أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدون هليل - حوار مع الدكتور أسعد الامارة















المزيد.....


حوار مع الدكتور أسعد الامارة


سعدون هليل

الحوار المتمدن-العدد: 4352 - 2014 / 2 / 1 - 14:55
المحور: الادب والفن
    


الدكتور أسعد الإمارة " الراهن العربي من الاستبداد
حاوره:سعدون هليل

الدكتور أسعد الامارة من مواليد البصرة رئيس قسم علم الإجتماع في كلية الآداب –جامعة واسط بكالوريوس علم النفس/آداب عين شمس بالقاهرة –مصر ماجستير علم النفس والإرشاد النفسي/ جامعة البصرة/ دكتوراه الإرشاد النفسي والاجتماعي/ الجامعة المستنصرية/استاذ جامعي وأخصائي نفسي- اجتماعي، في العراق، ليبيا، سورية، السويد، الدنمارك/عضو الجمعية النفسية العراقية/عضو الجمعية النفسية السويدية/عضو جمعية علم النفس المعرفي الأمريكية/له عدة مؤلفات وبحوث علمية منشورة نذكر منها: /مشكلات نفسية اجتماعية معاصرة(2008) كوبنهاكن- الدنمارك/سيكولوجية الشخصية ط2(2012) عمان- الاردن./سيكولوجية الفروق الفردية(2012) عمان- الاردن/علم نفس الشواذ(2012)،عمان – الاردن. وله كتب قيد النشر منها: صفحات نفسية/ أزمة منتصف العمر وقلق المستقبل، /الخطو نحو اللاعنف/ الاضطرابات النفسية عند الأطفال. كما نشر العديد من المقالات المتخصصة في علم النفس وعلم النفس الاجتماعي والتربية والسياسة منشورة على مختلف المواقع وفي الصحف العراقية والعربية"لبنان، الكويت، سورية" والعالمية"بريطانيا، كندا". في حوارنا معه سلط الدكتور الامارة نقاط ضوء عدة حول ماهية علم النفس والاجتماع في الوقت الذي أبدى وجهة نظر مغايرة فيما يتعلق بالثورات العربية.
*يشكو الباحثون في حقل العلوم الإجتماعية والنفسية إهمالا شديداً في تقييم جهودهم، كما تشكو هذه التخصصات من عدم الاهتمام في تلك العلوم؟
تعد العلوم الاجتماعية والنفسية من أهم العلوم التي تقدم الخدمات المباشرة للانسان فسماها البعض الهندسة الإجتماعية والهندسة البشرية، والطب بمعالجة الانحرافات الاجتماعية والنفسية ومشكلات المجتمع حتى إنها صارت في دول العالم المتقدم الاساس في البناء الحضاري وتخطيط المدن وتكوين التجمعات الإنسانية ودراسة الحالات الجمعية والفردية ابتداءاً من الولادة حتى المراهقة مروراً بالبلوغ ثم دراسة الإنسان في فترة منتصف العمر وما يمر به من أزمات ثم الشيخوخة والشيخوخة المتأخرة، ولكن لماذا أهملت هذه العلوم؟ لان الأنظمة العربية وانظمة العالم أهملت الأنسان بأسره، اهملت الطفولة، أهملت المرأة، ولم يعد لديها غير التفتيت القيمي، وبعثرت روح المواطنة واشعار الفرد – المواطن في الوطن بالغربة، ونشرت الاغتراب بين ابناء الشعب الواحد، والوطن الواحد!!
