طالب الجليلي
(Talib Al Jalely)
الحوار المتمدن-العدد: 4351 - 2014 / 1 / 31 - 19:09
المحور:
الادب والفن
جم حمام ..9 ..(أوراق على رصيف الذاكرة)
خذ كتابك وغادر وإلا أوقعت بك .. !! سوف أقول : هذا هو الذي يحرضني على نقد القيادة... !!
لا أدري هل كان الامر جادا في تهديده هذا؟
هممت بالكلام لكنه استرسل قائلا بسخرية: لقد عفى عنهم !! بعد خراب البصرة!!
رددها مرة أخرى ؛ حفله!! كنت أتصور أنها حفلة حقيقية تعكس نشوة الإنتصار ... وإذا بنا نقاد كالخرفان الى ساحة إعدام!!
جائوا بأمراء السرايا وامر الفوج وضباطه معصوبي العيون وأيديهم مقيدة وقد حرصوا على غلق أفواههم بأشرطة لاصقة ...قسموهم الى وجبتين ..
حين انتهوا من الوجبة الأولى جائوا بالثانية ..
ربطوهم على صلبانهم !!
إستااااااعد.. .. توجهت فوهات البنادق نحو الصدور ..لا زالت رائحة الدم المعجون بالتراب والبارود تملأ الجو.. توقفت ساعة الزمن .. وجبت القلوب وتوجهت الأسماع والأنظار نحو الضابط الذي سيوعز بإطلاق النار.. شق الصمت صراخ آت من مقر القيادة.. كان يلوح بورقة نحو السماء وهو يركض .. أوقف ... عفو .. أوقف.. سيديييييي أوقف.. توجه الجميع بأبصارهم وقلوبهم نحو عريف اللاسلكي... انطلقت رشقة رصاص مجنونة من بندقية أحدهم في الهواء...ظل ضابط الإيعاز رافعا يده ..تصلبت أصابع الرماة على بنادقهم .. وفجأة رمى بعض الحاضرين من الضباط بأجسادهم بين الرماة والضحايا...!! ركضنا نحوهم لكي نفك قيودهم .. لم نلحق!! كان امر الفوج قد تدلى رأسه على صدره.. تصورت أنه قد أغمي عليه كأصحابه الذين تفاجئوا بقرار العفو .. كان الامر من حصتي !! حين نزعت الشريط من فمه ظل مفتوحا.. كانت عيناه مفتوحتان بكل سعتهما وخاليتان من الحياة...
ساد صمت قاس .. حاولت ان استعيد المشهد .. ان استوعب ماقاله العقيد .. احسست بالاختناق وصار جو الملجأ مظلما .. تهالكت على الكرسي بلا استئذان ..قطع الصمت الجندي المراسل وهو يخبرني بأنهم نقلوا اغراضي الى عجلة الواز .. نهضت من مكاني بصعوبة واحتضنت الامر ... غمرت وجهي بكتفه وقد غلبني بكاء صامت .. مر شريط سريع من الذكريات التي غرست في دواخل الروح للفترة التي امضيتها مع ذلك الرجل المتعب .. اردت ان اقول شيئا لكنه وضع اصبعه على فمه محذرا .. أديت التحية وخرجت مسرعا ... لا ادري لماذا بادرني السائق حين جلست في المقعد الخلفي واغلق المراسل الباب: الى أين سيدي؟!
أجبته بلا تردد ...الى الجحيم ...!!
تمت
#طالب_الجليلي (هاشتاغ)
Talib_Al_Jalely#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