|
حقُّ العودة-.. هل فَقَدَ -واقعيته-؟
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4350 - 2014 / 1 / 30 - 16:29
المحور:
القضية الفلسطينية
جواد البشيتي بعض المثقفين السياسيين الفلسطينيين (والعرب) يتساءل الآن عن "واقعية" حق العودة للاجئين الفلسطينيين، قائلاً: "هل الأرض تتَّسِع لهم وللإسرائيليين معاً؟"، و"هل البُنى التحتية لدولة إسرائيل وللدولة الفلسطينية (إذا ما قامت) مؤهَّلة لاستيعابهم؟"، و"هل يستطيعون الاندماج في المجتمع الجديد؟"، و"هل يقبلهم أشقاؤهم، أو أعداؤهم؟"، و"كيف يكون شكل دولة إسرائيل إذا ما ضُمَّ إلى سكَّانها (أو مواطنيها) 5 ملايين لاجئ فلسطينية؟"، و"هل يريد هؤلاء الملايين من اللاجئين الفلسطينيين، فعلاً، تَرْك الحياة التي يعيشونها في دولهم، وبناء حياة جديدة، في أرض جديدة؟"، و"هل اسْتُفْتوا في هذا الأمر حتى نتبيَّن من منهم يريد العودة، ومن منهم يقبل التعويض؟"، و"إذا كان عرب إسرائيل يرفضون رفضاً باتَّاً الانضمام إلى السلطة الفلسطينية، ويُفضِّلون الجنسية الإسرائيلية، مع امتيازاتها، فكيف للعرب الفلسطينيين في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية أنْ يقبلوا؟". الإجابات جميعاً في طَيِّ التساؤلات نفسها؛ أمَّا الاستنتاج فهو الآتي: للاجئين الفلسطينيين جميعاً الحق الإنساني والأخلاقي والقانوني في العودة إلى حيث كانوا حتى سنة 1948؛ لكنَّ هذا الحق تلاشت ونفدت "واقعيته"، وأصبحت أثراً بعد عين؛ ولابدَّ من البحث عن "حلول أخرى (واقعية)"، في مقدَّمها "حل التعويض"؛ فما نَفْع حقٍّ يَلْقى صَدَّاً، ولا يَلْقى تأييداً، من "الواقع (العنيد)"؟! إنَّها "الواقعية" التي لا شيء يشبهها، أو تشبهه، إلاَّ "الطوباوية (السياسية)" في فَهْم وتَصَوُّر حق العودة، والاستمساك به؛ فهل الحقُّ في الطَّلاق، مثلاً، يعني حتمية وقوع الطَّلاق؟! إنَّ المرء (والشعوب أيضاً) لا يتخلَّى عن أيِّ حقٍّ من حقوقه لِكَوْنِه لا يستطيع الآن ممارسته، أو لِكَوْنِه لا يريد الآن (أو لا يحتاج إلى) ممارسته؛ فالحقوق، أكانت لأفرادٍ أم لشعوبٍ، لا تموت إلاَّ بموت أصحابها. "الواقعية"، في التفكير السياسي الفلسطيني، ليست ميزة أو مَنْقَبَة ذهنية؛ بَلْ هي شرط بقاء لصاحبها، وهو الشعب الفلسطيني نفسه؛ لكنْ شَتَّان بين "واقعية" يسعى المنادون بها إلى تغيير الواقع بما يَرْفَع منسوب الواقعية في حقِّ العودة، و"واقعية" يُسْتَذْرَع بها لِحَمْل اللاجئ الفلسطيني على أنْ يُطَلِّق حقَّه في العودة ثلاثاً، وعلى رؤوس الأشهاد، وفي "وثائق قانونية مُلْزِمة"، تتضمَّنها اتفاقية الحل النهائي. لن نُعلِّل أنفسنا بوهم أنَّ ما يَدور بين الفلسطينيين والإسرائيليين الآن من مفاوضات سياسية (يُراد لها أنْ تنتهي بتوقيع الطرفين اتقاقية للحل النهائي) يمكن أنْ يفضي إلى عودة فعلية ولو لعشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى حيث كانوا، أو كان أباؤهم وأجدادهم، قبل حرب 1948؛ لكن هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنْ يتخلَّى اللاجئون عن حقِّهم في العودة، أو أنْ يمتنع الفلسطينيون عن