*علماء الإجتماع يركزون دائماً على الأعمال الأدبية في تفسير الظواهر، السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اتسعت الهوة بين علم الإجتماع والفنون والاداب؟
لم تمتلك هذه العلوم "الإجتماعية، النفسية، التربوية" الوسائل الحديثة بدراسة تحليل النص أو تفكيك المحتوى، أو نقد الظاهرة المطروحة على المسرح وهي تشكل انعكاس للسلوك الجمعي كظاهرة موجودة في المجتمع، رصدها الادباء ونقلها الفنانون على خشبة المسرح لتظهر قيم المجتمع السائدة بشكل متحضر، فغابت أدوات التفسير وآلات التحليل فضلا عن غياب العقل المكمل لتلك الأدوات وهو فقدان منهج القياس الصحيح وهو أداة التقييم وتفسير الظواهر.. وكل ذلك نختصره في تخلف المنهج واسلوب التدريس ومستوى أداء القائم بنقل العلم.
*هل نجحت العلوم النفسية والإجتماعية في دراسة الإنسان المعاصر بأزماته في ظل تحولات المجتمع السريعة وتحديدا في مجتمعات العالم الثالث؟
لاشك أن العالم الثالث اليوم يعيش مختلف الأزمات التي تتعلق بحرية الإنسان وحقوقه وازمة الديمقراطية وتسلط الأسر الحاكمة وتغييب الطبقة الاوسع في المجتمع وهي الطبقة العاملة فضلا عن تسلط اقلية على مؤسسات الانتاج..لذا اشتدت الازمات ولعل حلقات هذه الازمات تضيق فتستحكم ابناء العالم الثالث في علاقته بالعالم المتقدم ويصل هذا الضيق حداً لا مثيل له بعد تراجع ذلك الجناح الضخم الذي يواجه تسلط الطبقات المعدومة والفقيرة وهو ما يسمى بالعالم الإشتراكي أو الكتلة الإشتراكية، فازدادت الفجوة وتضخمت الهوة وتفاقمت الازمات حتى شملت كل الافراد، فلم تكن العلوم النفسية والإجتماعية عونا في ارشاد الناس أو دراسة أحوال الطبقات التي سحقتها التحولات الإجتماعية والاقتصادية وتضخم رؤوس الاموال.
يرى المشتغلون في العلوم النفسية والإجتماعية أن العقل يتخلق من خلال العمل الإنتاجي، لذلك فالانتاج يسمح للعامل بالابداع وتفجر الموهبة وخلق الجديد وهو ما حصل للتطور الكبير في الثورة الصناعية وما تلاها من دراسات إجتماعية في دراسة تطور المجتمع ودراسة الازمات الناجمه عنه.
اوضحت الدراسات الإجتماعية منذ بزوغها وتطورها مواكبة دراسة تغيرات المجتمع في ضوء التطور الصناعي لذلك درست كل الامراض الاجتماعية الناجمة عن هذا التطور فضلا عن إنها رصدت أشكال الاقطاع ثم درست سلطة الملكية المطلقة، ثم وضعت العلاجات لاشكال الاستبداد ومشاكل الطبقة العاملة وكان قمة ذلك كله في الديمقراطية السياسية والحياة الحزبية التعددية النيابية كشكل من اشكال إدارة الدولة.
*الاسلام السياسي..والاسلام الحضاري مصطلحان فرضا نفسيهما بشدة على الساحة أكثر من أي مشروع حضاري عربي جديد، ونحن نجابه تيارات وحركات إجتماعية متباينة، ماذا ترى في هذا الصدد؟
التحول نحو عصر حكم الحركات السياسية الدينية وادارتها للامور السياسية هو نتيجة الكبت السياسي والقمع الذي مارسته الدكتاتورية عبر اكثر من خمسة عقود في العالم العربي على كل معارض وطني كان أم ديني أم مذهبي أو حتى مناطقي "منطقة الدجيل أنموذجاً" فكان نتاج ذلك بروزها كتعويض عن فترات سابقة ومارست هذه الاحزاب "الاسلام السياسي" ممارسة التوحد بالمعتدي بعد ان كانت كبش الفداء للانظمة الدكتاتورية، فردت الصاع صاعين بتكفير من يعارضها، ورفض من يخالفها حتى لو تعرض معها للاضطهاد السياسي من قبل الانظمة الدكتاتورية عبر العقود الماضية، فسحقت اصدقائها المظلومين بفرض فكرها على فكرهم، واستنسخت الدكتاتورية إلى نظام جديد يلتف بعباءة دينية وكأنما استبدلنا فكر بفكر، فكر دكتاتوري –عسكري –شمولي متسلط، بفكر ديني –شمولي متسلط.
