الاستقرار الاقتصادي والاستثمار الخارجي على وجه الخصوص. ولكن رغم كل ممارسات ومواقف الاحتلال الإسرائيلي النقيضة لآمال وتطلعات وأهداف شعبنا، بظل الهدف الوطني الفلسطيني في بناء وتحسين مؤسسات الحكم الديمقراطية الفعالة المرتكزة إلى مبادئ المشاركة الشعبية والتعددية والشفافية والمساءلة، قضية مركزية تستحق بذل المزيد من الجهود الوطنية الصادقة من الجميع باتجاه تحقيقها كخطوة أساسية في موازاة النضال من أجل تحقيق أهدافنا الوطنية في تقرير المصير والعودة وبناء الدولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس العربية " وفق قواعد الحكم الدستوري الديمقراطي وفصل السلطات وسيادة حكم القانون العادل والمساءلة السياسية، وإدارة الموارد العامة بصورة واضحة وشفافة وخاضعة للرقابة والمساءلة " [14] في كل الظروف في إطار وزارات ومؤسسات السلطة وإداراتها، التي يتوجب أن تمتلك مقومات الدافعية والإنتاجية العالية من ناحية إلى جانب فعاليتها وتجاوبها مع مصالح الجمهور من ناحية ثانية .
 
طبيعة التحدي:
 
  منذ أن تولت السلطة الفلسطينية لمسؤولياتها، - وبالرغم من موقفنا وتقييمنا لمعظم ممارساتها التي اتسمت بالتفرد وتوليد المناخات المواتية للمصالح الشخصية والفساد.... الخ، إلا أنها واجهت العديد من التحديات الخارجية والداخلية بسبب الظروف البالغة التعقيد والصعوبة الناجمة عن ممارسات ومواقف المحتل الإسرائيلي الذي يمثل التحدي الأول والرئيسي كما أسلفنا، ومن أبرز هذه الصعوبات، التي باتت معروفة للجميع، " افتقار السلطة إلى السيطرة التامة على المصادر الرئيسة كالأرض والمياه والتواصل الجغرافي /الإقليمي والولاية الكاملة لأنظمتها القانونية والإدارية والوصول الحر إلى الأسواق الخارجية، وبقيت تعتمد بنسبة عالية تصل إلى 40% فيما يتعلق بمداخيلها من الضرائب والجمارك على إسرائيل التي تتحكم بدورها في صرف استحقاقات السلطة من هذه الإيرادات " [15] بل وحجزها كما جرى خلال السنوات الأربع الماضية، مما سبب العديد من الارباكات المالية، خاصة في ظل عدم وفاء الدول المانحة بالتزاماتها بالكامل من جهة، وضعف وتراجع إيرادات السلطة الداخلية من جهة أخرى كمؤشر رئيسي على تراجع وضعف بنيان ومكونات وعناصر الاقتصاد الفلسطيني، ففي هذا الجانب "تواجه السلطة نفس المعضلة والإشكاليات التي تعاني منها الاقتصاديات الناشئة الى جانب عوامل الفساد والمصالح الخاصة المستشرية في البنية البيروقراطية الحاكمة، فكل تقدم في رفع مستوى المعيشة وتعزيز النمو الاقتصادي، يزيد من توقعات المستهلك ويعمق الحاجة إلى رأس مال مكثف وتكنولوجيا متقدمة، كما تواجه السلطة تحديات أخرى تفرض عبئاً متزايداً على مصادرها البشرية والمالية، ومن بين هذه التحديات النسبة العالية من النمو الطبيعي للسكان"[16]،حيث نتوقع تزايد السكان في الضفة والقطاع ليصبح (5.1) مليون نسمة عام 2010، بما يفرض طلباً متزايداً على البنى التحتية والخدمات العامة والحاجة المستمرة للتوسع المتناسب في الإدارة العامة والتوظيف والتمويل، وهي أوضاع توجب على الدول المانحة، وخاصة الدول العربية، إلى جانب السلطة الفلسطينية- إجراء المتغيرات السياسية والديمقراطية والقانونية المطلوبة في اطار عملية التخطيط والرؤية الاستراتيجية التي تحدثنا عنها في هذه الدراسة، مع إدراكنا لتراجع عملية التمويل من الدول المانحة التي لا يمكن ان تستمر إلى مالا نهاية، ما يفرض على السلطة والمعارضة معاً كل حسب موقفه ورؤيته، تحدياً مستقبلياً يجب التأسيس لمواجهته منذ اللحظة، وهنا تتجلى أهمية البدء بالإجراءات المطلوبة للتغيير والإصلاح الداخلي في مجتمعنا الفلسطيني عموماً، والتغيير والإصلاح الاقتصادي خصوصاً، آخذين بعين الاعتبار ان هذه العملية تتطلب العمل على بلورة الارداة السياسية الجماعية وفق الأسس الديمقراطية وآلياتها الدورية وتطبيقاتها على جميع مناحي الحياة في مجتمعنا الفلسطيني ومؤسساته المتنوعة، بما سيسهم في تفعيل وتنظيم المصادر البشرية، الكمية والنوعية، المتوفرة في القطاع الخاص والمهنيين والمختصين المؤهلين والقوى العاملة الماهرة وغير الماهرة لصالح التطور والنمو الاقتصادي والاجتماعي المنشود، شرط التخلص من العوامل السلبية والمشاكل الجذرية المؤثرة حتى اللحظة على مسار الاقتصاد الفلسطيني، ولعل من أهمها:-
                   1.          استمرار تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي طوال العقود الأربعة السابقة وخاصة بروتوكول باريس والقيود والتعقيدات الإسرائيلية الهادفة إلى إعاقة حركة ونمو الاقتصاد الفلسطيني، بما يؤكد بوضوح ان الاستراتيجية الإسرائيلية تهدف عملياً إلى استمرار ربط الاقتصاد الفلسطيني بكل جوانبه بآليات الاقتصاد الإسرائيلي ومن ثم تحويل اقتصادنا ليصبح احد الأجزاء الصغيرة المكونة والتابعة له عبر العديد من العراقيل والمعوقات سواء بالنسبة لعدم التزام المحتل الإسرائيلي بنصوص بروتوكول باريس على إجحافه، والعراقيل في وجه حركة التجارة في الاستيراد والتصدير، وعدم السماح للسلطة الفلسطينية بوضع التعرفة الجمركية الخاصة بها أو إطلاق صلاحيتها وسياساتها الجمركية الكاملة على الحدود والمعابر، وإعاقة عملية الاستثمار الخارجي الفلسطيني، وإعاقة وتخريب عمليات تصدير المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى الخارج، وإضعاف وإعاقة حركة التداول البينية للمنتجات الفلسطينية بين مدن وقرى الضفة والقطاع، وتقييد حركة الصيادين، وغير ذلك من المعوقات والتعقيدات ذات الطابع العدواني العنصري، التي أدت إلى هبوط قدرة الاقتصاد الفلسطيني في تشغيل القوى العاملة، وتراجع وعجز القطاع الخاص عن إيجاد فرص عمل ، وارتفاع مستويات البطالة إلى أكثر من (35%) ونسبة الفقر إلى ما يزيد عن (70%) إلى جانب التراجع في المداخيل والقدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار والتضخم وثبات الأجور، وكلها عوامل أدت إلى تعمق التشوهات الهيكلية في الاقتصاد الفلسطيني تتضح في العجز المزمن في الميزان التجاري، والعجز في الموازنة، وارتفاع نسبة فجوة الموارد إلى الطلب الكلي[17]، وبالتالي استمرار خضوع الاقتصاد الفلسطيني للمصادر الخارجية، وشروطها، لتعويض تلك الفجوات ليصبح أكثر عرضة للصدمات وتزايد حجم ونوعية الأزمات التي تصيبه بالمزيد من عوامل الضعف والهشاشة والتراجع.
                   2.          تزايد التأثير السالب للعوامل الداخلية في إعاقة حركة ونمو الاقتصاد الفلسطيني، وخاصة حالة "الازدواجية والتفتيت في الوزارات والوكالات التي تتعامل مع جوانب متنوعة من الاقتصاد، والافتقار إلى بيئة قانونية وتنظيمية قادرة على تمكين العمل والتشغيل المناسب لاقتصاد السوق الحرة، الأمر الذي أدى إلى تدخلات مشوّهة لهذه السوق عبر خلق احتكارات وشبه احتكارات تجارية إستيرادية عامة غير خاضعة للمساءلة وغير منظمة، عبر قيام موظفين عامين بإجراء معاملات وصفقات تجارية غير معلن عنها، وحصول أطراف خاصة على امتيازات تسمح لها بالحصول على عقود وتراخيص ووكالات مقتصرة عليها[18] تحضيراً لمرحلة ما بعد الانسحاب المزعوم من قطاع غزة، الأمر الذي يتطلب العمل على:
                                                  أ?-         أ- تأسيس مجموعات عمل متخصصة وفعالة، وبناء استراتيجيات تطوير واليات رسمية أخرى قطاعية من اجل التنسيق والتعاون والاستشارة بين الوزارات والمؤسسات التي تتولى الشئون الاقتصادية من جهة وبين كافة القوى السياسية من جهة أخرى.
ب-استكمال صياغة، وإقرار مشاريع القوانين المتعلقة بالنشاطات الاقتصادية في الزراعة والصناعة والتجارة والتجارة والشركات.... الخ ولتسهيل إنجاز معاملاته عبر المزيد من الخدمات الالكترونية.
ج- زيادة صلاحيات هيئات الرقابة والتفتيش في الوزارات والمؤسسات المعنية، وذلك بمنحهم صلاحيات الضبطية القضائية والحرص على ممارساتها بصورة عادلة وموضوعية ونزيهة إلى ابعد الحدود.
 
