سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 4351 - 2014 / 1 / 31 - 18:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الأخلاق ... والالتزام ..
يقول القران يصف النبي محمد (( وانك على خلق عظيم )) القلم / 4...
ويقول أيضا : ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت : 34)
قال رسول الله (ص): "عليكم بمكارم الأخلاق، فإن الله عزَّ وجلّ بعثني بها".
وقال أيضاً: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
وقال صلى الله عليه وسلم: أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا(الترمذي)، وقال أيضا: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ(الترمذي) ....
وفي الإنجيل حين سال احدهم المسيح بقوله علمني (( قال له " لا تزني لا تسرق لا تقتل , أحبب جارك ...
ويقول الشاعر احمد شوقي " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فان همُ أخلاقهم ذهبت ذهبوا ...
اعتقد إن الأخلاق التي يقصد بها هنا هو السلوك المستقيم ...
ولكن هل هناك معنى أخر للأخلاق ... وماذا نعني بالأخلاق...
الأخلاق هي شكل من أشكال الوعي الإنساني كما تعتبر مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة بحيث ترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب لتكون سنداً قانونياً تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين هي السجايا والطباع والأحوال الباطنة التي تُدرك بالبصيرة والغريزة، وبالعكس يمكن اعتبار الخلق الحسن من أعمال القلوب وصفاته. وأعمال القلوب تختص بعمل القلب بينما الخلق يكون قلبياً ويكون في الظاهر. – موقع ويكيبيديا –
السؤال الذي يتبادر إلى ذهني دائما ؟
ما الذي يجبرنا على الالتزام بمبدأ أخلاقي دائما ...
هل هو الدين أم هي العادة والتعود , أم هي طبيعتنا البشرية ؟
إنا اعتقد إن هذا السؤال ليس بسيطا تماما .... إنما هو معقد ومربك في أن واحد ....
إذا قلنا هو الدين أحيانا نجد إن رجل الدين من المفروض به يكون قدوة بالأخلاق والالتزام , هو أول شخص يتنصل من الأخلاق والالتزام , وإذا قلنا هي العادة والتعود وهذا يعني التدريب والتمرين على إن تكون ذا خلق ممتاز وجيد , وهنا يأتي دور التربية والمدرسة لجعل هذا الإنسان ذو أخلاق حسنة , لأنها تعمل على تدريب الإنسان خلال فترات زمنية طويلة إن يكون له طبع أخلاقي والتزام , ونعود من يحدد المبدأ الأخلاقي في أي مجتمع , ونحن نعرف إن المعرفة نسبية , بين مجتمع وأخر ,لذلك تكون الأخلاق أيضا نسبية ...
ثم نعود نسال هل هي طبيعتنا البشرية , من تفرض علينا أي مبدأ أخلاقي , وان نكون خيريين بطبعنا , المشكلة هنا إن التجربة أثبتت كثيرا , إن الإنسان محكوم بالقانون , وهذا القانون يجبر الإنسان إن يكون صالحا في مجتمع حيث يوفر له مصلحته القريبة , ولكننا وجدنا في كل مجتمع حين يستبد القانون ويضحي بمصلحة الإنسان يثور هذا الإنسان ويتمرد ويصبح وحشا لا يلتزم بأي مبدأ أو أخلاق في سبيل مصلحته القريبة , واعني بمصلحة الإنسان القريبة (( الجوع والعطش والجنس )) ... لأنه بحاجة لإشباع هذه الرغبات , فإذا لم يوفر له القانون الإشباع الأمثل لهذه الغرائز يثور ويتمرد ...
وهنا يطرح أيضا البعض , إن الدين يحمي الفضيلة , وهنا تثور مشكلة محيرة أيضا , هل القانون من يحمي الفضيلة أم هو الدين من يحمي الفضيلة كثيرا نعود إلى قول الرسول محمد مثلا " زوج ابنتك أو أختك صاحب الدين , لأنه إذا أحبها أكرمها وإذا كرهها لم يهنها .... وقال (( تنكح المرأة لدينها ولجمالها وحسبها ومالها , فاظفر بذات الدين تربت يداك ..
هنا نبحث في الالتزام ... فهل يستطيع صاحب الدين , أو ذات الدين حقيقة إن يغير في طبيعته البشرية بحيث يكرم امرأة أو هي تكرم رجل لا تحبه أو لا يحبها أو مفروضة عليه ... انه سؤال في محله ...
والسؤال الحقيقي الذي نبحث به ...
ما هو مصدر الالتزام هذا ؟ ما الذي يجبرني إنا أو أنت , أو أي شخص إن يلتزم بقول لا يخدم مصلحته ؟ والذي يجبر إنسان على الدفاع عن مبدأ , يدمر إذا ظل متمسكاً على هذا الالتزام عائلته ونفسه وكل أصدقائه , لا بل نجد إن كثير من المصلحين والكتاب والأدباء ... أن التزامهم بمبدأ معين يجعل المجتمع ينفر منهم أحيانا ..
