|
قصة المماليك – الظاهر بيبرس (3 / 3)
محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 4348 - 2014 / 1 / 28 - 00:16
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في عام 1263م، توفى الملك أشرف أبو الفتح موسى الأيوبي، أمير حمص. من نسل شيركوه، خال صلاح الدين. لم يترك وريثا، لذلك تولى أمر حمص، أمير من أمراء المماليك الأيوبيين. الظاهر بيبرس. http://www.bugunolanlar.com/wp-content/uploads/2012/10/Baybars.jpg
في عام 1263م، لم يف نهر النيل بالفيضان في ميعاده. جاءت عقب ذلك مباشرة، مجاعة عمت كل أنحاء البلاد. أمر بيبرس بأن تفتح مخازن الغلال الحكومية على مصاريعها، وأن تباع فقط للفقراء بسعر ثابت، بكميات صغيرة لا تسمح بالتجارة أو التخزين.
الفقراء كانوا كثيرين جدا، إلى الدرجة التي جعلت بيبرس يأمر كل أمير أو موظف كبير في الحكومة، بإطعام عدد كبير منهم، على نفقته الخاصة. الجند العاديون، طلب بيبرس من كل منهم، أن يعول بائسا أو اثنين من الفقراء.
بيبرس نفسه، كان يعول عدة آلاف، يطعمهم كل يوم على نفقته الخاصة. بعضهم، كان يكلف بأعمال خاصة، في مقابل ذلك. رئيس الوزراء، كان مكلفا بإطعام من فقدوا نعمة البصر في القاهرة.
قائد الجيش، كان عليه إطعام الفقراء التركمان. يقول المقريزي، أن بيبرس أراد بذلك، كسب حب الناس كلهم. لقد فعل ذلك، مع علمه أنهم لا يقدرون على شئ، غير الامتثال لمشيئته.
في 23 يوليو/تموز عام 1264م، جاءت الأنباء بأن الامبراطور اليوناني ، منع وفدا من المماليك من الذهاب إلى بركة خان، حاكم القبيلة الذهبية. كان سفير هولاكو، موجودا في القسطنطينية في ذلك الوقت، وربما كان له دخل في هذا المنع. الخوف من هولاكو، كان ينتشر في كل البقاع المجاورة.
توالت الهجرة من بلاد الخان المغولي، إلى سوريا بسبب استبداد المغلول بالسكان الأصليين. جاءوا ينشدون العدالة، التي كانت تتوافر في دولة المماليك الجديدة، التي أسسها بيبرس. القصة التالية تبين، ما كان يدور في دولة المماليك، المظلومة تاريخيا، والتي يضرب بها المثل، زورا وبهتانا، في الظلم والاستبداد.
حدث أن أمير مئة، من أمراء المماليك، قتل خطأ صاحب متجر بالقاهرة. الأمير كان مرعوبا، لدرجة أنه حاول مساومة أهل القتيل بالمال، كي يعترفوا كذبا بأن القتيل مات ميتة طبيعية.
في نفس الوقت، ذهب الأمير إلى الأمير قلاوون، أحد قواد جيش بيبرس، لكي يسانده، إذا وصل الأمر لبيبرس. وصل الأمر فعلا لبيبرس، وكان ينتفض غضبا، عندما علم بالحكاية.
لكنه لم يستطع تطبيق الحد على الأمير، بسبب اعتراف أحد أقارب المتوفي بأن الميت، مات موتة ربنا بسبب المرض. على النقيض من ذلك، نجد أنه إذا قتل مغولي رجل فارسي، فإن الأمر يمر مرور الكرام بدون أي سؤال.
في 10 أغسطس/أب عام 1264م، تم تعيين ابن بيبرس الأكبر، الملك السعيد بركة، وليا للعهد. سار في موكب رسمي يطوف كل شوارع القاهرة، لكي يعلم القاصي والداني بمنصبه الجديد. بعد ذلك، اجتمع القضاة ورجالات الدولة والأمراء في القصر، وأصدروا ما يلزم من المراسيم، حتى يصبغ هذا القرار بالصبغة الرسمية.