ثانياً: التحديات الداخلية:
 
        1-            معدلات نمو سكانية عالية بلغت 5% في عام 2002 حسب معهد ماس  (في قطاع غزة بنسبة 5.5%، أما الضفة الغربية فبلغت نسبة النمو (4.8%) مما ينعكس على تصاعد النمو في حجم قوة العمل الفلسطينية، حيث بلغ حجمها عام 2003 (744) ألف شخص ارتفع عام 2004 الى (831) ألف شخص منهم (572) ألف في الضفة و (259) ألف شخص في قطاع غزة[19] ، هذا وقد بلغ حجم القوى العاملة الفلسطينية في بداية عام 2005 إلى (918) ألف شخص .
        2-            ارتفاع معدلات البطالة في الأراضي الفلسطينية إلى28.6% عام 2004، تتوزع بمعدل (23.6%) في الضفة، و(39.7%) في قطاع غزة[20] وذلك نتيجة إغلاق سوق العمل الإسرائيلي أمام العمالة الفلسطينية وسوء الأوضاع الاقتصادية في فلسطين، مما انعكس على ارتفاع معدل الإعالة للأسر الفلسطينية إلى 6.3 فرد لكل عامل[21]، الأمر الذي يستوجب على كافة القوى السياسية المعارضة الضغط من أجل فتح سوق العمل العربي في وجه العمال الفلسطيين.
        3-            تزايد معدلات الفقر في المجتمع الفلسطيني من 60% عام 2002 الى 70% من مجموع السكان عام 2003، بسبب البطالة وتراجع مستوى المعيشة عام 2004 لأكثر من الضعف قياساً بعام 1993 بفعل التضخم وارتفاع الأسعار وثبات الأجور والتوزيع غير العادل للثروة والدخل.
        4-             استمرار استيراد أكثر من 80% من مدخلات الإنتاج بتكاليف مرتفعة – بسبب تحكم إسرائيل في نوعيتها ومصدرها وأسعارها – مما ينعكس سلباً على القدرة التنافسية للسلع والخدمات الوطنية.
        5-            غياب قطاع عام فعال يهدف إلى تلبية الحاجات الأساسية للشرائح الفقيرة ضمن الحدود الدنيا، في مقابل قطاع خاص كبير من حيث عدد المنشآت الاقتصادية وصغير من حيث حجم هذه المنشآت ذات الطابع الفردي الذي يحد من قدرة القطاع الخاص – وخاصة في الصناعة- عن مواكبة التطور الرأسمالي أو التكنولوجي، ويعمق طابعه المتخلف الناجم عن القصور في المعرفة العلمية والتكنولوجية المتزامن مع تدني الخبرات البشرية، مما يعكس ضعف الإنتاجية والقدرة على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية.
        6-            تدني نوعية برامج التعليم العالي في جامعاتنا الفلسطينية، وخصوصاً الفنية ، بما يرسخ قواعد واسس التحليل العلمي والتفكير والإبداع المرتبط به من ناحية ، وبما  يتلاءم مع متطلبات سوق العمل الفلسطيني والعربي من ناحية ثانية.
        7-            تدني نسبة التسهيلات الائتمانية لمجموع الودائع لحوالي 28% عام 2003 وخصوصاً للقطاعات الإنتاجية بسبب ارتفاع درجة المخاطرة في ظل سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية، وانعدام البنية الاستثمارية المشجعة لحفز الاستثمارات، مما يدفع البنوك العاملة لاستثمار أموالها في الخارج، رغم ارتفاع حجم هذه الودائع الى ما يقرب من 5 مليار دولار عام 2005 حسب د. جورج العبد في تصريحه الصحفي بتاريخ 23/04/2005
        8-            محدودية المناطق والمجمعات الصناعية المتخصصة لدعم الصناعة والإنتاج.
        9-            انخفاض مساهمة القطاعات الإنتاجية- الصناعية والزراعية – في الناتج المحلي الإجمالي ولتغطية المتطلبات الاستهلاكية وتقوية الأمن الغذائي، وما يعكسه هذا الوضع على تزايد قيمة فاتورة الواردات الاستهلاكية العالية.
   10-            عدم القدرة على تفعيل أدوات السياسة النقدية في توجيه السياسة الاقتصادية بسبب غياب العملة الوطنية، حيث يقتصر دور سلطة النقد في الرقابة على تداول العملات المتداولة في السوق الفلسطيني- الدولار الأمريكي، الدينار الأردني، الشيكل الإسرائيلي-.
   11-            عدم القدرة على تفعيل أدوات السياسة المالية في توجيه السياسة الاقتصادية سواء بسبب تحديد مستويات الضرائب الغير مباشرة ضمن اتفاقية باريس حسب المستويات المتبعة في إسرائيل، أو بسبب عجز السلطة الوطنية في استخدام النفقات الحكومية لدعم أي من القطاعات الاقتصادية، والاعتماد على الدول المانحة والعربية في تمويل النفقات التشغيلية وخصوصاً فاتورة الرواتب المرتفعة بدون التحكم في النفقات الرأسمالية التي تتدخل الدول المانحة في توجيهها بصورة مباشرة.
   12-            تفشي الفساد الإداري والمالي في المؤسسات الفلسطينية حسب تقرير هيئة الرقابة العامة لعام 1999والاستطلاعات والتقارير اللاحقة بدون التعاطي مع الاتهامات الموجهة الى المعنيين، ومحاسبتهم بصورة قانونية، الأمر الذي أدى الى مزيد من التسيب وهدر للمال العام وتفاوت في الفرص الاستثمارية للمواطنين....... الخ
   13-            ضعف وعدم تكامل البيئة القانونية والتشريعية بمرجعية فلسطينية، التي تنظم عمل كل من القطاع العام والخاص، مما ينعكس على تباطؤ أي من القطاعين نحو المرونة والحركة للتكيف مع المتغيرات المحلية والإقليمية ضمن المصلحة الوطنية.
 
ثالثاُ: التحديات الخارجية:-
 
وتكمن هذه التحديات فيما يلي: -
            1-            اتفاقية باريس الاقتصادية المبرمة بين السلطة الوطنية وإسرائيل والتي تحد من تفعيل أي من الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين السلطة الفلسطينية والدول الخارجية، إضافة للاتفاقيات الثنائية بين إسرائيل والدول العربية المجاورة التي لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح وآفاق تطور الاقتصاد الفلسطيني.
            2-            الآفاق المسدودة في وجه الوصول إلى السلام العادل الذي يهدف إلى تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي الفلسطيني في ظل شروط خارطة الطريق عموماً "وخطة شارون" خصوصاً، إلى جانب خطر مبادرة الشراكة الأمريكية الإسرائيلية في إطار ما يسمى " بالشرق الأوسط الكبير " ودورها المزعوم في دفع عجلة النمو الاقتصادي من خلال بناء برامج تعزز الحركة التنافسية في المنطقة وتشجع الاستثمار وتسهل نمو مشاريع الأعمال الخاصة، ولكنها في الحقيقة تسعى الى استمرار تخلف وركود الاقتصاد العربي في مقابل تغلغل إسرائيل بقوتها الاقتصادية والأمنية والتقنية بهدف المشاركة في السيطرة على ثروات ومقدرات المنطقة العربية.
            3-            ضعف البعد العربي في دعم الاقتصاد الفلسطيني، وعدم التزام الدول العربية خصوصاً في دفع التزاماتها الى السلطة الفلسطينيةالى جانب رفضها القيام بتحرير أسواقها أمام دخول المنتجات الفلسطينية حسب قرارات القمة العربية عام 2000.
            4-            الآثار الضارة التي قد تصيب الاقتصاد الفلسطيني بسبب شروط نظام العولمة الرأسمالي ومنظماته خاصة "منظمة التجارة الدولية "والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي من جهة وبسبب ضعف الاقتصاد الفلسطيني في الاستجابة لتلك الشروط نظراً لشدة وعمق ارتباطه وتبعيته لآليات وأنظمة الاقتصاد الإسرائيلي من جهة ثانية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
من أين يبدأ الإصلاح الاقتصادي:
 