أنا افهم إن يلتزم الإنسان بكلمة تحقق له مصلحته , ولكن إن تسبب له مأساة أو دمار كامل أحيانا..هذا تساءل حقيقي بهذا الأمر , ولقد وجدنا عبر التاريخ , إن هناك تمسكوا بهذه الكلمة رغما إن هذه الكلمة جرت عليهم الويلات ...
هل هو الدين ... نحن نجد إن الكثير من أصحاب المبادئ أحيانا لا دين لهم ,,, أو بمعنى أخر لا التزام ديني لهم ولكننا نجدهم قمة الالتزام الأخلاقي.. وبنفس الوقت نجد من يعتبرون قدوة أحيانا بالالتزام الديني ... هم أول من يتنصل من أي التزام .. ووجدناهم يجدون المخارج الشرعية لمخالفة المبادئ بحجة ..(( الضرورات تبيح المحصورات )) .. حتى أصبح هذا الاستثناء هو القاعدة نفسها ...
بالبداية يجب إن نفرق بين المسئولية القانونية والمسئولية الأخلاقية !!!
تختلف المسؤولية القانونية على المسئولية الأخلاقية باختلاف أبعادهما، فالمسؤولية القانونية تتحدد بتشريعات تكون أمام شخص أو قانون، لكن المسؤولية الأخلاقية فهي أوسع واشمل من دائرة القانون لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وبغيره، فهي مسؤولية ذاتية أمام ربه والضمير. أما دائرة القانون فمقصورة على سلوك الإنسان نحو غيره وتتغير حسب القانون المعمول به، وتنفذها سلطة خارجية من قضاة، رجال امن ونيابة، وسجون. أما المسؤولية الأخلاقية فهي ثابتة ولا تتغير، وتمارسها قوة ذاتية تتعلق بضمير الإنسان الذي هو سلطته الأولى. الأخلاق متعلقة بالإيمان ويعتقد البعض إن فقدان خلفية إيمانية للإنسان قد تضعه في مأزق فكري من جهة الحفاظ علي المقياس الأخلاقي من التشويش.
أحيانا يعتبر الوجوديون مجموعة غير أخلاقية ..ولكن نجد إن فكرهم في الفلسفة يجعل للإنسان قيمة أخلاقية كبيرة ...
يقول سارتر "الإنسان كائن محكوم بالحرية , يحمل عبء العالم على كتفيه , فهو مسئول عن العالم وعن نفسه
كطريقة للوجود. " ...
يقول نيتشه قيمة الأشياء ليست في ذاتها، وإنما الإنسان هو الذي يصنع القيم للأشياء، فخالق القيم إذن هو الإنسان
فدعا إلى قلب القيم السائدة. وحاول متأثرا بالدارونية ، أن يرد القيم الأخلاقية إلى أصول حيوية عضوية رافضا قيم عصره في كتابه "إرادة القوة" بمحاولة فلسفية جدية، تناولت المبحث الفلسفي الجديد "القيم" بما ينم عن سعة تفكيره حيث عبر عن الفلسفة الكامنة في كل تقدم أحرزه العقل البشري في تأكيده على خلو العالم من القيم التي لا يخلقها الإنسان ذاته، والتي لا تضيفها على العالم ألا مطالبة وحاجاته دون أن يعوقه عائق.
أن الحياة هي المحور الذي ربط من خلاله نيتشه بين الإنسان والقيم، ويضيفها فيما بعد، على كل ما في الطبيعة من مظاهر "فالحياة" أصل القيم العقلية والأخلاقية .
هذا ما قاله نتشه , فهل يعتبر هذا الكلام مفهوما ؟ ..
فما هي مشكلة نيتشة مع الأخلاق ؟ ...
كانت فلسفة نيتشة فلسفة أخلاق ، وكانت فلسفته في مجملها انتقادية لقيم عصره، لقد رفض أن تكون (أوامر الله) أو أحكامه منبع الأخلاق. بل الطبيعة الإنسانية وغريزة حب السيطرة وإرادة القوة هي مكمن الأحكام التقويمية، لا العقل الإنساني .
يبقى السؤال كما هو ولا جواب له ...
في لحظة ما مهما كان هذا الانسان ومهما كانت ثقافته او تدينه , نجده يلتزم أخلاقيا بموقف , لو خير هذا الإنسان في وقت أخر أو فكر قليلا ما كان التزم .. ولكنه نجده يلتزم إلى أخر رمق من حياته , والسؤال لماذا ؟ ...
