أحمد أبوزيد
الحوار المتمدن-العدد: 4348 - 2014 / 1 / 28 - 13:28
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تخوض الانتفاضة المصرية منذ انطلاقها فى الخامس و العشرون من يناير 2011 معارك طاحنة على جميع المستويات, العمال فى المصانع يتمردون على الادارات و و سياسات الدولة و منظومة القوانين المنحازة لأصحاب رأس المال, و هناك قطاع كبير من العاطلين عن العمل و المطالبين بتطهير الدولة من الفساد مازال يخوض صدامات دموية مع أجهزة الأمن, و فقراء الريف و المدن المتمردون على الأجهزة الحكومية يستمرون فى قطع الطرق والاحتشاد, و بدأ حراك داخل بعض النقابات المهنية محاولا تبنى خطاب أكثر تقدمية. تلك المعارك التى يتوهم العدو الطبقى ممثلا فى النخبة المصرية الحاكمة و بعض ممن تحتم عليهم مصالحهم الطبقية الدفاع عن النظام السياسى القائم أنها ستنهك و ستقضى على الحالة الثورية التى تعيشها الجماهير. وبالطبع لا يتوقف الأمر على التوهم, بل هذا العدو المنحط لا يتهاون فى استخدام جميع الوسائل الممكنة من أجل القضاء على حراك الجماهير التى خرجت منذ البدء مطالبة بإسقاط النظام السياسى تماما, و ليس إعادة إنتاجه فى شكل آخر يحمل نفس المضمون السابق. وهذا يعنى أنها ارادت التغيير الجذرى للتركيبة الاجتماعية فى السلطة مما يترتب عليه تغيير شامل فى الانحيازات الاقتصادية و التشريعات و ممارسات الأجهزة التنفيذية وكل ما يشكل النظام السياسى للدولة. ولكن الأمر لا يتوقف عند عدو طبقى يسعى الى الانهاء على تطلعات أغلبية المجتمع المفقرة, فمعركة من جانب واحد نستطيع جميعنا التنبؤ بصيرورتها. لا شك أن أكبر أزمات الاشتراكية المصرية فى خضم الانتفاضة هى الافتقاد الى التنظيم الذى وحده يستطيع حسم الصراع الطبقى, و قيادة الجماهير فى معاركها موجها الضربات القاسمة للنظام القائم. ان الجماهير تحتاج الى عقل مدبر لحراكها, وبالطبع غير منفصل عنها بل هو ما يصيغ تطلعاتها و ينظم أولوياتها وصفوفها أثناء انتفاضتها. إن الاشتراكيين المتمسكين بشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" بعد الثالث من يوليو 2013 يحملون الكثير من الأخطاء الفادحة التى لم يستطيعوا ادراكها حتى الآن. لكن المستقبل لا يزال يحمل مساحات كثيرة للنضال و تحقيق هذا الشعار, فاقتصاد الدولة الخاضع للإمبيريالية العالمية وعملاء الداخل فى النظام السياسى يجعلها تحت قيد المخططات الخارجية لفرض الهيمنة والاستغلال والافقار. إن المجتمع المصرى بما يحمله من بؤس فى ظروف المعيشة, وإنحطاط أخلاقى و سياسى من القائمين على السلطة حتى الآن, بالاضافة الى نجاح الجماهير فى إسقاط رئيسين فى أقل من ثلاث سنوات, وما ترتب على تلك الفترة من اكتساب الخبرات وفضح لبعض الساسة الانتهازيين, وتغيير جذرى فى المزاج المجتمعى, يجعل من استمرار انتفاضة الجماهير و امكانية الثورة أمر يطرح نفسه بقوة, شريطة أن تدرك الاشتراكية المصرية أخطاء الماضى و فهم حركة الجماهير و تطلعاتها و القدرة على ممارسة التشهير السياسى بالسلطة و القدرة على رد مناوراتها, و اقناع الجماهير و تنظيمها وفقا لمشروع يعبر عن تطلعاتهم و واقعهم.