التفاوض، أو توقيع اتفاقية للحل، مع إسرائيل إلى أنْ يغدو حق العودة واقعياً لجهة تنفيذه وتحقيقه. أَعْلَم أنْ لا مفاوِض فلسطيني (أو عربي) في مقدوره أنْ يُعْلِن في اتفاقية ما مع إسرائيل تخلِّي اللاجئين الفلسطينيين عن حقِّهم في العودة؛ لكنَّ هذا التخلِّي يمكن أنْ يكون ضِمْنياً إذا ما استخذى المفاوِض الفلسطيني لمطلب (أو شرط) إسرائيل أنْ يعترف الفلسطينيون بها على أنَّها دولة يهودية (ليس للفلسطينيين أيَّ حقٍّ قومي أو تاريخي في إقليمها). وهذا إنَّما يعني أنَّ الفلسطينيين يمكنهم، وينبغي لهم، أنْ يؤكِّدوا تمسكهم بحق العودة، وعدم تخليهم عنه، من طريق رفض هذا المطلب (أو الشرط) الإسرائيلي. وإنَّ عدم التخلِّي عن حق العودة لا يتعارَض، ويجب ألاَّ يتعارَض، مع أَمْرَيْن هما: أنْ تكون الدولة الفلسطينية، في "الاتفاقية"، وفي "الدستور الفلسطيني"، دولةً لكلِّ الفلسطينيين، وأنْ تُسوَّى مشكلة اللاجئين بما يسمح بـ "امتناعهم"، على وجه العموم، عن العودة إلى ما يُسمَّى الآن "إقليم" دولة إسرائيل. ما ينبغي له أنْ يُشْحَن الآن بالواقعية، وبمزيدٍ من الواقعية، إنَّما هو حقُّ كل لاجئ فلسطيني في المواطَنَة في "دولة فلسطين"، مع احتفاظه بحقِّه في العودة (ولو بعد عشرات، ومئات، السنين) إلى حيث عاش أجداده قبل قيام دولة إسرائيل. وهذا إنَّما يعني أنْ يحصل كل لاجئ على تعويض مالي، على ألاَّ يُفْهَم ويُفسَّر هذا التعويض على أنَّه "تعويض له عن خسارته حق العودة"، وأنْ يَلْتَزِم المجتمع الدولي مساعدة الدولة الفلسطينية بما يُمكِّنها (مالياً واقتصادياً وعمرانياً وقانونياً وسياسياً) من أنْ تَسْتَوْعِب كل سنة مزيداً من اللاجئين الفلسطينيين؛ فالتحدِّي التاريخي الذي يواجهه الفلسطينيون الآن هو كيف يُركَّز مُعْظَم الشعب الفلسطيني، أو قسمه الأكبر، في هذا الحيِّز الصغير لـ "دولة فلسطين"، ولو استغرق إنجاز هذا العمل عشرات السنين، على أنْ تكون البداية إقرار وضمان حق كل لاجئ فلسطيني في الحصول على الجنسية الفلسطينية، ولو ظلَّ مقيماً إلى الأبد في خارج إقليم "دولة فلسطين".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خَبَر غير سار للاجئين الفلسطينيين في الأردن!
-
مأساة ثورة!
-
حقيقة إشكاليَّة الحقيقة!
-
عَصْرُ اضطِّهاد النِّساء لم يَنْتَهِ بَعْد عند العرب!
-
دستور لشَرْعَنة الانقلاب!
-
سقوط -التأويل العلمي- ل -آيات الخَلْق-!
-
ميثولوجيا سياسية!
-
-المادية- تُجيب عن أسئلة الدِّين!
-
سورية.. صراعٌ ذَهَبَ بما بقي من -يقين-!
-
-العامِل الإيراني- في جولة كيري!
-
الاستثمار الدِّيني في فرضية -الجسيمات الافتراضية- Virtual Pa
...
-
السؤال الذي يَعْجَز الدِّين عن إجابته!
-
آدم وحواء.. وثالثهما!
-
كيف لِمَنْ يَعْتَقِد ب -آدم وحواء- أنْ يَفْهَم داروين؟!
-
البابا فرانسوا: حتى الله يتطوَّر!
-
هذا الدليل البسيط على صواب أو خطأ نظرية -تمدُّد الكون-!
-
هذا الإحباط الشعبي الثوري!
-
ما وراء -أُفْق الكون-!
-
عاصفة من -التَنَبُّؤات الفلكية-!
-
عاصفة ثلجية بنكهة سياسية!
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|