موضوع الوراثة، غير معروف للمماليك. جلهم جاء للبلاد وهو صبي صغير بدون أسرة. لكن بيبرس، وجد من الضروري أن يكون له وريث. حتى يجنب البلاد القلاقل عندما يموت السلطان فجأة ويخلو منصب رئيس البلاد.
وحتى يضمن انتقال السلطة بطريقة سلسة سلمية، في هذا الوقت العصيب من تاريخ البلاد. لكن، مشكلة توريث الحكم، مشكلة كبيرة، لم يوجد لها حل مرضي حتى الآن.
في 28أغسطس/أب عام 1264م، أقام بيبرس عرضا عسكريا لجنوده. جلس في المنصة، يمر أمامه أمراء الجيش بأسلحتهم، يتقدم كل منهم مماليكه. استمر العرض عدة ساعات.
الشعب يتزاحم على جانبي الطريق، لكي يشاهد الفرسان بأسلحتهم البراقة، وخيولهم المطهمة، وأعلامهم الملونة. الزحام شديد وحرارة الصيف وقت الظهيرة لا تطاق. مما تسبب في موت الكثيرين من ضربة الشمس.
بعد العرض العسكري، جاء دور العروض الرياضية العسكرية. كانت توضع كرات صغيرة فوق أعمدة مثبة في الأرض. ثم يأتي المتنافسون وهم يركضون على ظهور الخيل بأقصى سرعتها، لكي يصوبوا أسهمهم إلى هذه الكرات كأهداف.
السلطان نفسه، قام بالاشتراك في السباق. هو فارس ممتاز ومقاتل من الطراز الأول، جاء مسرعا يمتطي صهوة فرسه، وأصاب كل أهدافه، بدقة فائقة. السفراء الأجانب، كانوا مبهورين من قوة ومهارة الجيش المصري، جيش بيبرس.
ثم يأتي مهرجاني رياضي عام، يشترك فيه الجميع، ويستمرة عدة أيام. توزع في نهايته على الفائزين، الجوائز والميداليات وأثواب الفخار، بهذه المناسبة. أرواب الفخار، كانت توزع أيضا على علية القوم من المصريين: رئيس الوزراء، والقضاه، وكبار موظفي الحكومة، وكبار الأعيان.
في 5 سبتمبر/أيلول عام 1264م، قام بيبرس بعمل مأدبة كبيرة، احتفالا بطهور نجله وولي عهده بركة. شارك بركة في أداء هذه العادة الإسلامية، العديد من أولاد الأمراء، تم إجراء عملية الطهور لكل منهم في نفس اليوم.
في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 1264م، جاءت الأنباء بقيام المغول بمحاصرة بيرة على نهر الفرات. في 11 يناير/كانون الثاني، تحرك بيبرس من غزة في قوة، متوجها إلى بيرة لملاقاة المغول، لكن المغول قاموا بفك الحصار، واختفوا من المنطقة. عندئذ، أعلن السلطان عن رحلة صيد في غابات السامرة. عندما وصل إلى هناك، أمر بعمل آلات حصار من أخشاب الغابات.
في منتصف ليلة 26 فبراير/شباط عام 1265م، تحرك الجيش لكي يفاجئ وقت الفجر ، مدينة قيسارية الفلسطينية، التي كانت تحت حكم الفرنجة. سقطت في أيدي بيبرس بالهجوم المباشر، لكن القلعة قاومت حتى 5 مارس/آذار 1265م، ثم سلمت بعد ذلك. تم تدمير المنطقة بالكامل، حتى لا يعود إليها الصليبيون.
في 16 مارس/أذار 1265م، سقطت حيفا في يد بيبرس، وفرت حاميتها وركبت البحر. "عتليت"، جنوب حيفا، تم تدميرها وقطع أشجارها. بعض الملاك الفرنجة، قاموا بالاستسلام وطلب الأمان.
