|
النظام السوري يُحسِنُ استخدامَ الورقة الكردية!
مهند الكاطع
الحوار المتمدن-العدد: 4349 - 2014 / 1 / 29 - 10:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجزيرةُ السورية هي المنطقة الواقعة بين نهري دجلة و الفرات ضمنَ الحدود السورية ، و التي كانتْ تُسمى بلاد مابين النهرين (الميزوبوتاميا) ومن ثم ديار ربيعة و ديار بكر ، و التي شهِدَت أرضها قيامَ عدة حضاراتٍ إنسانية عبر التاريخ ، من بابلية و آشورية و كلدانية وعربية. تغيّرت صورة التركيبة الديموغرافية أيام العثمانيين قليلاً ، حيث هاجرت العديد من قبائل البدو الرحل الكردية مثل عشائر ( الملية ، الكيكية ، دقوري ، آليان) إلى منطقة الجزيرة الشمالية الواقعة حالياً في القسم التركي على تخومِ الجزيرة السورية كما يوضحُ ذلك السيد مارك سايكس والذي أرتبط أسمهِ باتفاقية "سايكس بيكو" ، والذي قام سنة 1900 بدراسة كاملة عن القبائل الكردية قاطعاً أكثر من 7500 ميل بين الجبال الكردية على ظهور الجياد ليوثق واحدة من أهم الدراسات عن تلك القبائل. بعد ترسيم الحدود بين سوريا وتركيا الحديثة ، اشتعلَتْ الانتفاضات القومية الكردية التي كانت تسعى لإقامة كيان قومي لها في جبال كردستان أسوةً بالأرمن والعرب الذين استقلوا عن العثمانيين ،جوبهت تلك الثورات بالقوة ، وقد أدَّتْ سياسة الحسم العسكري واستخدام القوة المفرطة من قبلِ الجيش الكمالي الأتاتوركي إلى إخماد تلك الثورات و أهمها ثورة الشيخ سعيد بيران سنة 1925م ، والتي نزحَت على آثرها آلاف الأسر الكردية التي تهدَّمت قراهم إلى داخل الحدود السورية و التي كانت قد اصبحت حكم الانتداب الفرنسي آنذاك ، يضاف لهم رؤساء العشائر الكردية المساندين للثورة و عدد من السياسيين والمثقفين الأكراد . فرنسا بدورها كانت ترحبُ باللاجئين الجديد، وشرعت بمنحهم أراضي زراعية معفية من الرسوم والضرائب، وشجعتهم على الاستيطان وبناء القرى والبلدات الحدودية مع تركيا وذلك بغرض تثبيت الحدود الجديدة مع تركيا وتكريسها و تشجيع وجود حركة مناوئة لتركيا على الحدود لاستخدامها إذا دعت الحاجة لذلك. أصبحت الجزيرة المنفى للزعماء والأدباء والمثقفين الأكراد ، وشكلوا سنة 1927 جمعية خويبون ، التي كانت تدعوا للنضال في سبيل تحرير جبال كردستان في تركيا ، و لم يكن لها بحسب نتائج مؤتمراتها أي مطالب سياسية في سوريا وكانت تعتبرها الحاضنة التي ينطلقون منها لتحقيق أهدافهم في تركيا ، كما أدى تحسن وضع الأكراد الاقتصادي والاجتماعي في سوريا جذبَ الكثير من أقاربهم إليها عبر تدفق هجرات بشرية بدوافع اقتصادية، فحدثت هجرات كردية كبيرة سنة 1938، 1944، 1958 بعد الهجرة الأساسية بين عامي 1925-1927م. بحيث كان التغيير في الديموغرافية كبيراً جداً و وصل لمستويات قياسية وتضاعف بشكل رهيب . حزب البعث بدوره و خاصة في فترة حكم حافظ الأسد لم يكُن يفوّت أي فرصة عليه لاستخدام الورقة الكردية وتحريكها في دول الجوار ، تماماً كما أنه أستخدم ورقة حزب الله في لبنان ، وكان من نتائج ذلك أن أقامَ معسكرات تدريب لعناصر حزب العمال الكردستاني المصنف بأنه حزب إرهابي عالمياً ، وأحتضن قائدها عبد الله أوجلان منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي ، الذي بدء بشن هجمات داخل