فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 4348 - 2014 / 1 / 29 - 03:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وأنا في طريقى للاستفتاء علي دستور 2014 وفي هذا المشوار الطويل المرهق من مسيساجا حتي السفارة المصرية في أتوا (حوالي 472 كم), جال بخاطري شريط سينمائي كوميدى, مشهد تمثيلي متميز للشبخ محمد حسبن يعقوب بلحيته البيضاء التي تضارع لحية سانتا كلوز بياضا وطولا ويبدو والله أعلم أنه قد داوم غسلها بمسحوق تايد الذى يغسل أكثر بياضا, وهو يقول بمناسبة الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تمت في 19 مارس2011, وقد ارتسمت علي وجهه الصبوح علامات الفرحة الغامرة بابتسمة واسعة مبهجة: بلغني أخبار سارة بنعم, الله أكبر, كانت هذه غزوة إسمها غزوة الصناديق. كان السلف الصالح عليهم رحمة الله يقولون لأهل البٍدع بيننا وبينكم يوم الجنائز, يعني يوم ما اموت شوف كام هيمشوا في جنازتي وكام هيمشوا في جنازتك. واليوم بيننا وبينكم الصناديق, وقد جعلنا بيننا وبينكم الصناديق, وقد قالت الصناديق..؟ ويردد تلاميذه بصوت حاشد: نعم..! ويتابع: لقد قالت الصناديق للدين نعم .. وسنُكبر تكبيرة العيد.. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر ألله أكبر ولله الحمد "أتباعه يرددون خلفه التكبير". وأوجه شكر الله لإخوتي أهل إمبابة لأنهم كانوا من أحسن الناس استجابة .. جزاكم الله خيرا.. ولقد أنصفنا الله.. كانوا مخوفينا .. كان مولد يا جماعة .. بيقولوا الدين هيدخل في كل حاجة.. وبنقول لهم نعم.. هي نعم للدين .. الدين هيدخل فى كل حاجة, مش دي الديموقراطية بتاعتكم؟ ..مش انتم قلتم يبننا الصناديق؟ وقالت الصناديق نعم.. واللى بيقول البلد دي منعرفش نعيش فيها نقول له إنت حر وألف سلامة "وشوح بذراعه علامة الطرد" مش هم عندهم تأشيرات كندا وأمريكا..! كل اللي قالوا لأ عرفوا مقامهم وعرفوا قدرهم وعرفوا قدر الدين . إحنا اتحطينا في ميزان وميزاننا عٍلي .. الحمد لله رب العالمين أن ثبتنا علي الإيمان. ويمناسبة هذا العيد أرجو من الجزارين خفض سعر اللحم شوية, ومن بياعين الفاكهة والخضار خفض الأسعار شوية حتي يشعر الناس بالسعادة.
http://www.youtube.com/watch?v=UgNrQ67ThpE
كان ذلك المشهد الفكاهي بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أقرها المجلس العسكري برياسة المشير طنطاوي بعد هوجة 25 يناير 2011 لبعض المواد, تضمنت وضع قيد على مُدد الرئاسة بحد أقصى مدتين لفترة اربع سنوات، وبنود تضمن الإشراف القضائي على الانتخابات، وشرط للرئيس أن يعين نائب واحد على الأقل، وتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد بعد الانتخابات البرلمانية، وسهولة أكثر في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية, ولم يكن ضمن هذه التعديلات أي نص دينى كالمادة الثانية مثلا حتى ينبري المتأسلمون ويعلنونها حربا شعواء ويجعلون القول بنعم انتصار دينى, من يقول نعم له الجنة ومن يقول لا فله النار وبئس القرار, وبعد أن حصلت نعم علي الأغلبية اعتبروها غزوة إسلامية أسموها غزوة الصناديق انتصر الدين فيها علي الشرك والإلحاد بدون مبرر. بل كان مبررها الغير معلن هو استغلال الدين والمتاجرة به.
وبعد أن زحفت الجماهير بالملايين للتصويت علي دستور 2014 والحصول علي الموافقة بأغلبية ساحقة ماحقة لم تحدث من قبل (98.1 %), هل يمكننا أن نرد علي الشيخ بعقوب وأمثاله من حسالة الوهابيين ونقول لهم أيضا أن الصناديق قالت "نعم" للدولة المدنية وقال قرابة الـ 20 مليون مصري "لا" للدولة الدينية الوهابية..؟ وهل يمكننا أن نقول له ولأمثاله من المتاجرين بالدين ونشوح لهم بأذرعنا طاردين لهم ليعودوا لصحاريهم وبداوتهم إذا لم يعجبهم الحكم المدني الذى ارتضاه جموع المصريين ..؟ نعم للدستور رغم ما شابه من بعض المواد التي لا نرضي عنها ولا نقبلها في دستور يرسخ لدولة مدنية يتساوي فيها الجميع بغض النظر عن الدين أواللون أوالجنس. نعم للدستور لأنه بالقطع أفضل ألف مرة من دستور أم أيمن الأخوانى الذي كان يرسخ لدولة الخلافة الصحراوية المتخلّفة, وفي المستقبل يمكن تلافي العيوب والهنات لتكون مصر دولة مدنية علمانية رائدة.