* بناءاً على دراستك وتخصصك هل يعني افتقاد دور المثقف الان وعدم فاعليته وتأثيره في المجتمع؟
عاش المثقف طيلة حياته يفكر وينتج الفكر ويبني النظام القيمي من نتاجه العقلي المعرفي، ابتعد عن السلطة، وعن صراعات الحكم، لأن من يقود السلطة لم يكن اطلاقاً ديمقراطياً، بل من المؤسسة العسكرية أو من المغامرين في الجيش او المؤسسات المخابراتيه، ويالصدفة وفي غفلة من الزمن اصبح متنفذاً يصدر الأحكام على كل من يعارضه، والمثقف يعارض القمع ويرفض التسلط، ويبحث عن البناء العلمي بدون فوضوية العسكر ومصادرة الرأي والرأي الآخر..فعزل نفسه وفضل الإنزواء، وإلا كان مصيره الاعتقال بأفضل الاحوال أن لم يكن التصفية الجسدية.
* يرى بعض المفكرين العرب إننا لا نملك فلسفة خاصة ولا علم إجتماع أو علم نفس ينتمي لمجتمعنا، نحن مجرد ناقلين للفلسفة الغربية وعلوم الاجتماع والنفس والتربية..ما تعليقك؟
صحيح تماماً، لم ولن نستطيع أن نؤسس نظرية إجتماعية، أو نظرية نفسية، أو نظرية تربوية تصلح لمجتمعاتنا، نحن نستعير كل ذلك من الغرب، لاننا عجزنا من ان نصنع ابرة لخياطة ملابسنا،أو مصباح يضيء جزء من بيتنا، فكيف نضع نظرية نفسر بها ظواهرنا الاجتماعية أو مشكلاتنا النفسية، أو ازماتنا التربوية فنحن ننقل من الغرب العلاج الدوائي لأمراضنا وهذا ممكن تماماً، ولكن من المستحيل أن نستعير نظرية اوروبية وضعت لبيئة الغرب وعلاج مشكلاتهم الاجتماعية واضطراباتهم النفسية، وبرامجهم التربوية، نحن فشلنا وما زال الفشل مستمراً وبكل نجاح، لأننا حاربنا المفكر وهمشنا التربوي، واستبدلنا العالم المتخصص بالعلوم بالجاهل المتخصص بالامية، لذا نقولها لا يمكن اصلاح فكر أمة أو شعب بدون الشعور بالحرية الحقة والديمقراطية غير الفوضوية، نحتاج ثورة في العقل، ولا نحتاج ثورة في النقل.
*ماهو توصيفك لأزمة علم الإجتماع العربي؟وما هي عوامل واسباب هذه الأزمة؟
اعتقد أن قراءة المجتمع قراءة موضوعية وحيادية هو من اسباب الازمة الحالية لعلم الاجتماع وعلم النفس وعلوم التربية. فضلا عن فرض اتجاهات سياسية في أبنية المؤسسات الأكاديمية مما تفقدها حياديتها، لأن العلم محايد دائماً وغير ذلك يتحول إلى تيارات متصارعة بدلا من اتجاهات علمية تكمل بعضها البعض.
* المعروف إنك أحد المطالبين بقيام عصر تنوير عربي جديد..هل تظن أن افتقاد العقلانية في أدبيات العالم العربي هي السبب؟
حان الآن الوقت لتغيير المنهج وطرائق التعليم وأساليب التعامل من طريقة التدريس إلى أساليب التعلم، تعلم مفاهيم جديدة وأطر جديدة مع أساليب جديدة فالسائد الآن في المجتمعات العربية هي الاساليب القديمة التي باتت بالية ولا تواكب التطور السريع في عالم اليوم. لم يعد في العلوم العلمية أو الطبية أو الإنسانية السائدة ما يواكب التطور في العالم، الفجوة كبيرة بين عالم الغرب وعالم دول العالم الثالث.