إن الصراع فى المجتمع المصرى كغيره, واضح لكل من أراد التدقيق, فهو صراع الأغلبية المفقرة من أجل البقاء ضد أقلية ناهبة للثروة, وفق منظمومة عالمية راعية لهذا النمط من الانتاج الذى تنعدم فيه العدالة فى التوزيع والمساواة فى الفرص. هذا النمط المُفقِر الذى يتفاوت الافقار فيه من بلد الى آخر, وفقا لقوة نظامها السياسى والعسكرى والظرف التاريخى الذى يسمح لها باستغلال بلد آخر. ولكن هذا النمط من الانتاج القائم على استغلال أقلية لأغلبية بالاضافة الى ثقافة الاحتكار الاقتصادي والتوسع فى الثروة الفردية على حساب المجتمع, يحمل بذلك أسباب سقوطه نتيجة لتلك التناقضات, فأغلبية العمال والفلاحين المقهورين على أيدى الأقلية المحتكرة للجزء الأكبر من الثروة يصبحون بطبيعة الحال أعداءا لتلك الأقلية, و فرد من الطبقة المهيمنه لن يترك فرصة مواتية حتى يستولى على استحقاقات اقتصادية وما تمثله من ثروة فى يد فرد آخر من نفس الطبقة. و لكن بالنظر الى الواقع المصرى, نستطيع أن نلاحظ أن التناقضات التى يستوجب على الاشتراكيين فى مصر استخدامها وابرازها للجماهير فى صراعها ضد السلطة, تطالهم هم أيضا بشكل اخر مما أضعف الحركة الاشتراكية المصرية وهمشها فى خضم انتفاضة يناير. أن أخطاء الاشتراكيين المصريين خلال 3 سنوات لا نستطيع تجريدها من طبيعة التناقضات التى بينهم والتى أصابتهم منذ عقود و أضعفت وشتت الحركة الاشتراكية وحركة الجماهير معا إبان هذه السنوات الماضية.الشىء البائس حقا أن الاشتراكيين المصريين عندما يعجزون عن تقديم البدائل للجماهير ولعلهم حاولوا, فهم يرتمون فى أحضان أعدائهم, والأكثر بؤسا أنهم لا يتركون شيئا من الرأسمالية المصرية الا وينبطحون له. فالرأسمالية المصرية بذراعيها المستتر بالوطنية - المؤسسة العسكرية وحلفائها من رجال الأعمال, وآخر مستتر بالدين - جماعة الاخوان المسلمين, عندما فشلت هذه الأخيرة فى الدور المتروك لها فى اجهاض انتفاضة الشعب المصرى, لإفتقارها لإرادة الانحياز للفقراء نتيجة لطبيعة المصالح الطبقية لأعضاء مكتب الارشاد وارتباطها بالنظام الرأسمالى, وممارستها الرجعية الأصولية التى رفضها عموم المصريين, و ارتباطها بمشاريع خاصة تتخطى حدود الوطن المصرى, مما هدد وضع الجيش المصرى وامتيازات قادته الاقتصادية والاجتماعية بطبيعة الحال, فبات التناقض حادا داخل النظام السياسى المصرى مرة اخرى, كما حدث قبل سقوط مبارك, وعادت ذراعي الرأسمالية المصرية للتصارع من جديد على القيادة حتى استطاع المجلس العسكرى استغلال انتصار الجماهير العفوية و اسقاطهم لجماعة الاخوان المسلمين من على رأس السلطة السياسية. ومارست بعض أحزاب الاشتراكية المصرية دورها التاريخى المنطبح للسلطة الجديدة, بدعوى الانحياز للجماهير المباركة للسلطة الجديدة وعدم خوض أى صدام معها. وهم بذلك يتناسون أن المجتمع الرأسمالى بوعيه السائد لا يجعل من خيارات الجماهير فى أوقات كثيرة شىء مقدس, وعلينا نحن الاشتراكيين أن نعمل على فضح ممارسات الرأسمالية ولفت انتباه الجماهير لها دائما, وان كنا لا نستطيع ذلك فهذا يحتم علينا العمل على ايجاد الشعارات والخطابات والبرامج السياسية والاقتصادية التى نستطيع بها قلب الموازين, لا أن ندعى مثل تلك الاكاذيب.