   إن أية استراتيجية تستهدف تحقيق الإصلاح الاقتصادي لا بد وأن تتضمن عدداً من الإجراءات التغييرية في البنية الاقتصادية الفلسطينية لتحقيق هدف التنمية الوطنية التي يصبو إليها مجتمعنا بما يحقق المقومات الرئيسة لهذا الهدف، والتي تمثل في: زيادة دخل الفرد، وإيجاد فرص العمل ، وزيادة الناتج المحلي والقومي، وإشباع الحاجات الأساسية للمواطنين، (وذلك عبر الاستخدام الأمثل للموارد والإنتاج والإيرادات... الخ ) وكل ذلك مشروط بالتزام السلطة الفلسطينية بالعناصر الرئيسة للإستراتيجية التنموية المنشودة:
    أولاً: أن تتوفر لدينا رؤية وطنية متكاملة لنظام سياسي ديمقراطي يستند في حاضره الراهن الى مفهوم المجتمع المدني وسيادة القانون كمدخل نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وليس مدخلاً نحو العلاقات الرأسمالية المشوهة وأدواتها البيروقراطية والطفيلية في بلادنا، فالمجتمع المدني الذي ندعو لبلورته، هو مجتمع المشاركة الشعبية الموجه وفق رؤية فكرية سياسية واضحة المعالم تتبنى قيم العقل والعمل والحداثة والعدالة الاجتماعية، في سياق النظام السياسي الوطني الديمقراطي بارتباطه الوثيق بالحامل القومي العربي من حوله اقتصادياً وسياسياً بعيداً عن قيود اتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس، باعتبار ذلك الحامل القومي هو قاعدتنا الراسخة في الصراع المستمر مع الحركة الصهيونية
    ثانياً:الالتزام بمبدأ المشاركة الشعبية عبر المؤسسات الوطنية، والكف عن ممارسة الصيغ الاقتصادية التي لا ينتج عنها سوى تعميق الدور السلبي للتحالف الكومبرادوري- البيروقراطي من جهة، ما يدفع نحو تشكيل مناخ توليد القوى الطفيلية التي يتنامى دورها في تخريب مشروعنا الوطني لحساب الدمج الاقتصادي مع إسرائيل من جهة أخرى.
    ثالثاُ: الترابط بين مفهوم التحرر الوطني والمجتمع الديمقراطي وبين مفهوم التنمية والنظام الاقتصادي بما يعزز الدافعية وإنتاجية العمل، ويضيق الفجوة في توزيع الدخل والثروة ويوفر السبل لمواجهة تحديات التشغيل والموارد والمياه والأمن الغذائي.
    رابعاً: التخطيط التأشيري والمركزي- بصورة نسبية- للقطاع الخاص ودوره، ومطالبة هذا القطاع بالمساهمة الطوعية التي ليس لها غاية ربحية في مجالات البحث العلمي والثقافة الوطنية والرياضة والفنون وإبلاء القطاع العام دوره الإيجابي بما يعني التوجه الجاد نحو حصر الموارد حصراً شاملاً مادياً وبشرياً ليساهم في عملية النمو والتنمية، ويسعى الى إنشاء المؤسسات التعاونية في القرى والمخيمات والأحياء الفقيرة في المدن.
    خامساً: تطبيق مبدأ التنمية المعتمدة على الذات- قطرياً وقومياً- الذي يولد القدرة على التمرد على حالة التبعية والخلاص من الخضوع والسعي لتجدد المجتمع عبر التعبئة الوطنية الشاملة والعمل المنظم، والتكافل الاجتماعي- في الأحوال الطارئة والعادية- الموجه نحو رعاية أسر الشهداء والجرحى والعمال وكافة الشرائح الفقيرة والمتضررة في مجتمعنا.
     سادساً: دعم وتطوير وتفعيل المقومات الأساسية لدعم الاقتصاد الفلسطيني، التي يمكن تلخيصها في البنود الرئيسية التالية:
        1- فائض الثروة البشرية الفلسطينية من عمالة ماهرة وغير ماهرة، والعديد من الخبرات والكفاءات المتخصصة في العديد من المجالات، الى جانب رجال الأعمال الموزعين في كافة أرجاء العالم أو ما يطلق عليه رأس المال الفلسطيني في الشتات .
       2- رأس المال النقدي، سواء داخل فلسطين المتمثل أساساً في الودائع النقدية في الجهاز المصرفي الفلسطيني التي تقدر بحوالي 5 مليار دولار في منتصف عام [22]2005، منها 70% غير مستغلة، ناهيك عن أموال المدخرات الشعبية خارج البنوك وكذلك رأس المال النقدي، خارج فلسطين العائد الى الأثرياء الفلسطينية في الشتات والتي تقدر ما يزيد عن 80 مليار دولار، لما لهذه الأموال من أهمية في تطوير الاقتصاد الفلسطيني في ظل البيئة الاستثمارية الملائمة لجذب هذه الأموال داخل الوطن[23].
        3- المواقع السياحية والتاريخية والدينية الفلسطينية، وعوائدها الإيجابية على الاقتصاد الفلسطيني، إذا أحسن استغلالها في ظروف مناسبة.
         4- الصناعة بفرعيها، التحويلية الاستخراجية، كقطاع رئيسي إلى جانب القطاع الزراعي، من أهم المعوقات الأساسية لدعم الاقتصاد الفلسطيني، وفي هذا السياق تعتبر معركة التنمية الصناعية في بلادنا وبلدان العالم الثالث من أهم المعارك في مواجهة التخلف والفقر، شرط توفر المشروع النهضوي الممتلك لناصية العلم والتكنولوجيا، إذ أن تطور الصناعة يشكل العمود الفقري لعملية التطور المجتمعي من ناحية، وهو جوهر العملية التنموية من ناحية ثانية، لما للتصنيع من دور ريادي في توفير الاكتفاء الذاتي والتشغيل للمجتمع الفلسطيني، ناهيك عن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.
         5- اعتماد أكثر من 20% من سكان الأراضي الفلسطينية على قطاع الزراعة، حيث يقوم هذا القطاع بتشغيل حوالي 15% من مجموع القوى العاملة الفلسطينية رغم تراجع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 25% عام 1994 الى 6.4%-9% عام 2002، وتصل نسبة الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية حوالي 18% فقط، رغم أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في الضفة الغربية وقطاع غزة تبلغ 2.2 مليون دونم، تقدر نسبة الأراضي المزروعة 84.1% منها وتتوزع نسبة 90.4% للضفة الغربية، ونسبة 9.6% لقطاع غزة، بالإضافة الى امكانية استغلال ما لا يقل عن 1.5 مليون دونم كمراعي، الأمر الذي يفرض على الجميع تحمل مسؤولياتهم في تفعيل ودعم القطاع الزراعي كقطاع إنتاجي ريادي يمكن الارتكاز إليه في ظل ظروفنا الصعبة الراهنة والمستقبلية.
 
ب- يمكن تصور المستقبل الاقتصادي لفلسطين في ظل التحديات الداخلية والخارجية المشار إليها أعلاه، في ضوء كل من:-
                         1-        الموارد البشرية والطبيعية والإمكانيات الاقتصادية بكل تفريعاتها في الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات ارتباطاً بقواعد التكامل مع الاقتصاد العربي كخيار وحيد.
                         2-        متطلبات العولمة الاقتصادية ، إضافة لإمكانية انضمام فلسطين إلى الشراكة الاقتصادية - العربية في ظل مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، واستحقاقات الاتفاقيات الثنائية والإقليمية التي أبرمتها السلطة الوطنية.
                         3-        خطر استمرار الهيمنة والتبعية الاقتصادية الفلسطينية لإسرائيل، خاصة مع تراجع إمكانية قيام دولة فلسطينية على كامل مساحة الأراضي المحتلة 1967، في ضوء " خطة شارون " الهادفة الى تمزيق وحدة الأرض الفلسطينية من ناحية وتقزيم ومسخ الدولة الفلسطينية الى حكم ذاتي محدد في " المشهد الغزاوي " في قطاع غزة وجزء من شمال الضفة الفلسطينية مع حرص العدو الإسرائيلي على استمرار الفصل الجغرافي والمجتمعي بين الضفة والقطاع من ناحية، واستمرار إضعاف وتفكيك الترابط الاقتصادي بينهما من ناحية ثانية، علاوة على استمرار سيطرة العدو الإسرائيلي على الحدود والمعابر الفلسطينية بما يلغي مفهوم السيادة السياسية والقانونية للدولة الفلسطينية وابقاءها ضمن مفهوم ومحددات الحكم الذاتي في أحسن الأحوال.
                             ويتوجب على السلطة الفلسطينية- في ظل المعطيات أعلاه – وضع تصور لأولوياتها الاقتصادية ولعلاقاتها التجارية الاستثمارية والمستقبلية في المنطقة، وترجمة هذا التصور لخطة تنمية شاملة تركز على كل من النمو والتطور الاقتصادي التنموي الشامل، وعلى العدالة الاجتماعية ومكافحة البطالة والفقر، وعلى تطوير التعليم وتنمية القدرات البشرية والتكنولوجية المحلية، وفي نفس الوقت التأكيد على تنمية كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية في الاقتصاد الوطني ضمن استراتيجيات التصنيع الملائمة لهذه المرحلة يكون التشغيل أولى أولوياتها.
ولا بد من التأكيد على أن رفع القدرات البشرية والعلمية والتكنولوجية لزيادة معدلات الإنتاجية والمنافسة في زمن العولمة، يتطلب عملية مجتمعية شاملة ضمن ثقافة جديدة تشمل تطوير المجتمع القائم على العملية الإنتاجية مباشرة، إضافة لحاجتها لنمط جديد في العمل والتفكير والتخطيط والابتكار لدى كل من صاحب القرار وموظف الدولة ومدير المنشأة والعامل والمهندس والمحامي والطبيب.... وكل فرد يقدم خدمة أو سلعة، علاوة على القوى السياسية الفلسطينية التي يتوجب عليها ابتكار الأنماط الجديدة لبرامجها السياسية ارتباطاً بالاحتياجات المجتمعية بما يعزز ويخدم أهدافنا الوطنية.
 