لم يكن خروج الملايين لمجرد أن بؤيدوا الدستور فقط, فمعظمهم لم يقرأوا الدستور ولم بعرفوا خباياه, بل كان خروجهم لسببين آخرين, أولهما رفضهم القاطع للأخوان ودولتهم الدينية التي هي ضد الرغبة الجماهيرية, وكان السبب الآخر والأهم هو تأييد الفريق أول عبد الفتاح السيسي ودفعه للرضوخ لرغبة الجماهير لترشيح نفسه ليكون الرئبس القوي الذى يستطيع تخليص البلاد من الإرهاب والسير بها قدما إلي الأمام والعودة بها لتكون الرائدة والقدوة كما هي دوما.
أمام هذه الرغبة الجماهيرية الكاسحة جن جنون المحظورة وهددت وتوعدت بإشعال مصر وحرقها وحددت يوم عيدالشرطة في 25 يناير وهو أيضا العيد الثالث لثورة الشعب التي سرقهوها وحاولوا إخضاعها وإذلالها. قرر الشعب الخروج يالملايين للحشد وإظهار رغيتهم للعالم أن مصر قوية بشعبها لا تخشي غدر وخيانة المحظورة ومَن خلفها مٍن قوي دولية محرضة وأن الجيش والشرطة قادران علي تحقيق الأمن والأمان وتحجيم الارهاب مهما كانت قوته التي يتوهمها.
قررت أن أشارك الجماهير فرحتها بالنزول معهم لتهنئة الشرطة بعيدها وبث الثقة في رجالها وتسجيل هذا العرس الوطني الفريد. اعترضت أم العربي علي قراري محذرة إياي من مغبة الذهاب إلي مصر خوفا علي, ولكنها رضخت أمام أصراري, فأعددت حقيبتى وكاميرتي المنفاخ العتيقة حتي أصور الأحداث وأسجلها, وشددت الرحال إلي قاهرة المعز المحروسة من الله في كتيه. وصلت أرض الوطن فوجدت تغييرا كبيرا عما كان في العام الماضي. لاحظت التفاؤل والثقة في المستقيل مرسوم علي وجوه الناس. أحسست بمدي تفهم الناس وتقديرهم للآخر ومدي الترايط الذي عاد. الكل في واحد كما كانت فحمدت الله واندمجت بين الجموع نهنئ بعضنا بعضا بعودة الروح والمحبة والاحترام.
وما حدث من تفجيرات جبانة قبيل الاحتفال في الصباح الباكر ليوم 24 يناير بمحيط مبني مدبرية أمن القاهرة الذي أدي لتحطيم واجهتها و‘حداث تدميرات بمتحف الفن الإسلامي واستشهاد 14 وجرح أكثر من 130 فردا, وما تبعها من تفجيرات بحى الدقى وشارع الهرم, وما وقع صباح السبت 25 يناير من انفجار بالقرب من معهد مندوبي الشرطة بجوار محطة مترو عين شمس، وأسفر عن إصابة شخص وانهيار سور المعهد وتحطيم واجهة عقار مجاور, كلها ليس إلا آخر ورقة ضغط لدى المحظورة وهي رد فعل يائس لنجاح الخطوة الأولي لخارصة الطريق التي سوف يتلوها باقي الخطوات بنجاح أيضا, وما حدث لم ولن يخيف الناس ويعوقهم عن الخروج بكثافة, لأن المارد قد خرج من القنقم ومن الصعب إرجاعه..!
حملت الكاميرا وتجولت بين المحتفلين أتابع وأسجل فرحة الجماهير وهتافاتهم وهديرهم وتصفيقهم الحار عند ظهور الطائرات الحربية في سماء القاهرة وإلقائها الأعلام والهدايا عليهم. وسمعت أن أعداد من المحظزورة قد تجمعوا بعد صلاة الظهر في ميدان المطرية يريدون الاعتصام, فتوجهت مسرعا لتسجيل الحدث. فشاهدت مجموعة من الموتورين يحملون صور زعيمهم الموكوس رافعين شارتهم الصفراء ذات الكف الرباعي الأصايع و بعضهم يحمل الأسلحة الآلية وزجاجات المولوتوف وهم يهتفون كالمجانين مطالبين برجوع عقارب الساعة للخلف. شاهدت بعض القناصة يعتلون أسطح البنايات, ولاحظت أحدهم يصوب سلاحه تجاهي فحاولت الانحناء لتفادي قذيغته فأطاحت القذيفة بأذنى اليمنى فصرخت من الألم لأستيقظ فأجدني في غرفتي وعلي سريري وأم العربي تحاول أن تهدئ من روعي ..!!
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