العمق التركي انطلاقا من الأراضي السورية . أستمرَ توتر العلاقات السورية التركية حتى سنة 1998م ، حيث حشدت تركيا قواتها على الحدود السورية مهددة باقتحامها ، الأمر الذي أدى إلى رضوخ سوريا إلى التهديد التركي الحقيقي ، فكان من نتائج ذلك إقامة اتفاقية أمنية سلم النظام السوري بموجبها العديد من قيادات حزب العمال الكردستاني وأسماء كوادرهم إلى تركيا . وكلنا يتذكر كيف تم طرد عبد الله أوجلان وإعطاء إحداثيات تحركاته للمخابرات التركية وأخرى دولية ليتم القبض عليه وسجنه حتى يومنا هذا . أثناء الثورة السورية ، وبعد أن تحولت الثورة السلمية إلى ثورة كفاحٍ مسلح فرضها النظام السوري على الشعب ، عادَ النظام لاستخدام خلايا حزب العمال الكردستاني النائمة ، فأطلقهم من السجون ، وشجعَ قدومهم من جبالِ قنديل ، وقدّمَ لهم الدعم اللوجستي الكامل ، وسلمَهُم بعض المناطق الحدودية بغيةَ حمايتها بموجب اتفاقيات رسمية ، وشجعَهم على الانتشار وإقامة الحواجز والتي كان بعضها مشتركاً مع النظام ، وفي ممارسة كافة نشاطاتهم التي تتيح لهم فرض السيطرة بالقوة على الشارع الكردي . في حين كانَ النظام يتجنب بأن يكون هناك احتكاك مباشر بين العرب الذين يشكلون 65 بالمائة من سكان الجزيرة السورية (محافظة الحسكة) و جلهم في الأرياف وبين هذا الحزب ليضمن عدم حدوث انتفاضة عشائرية عربية ضد الحزب وضد النظام في مرحلة كانت المحافظة تلك لا تزال هادئة مقارنةً بمحافظات الداخل مثل حمص ودرعا وحماة .
عندما بدأتْ قواتُ النظام السوري تتكبد خسائر فادحة على جبهاتها المختلفة ، وعندما أدرك بأنه غير قادر على توزيع قواته على جميع الجبهات ، عمد النظام على تسهيل دخول قواتٍ إسلامية متشددة للمنطقة ، وساهمَ في التغلغل أيضا بينها على أعلى المستويات ، وفي الوقت ذاته ساهم في تخويف الأقليات وفي التضخيم من الهالة الإعلامية حول تلك الكتائب المتطرفة . وكان ذلك يهدف فقط إلى إرسال رسالة للعالم الخارجي بأنه الخيار الأمثل وبقاءه مهم لمحاربة انتشار ذلك الوباء للجوار الإقليمي وللعالم ، وكذلك رسالة للداخل بأنه هو الضامن الحقيقي لهم إزاء قوات متطرفة تهدف لاجتثاثهم وقطع رؤوسهم. أستخدمَ النظام السوري ما يُسمى قوات الحماية الشعبية الكردية YPG التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي والتي تمثل النسخة السورية لحزب العمال الكردستاني الموضوع على قائمة الإرهاب ، حيثُ أشعلَت تلك القوات عدة مواجهات ضد الجيش الحر في عدة مناطق قبل دخول أي كتائب محسوبة على الكتائب الراديكالية المتشددة ، وكلنا يتذكر معاركهم ضد الجيش الحر في الأشرفية بحلب ، وكانت الذريعة دوماً هي ما أشاعه النظام كما أسلفنا "محاربة الإرهاب" . استمرت محاولات قوات الحماية الشعبية الكردية السيطرة على منطقة الجزيرة الغنية بالنفط والتي تربطها بالعراق وتركيا حدوداً برية طويلة ، حيثُ استهدفت هجماتها الريفَ المحرر بدعمٍ مباشر من طائراتِ النظام ومدفعيته و مشاركة قواته في معارك استهدفت بلدات لا يقطن فيها أكراد البتة كاليعربية و القحطانية (قبور البيض) و تل براك و أخيراً تل حميس والتي مُنيَّت فيها قوات حزب العمال الكردستاني وقوات النظام والجيش الوطني من الشبيحة بخسارة كبيرة بخلاف باقي البلدات والقرى .