ج- وضع تصور للنظام الاقتصادي الفلسطيني
         على كافة القوى السياسية الفلسطينية في السلطة أو المعارضة أن تبدأ- كل حسب زاويته ورؤيته- بتحديد الإطار النظري للاقتصاد الذي تريده لنفسها في المستقبل، وتحديد دور كل من القطاع الخاص والعام ضمن نظام السوق المتبع في إدارة وتوزيع الموارد المتاحة، وخاصة في ظل التحولات الهيكلية التي يمكن أن تحصل بعد "انسحاب" او اعادة انتشار العدو الاسرائيلي من قطاع غزة وبعض مناطق الضفة الفلسطينية.
      وبدون تحديد هذا الدور، سيستمر التخبط والتشوه في إدارة الاقتصاد الكلي وستكون خطوات أي إصلاح ناقصة وغير فعالة. ولا بد للسلطة الفلسطينية، وكافة القوى السياسية، أن تأخذ بعين الاعتبار الواقع الفلسطيني في صياغة النظام الاقتصادي المستقبلي كإطار نظري للقرار الاقتصادي في ظل المتغيرات الحالية والمستقبلية، فضلاً عن توجه العالم عموماً، وبلدان النظام العربي من حولنا نحو نظام السوق ومحورية القطاع الخاص في العملية الإنتاجية، وما سينتج عن هذا النظام الاقتصادي أو السوق الحر من آثار ضارة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، بما يتوجب على قوى المعارضة الديمقراطية واليسارية خصوصاً أن تتصدى لها عبر البديل الديمقراطي الفلسطيني في إطار البديل القومي الديمقراطي العربي القادر على مجابهة هذه الآثار من ناحية والتصدي للمخططات الأمريكية الصهيونية من ناحية ثانية.
      أما بالنسبة لدور السلطة الفلسطينية حالياً ، يتوجب أن يسعى الإطار النظري الجديد إلى التوفيق بين مفاهيم النظام الاقتصادي العالمي الجديد والثوابت الاقتصادية للشعب الفلسطيني مع تحديد دور جديد للسلطة –بالتنسيق مع كافة اطراف القوى السياسية الفلسطينية-، هذا الدور لا بد وأن يكون مختلفاً في نوعيته عن الدور السابق في تركيزه على التخطيط التأشيري وعلى القضايا الاجتماعية والتنمية البشرية والتكنولوجية وعلى تعزيز المنافسة في السوق وعلى الحماية من مخاطر الاحتكار ومن تهديدات التبعية والعولمة.
        ونعتقد أنه بإمكاننا الحفاظ على مفهوم " الوطنية الاقتصادية " في ظل نظام السوق والعولمة وذلك من خلال التركيز على مفهوم التنمية المستقلة والتقدم العلمي والتكنولوجي ومن خلال توفير البيئة الاستثمارية والتشجيع على الاستثمار والإنتاج وتغطية السوق المحلي بإتباع سياسة إحلال الواردات (الذي يخفف من الاعتماد على المساعدات الخارجية) .
 
أهداف الإصلاح الاقتصادي ومنطلقاته
 
أ?-            أهداف الإصلاح : يجب أن يتم الإصلاح في الاتجاه الصحيح ملبياً متطلبات المجتمع الفلسطيني ضمن الإمكانيات والموارد المتوفرة بعيداً عن نهج الإصلاح الاقتصادي المعتمد على وصفة البنك الدولي وشروط إسرائيل والولايات المتحدة والدول المانحة.
      وفي هذا السياق يجب أن يكون الإصلاح الاقتصادي وسيلة لإدارة الطلب من جهة، وتحفيز الإنتاج من جهة أخرى، مع ارتباطه بخطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأجل بتوجيه من وزارة التخطيط وبمشاركة فعالة من قوى المعارضة الديمقراطية والمؤسسات المعنية، حيث إن الإصلاح الاقتصادي غير المرتبط بخطة لتوسيع قاعدة الإنتاج وزيادة الإنتاجية والكفاءة يشكل خطراً على الاقتصاد الوطني، علاوة على المخاطر الجدية على مشروعنا الوطني، إضافة إلى أن الإصلاح غير المرتبط ببرنامج لمعالجة البطالة والفقر بشكل مباشر سيؤدي إلى مزيد من تفاقم الأحوال المعيشية والاجتماعية.
  وبالتالي فإن الإصلاح الاقتصادي الممكن في هذه المرحلة يقتضي تحقيق ما يلي:
    1-            إدارة الطلب الكلي، وتحقيق التوازنات في الاقتصاد الكلي، وأهمها البطالة والتضخم ومجابهة الإفقار والفقر.
    2-            تعبئة كافة الطاقات المادية والبشرية في الداخل والخارج للتأثير على عملية التنمية الشاملة، بالترابط الوثيق مع الاقتصاد العربي من حولنا.
    3-            زيادة الكفاءة في استغلال وتوزيع الموارد، وتفعيل عناصر الأداء الاقتصادي في السلطة، مع تعزيز الشفافية التي ترتكز على التدفق الحر للمعلومات وانفتاح المؤسسات والإدارات على المهتمين بها من الأحزاب والمؤسسات الوطنية بشكل خاص.
    4-            تهيئة البيئة الاستثمارية المحفزة للاستثمار قصير وطويل الأجل، مع توفير الفرص المتكافئة لكافة الفئات الاجتماعية من خلال توفير البيئة التنظيمية والتشريعية السليمة لعمل كل من القطاعين العام والخاص وزيادة قدرة كل منهما على التحرك السريع لمواجهة متطلبات السوق المتغيرة باستمرار.
    5-            تشجيع الاستثمار المباشر، الأجنبي الصديق عموماً والعربي والفلسطيني في الشتات خصوصاً. مع توجيه هذا الاستثمار نحو أولويات التنمية المحلية من خلال التحفيز الملائم لذلك.
    6-            منع الاحتكارات لأي من القطاعات سواء من القطاع الخاص أو العام، وتعميق المنافسة المنضبطة في السوق لكافة المستثمرين في إطار أهداف وشروط الخطة التنموية الوطنية الفلسطينية                                    
    7-            الحفاظ على الثروة البشرية - رأس المال البشري - في الاستثمار والابتكار والتحديث في أوجه الاقتصاد الوطني، بدل هجرتهم للخارج، دون التراجع عن أهمية البحث عن فرص العمل المناسبة لعمالنا العاطلين عن العمل في سوق العمل العربي.
 