ثم امتد الحصار إلى "أرسوف". كان بيبرس يتحرك بحماس شديد. يقوم بنفسه، في بعض الأحيان، بالحفر وتركيب آلات الحصار. وكان أيضا يحمل الأحجار على كتفيه، ضاربا بنفسه المثل للآخرين.
في 18 أبريل/نيسان 1265م، سلّمت "أرسوف"، وتم تدميرها. بعد ذلك، تم تقسيم المنطقة من أرسوف إلى حيفا، إلى 60 إقطاعية. منحت إلى 60 أمير، الذين قاموا بالإشتراك في الحرب. شهادات الملكية كانت تمنح لهم عن طريق قاضي دمشق ومسؤول بيت المال.
جيش بيبرس، كان مليئا بالقضاة ورجال الدين، والمدرسين. شرب الخمر، أو لعب الميسر، أو أي شئ غير أخلاقي، كان غير مسموح به بين الجنود. من المواقع، كانت تصدر الأوامر إلى القاهرة، بغلق الحانات وأماكن شرب الخمر أو الدعارة. الجيش كله، كان شعلة حماس، لا يدخر وسعا في أداء الواجب.
في 31 مايو/أيار 1265م، عاد بيبرس منتصرا إلى القاهرة، وسط احتفالات وحفاوة الجماهير. بيبرس، أصبح الآن بطل مصر القومي، وأبا لكل المصريين.
في أحد الليالي، خرج بيبرس متخفيا كلية. سار في شوارع القاهرة وحاراتها الضيقة. زار أحد البيوت المشبوهة. فوجد أحد الأمراء، في وضع مخل بالشرف مع امرأة. في صباح اليوم التالي، تم القبض على خفر المنطقة وصاحب المكان، وتمت معاقبتهم.
في أبريل/نيسان عام 1266م، تحرك جيش بيبرس إلى الخليل. من هناك، أرسل فيلقا من جيشه، لكي يقوم بنهب كل المناطق التي يسيطر عليها الصليبيون، شمالا حتى طرابلس. عكا، كانت تستجدي السلام.
ثم تحول الحصار إلى صفد، في 14 يونية/حزيران عام 1266م، وقذفها بالمنجنيق، قذفا متواصلا لمدة 14 يوما. كان المهندسون يقذفونها بالسوائل الملتهبة. تبع ذلك، الهجوم الكاسح. لكن، بعد 18 ساعة، فترت عزيمة المهاجمين.
جن جنون بيبرس، فأخذ يصرخ في قادة جيشه قائلا: "ماذ؟ أتخلدون للراحة في الوقت الذي يتعرض فيه المسلمون للخطر؟ انهضوا كلكم". هنا بدأت الطبول تدق بشدة، وعاد الجيش لمواصلة الهجوم.
بعد ذلك، طلب الصليبيون التفاوض. وعدهم بيبرس بالحرية إذا سلموا وألقوا سلاحهم. هذا ما فعلوه بالضبط، وخرجوا من القلعة. لكن في صباح اليوم التالي، أمر السلطان بقتلهم جميعا. بحجة، وجود أسلحة مع بعضهم، داخل ملابسهم عند التفتيش. معظمهم كانوا من فرسان الهيكل.
بعد ذلك، استعرض بيبرس جنوده، واعتذر عن قسوته، قائلا: "من الآن فصاعدا، سوف نصبح أصدقاء". في عام 1267م، قام بيبرس بغزو مملكة قلقيلية الأرمينية المسيحية، ثم وصل إلى طرسوس، وقام بضم المنطقة الجنوبية وحصن دربساك.
في دمشق، أمر ببناء قصر الأبلق. في حديقة على ضفاف النهر خارج المدينة. سمي أبلق لأنه بني طوبة بيضاء وطوبة سوداء، مثل الفرس الأبلق في اللون. من الداخل، أرضه وحيطانه مغطاة برخام مختلف الألوان. منقوش بالذهب والفسيفساء واللون الأزرق السماوي.