* ما هي الأسس التي يجب أن تقوم عليها العقلانية والتنوير في عالمنا العربي؟
حرية إبداء الرأي والتحول نحو الديمقراطية فأزمة عالمنا العربي والعالم الثالث هي حالة اليأس ومسخ الشخصية وفقدان الشعور بالإنتماء وعقد كثيرة لا حصر لها تراكمت بفعل النظام الدكتاتوري ثم النظام الفوضوي الذي عم العراق والمنطقة بإسرها، يحتاج عالمنا إلى فكر يعزل العمل عن المعتقد أو الإنتماء السياسي أو المذهبي، ويؤمن بالإنتماء الوطني لا غير فيكون الشعار العمل والإنتاج وزج الطاقات بكل مجالات العمل لتحريك الاقتصاد القائم على النمذجة وتحويله إلى الإقتصاد القائم على تنوع مشاركة الطاقات.
*هل العلمانية – المدنية- ضرورة للمجتمعات العربية؟
إن الإنسان حينما يعمل ينتمي للوطن، وحينما تتعطل طاقاته وتحجر ينتمي للعدوانية ضد الوطن، فمن اسباب السلوك العدواني هو النشوء في مجتمع يجرد الإنسان من إنسانيته، والعمل هو من يعيد انسانية الإنسان، اي عمل كان، لأن المدنية هي يد تعمل، وعين ترى، وأذن تسمع..تتحول كلها إلى نقيض ذلك بإتجاه مضاد للمجتمع حينما لا تعمل اليد، وتكون العين ترصد المساوئ، وأذن تنافق وتنقل النميمة..لانها عاطلة عن الفعل الخلاق.فالمدنية هي اعطاء الحق لكل طائفة واحترام المذهب وتقدير الدين، وتنهي عدوانية وتعصب الفردية المذهبية وتلغي سطوة اقلية أو اكثرية على جماعة أخرى تعيش في الوطن الواحد.
*هل ساهمت الأنظمة العربية في اخفاق التيار الوطني المدني؟
خلقت الأنظمة الدكتاتورية التي حكمت الدول العربية لعدة عقود وما زالت بعضها تحكم باسم المذهب أو الطائفة أو الدين إتجاهات لكل ما هو وطني وينتمي لتلك التيارات الداعية لوضع الوطن في اولويات المواطنة، فساهمت في خنق روح المواطنة وتشكيل شخصيات لا علاقة لها بالوطن بقدر علاقتها بما تكسب من أموال الوطن، وتبوأت المناصب لغرض تفتيت الأبنية التي تشكل انتماء المواطن لمجتمعه ولوطنه حتى اضمحلت تلك المشاعر واصبح العداء للوطن مع تسفيه الشعور بالوطنية، وهو ذاته محابة التيارات الوطنية الداعية لترسيخ روح المواطنة.