ب?-            أساسيات الإصلاح:
    1-              البرنامج الزمني والشمولية : تتطلب عملية الإصلاح برنامجاً زمنياً للمراحل المتتالية لضمان الاستمرارية، إضافة لشموليته بحيث يشمل كافة القطاعات والفئات وذلك بسبب ترابط إجراءات وخطوات الإصلاح نفسها وتأثرها ببعضها البعض، فإصلاح القطاع المصرفي أو المالي أو الصناعي لا يكون مجدياً دون إعادة بناء القطاع العام ومأسسته ، خاصة في هذه المرحلة التي يبدو فيها توجه قيادة السلطة الفلسطينية نحو خصخصة القطاعات والمشاريع الاقتصادية الكبرى من المطار الى الميناء الى المعابر الى المياه علاوة على الكهرباء وتزويد العدو الإسرائيلي بالطاقة، الى جانب المشاريع المشتركة معه، وهو توجه خطير يجب أن تتحمل قوى المعارضة اليسارية تحديداً، دورها ومسؤوليتها في مواجهة هذه السياسة الخطيرة التي لا تخدم سوى مصالح رموز البيروقراطية المتنفذة بالتوافق العضوي مع رأس المال الطفيلي الفلسطيني ورموز الكومبرادور، الأمر الذي سيسبب أضراراً بالغة على الجماهير الفقيرة وسيزيد من معاناتها وحرمانها. كذلك فإن أي خطوات لإصلاح القطاع التجاري دون خطوات متلازمة لتحفيز الإنتاج والإنتاجية تعرض السوق الداخلي لمراجعة شديدة وتعرض الميزان التجاري لعجز وانكشاف خطير، كما وأن إعادة هيكلة المؤسسات الإنتاجية أو تعديل قانون تشجيع الاستثمار دون إصلاح البيئة التشريعية والتنظيمية للعمل الإنتاجي لا يحقق أي نتائج، سوى المزيد من الاعفاءات الضريبية للشرائح الرأسمالية العليا دونما أي فائدة ملموسة للشرائح الفقيرة، ودون إقامة المشاريع الاقتصادية الاستثمارية في المناطق الفقيرة.
    2-              تتابع الإصلاحات وسرعتها: وتكمن المسألة من أين نبدأ في الإصلاح، هل نصلح النظام المالي أولاً أو نصلح النظام المصرفي أو مع بعضهما بالتزامن مع إصلاح القطاع العام، وهكذا بالنسبة للتجارة والأسعار والتشريعات بحيث لا تؤثر على الهدف والنتيجة، وهنا يتوجب البدء في الإصلاحات المحفزة للإنتاج للحد من سلبيات الإصلاحات الأخرى وفق الإصلاح المتدرج بالسرعة الممكنة، وبالتالي إيجاد التوازن السليم بحيث نصل لعملية إصلاح ديناميكية نشطة وفعالة، بما يسهم في إعادة بناء عوامل الاستقرار الاجتماعي والسياسي ارتباطاً بتطبيق أسس الإصلاح الجذري.
    3-              التوقف عن الإنطلاق من مفهوم القرار الفلسطيني المستقل: بما يعني أن عملية الإصلاح يجب أن تنطلق من وضوح الرؤية الاستراتيجية الفلسطينية في إطار الرؤية الاستراتيجية العربية التي تخدم القرار الوطني الفلسطيني، بما يحقق المصالح الاقتصادية الفلسطينية عبر الدور الرئيسي للكفاءات والقيادات الفلسطينية، بعيداً عن شروط وقيود التبعية لاقتصاد العدو الإسرائيلي.
    4-              معوقات إعداد وتنفيذ برنامج الإصلاح والمقومات اللازمة لنجاحه:
سيتعرض برنامج الإصلاح الاقتصادي لمعوقات في إعداده وتنفيذه لاعتبارات فكرية وسياسية واجتماعية وشخصية، حيث سيعارضه الخاسرون من الإصلاح والمنتفعون من غيابه، خاصة في المشهد الغزاوي القادم، سواء كانوا في القيادة السياسية أو في مؤسساتها أو في القطاع الخاص، ومن هنا لضمان نجاح ووضوح هذا البرنامج نقترح:
-       وضوح الخلفية الفكرية التي تشكل قاعدة ومنطلق الرؤية الاستراتيجية لبرنامج الإصلاح.
-       التأييد السياسي للبرنامج من أعلى المستويات والأحزاب والقوى الوطنية الفلسطينية المسنودة بالتأييد الجماهيري.
-       مشاركة مؤسسات ما يسمى به "المجتمع المدني" في إعداده بما في ذلك الاتحادات والنقابات.
-       توفير فريق عمل متخصص ومتجانس في الإعداد والتطبيق ، على أن يتم تشكيل هذا الفريق من عناصر مشهود لهم بالمصداقية والكفاءة العالية والخبرة.
-       تعميق ثقافة المؤسسة والإدارة الصحيحة العصرية في النظام الفلسطيني، حيث أن الإصلاح يجب أن يشمل كافة المؤسسات والوزارات وأجهزة السلطة الحكومية والأهلية دون أية استثناءات أو اعتبارات خاصة.
-       وضوح استقلالية أجهزة القضاء والرقابة حسب الكفاءة والخبرة، إضافة للحد من ازدواجية الصلاحيات في مؤسسات السلطة، بما يوفر الشفافية والكفاءة في تقديم الخدمات وتطبيق برامج الإصلاح المقترحة بإجماع وطني نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.
 
الجوانب والإجراءات المتكاملة للإصلاح الاقتصادي
  
              يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن الإصلاح الاقتصادي لا ينحصر في عدد من الإجراءات الاقتصادية والمالية والنقدية وغيرها لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بل يتطلب تغييرات أساسية في الأطر المؤسسية والقانونية والسياسية لضمان العدالة والاستقرار في النتائج في ظل وجود نظام وطني، يقوم ويستند على ثوابتنا وأهدافنا الوطنية والتنموية كأساس وحيد للتعددية السياسية، دونما اعتماد على أوامر وشروط المقرر الخارجي وأدواته وشخوصه المحلية الفاسدة اقتصادياً والهابطة سياسياً والتي يتوجب النضال من أجل محاسبتها وعزلها.
وفيما يلي الجوانب الرئيسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي:
 
1- إصلاح القطاع العام:
على الرغم من التوجه الإكراهي الراهن نحو الاقتصاد الحر وآلية السوق وتشجيع القطاع الخاص في بلادنا كما في غالبية الدول سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، إلا أن ذلك لا يعني قدرة القطاع الخاص على تحقيق التنمية الشاملة، كما لا يعني التوجه نحو تقليص دور الدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية و بالتالي يظل للدولة الوطنية دور هام في تحقيق التنمية المستقلة.
  ويعرف القطاع العام الحكومي بأنه ذلك القطاع الذي يعمل على تقديم خدمات أساسية تمول من قبل الموازنة العامة للدولة والتي تؤمن إيراداتها بالدرجة الأولى من الضرائب المفروضة على الشعب للمساهمة في تحمل نفقات الخدمات العامة.
   ويتكون القطاع الحكومي الفلسطيني من العديد من الوزارات والهيئات والمؤسسات، تمول من خلال الموازنة العامة للحكومة، في حين تعمل مؤسسات أخرى بصورة مستقلة وخارج إطار الموازنة العامة. وقد نما الجهاز الحكومي بصورة متسارعة من حيث التوسع في تأسيس الوزارات والوحدات الحكومية الجديدة، حيث تبلغ عدد الوزارات والمؤسسات الحكومية حوالي ثلاثة وستين وحدة حكومية تتوزع على حوالي 27 وزارة، إضافة للهيئات والمؤسسات والمراكز واللجان العامة بصورة مستقلة عن الوزارات والمؤسسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية[24].
 وعلى ضوء متابعتنا لهذه المؤسسات يتبين لنا عدم وجود علاقة تنظيمية واضحة بين هذه الهيئات والوزارات واللجان والمراكز والأجهزة ذات العلاقة، إضافة لعدم وجود أنظمة داخلية فعالة لتنظيم عملها.
   أما بالنسبة لقطاع الأعمال الحكومي فهو عبارة عن مؤسسات عامة مملوكة ملكية عامة أو صدرت قرارات رئاسية بتأسيسها وتعمل في قطاعات مختلفة وتأخذ أشكالاً قانونية مختلفة، وهو قطاع ساهم في انتاج وتوليد العديد من العناصر والشخوص الفاسدة بسبب سياسات السلطة الفلسطينية منذ عام 1994 الى اليوم والتي جعلت من هذا القطاع وسيلة للإثراء الفاسد بدلاً من أن يكون وسيلة لتقديم الخدمات أو الدعم الضروري للشرائح الفقيرة، الأمر الذي أفقد القطاع العام في بلادنا جوهره أو رسالته الحقيقية لحساب الطغمة الفاسدة، التي ستعمل جاهدة على تحويل أموالها القذرة السوداء الى أموال "بيضاء" في إطار المشهد الغزاوي القادم وفق " خطة شارون " عبر المشاريع والشركات الخاصة والمشتركة مع العدو الإسرائيلي، الأمر الذي يوضح لنا سبب اندفاع هذه الطغمة في القبول بالمشاريع السياسية الأمريكية الإسرائيلية لضمان مصالحها الاقتصادية الأنانية الجشعة على حساب المشروع الوطني الفلسطيني المعرض للتفكك والإنهيار.
 