بعد أن آل إلى السقوط، استعملت حجارته السوداء والبيضاء في بناء التكية السليمانية. حقيقة، ولد بيبرس في خيمة فقيرة، لكننا هنا نجده، يقلد الخلفاء الأمويين والعباسيين.
أمضى بيبرس شتاء عام 1267م، في محاربة شرب الخمر والحشيش وبيوت الدعارة بالقاهرة.
في عام 1268م، أخذ يافا من الصليبيين بالقوة، وساواها بالأرض. رخام القصور والكنائس، تم نزعه ونقله إلى القاهرة. بعد ذلك، تحرك الجيش شمالا إلى حمص. هناك، أبطل السلطان التجارة في الخمور والدعارة.
بعد ذلك، وصل إلى أنطاقية فجأة، قبل أن يعرف الصليبيون خبر مغادرته لحمص. ثم قام بالهجوم مباشرة. بعد أربعة أيام من القتال الشرس، تسلق جند بيبرس الأسوار ودخلوا المدينة. كل واحد في أنطاقية، تم قتله. فيما عدا حامية القلعة، الذين أخذوا أسرى.
كان بيهيموند السادس، أمير أنطاقية وطرابلس، يعيش في طرابلس. كان يعلم أن سقوط أنطاقية، كانت الخطوة الأولى في الوصول إليه وهزيمته. كان يعرف أن بيبرس أسد ضاري، لكنه لم يكن رجلا نبيلا مع الصليبيين.
يختلف كثيرا عن صلاح الدين الأيوبي "الجنتلمان"، الذي أرسل، بعد معركة خارج يافا، في يوم قيظ شديد الحر، شراب مثلج وفاكهة طازجة إلى خصمه، ريتشارد قلب الأسد.
كانت أنطاقية بلدا غنيا جدا، متخصصا في تصدير المنتجات الشرقية إلى أوروبا. ثروتها المنهوبة، كانت من الذهب والجواهر والرخام والنقوش والتحف الفنية. كل هذه الأشياء، تم تسليمها، وفقا للتعليمات الصارمة، إلى السلطان لكي يقول بتوزيعها على أمراء الجيش والجنود وباقي الناس بمعرفته.
من أنطاقية، طلب بيبرس من ملك قلقيلية تسليم باقي الحصون التابعة له. ثم أبرم معاهدة مع الصليبيين في عكا. في سيدون، ترك الشريط الساحلي الضيق للصليبيين، ولكن الجبال المطلة على المدينة، كانت من نصيب بيبرس.
أيضا، طلب بيبرس من مدينة دمشق، مبلغ 400 ألف دينار ذهب تدفع فورا، و200 ألف دينار ذهب، تدفع كل عام لمدة ثلاث سنوات، كثمن عادل للمماليك، القادرين وحدهم على انقاذ المدينة من المغول.
جاء بيبرس رسول من أباقا، ابن هولاكو، بخطاب تهديد يقول فيه: "الملك أباقا، قاهر الكون. الموت لمن يقاومه. حتى لو صعدت إلى السماء، لن تهرب منا. خير ما يمكنك أن تفعله، هو أن تعقد سلاما معنا." يقول المقريزي، أن الرسول أُمِر بأن يخاطب بيبرس في العلن قائلا: "أنت، يا أيها العبد المملوك، يا من تم بيعك في أسواق سيواس (مدينة وسط تركيا)، كيف تجرؤ على تحدي ملك العالم؟" لسوء الحظ، لم يذكر لنا المقريزي، رد بيبرس على هذه الإهانة.
في أحد أيام عام 1268م، عندما كان يعسكر بيبرس بجيشه خارج أسوار يافا، دخل خيمته وتظاهر بالمرض، وأنه يعاني من آلام مبرحة. في المساء، تسسل تحت جنح الظلام، وغادر معسكره في عجلة، مع أربعة من رجاله على ظهور الخيل، متوجها إلى القاهرة . قطعوا مسافة 360 ميلا في ثلاثة أيام. كل منهم يمتطي صهوة جواده.