الحقيقة يعتقد البعض إن الإنسان في تلك اللحظة لا يفكر , وإنما الأمر وكأن القدر قدر له هذا الموقف ... في مخيلتنا الكثير من المواقف من هذا النوع , والتي تغير حياة الإنسان من النقيض إلى النقيض تماما ...
حين حضر زعماء قريش إلى أبو طالب عرضوا عليه أمر محمد قالوا له " لو أراد ملكاً ملكناه ولو أراد نساء زوجناه ولو أراد جاه أعطيناه ولو أراد تجارة جعلناه أكبرنا تجارة ... ولكن محمداً قال " يا عم لو جعلوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على إن اترك هذا الأمر ما تركته ...
السؤال لماذا ؟ انه الثبات على الموقف ....
ولو لم يفعل محمد لما تغيرت الدنيا ...
وجدنا على طول التاريخ إن من يؤمن بمبدأ لو مارسوا عليه أسوء إشكال التعذيب , يبقى على قوته وصمته , مع انه يستطيع إن ينقذ نفسه بكلمة واحدة , ولو كان نفس الشخص يعيش بدون مبدأ نجده أو من ينطق وأول من يبيع أخوانه وأصدقائه ...والسؤال أيضا لماذا , انه الثبات على المبدأ ...
أثناء سفره بالقطر كان غاندي قد حجز مقصورة في الدرجة الأولى في جنوب إفريقيا , في عصر ما ن يسمح للملون إن يسافر مع الإنسان الأبيض ودخل رجل ابيض وانزعج واحضر ضابط امن القطار والذي طلب منه إن يذهب إلى أخر القطار مع الملونين أمثاله , ولكنه رفض , لان هذا حقه إن يجلس في مقصورة الدرجة الأولى , ولكن امن القطار رمى به الى خارج القطار حتى يبات ليلة باردة في محطة القطار ..الموضوع بكل بساطة لو فكر غاندي قليلا , أو لو كان شخص أخر غير غاندي , فكان من الأسلم إن يمتثل إلى امن القطار ويرحل , ولكن لو سألنا غاندي نفسه عن السب ..ربما يحتار بالإجابة , ولكن ذاك الموقف غير حياة غاندي من النقيض للنقيض .. وولدت شخصية غاندي الجيدة (( الروح العظمي المهاتما غاندي )) ....
وفي يوم من الأيام كان روزا باركس كعادتها ترجع بالباص في زمان الفصل العنصري في أمريكا , في مقعدها , حين تقدم منها رجل ابيض وطلب منها إن تترك ذاك المقعد , رفضت بكل بساطة , جاء السائق وطلب منها كذلك , وأيضا رفضت ... كانت القانون إن المقاعد الأمامية يجلس فيه الإنسان الأبيض وفي المقاعد الخلفية يجلس فيها الأسود والملونون , وكان هناك مقعد في المنتصف من حق الرجل الأبيض ولكن لو لم يكن هناك احد يجلس به الأسود , ولكن إن حضر الأبيض يقف الأسود طواعية ويتراجع للوراء ..روزا باركس رفضت , وتم أخذها لمركز الشرطة حيث تم تغريمها , لماذا رفضت روزا باركس هذا الأمر بكل بساطة يقول إن العاقل في تلك اللحظة يتراجع بعداً عن المشاكل , ولكن روزا باركس رفضت وبرفضها هذا قامت اكبر مظاهرات في التاريخ تسببت بإقرار قانون الحقوق المدنية .. والذي بسببه تغير الحالة الاجتماعية في امريكا اليوم , ويسقط الفصل العنصري , وربما لو لم ترفض روزا باركس الانصياع لهذا الرجل الأبيض وتحركت من مكانها لما وجدنا اليوم رئيس اسود يقود الولايات المتحدة الأمريكية ...
يقال , ليس في الأمر تخطيط , والمسالة الأخلاقية تتحرك مع جينات الإنسان , لذلك وجدنا (( العدل والمساواة والحرية )) مبادئ عالمية لأفرق فيها على أساس قومية أو جنس أو ديانة أو لغة , كل البشرية تتشارك بها , أما السؤال كيف تتشارك فيه ؟ فيبقى لغزا كبيرا يحتاج إلى حل ؟ ....
البعض يفسر ذلك انه الدين الذي يجمع الإنسانية كلها على مبادئ واحدة ...
والبعض يفسرها إن طبيعة الإنسان وجيناته التي تجعل هذا القاسم المشترك بين كل البشر ...
والبعض يفسرها إن الأخلاق مجموعة قيم , أوجدها الإنسان بقدر حاجته , ولان الحاجات الإنسانية واحدة لذلك هذه المبادئ لابد إن تكون واحدة ...
سلمان محمد شناوة
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