وفيما يلي استعراض لأهم خصائص مؤسسات القطاع العام:-
-       عدم توفر تعريف إداري أو قانوني للعديد من مسميات الوحدات الحكومية أو منشآت الحكومة الهادفة وغير الهادفة للربح مثل الهيئات العامة ( كهيئة البترول والرقابة والتأمين والمعاشات... )، والسلطات العامة ( كسلطة الطاقة والنقد ) والمؤسسات العامة كمؤسسة المواصفات والمقاييس، إضافة للشركة التجارية الفلسطينية، وبكدار، ومجلس الإسكان، وشركة تطوير فلسطين، والمؤسسة المصرفية، وصندوق البطالة.
-       تعدد الأشكال التي تنتظم فيها أنشطة الأعمال الحكومية في صورة شركات مساهمة عامة وخاصة عبر شركات وهيئات ومصالح ومنظمات غير هادفة للربح.
-       نقص البيانات المعلنة من حيث حجم الأعمال والحسابات الختامية للشركات الحكومية.
-       عدم توريد جميع إيرادات المشاريع الحكومية بصورة واضحة للموازنة العامة الفلسطينية.
-       معظم أعضاء مجلس الإدارة والمديرين في منشآت الأعمال الحكومية ، هم من الوزراء وكبار المسئولين في السلطة الفلسطينية !!.
-       معظم السلطات والهيئات والوحدات الحكومية والشركات المساهمة العامة الحكومية والمختصة ، تعمل بدون وجود نظم داخلية لها تحدد آلية عملها وإطارها الإداري والمالي، وإذا وجدت فلا رقابة جدية عليها، وإذا توفرت الرقابة فلا حساب ولا عقاب لأننا وصلنا الى- أحوال في قمة هرم السلطة- أصبح فيها المكلف بالعقاب والحساب، لا يملك الجرأة أو الشجاعة على إصدار القرار، فيما البعض الآخر من هؤلاء مشترك في إطار الفساد والإفساد بحيث يبدو أنه الأولى بالحساب والعقاب.
-       ترفض العديد من المؤسسات والشركات الحكومية التعاون مع هيئة الرقابة العامة وحتى بعض البلديات ترفض الرقابة على حساباتها، مما أدى لظهور المخالفات والتناقضات القانونية والإدارية والمالية التي تتخلل عمل القطاع العام الحكومي وبعض الوحدات والوزارات الحكومية، وزاد من تفاقم عوامل الخلل الإداري والفساد المالي فيها.
هذا ويشكل القطاع العام بشقيه الهادف لتقديم خدمات عامة أو لتحقيق الربح جزءاً هاماً في مكونات الإنتاج الفلسطيني، كما أنه يلعب دوراً رئيساً في استيعاب- جزء هام- من القوى العاملة تبلغ نسبته حوالي 22% من إجمالي القوى العاملة، إلا أن المشكلة تندرج في عدم تنظيمه وإهمال الجوانب القانونية والمالية والإدارية وتعارض السياسات الحكومية المتبعة وغياب إطار عام – مركزي – ينظم ويقنن عمل هذا القطاع لما فيه المصلحة الوطنية وبالتالي يتوجب تفعيل دور القطاع العام وأنشطته التجارية من خلال:-
    1-            التطبيق الفعال لبنود القانون الأساسي للسلطة الوطنية المرتبطة بالأوضاع الاقتصادية، والعمل على حماية المشاريع الكبرى، المطار والميناء والمعابر، والغاز والمحروقات والمياه والمشاريع الاقتصادية الكبرى ، وإبقاءها ضمن القطاع العام شرط تطويره وتقنينه بما يخدم مصالح القطاعات الواسعة من الجمهور.
    2-            تفعيل الجهات الرقابية الممثلة في هيئة الرقابة العامة حسب الاختصاص في الإشراف والمتابعة لعمل المؤسسات الحكومية والتنسيق مع دوائر الرقابة في كل المؤسسات الحكومية وإعداد تقارير سرية يتم التعامل مع نتائجها من قبل هيئة عليا تتكون من كافة القوى السياسية الى جانب الوزارات المعنية.
    3-            منع ممارسة أي عضو في القيادة السياسية أو الأجهزة الأمنية أو المسئولين في المؤسسات الحكومية على جميع مستويات السلطة الوطنية لأي نشاطات استثمارية مباشرة أو غير مباشرة أو أي نفوذ خارج صلاحيات وظيفته، لمحاربة التلوث والفساد الإداري والمالي وإعطاء الفرصة للقطاع الخاص في إطار التخطيط وشروط الخطة التنموية الوطنية، في العمل باستقلالية كاملة وبدون مزاحمة من قبل ما يسمى عندنا بالقطاع العام، بعد أن فقد دوره ووظيفته الحقيقية لحساب الثروات غير المشروعة والاحتكارات الضارة.
    4-            توحيد جميع القوانين والإجراءات والتعميمات الإدارية والمالية في كافة مؤسسات السلطة الفلسطينية ما بين المحافظات الشمالية والمحافظات الجنوبية سواء فيما يخص عمل موظفين القطاع العام أو التعامل مع الجمهور، إضافة لتوضيح الإطار القانوني لمساهمة أي مؤسسات السلطة الوطنية في تشكيل شركات أو ممارسة أنشطة هادفة للربح.
    5-            إصدار القوانين المطلوبة لتوضيح الوضع القانوني للوحدات والشركات الحكومية، وإلزامها بالإعلان عن حساباتها الختامية بصورة دورية للرأي العام.
    6-            إيلاء عنصر الإدارة السليمة أهمية كبيرة، مع اختيار الإدارة الكفؤ والفاعلة والمدربة فنياً واقتصادياً ذات المصداقية العالية مع استخدام وسائل الإدارة الحديثة في جميع المستويات وتبسيط أساليب العمل الإداري وتحديثه ليتوافق مع متطلبات الإصلاح والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
    7-            تطبيق مبدأ استقلال القضاء في ظل ممارسة الديمقراطية والشفافية ووضوح القوانين والإجراءات العامة والشاملة، مع توفير كادر متخصص وعلى درجة عالية من الكفاءة والخبرة في جميع المؤسسات القضائية لتطبيق هذه القوانين بكل أمانة ونزاهة ومسؤولية وطنية، والمطالبة بعزل كل من تدور حوله الشبهات في السلطة القضائية
    8-          تفعيل دور وزارة التخطيط في إعداد الخطط التنموية لكافة قطاعات الاقتصاد الوطني بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية ذات العلاقة، وفق استراتيجية علمية واقعية شاملة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لكافة فئات المجتمع الفلسطيني.
    9-          سن قانون لمنع الاحتكار لأي من السلع أو الخدمات في مناخ تسوده العدالة والمنافسة المنضبطة.
10-          وضوح ومراقبة جميع استثمارات السلطة الفلسطينية، ضمن مراجعة دورية لأدائها وخططها المستقبلية بما يضمن عدم مضاربة القطاع الخاص في الصناعة والزراعة خصوصاً، أو تحميل أعبائها المالية أو الإدارية على موازنة القطاع العام، إضافة لدمج جميع إيراداتها ضمن خزينة وزارة المالية الموحدة.
 
وأخيراً يجب العمل تدريجياً في تحقيق العناصر المقترحة بدون التأثير السلبي على العمل الحالي، حتى يتم إعادة هيكلة جميع المؤسسات ضمن هيكليات واضحة وتوحيد الإجراءات الرقابية والقانونية والإدارية والمالية حتى يصبح قطاعاً عاماً رائداً في خدمة العملية الإنتاجية والتنموية.
 
2- إصلاح القطاع الخاص:
    لكي نجعل القطاع الخاص قطاعاً ديناميكياً وأكثر إنتاجية والتزاماً بالتنمية وبالاستثمار الوطني، واقل اعتماداً على نشاط الوساطة والربح السريع، ينبغي العمل على:
         أ?-      التدخل غير المباشر في أداء القطاع الخاص عبر التخطيط التأشيري، وفي إطار المرجعية القانونية والتنظيمية الفلسطينية، وتقييد حرية السوق بصورة نسبية، من خلال إتباع سياسات الحماية والمنع واستخدام التعرفة الجمركية، ورفعها خاصة على السلع الكمالية، مع استمرار تقديم الحوافز الملائمة لتطوير عمل القطاع الخاص عموماً، وفي الصناعة والزراعة بشكل خاص.
  ب?-        تحفيز روح المبادرة للتوجه نحو الصناعات والخدمات الأكثر أهمية في استيعاب الأيدي العاملة وإنتاجاً للقيمة المضافة، وتحسين جودة المنتجات للقدرة على المنافسة والتطور في إطار تشجيع قيام الشركات المساهمة العامة الصناعية، الزراعية، التجارية.
  ت?-        تدعيم قيام شركات الأموال والشركات المساهمة إلى جانب الشركات العادية الفردية، لتلعب دوراً أكبر في التكوين الإنتاجي، إضافة لتدعيم قيام القطاع التعاوني في المناطق الفقيرة في الريف والمدن والمخيمات، وهذا يتطلب تفعيل مجموعة من المؤسسات التي تشكل وعاء حاضناً للشركات المساهمة التعاونية مثل صناديق الاستثمار وبعض المنظمات غير الحكومية المتخصصة.
  ث?-        إقامة مناطق وتجمعات صناعية وفق الشروط والمعايير المتعارف عليها دولياً كمصلحة اقتصادية وطنية، يمكن أن تكون من خلال شراكة عربية بعيداً عن الهيمنة الإسرائيلية، مع ضرورة تسهيل إجراءات إقامة المنشآت فيها.
  ج?-         توفير الفرص المتكافئة لجميع المستثمرين – الفلسطينيين والعرب خصوصا - وبشفافية كاملة في ظل سيادة روح القانون والرقابة الدورية على الأداء والإنتاجية.... الخ في إطار التخطيط المسبق للعملية الاستثمارية في فلسطين ارتباطاً بالرؤية الوطنية التنموية.
  ح?-         إمكانية توفير الدعم المادي والفني لإعادة هيكلة القطاعات الإنتاجية القادرة على المنافسة في شتى المجالات – الإنتاجية، الفنية، التسويقية، الإدارية – لتعزيز قدرتها التنافسية في ظل الاقتصاد الإقليمي والعربي المحكوم بآليات اقتصاد العولمة، انطلاقاً من أهدافنا في إلغاء التبعية لاقتصاد العدو الإسرائيلي.
  خ?-         تحفيز الاتحادات الصناعية وأصحاب المنشآت الصناعية على التكامل والشراكة الصناعية بين الصناعات المتشابهة لزيادة التخصص وتقليل التكاليف وتحقيق وفورات اقتصادية، مع توفير حاضنات فنية تخدم كافة الصناعات ذات الاختصاص والوقف التدريجي للاعتماد على السوق الإسرائيلي في توفير المواد الخام وغيرها من السلع.
           وفي ظل توفر هذه العوامل سيتمكن القطاع الخاص من تطوير منشآته وزيادة إنتاجيتها بما يوفر التنمية الاقتصادية والاجتماعية بصورة تكاملية مع القطاع العام، ضمن ضوابط وشروط الخطة التنموية الوطنية الفلسطينية.
 