أما عن بعض التيارات الاشتراكية الاخرى فهى لا تختلف كثيرا فى الممارسة السياسية التى لا تخدم الا الأعداء, فاذا كان بعض أحزاب الاشتراكية المصرية قد انبطح للسلطة العسكرية الجديدة حتى يتخلص من جماعة الاخوان المسلمين, متناسيا أن هذه السلطة بممارستها السابقة والحالية هى عدو تاريخى له وللطبقة التى يدافع عنها, فبعض التيارات الاشتراكية الاخرى أيضا يتم اقتيادها الى معارك الشارع العفوية والى اختلاط الفكر الاشتراكى بأفكار رجعية وأفكار اخرى ساذجة و بكل ما يمقته المصريون فى هذه اللحظة. و أقول المعارك العفوية وليست المعارك, لأننا يتوجب علينا بل لزاما أن نصطدم مع السلطة الحالية ولكن بأى شكل؟!, هل الدعوة الى المظاهرات والتصادم مع أجهزة الأمن منعزلين عن الجماهير وغير متبنيين لشعارات وبرامج تعبر عنهم, تجعلهم ينحازون الينا وتجعل من تلك المعارك خطوة على طريق اسقاط السلطة الجديدة, أم على زيادة العداء بيننا و بين الجماهير مما يخدم مصالح تلك السلطة بدون شك, عندما لا تجد الجماهير بديلا فيما نطرحه عليها سوى الموت من أجل لا شىء أو بقاء الوضع القائم كما هو. علينا أن نجد الخطاب المناسب للوقت الراهن والبرامج السياسية التى تستطيع احراج ومنافسة السلطة الحالية, و العمل بين الأوساط العمالية والفلاحية وفقراء الريف والمدن, وليس بديلا عن فشلنا فى اقناع الجماهير وتنظيمها وأن تتبنى خطابنا, خطاب الاشتراكية, أن نفعل هذه الأفعال الحمقاء من أجل أن نثبت أننا ثوريون. ان الثورة لا تتوقف على ثورية أمثالنا وفقط, انها تتوقف على ثورية عموم الفقراء والمهمشين.
مايحدث الآن من ممارسات السلطة العسكرية من محاولات للتمكين وفرض الهيمنة مرة اخرى لاعادة بناء ما أسقطته الجماهير على مدار ثلاث سنوات, بقدر ما يساعدها على استرجاع ما فقدته منذ بدء الانتفاضة, هو أيضا يطوقها من جديد, لأنها تخلق نفس أسباب انتفاضة الجماهير فى يناير 2011. فاذا كانت القيادة العسكرية منذ 30 يونيو 2013 قد نجحت فى استرجاع ما فقدته من مجد عند المصريين بتقديم قائد جديد, اقتربت منه الجماهير ومجدته هو أيضا, واضعة فيه آمال لا حدود لها, فهى أيضا ستلصق بها نفس القدر من العار عندما يفشل هذا القائد فى القضاء على الفقر والبؤس فى المجتمع المصرى واحتواء سقوط القتلى و موجات الغضب التى لا تتوقف, و التى لن تستطيع الجماهير المترددة تحملها كثيرا. هذا هو التناقض الرئيس بين مصالح القيادة العسكرية والامبيريالية العالمية وتطلعات الطبقة المفقرة, وهنا تكمن امكانية الموجة الثورية القادمة اذا استطاعت الاشتراكية المصرية اعادة تنظيم صفوفها وتقديم النقد الذاتى, وشرعت فى تطهير منظماتها من متسلقى العمل السياسى والانتهازيين ومدعى الاشتراكىة, و العمل وسط الأحياء الفقيرة و فى المصانع والريف و وضع برامجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, فقط تستطيع حينها الجماهير المنظمة الواعية بالاشتراكية الدفاع عن مشروعها الثورى فى معركتها ضد الدولة.
#أحمد_أبوزيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