*لماذا تتعارض الدولة الدينية مع الدولة المدنية-الوطنية، وفي أي المجالات تحديداً؟
الدين لا غبار عليه عندما يكون فلسفة تصلح المجتمع، ومؤسسة تدعو إلى رؤية الإنسان رؤية كاملة اقتداءاً بفكرة علي بن ابي طالب"ع"أما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.وغير ذلك يكون حتما تعصب وتكوين عداءات مذهبية وفرض اراء هذا المذهب ومعتقداته على المذهب يقود إلى صراع لا غالب فيه ولا مغلوب
* كيف ترى ما يحدث في العراق والعالم العربي الان؟
الفوضى العارمة في الادارة والسياسة والاموال وفقدان البناء الاجتماعي والتربوي فضلا عن فقدان البنى التحتية التي ساءت أكثر رغم انها سيئة جدا. بعد ان كان في العقود السابقة منذ السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، الحاكم يتكلم والكل تصمت، اصبحنا بعد ذلك وما حدث للعراق باحتلاله والدول العربية الاخرى باجتياحها المشبوه الكل يتكلم ولا احد ينصت، انها ثورات، انتفاضات،غوغاءات، اندفاعات جارفة هادرة في كل شيء بعد عقود من محن الدكتاتورية وظلم الحكام وسيطرة اسر الحاكمين على مقدرات الناس، هذا الانتقال هو شكل من اشكال رد الفعل المساوي له في القوة"القمع والكبت" والمضاد له في الاتجاه"كم القهر وشدته" يكون التمرد الرافض الذي أخذ شكل الغليان الفردي والجمعي بسلوك جمعي غير مسيطر عليه لجماهير شعرت بالاحباط والكذب المبرمج من الدولة وقادتها، انه عنف مجنون من الجماهير حل محل عنف السلطة المجنون الذي وصل الامر به ان لا يطاق وصادر حرية الفرد والمجموع. عملت السلطة على فكرة واحدة هي تكريس قهر الناس ومصادرة الحس الوطني وروح المواطنة عقود عديدة حتى سمت نفسها بالدولة الشمولية لشدة قهرها للفكر الاخر حتى وان كان فكرا انسانيا، قهر الناس في جميع مجالات الحياة المادية والاجتماعية والمعنوية،قهرت الناس في مصادر رزقها ومعيشتها بعد ان يأس الناس من حرية التعبير او ما شاكل ذلك من مفاهيم عفى عليها الزمن مثل :حقوق الانسان، حرية المرأة، حرية الطفل، احترام البيئة والعناية بها، الاحترام المتبادل بين السلطة والناس..الخ من مفاهيم حديثة ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وعززتها الانظمة الديمقراطية بثوابت مثل حق الاعتراض او حق التظاهر او حق العبادات وممارسة الشعائر..الخ

*ثمة من يعد أن الشركات العملاقة المتعددة الجنسية باتت اليوم تحكم العالم، ماذا تقول عن واقع العولمة؟
عدت الشركات عابرة القارات والجنسيات حكومات تنتمي لمنظومة عملاقة توجهه كيف ما تشاء، تسقط انظمة، وترفع من تشاء، وتهدم ما تريد، وتلغي هوية اوطان، والعولمة شر لابد منه، بسلبياته وايجابياته، فالهيمنة الإقتصادية قادت لليمنة السياسية وستقود بوساطة الإعلام اولا بالهيمنة الإجتماعية التي ستغير القيم، وتفرض العادات الجديدة بكل الوسائل، واولها وسائل الإتصالات الحديثة، اداتها في الإختراق.
*ما هي الاسس التي يجب أن تقوم عليها الافكار التنويرية والعقلنة في عالمنا العربي؟
انها مأساة الحكم الشمولي في الدول العربية اعقبتها مأساة مضادة هي مأساة الفوضى الشاملة والتسيب المطلق بعد ان نجحت الانظمة الشمولية في مصادرة الروح الوطنية وخلع روح المواطنة والغاء الضمير الجمعي للانسان في هذه الدول.. استطاعت الفوضوية والتسيب ان تصنع محنة جديدة محنة الرجوع الى العصر القديم..وهو النكوص "الارتداد" بعينه. من الاستبداد والشمولية الى الفوضوية والتسيب، من حكم الفردية والأسرة الى حكم الاحزاب والأسر مع حضور موفق للعشائر والتجمعات القبلية ولجماعات العنف والتصفيات والكواتم واستهداف الكفاءات او تهجيرها او تحييدها عن المساهمة في البناء الجديد رغم انها كانت صامتة، خانعة، لا رأي لها.. فقط تظهر في الاعلام كمظهر من مظاهر الدولة الحديثة القائمة على الدكتاتورية والحكم الشمولي التسلطي.