 
3- إصلاح القطاع المصرفي:-
  
    يتحقق الإصلاح المصرفي من خلال مجموعة من العمليات الشاملة والمستمرة التي تتضمن إعادة الهيكلة وتطوير الأنظمة والقوانين والتشريعات بحيث تساهم في زيادة حجم الإقراض والإيداع وتحسين الخدمات المصرفية، الأمر الذي ينعكس إيجابياً على قطاعات الاقتصاد الوطني.
   وتعبر المؤشرات المصرفية – الودائع، القروض، نسبة القروض للودائع – عن حالة الاقتصاد الوطني، فكلما زادت حجم الودائع وانخفضت حجم القروض كلما وصفنا الحالة بالركود، والعكس يعبر عن رواجاً اقتصادياً، وما نشهده في الأراضي الفلسطينية من انخفاض في نسبة القروض للودائع يعبر عن حالة الركود، رغم ارتفاع الودائع الى ما يقرب من 5 مليار دولار في عام 2005 كما أشرنا من قبل.
      وفي هذا السياق يتوجب اتخاذ بعض الإجراءات لتفعيل دور القطاع المصرفي في التنمية الاقتصادية من خلال:
- إعطاء صلاحيات واسعة لمجالس إدارات البنوك وفروعها كل في موقعه، من أجل السرعة في اتخاذ القرارات والحد من تهرب الزبائن لمصارف أخرى وخصوصاً بالنسبة للبنوك الأجنبية، والوقف التدريجي للتعامل مع البنوك الإسرائيلية.
-     إقامة نظام متطور للرقابة على نشاط البنوك يشمل الرقابة على إدارتها وأموالها ومحافظها الاستثمارية وسيولتها وملاءمتها لتفادي الأزمات.
-     إدخال عنصر المنافسة إلى العمل المصرفي والتأكيد على استقلالية المصارف في قرارات التسليف.
-     إعادة هيكلة البنية المالية والإدارية للمصارف القائمة، وإقامة برامج تدريبية مكثفة للعاملين فيها بما يتلاءم والتطورات المصرفية العالمية.
-     تطوير أنظمة العمليات المصرفية المعمول بها بما يتناسب والظروف الجديدة، وذلك من خلال تعديل نسب وشروط الإقراض وآلية الحصول على القرض والكفالات والضمانات والرهونات المطلوبة وفترة الحصول على القرض، وتقديم كافة التسهيلات للمشاريع الصناعية والزراعية والتعاونية
-     العمل على إقامة مؤسسة مستقلة لضمان القروض وخاصة طويلة الأجل لزيادة الحافز لدى البنوك في تمويل المشاريع الإنتاجية ذات المخاطرة المرتفعة في ظل هذه الظروف، مع دراسة أي مشروع من خلال لجنة مختصة في دراسات الجدوى من جميع الجوانب، على أن يتم دعم هذه المؤسسة من قبل سلطة النقد الفلسطينية.
-     تطوير البنية المالية التحتية وتطوير السوق المالي، مع وضع قواعد للإفصاح المالي من قبل الشركات وإقامة جهات رقابية كفؤة للإشراف على تطبيق هذه القواعد.
-     ربط الإصلاح المصرفي ببرامج الإصلاح الاقتصادي وخصوصاً القطاع العام والإصلاح المالي والتشريعي، فحين تتوفر البنية التشريعية والتنظيمية والإدارية والمالية المناسبة لعمل القطاع الخاص، وتسود الشفافية والمساواة في التطبيق، ينعكس على تشجيع السكان في إيداع أموالهم المكتنزة للمصارف وزيادة التسهيلات المصرفية الموجهة للقطاعات الاقتصادية وتأثيرها على التنمية الاقتصادية.
 
 
4- الإصلاح المالي:
 
      إن صياغة وتطبيق سياسة واضحة وهادفة لاستكمال برنامج الإصلاح يمكن تحقيقها من خلال:
-     الإصلاح الضريبي الهادف لتبسيط هيكل الضريبة وتعديل فئاتها بشكل يحفز على السداد وعدم التهرب والحد من المنازعات الضريبية، إضافة لدعم مستلزمات الإنتاج، بما يتماشى مع أهداف المرحلة المقبلة في سبيل حفز الطلب الكلي وتشجيع الاستثمارات والمدخرات لدفع عملية التنمية.
-     ترشيد وتفعيل الإنفاق العام بما يضمن عدم الإسراف في الإنفاق، ومراعاة توزيعه على الخدمات المختلفة، بما يساعد على وقف تراكم الديون على السلطة،وهي ديون غير مبررة وصلت الى ما يزيد عن 2 مليار دولار، وبما يساعد على تحقيق العدالة الاجتماعية ومراعاة محدودي الدخل إلى جانب تحقيق التنمية المتوازنة جغرافياً، ومن ناحية أخرى عدم إسراف أي نفقات استثمارية إلا من خلال إعداد دراسات جدوى حقيقية وبأساليب علمية بما تحقق تطوير البنية التحتية الجاذبة للاستثمار.
-     تفعيل مصادر الإيرادات العامة وتوحيدها في حساب موحد ضمن شفافية وكفاءة إدارية عالية، وخاصة استثمارات السلطة الفلسطينية أو ما يتبقى من هذه الاستثمارات!!.
-     تطبيق سياسة مالية هادفة لتحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال التخطيط الجيد والموضوعي للموازنة العامة مع ضمان إقرارها في الوقت المحدد حسب القانون، وضمان تنفيذها، إضافة للحد من الاقتراض الداخلي أو الخارجي وخاصة لتغطية النفقات الجارية.
-     استقلالية حسابات وأموال الهيئة العامة للتأمين والمعاشات، والتأمينات الاجتماعية الأخرى عن حسابات الموازنة العامة للسلطة، مع تشغيلها في مؤسسات إنتاجية لتنميتها والحفاظ على حقوق الموظفين والمتقاعدين.
-     ربط جميع حسابات السلطة الوطنية بوحدة نقد حسابية فلسطينية بالتنسيق مع سلطة النقد الفلسطينية في سبيل تهيئة الظروف الفنية والسياسية والاقتصادية لتقبل النقد الفلسطيني حين إصداره في الوقت المناسب.
العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد
-     وذلك من خلال ما يلي:
-     دراسة الوضع الحالي للخدمات التعليمية والصحية وأوضاع السكن ومستويات المعيشة، إضافة لتطور مؤشرات التنمية البشرية والقضايا البيئية والثقافية، في سبيل وضع الحلول الممكنة لمعالجة القصور في أي الجوانب الاجتماعية.
-     في ظل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي يمكن أن ينعكس بعض آثاره على معدلات البطالة والفقر، وبالتالي يجب الأخذ بعين الاعتبار معالجة أي تأثيرات سلبية لتطبيق برنامج الإصلاح، بما يحقق الحد الأدنى الضروري لتأمين المستلزمات الاساسية للشرائح الفقيرة.
-     وضع برنامج لتنمية إسهام المرأة في التنمية وتنويع مجالات العمل لها من خلال تدريبها وتأهيلها.
-     التأكيد على نوعية التعليم العالي، وملاءمته مع متطلبات السوق كأداة من أدوات معالجة القضايا الاجتماعية ومكافحة البطالة والفقر مثلما هو أداة من أدوات زيادة الإنتاجية في القطاعات الاقتصادية وتعزيز القدرة التنافسية لها.
-     ترسيخ مبدأ الديمقراطية وتكافؤ الفرص وتوفير الشفافية لجميع أفراد وفئات المجتمع، لضمان الحد من الفساد والفجوة بين الطبقات الاجتماعية والإثراء غير المشروع.
 