مع إنطلاقة جنيف 2 مصحوبة بتطلع الشعب السوري في الداخل وآمالهم في حل ينهي معاناتهم وتشريدهم وقتلهم اليومي وحصارهم الخانق ، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (PYD) عن ما أسماها إدارة ذاتية ديمقراطية في منطقة الجزيرة انطلاقا من مدينة القامشلي ، و ذلك بحضور ممثل النظام محافظ الحسكة وأعضاء في حزب البعث الحاكم و مسؤول رفيع المستوى من القصر الجمهوري والذي أفادت بعض الأنباء عن أنه (علي مملوك) رئيس جهاز المخابرات السوري . يبدو أن هذا الإعلان جاء لوضع العصي في عجلة جنيف 2 ، كما لا يستبعد أن يكون بحسب تقدريات النظام الخاطئة حكماً مقدمة "لدويلة علوية" تدير نفسها ذاتياً في الساحل السوري ، هذه الخطوة المنفردة من قبل حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي ، والتي لم تراعي التركيبة الديموغرافية على أرض الواقع ، و لم تأخذ الحقائق التاريخية بعين الاعتبار ، والتي تحاول فرض مصطلحات ذات طبيعة قومية وصبغة كردستانية على منطقة يتعايش فيها العرب والكلدو آشور والأكراد ، وبذلك تكون مقدمة لضرب الوحدة الوطنية ، وتحقيق مآرب النظام بتدمير سوريا بشكل كامل وتخريب بنية العقد الإجتماعي ليضاف إلى الدمار في البنية التحتية .
يبدو أنّ السوريين الذين استوعبوا هذه الممارسات الاستفزازية من جانبِ القوميين الأكراد منذُ انطلاقة الثورة السورية قادرين على فهم هذه اللعبة المشبوهة ، وعدم الانجرار لمعركة أهلية أرادها النظام دوماً و خاصةً في منطقة الجزيرة السورية التي أستخدم لأجلها حزب العمال الكردستاني وميليشياته وقوداً وأداةً لإشعالها ، وذلك عبرَ ما يقومون به من أعتقالٍ للمدنيين من عرب وأكراد ، حرق بعض المنازل المشتبه بأنتماء أفرادها للجيش الحر ، الدفاع عن النظام و وجوده ، محاربة الجيش الحر وكتائب المعارضة الأخرى ، والعديد من الممارسات الأخرى. و أعتقد أن هذا النضج لدى العرب في منطقة الجزيرة ناتجٌ عن إدراك خطورة الموقف ، ومغبة أن يقوم الإنسان بحرق بيته بيديه، والدخول في دوامة حرب أهلية لا يعرف أحدٌ إلى أي مدى يمكن أن تَصلْ. نحتاجُ اليوم إلى شعور كبير بالمسؤولية و قليلٌ من الصبرِ حتى ساعة سقوط النظام و التي من المؤكد أنها باتَت وشيكة ، وعندها ستسقط كل أدوات النظام المتطرفة تحت شعاراتها المختلفة راديكالية إسلامية كانت أم قومية متعصبة.
#مهند_الكاطع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صمود تل حميس ... يهزم قوات الحماية الكردية !
-
أكذوبة الإدارة الذاتية في -غرب كردستان-
-
لست من دعاة الفيدرالية ولا القومية في سوريا !
-
آلهة الكذب المميزين
-
الفيدرالية ... رفضها في سوريا .. وقبولها في اليمن !
-
الإحصاء الإستثنائي في محافظة الحسكة 1962
-
الحركة الكردية في سوريا ... ماضي و حاضر
-
مواجهات في مدن الجزيرة السورية .. من المستفيد .. رؤية تحليلي
...
-
إرهاصات الخطاب الكردي في ظل الثورة السورية .... وجهة نظر عرب
...
-
12 آذار بين أنتفاضة قامشلو ... وأحداث القامشلي
-
ما بعد أحداث القامشلي .... رؤية واقعية
-
الرد على ماجاء في مقال السيد اسماعيل حمد الجبوري
المزيد.....
-
هاني شاكر لأول مرة في أوبرا دبي ولقاء مع سعد لمجرد
-
الجامعة العربية تحذر إيران من -تأجيج الفتن ونشر الفوضى- في س
...
-
شاهد حجم الدمار الذي خلفته غارات إسرائيلية على اليمن
-
بوتين يشكل مجلس الخبراء العلمي التابع لمجلس الأمن الروسي برئ
...
-
-موقف المترقب-: متى تقبل مصر بإدارة سوريا الجديدة؟
-
روسيا تعلن تحييد خلية لتنظيم -داعش- كانت تخطط للهجوم على مرك
...
-
مصادر لـ-أكسيوس-: فرص التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحماس قبل ت
...
-
إسرائيل تنتقد السفير الألماني بعد منشور عن -وفاة رضع في غزة-
...
-
هيئة الطيران الروسية تتحدث عن ملابسات تحطم الطائرة الأذربيجا
...
-
-بوليتيكو-: بولندا والمفوضية الأوروبية تعتزمان تسريع فرض عقو
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|