ما اعجب انساننا المعاصر هذا في هذه البقعة من العالم الممتد من المحيط الاطلسي حتى شواطئ الخليج العربي وشرقا الى ايران ما اعظم انجازاته في الخضوع وقبول الطغاة كحكام وما اقسى سقطاته وأبشع زلاته، انها شعوب قبلت بالاستبداد الممزوج فيه الواقع بالوهم والخيال وما اقصده هو شخصية الكاريزما المهيمنة على عقول الناس لعقود حيث يدخلهم في الحروب ويصادر مقدراتهم ويترك الثكالى والايتام والمعوقون والآهات في كل بيت ويسموه البطل القومي او بطل التحرير والامثلة كثر في هذه البقعة من العالم ففي مصر كان هناك ؟ وفي سورية كان هناك ؟ وفي العراق كان هناك ؟ وحتى في اليمن كان هناك دكتاتور تعلم اللعبة ممن صاحبهم فعلموه، اما الجماهيرية فهي مهد الخنوع !! ليس مصادفة ان تتلازم الاخفاقات في هذه الدول جميعها ولعل ما تَكشف لنا جميعا فيما كان يسمى بالقومية العربية او الاتحادات الهرمة او مجلس التعاون..الخ من تلازم في قصور البنى التحتية المهزوزة وقصور الديمقراطية..وتساؤلنا متى يبدأ عصر التنوير؟ متى تبدأ العقلنة والعقلانية في ادارة الدولة؟
بعد أن سُحق الإنسان ومسخت شخصيته.. ونقول إن من يشرع في التصدى لقضايا الإنسان منطلقا من أحواله السياسية والإقتصادية والإجتماعية لايلبث أن يجد نفسه في مواجهة قضايا الفرد وعلاقته بالمجتمع، الفرد وعلاقته بنفسه، وتبنى على ذلك أحواله الماديه الخارجية أمام ظروفه الواقعية وما آلت اليه من مستوى في الوعي الفردي والجمعي، كيف سيكون فاعلا في البناء وقد آلف الخوف وعدم القدرة بقول ما يريد..أنها محنة إنساننا في عالمنا العربي والعالم الثالث.
*كيف تفسر محنة الإنسان المقهور في عالمنا العربي؟
ان محنة ما يسمى بالدول العربية هي محنة امتداد للعالم الثالث محنة ذلك الجزء من العالم الذي يعيش خارج منظومة التطور العالمي او خارج التواصل مع الحديث لا من حيث التكنولوجيا والتطور الاليكتروني فحسب بل من حيث الحياة الاجتماعية التي تتدهور كل يوم بسبب البطالة المفتعلة والازمات التي يخلقها الحكام لإلهاء الناس عن التفكير الصحيح مثل أزمات البحث الدائم عن قوت العيش اليومي، والبحث عن المستقبل المفقود فلم تعرف تلك المجتمعات الاستقرار ولا التطور في التكنولوجيا او في العلوم او الانتاج الواسع او الاقتصاد او الادارة او العمل الفكري بل كانت تجتر تاريخها القديم وتتباهى به فهو الماضي الذي يعيش في الحاضر وهي ظاهرة نفسية خطيرة وحيلة دفاعية جمعية يلجأ اليها الجميع حينما تنغلق عليه السبل في مواجهة الواقع الصعب وعدم القدرة على مواكبته.. يقول د.فرج احمد فرج رحمه الله لقد عرف هذا الجزء من العالم أغرب تجربة خداع في التاريخ، كل التاريخ، خداع كامل وشامل تتواطء فيه السلطات مع الجماهير، إذ يؤثر الجميع البقاء في اسر قيود العصر العربي القديم "ايام النهضة الغابرة للدولة الاسلامية" ان كانت هناك نهضة، عصر عبادة الفرد وعبادة النص وعبادة الحلم وعبادة الكلمة واللفظ ثم تحول الى العصر الحديث العصر الثوري عصر سيطرة الفكر القومي بعد الحرب العالمية الثانية (ملاحظة :انتهى الفكر القومي في اوروبا