6- تفعيل دور المؤسسات الأهلية:
 
يجب أن تتضمن عملية الإصلاح الاقتصادي، تفعيل المؤسسات الأهلية أو ما يسمى "مؤسسات" "المجتمع المدني" لتعمل مع مؤسسات السلطة والمؤسسات ذات العلاقة بأحزاب وفصائل المعارضة، في إعداد الخطط وإصدار القرارات والمتابعة والمساءلة. حيث أن تشتت العلاقة بين هذه المؤسسات، أدى الى المزيد من التشرذم والانفلات في إطار العلاقة المشوهة مع المقرر أو الممول الخارجي والمصالح الشخصية، وحيث أن معظم المؤسسات الاهلية NGOS لم تسهم في التنمية في إطار الرؤية الوطنية وشروطها،واستجابة لشروط الممول الخارجي الذي يخطط بدوره لمزيد من تخريب هذه المؤسسات وشخوصها وتحويلهم الى أداة طيعه له ولسياساته الضارة على مستقبلنا الوطني والمجتمعي الداخلي.
    وفي هذا السياق يستلزم التخطيط والرقابة والمتابعة من كافة الفصائل والقوى،على عمل مؤسسات "المجتمع المدني" المنتشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة بغرض ضمان تحقيق الأهداف الوطنية والاقتصادية والاجتماعية من خلال تنفيذ البرامج المختلفة من قبل هذه المؤسسات والحد من ازدواجية عملها وتبعثر جهودها لتتماشى مع جهود الإصلاح الوطني المقترحة وضمان الشفافية والمساواة أمام القانون .
 
 
وأخيراً من الواضح أن الإصلاح الاقتصادي الذي نسعى لتطبيقه ليس فقط مجرد إجراءات مالية أو اقتصادية، بل إنه يتطلب أيضاً تغييرات مؤسسية وإرادة سياسية كما أوضحنا، وخاصة إذا أردنا تحقيق نجاح ملموس فيما يتعلق بتوفير بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات ومحفزة للإنتاج، دون أن نترك طاقات إنتاجية معطلة سواء كانت مادية أو بشرية من ناحية والتأثير على المستوى المعيشي لكافة أفراد المجتمع من ناحية أخرى، وبالتالي تعزيز القدرة الذاتية للقطاعات الاقتصادية الفلسطينية وكسر وإلغاء التبعية للاقتصاد الإسرائيلي ، التي تشكل قيدا على برنامجنا ومشروعنا الوطني وتطلعات شعبنا في الانعتاق والتحرر والعدالة الاجتماعية ، ولذلك فإننا حينما نتحدث عن الديمقراطية والحريات والانتخابات وحقوق الإنسان والتنمية ، في ظل غياب النظام الدستوري الذي يقنن هذه المفاهيم ويضع حدودا صارمة للحقوق والواجبات عبر أجهزة تنفيذية تخضع كليا لذلك النظام والقانون العادل ، فإنه يصبح من الوهم الحديث عن الإصلاح السياسي الذي يخدم هدف التحرر الوطني ، أو الإصلاح الاقتصادي الذي يخدم هدف التطور الديمقراطي الداخلي ، لذلك فإن المطلوب هو الاحتكام إلى الوضوح والشفافية ، والتطبيق الديمقراطي العملي لهذه المفاهيم من جهة ولكافة وظائف السلطة وفق نظام ديمقراطي دستوري يقوم على أن الشعب هو مصدر السلطات من جهة أخرى ، بعيدا عن الاشتراطات الإسرائيلية/الأمريكية وتدخلها تحت ذريعة "الإصلاح" ، "والديمقراطية الليبرالية" التي ستؤدي بشعبنا وقضاياه الوطنية إلى مزيد من الهبوط والتراجع ، بما يفرض علينا استكمال صياغة أنظمتنا ودستورنا وقوانيننا بما يتفق مع مصالح وتطلعات شعبنا من ناحية ويتناقض جذريا مع الاشتراطات والذرائع الأمريكية الصهيونية من ناحية ثانية .
 
 
 
 
 


[1] نقصد بالتخطيط المركزي أ- حسن استغلال موارد المجتمع الطبيعية والمادية والبشرية بحيث يمكن تحقيق معدلات نمو متقدمة بالنسبة للناتج القومي.ب- ضمان العدالة في توزيع الدخل القومي. ج- التنسيق بين الخطة المركزية وبين القرارات التي تتخذها المؤسسات العاملة في القطاع الخاص في إطار الاستثمار والإنتاج والتشغيل والأجور والأسعار. .. الخ.( موسوعة المصطلحات الاقتصادية- د. عبد العزيز هيكل- دار النهضة بيروت- ص8.3 )
 
 
[2] د. صبري أبو زيد – أسس التخطيط الاقتصادي- مكتبة الجلاء- القاهرة- 1985- ص 13-19
3 المصدر السابق- ص20
4 بما في ذلك التخطيط الداخلي في التنظيم
 
 
 
[5] د. كريمة كريم- التخطيط العيني والمالي للاقتصاد القومي- دار النهضة العربية- بيروت- 1981-ص117-118
[6] معهد أبحاث السياسة  الاقتصادية الفلسطيني ( ماس، المراقب الاقتصادي ، عدد رقم 10، 2003، ص 42-43
[7] المصدر السابق صفحة المؤشرات
[8] تم حساب الأرقام من خلال  قسمة بيانات القيمة المضافة الإجمالية للقطاع الصناعي على قيمة الناتج المحلي الإجمالي لعامي 2001-2002 حسب البيانات غير المنشورة للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أما بالنسبة للعام 2003 فقد تم تقديرها بنفس الطريقة على أساس أن إجمالي القيمة المضافة للصناعة بلغت 481.5 مليون دولار  حسب نفس المصدر، علماً بأننا قمنا بتقدير الناتج المحلي الإجمالي لعام 2003 بحوالي 3500 مليون دولار
[9]  باسم مكحول، الاستثمار والبيئة الاستثمارية في الضفة الغربية وقطاع غزة، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية ( ماس )، رام الله، كانون ثاني 2002، ص46.
 
[10] المراقب الاقتصادي، عدد رقم ( 10 )، مصدر سابق ذكره، صفحة المؤشرات
[11] المصدر السابق، صفحة المؤشرات.
[12] المراقب الاقتصادي، عدد ( 10) ، مصدر سابق ذكره، صفحة المؤشرات
[13] تقرير فريق العمل ( ميشيل روكار ) وتقوية مؤسسات السلطة- الملخص التنفيذي- 1999-
[14] المصدر  السابق
[15] المصدر السابق
[16] مصدر سابق ص6
[17] على سبيل المثال بلغ الطلب الكلي الفلسطيني لعام 2001 ( 5575.8 ) مليون دولار فيما بلغ إجمالي الناتج المحلي لنفس العام ( 3441.3 ) مليون دولار، وبالتالي فإن الفجوة أو العجز يبلغ ( 2134.5 ) مليون دولار ( المصدر ماس- المراقب الاقتصادي- عدد10 – 2003 – ص 96)
[18] المصدر السابق ص23.
[19] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني –نتائج المسح القوى العاملة -29 تموز 2004 ص 10
[20] المصدر السابق –ص12
[21] بلغ عدد السكان في الضفة والقطاع في نهاية عام 2003 (3721543 ) نسمة وبلغ مجموع القوى العاملة الفلسطينية لهذا العـام ( 831) ألف شخص بنسبة بطالة 28.6 ما يعادل (237 ) ألف شخص، بحيث تكون العمالة الفعلية ( 593334 ) شخص وبالتالي فإن معدل الإعالة لكل من هؤلاء تكون 6.3 فرد.
[22] د. جورج العبد- مؤتمر صحفي بتاريخ 23/04/2005
[23]  عبد الفتاح نصر الله، إصدار العملة الفلسطينية. الواقع والإمكانيات، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة النجاح الوطنية، 2001.
[24] د. فضل صبري، القطاع العام الفلسطيني، 2003.



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع أ.غازي الصورانـي حــول : قضايا الثقافة الفلسطينية وا ...
- ورقة/ تعقيب على مداخلتين حول: أثر التطورات المحلية والعالمية ...
- أي تنميـــة لفلســطيــن ؟ الواقـــع والآفـــاق
- القصور والعجز الذاتي في أحزاب وفصائل اليسار العربي ... دعوة ...
- الآثار الاقتصادية الناجمة عن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة
- حول مفهوم الثقافة ... وأزمة الثقافة في فلسطين
- المأزق الفلسطيني الراهن
- الدستور الفلسطيني ومفهوم التنمية
- كلمة غازي الصورانـي في : المهرجان الجماهيري التضامني مع بيت ...
- الاقتصاد الفلسطيني ... تحليل ورؤية نقدية
- التحولات الاجتماعية ودور اليسـار في المجتمع الفلسطيني
- الطبقة العاملـة والعمل النقابي في فلسطين ودور اليسار في المر ...
- مجتمع المعرفة في الوطن العربي في ظل العولمة - على هامش اصدار ...
- ورقة أولية حـول : الإشكاليات التاريخية والمعاصرة لهيئات الحك ...
- الاصدقاء الاعزاء في منتدى الحوار المتمدن
- التشكيلة الرأسمالية وظهور الفلسفة الماركسية
- حول فلسفة هيجل وفيورباخ
- الفلسفة الأوروبية الحديثة(1) عصر النهضة وتطور الفلسفة الأورو ...
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية ) والفلسفة ...
- -محاضرات أولية في الفلسفة وتطورها التاريخي - مدخل أولي في ال ...


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - الإصـــــلاح الاقتصـــــادي ضرورة تنموية وطنية