|
خاتمة كتاب الميراث : تشريع الميراث الاسلامى صمام أمن للمجتمع
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 4353 - 2014 / 2 / 2 - 22:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أولا : 1 ـ (الفرد ) هو أساس المجتمع الغربى ، ويحرص التشريع الغربى على حق الفرد فى تحقيق سعادته مهما تعارضت مع سعادة الآخرين ، لذا تنهار الأُسر ، وينشأ الأفراد فى ظل أسر بديلة أو بلا أب أو أب ليس هو الأب الحقيقى ، ويبادر الشاب على الاعتماد على نفسه سريعا ، يدخل فى صراع لا يهدأ ولا يتوقف فى مجتمع تتركّز فيه الأنانية والتنافس والتكالب والصراع ، ويظل الفرد فى حمأة هذا الصراع الى أن تدركه الشيخوخة فيجد نفسه ـ إن نجح وصار من أصحاب الملايين ـ وحيدا . ويفتقد الفرد الغربى دفء الأسرة فيعوّض هذا بالانتماء الى النوادى والمنظمات والجمعيات والجماعات تعويضا عن الأسرة الى فقدها . ( الأسرة ) هى أساس المجتمع ( الشرقى العربى ) لذا تنمحى شخصية الفرد لصالح الأكبر سِنّا الذى ليس هو بالضرورة الأعقل أو الأعلم ، وتسود قيمة ( الأب ) و ( الأخ الأكبر ) وقيم المجتمع الذكورى من إستبداد وإضطهاد للمرأة وتخلف وتغييب لدور العقل والابداع لصالح ما وجدنا عليه آباءنا . فى الاسلام توازن رائع بين ( الفرد ) و ( الأسرة ) لصالح المجتمع الذى تمثله سُلطة تخدم هذا المجتمع ولا تحكمه . من ملامح هذا التوازن مسئولية الفرد الشخصية عن دينه يوم القيامة أمام رب العزة جل وعلا ، ومسئوليته عن مشاركته فى مجتمعه تفاعلا بالخير، فهناك حق لله جل وعلا مؤجل الحساب عليه يوم القيامة ، وهناك حق للمجتمع يؤاخذ به الفرد فى الآخرة ، وأيضا فى الدنيا أمام السُّلطة المجتمعية رعاية لحق هذا المجتمع فى الأمن والعدل . ويتجلى هذا التوازن أكثر فى تشريعات الاسلام الاقتصادية ، وخصوصا تشريع الميراث . ثانيا : 1 ـ فى تشريع الميراث تجد العناصر الثلاث : الفرد ، والأقارب ، والسلطة الاجتماعية . الفرد هو المأمور قبيل موته وهو يودّع الدنيا أن يترك خيرا وهو الوصية لأقرب الناس اليه مع الوالدين ، حرصا على تحقيق العدل ، ويكون المجتمع رقيبا وحارسا على الوصية وعلى رعاية مال اليتيم . الأهمية العُظمى هى فى ( الأقربين وذى القربى ) وهم الحلقة الوسطى بين الفرد والمجتمع ، وسلطته المسئولة ، وهم يحصلون على حقهم فى الميراث :( النساء 7 ، 8 ) وحقهم المالى فى الوصية : (البقرة 180 ). 2 ـ وتشريعات القرآن منظومة متكاملة تؤخذ جميعا ، وبهذا الخصوص نرى الأمر بإعطاء الأقارب ( النحل 90 )، ويُضاف اليهم المساكين وابن السبيل :( الاسراء 26) ( الروم 38) واليتامى فى الصدقة الفردية ( البقرة 215)، والسائلون : (البقرة 177) والمهاجرون :( النور22 ). كل هذا يدخل فى الانفاق أو التصدق الفردى ، فكل فرد عليه أن يعطى الحقوق المالية للوالدين والأقربين والأقارب واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين والمهاجرين، هذا بالاضافة الى التوزيع الرسمى للصدقات (التوبة 60) والغنائم : (الانفال 41 ) ، وما يدخل الى خزينة الدولة من ( فىء ) أو دخل ( ضرائب) يجب إعطاؤه لذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل : (الحشر 7 ). 3 ـ إعطاء الحقوق المالية لا يكفى ، فقد يكون هناك أقارب لا يحتاجون الى المال ، ولكن بلا شك يهتمون بالحنان والرعاية والاهتمام ، أو بالتعبير القرآنى ( الاحسان ) . إنّ الأمر بالاحسان للوالدين والأقارب واليتامى والمساكين وأن نقول للناس حُسنا جاء ضمن الأوامر الالهية ( البقرة 83 ) ، وبالاحسان تكون الصدقة نابعة من شعور المتصدق أنه يعطى حقا عليه للمستحق للصدقة ، ولا بد أن يعطيه هذا الحق بلا منّ ولا أذى ، بل بما يحفظ على المستحقّ كرامته . ويشمل هذا الاحسان ـ بالاضافة للوالدين والأقارب واليتامى والمساكين وابن السبيل ـ الجيران والأصحاب ( النساء 36 ). هو مجتمع المودة الذى يشمل الأهل والأقارب ، فالرسول لا يسأل أجرا سوى المودة لذوى القربى :( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) الشورى ). ثالثا : 1 ـ المستفاد مما سبق : الارتباط بين العطاء المادى والمودة والاحسان فى تعامل الفرد مع والديه وأقاربه ، وأن يشمل هذا دوائر متداخلة ومحيطة بالفرد وأسرته من الفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل والسائلين والجيران والأصحاب . كما يشمل هذا تعامل الفرد وتعامل الدولة فى الصدقات الرسمية وفى الغنائم والفىء أو الدخل الذى يفىء أو يدخل الى خزينة الدولة . هذه الدوائر تتداخل وتتسع لتشمل المجتمع كله ، بمختلف طوائفه ، من الأسرة الى المجتمع كله . هذا التداخل يحمل فى داخله العطاء المالى والعطاء المعنوى من تعاطف وبرّ وإحسان . 2 ـ فى التطبيق لهذا ، نتصور مجتمعا يتكون من مليون أسرة ، أو عشرة ملايين فرد . فى داخل كل أسرة عدة أفراد مُطالبون بإيتاء الصدقة والميراث والوصية وبالاحسان والرعاية للأسرة . أى لدينا عدة ملايين من الأفراد يُعطون حقوق ذوى القربى وغيرهم ، أى لدينا أغلبية من السكان تقوم مع الدولة على رعاية المستضعفين والمحتاجين ، بحيث يجد الفقير والمسكين والأقارب والجيران والأصحاب وحتى الغرباء ( ابناء السبيل ) حقوقهم فى الرعاية والكفالة الاجتماعية . مجتمع مترابط متماسك متكافل كهذا لا خوف عليه من الانفجار الداخلى أو السقوط أمام عدو معتدى . 3 ـ فى هذا المجتمع يأمن الأب والأم فى شيخوختهما ، ويأمن الطفل اليتيم على حقوقه ، ويأمن الأقارب والجيران والفقراء والمساكين وحتى أبناء السبيل . وحين يقترب الفرد المؤمن من الموت يوصى بجزء من ثروته للأقربين لاتمام العدل ، وقد يكتب بعض حقوق لأقاربه على أنها ديون عليه ، ويتم تنفيذ الوصية وسداد الديون قبل توزيع التركة ، وقبلها إذا حضر أقاربه من غير الورثة توزيع التركة يأخذون صدقة ويسمعون قولا معروفا وإحسانا فى التعامل . وفى مجتمع يسوده الحب والتعاطف والعدل والاحسان لا بد للسلطة الاجتماعية فيه أن تُعبّر عن هذا المجتمع لأنها منه ولأنها تخدمه ولا تحكمه . 4 ـ وهذا مجرد ملمح من ملامح المجتمع الاسلامى . ولقد إقتصرنا على دور تشريع الميراث ضمن تشريعات الصدقة فى بناء مجتمع سعيد وصحّى ونظيف . أما عن دور التشريع السنى فى الميراث وغيره فى تكوين طبقة أقلية من المترفين تدمّر المجتمع وتُلقى به الى التهلكة ، فقد تكلمنا فى هذا كثيرا .
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هجص الوصية عند السنيين
-
هجص توريث من لا يستحق
-
كتاب الميراث: ب2 ف 2 (هجص فى موانع الارث )
-
كتاب الميراث: ب2 ف 1 هجص ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر ا
...
-
كتاب الميراث : الردّ والعول :
-
كتاب الميراث : تقسيم الميراث
-
كتاب الميراث : تطبيق الوصية وسداد الديون
-
دور الدولة الاسلامية والفرد المسلم فى تطبيق الوصية والميراث
...
-
كتاب الميراث : لمحة عن المعروف وتطبيق الشريعة الاسلامية
-
كتاب الميراث : الورثة هم فقط ( الأقربون ) وليسوا ( أولى القر
...
-
كتاب الميراث : العدل فى تشريع الميراث : بين العدل والمساواة
-
التقوى المقصد الأسمى لتشريع الميراث فى القرآن الكريم
-
كتاب الميراث : ب1 ف2 : مقاربة إصطلاحية : مفهوم : وصّى .
-
كتاب الميراث : المقدمة ، والفصل الأول من الباب الأول
-
( هل كانت النبوة فى النساء ؟..نعم .!) ردُ على تعليق هام .!
-
هل كانت النبوة فى النساء ؟..نعم .!
-
إستمرار تأثير أحاديث الشفاعة فى البخارى فى ميدان الانحلال
-
الشفاعة الحنبلية ونشر الانحلال الخلقى فى العصر العباسى الثان
...
-
الحنابلة وإضطهاد أهل الكتاب ب 5 ف 10
-
أملا فى أن يتطهّر موقع ( أهل القرآن ) من هذا الغباء
المزيد.....
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|