بعد اندحار النازية والفاشية في اوروبا في الحرب الثانية) وانتقاله ثم انتعاشها في هذا الجزء من العالم عبادة الشعارات على معايشة الواقع. اهلا يا معارك المصير ؟؟!! وهكذا كانت الشعارات وسيق الملايين للمحرقة في هذا الجزء من البلاد التي تتكلم اللغة العربية وتفتخر بتاريخها وقبلها مارسوا نفس الدور في جزء آخر من هذه البلاد الممتدة من المحيط الاطلسي للخليج العربية فاغرقوها بحروب التحرير والانتصارات الوهمية تارة حرب تحرير قناة ؟ وتارة حرب تحرير اليمن؟ وتارة حرب تحرير فلسطين ؟؟؟ وفي النتيجة خسارة الجزء الاكبر من الارض والبشر مع ترك الويلات والايتام والمعاقين وجيوش من البائسين.. تدخل هذه الدول الحروب ولكنها لا ولم ولن تستطيع ان تصنع حتى ابرة خياطة او حنفية ماء او انبوب ماء ولكن حكام هذه الدول نقلوا التجميع الفائق للسلاح وسموه بالتصنيع العسكري وانطلت هذه الاكذوبة على المغفلين المطبلين لهذا النظام او ذاك..وخسرت هذه الدول بقادتها العظام مدخرات الشعوب وما جنوه من كد وعمل خلال العقود من السنين.. وجاء رد الفعل الهادر الغاضب من امريكا محررة الشعوب بتحرير الشعب العراقي من اقسى دكتاتورية دعمتها امريكا عقود وبنت لها امجاد التاريخ العربي ثم هوت بضربة وهمية قاضية، وجاءت الديمقراطية بعد ان كان الحزب الواحد والقائد الواحد والاسرة الواحدة او الحزب القائد.. صار لدينا عشرات الاحزاب ونجد ما يتجاوز عدد الصحف والمجلات والجرايد عدد المنتفضين وكذلك تغير الحال بعد اقل من عقد من الزمن حيث شملت الديمقراطية المنطقة بأسرها وحدث الطوفان الهادر حيث خرج المارد الوطني من القمقم الذي طال حبسه فلابد ان يأخذ اشكالا من التطرف ورد الفعل من النقيض الى النقيض..ليبدأ عنف مجنون من جانب الجماهير المكبوتة وتاريخها بالاعتقالات والمقابر الجماعية وتسلط الاجهزة الامنية والمخابرات واجهزة الاستخبارات على رقاب الناس فاصبح الحال من هيمنة الدولة وسلطة حزبها الى اللاهيمنة واللاسلطة لاحد وهنا ظهرت محنة اخرى وهي محنة الانتقال من الشمولية الى محنة الفوضوية.



#سعدون_هليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الاستاذ الدكتور صاحب أبو جناح
- حوار مع الدكتور الناقد والتشكيلي جواد الزيدي
- حوار مع الدكتور صالح زامل
- حوار مع الدكتور عبدالقادر جبار
- حوار مع الشاعر والناقد جمال جاسم أمين
- حوار مع الدكتور علي عبود المحمداوي
- حوار مع الدكتور حسام الآلوسي
- أطروحة الاستبداد النفطي حوار مع الدكتور سليم الوردي
- حوار مع الاستاذ الدكتور سليم الوردي
- الفلسفات الآسيوية
- حوار مع المفكر محمود شمال
- اسماعيل ابراهيم العبد ورصيد التحولات
- اليوتوبيا معيارا نقديا
- حوار مع الناقد حميد حسن جعفر
- حوار مع القاص قصي الخفاجي
- حوار مع الشاعر والناقد ليث الصندوق
- حوار مع الباحث الدكتور أحمد أسماعيل عبود
- حوار مع الدكتور فيصل غازي
- حوار مع الناقد علي الفواز
- حوار مع الناقد والشاعر مقداد مسعود


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدون هليل - حوار مع الدكتور أسعد الامارة