ظل بيبرس متخفيا في مدينة القاهرة، لمدة ثلاثة أيام أخرى. ثم ظهر فجأة أمام فرسانه، لكي يتأكد من أن جنوده، يقومون بالتدريب اللازم. في اليوم الثامن من اختفائه في يافا، ترك القاهرة عائدا على عجل.
أثناء غيابه، كان هناك أحد الأمراء، يقوم بوصف مرض بيبرس الوهمي للأطباء، وكان يأخذ منهم الدواء، ويدخل الخيمة، متظاهرا بأنه يعالج به السلطان. بعد 13 يوما من اختفائة، عاد بيبرس إلى خيمته، وهو متخفي في ملابس عامل بريد، يحمل حقيبته.
في صباح اليوم التالي، اجتمع بأمرائه، وأخبرهم أنه كان مريضا جدا، وهو الآن يتماثل للشفاء. أثناء غيابه، كان كل شئ على ما يرام، والمراسلات كانت تأتي ويرد عليها في حينها.
في نفس العام، تظاهر بالذهاب للصيد في الكرك، لكنه ذهب لأداء فريضة الحج وحده في مكة. هناك، اختلط مع العامة. أدى الفريضة وقام بالصلاة في المسجد الحرام، وهو بدون حارس أو رفيق.
بعد أداء فريضة الحج، عاد إلى الكرك، في ملابس العربان، ووصل خلسة، دون أن يشعر به أحد. قضى هناك ليلة، ثم توجه إلى دمشق. لا أحد في القاهرة يعرف أين هو. نائب دمشق، اجتمع بأمرائه، وحذرهم، من احتمال زيارة بيبرس لهم.
في تلك اللحظة، اندفع أحد الأمراء، يقول بأن بيبرس جاء بمفرده سيرا على الأقدام. هو الآن في أحد أسواق المدينة. أخذه نائب دمشق إلى منزله، لكي يتناول وجبة سريعة. عندما جاء الأمراء والنبلاء يلبسون أفخر الثياب، لكي يقدموا له واجبات التحية وأسمى آيات الاحترام، لم يجدوا بيبرس. لقد اختفى مرة أخرى.
توالت الأنباء باقراب وصوله إلى حلب. هناك، كان في استقباله احتفال رسمي. عندما ظهر بمفرده على صهوة جواده بملابسه العادية، لم يتعرف عليه أحد من وفود الاستقبال. بعد أن قام بمعاينة خطوط الدفاع والحصون والأسوار، عاد إلى دمشق، ومنها إلى القدس، ثم القاهرة.
عندما يكون في القاهرة، يستمر في نشر الفضيلة ورعاية الأخلاق العامة. يقوم بغلق الحانات التي يشرب فيها الخمر ويلعب فيها الميسر وتمارس فيها الرزيلة. يقوم بسجن بائعات الهوى، إلى أن يجد أزواجا لهن. لاحظ هنا أنه لم يقم برجمهن، تطبيقا للحد. ربما لعدم توافر شرط الشهود الأربعة.
عندما يكون في القاهرة، يمارس رياضته المفضلة، وهي إصابة الكرة الصغيرة المثبتة كهدف فوق العمود، بالقوس والنشاب، وهو يركض بجواده بأقصى سرعة. في منتصف النهار، يذهب إلى الساحة الرياضية، ولا يغادرها حتى المساء وهو يمتطي صهوة جواده.
يمارس أيضا، رمي الرمح والضرب بالسيف والصولجان (عصا بآخرها كرة). هو بفعله هذا، يضرب المثل لكل الأمراء والجنود، بالاهتمام بصحتهم ولياقتهم البدنية وقدرتهم القتالية.
ظل بيبرس يمارس أيضا، هوايته، في دك حصون الصليبيين وممالكهم المتناثرة على طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط. كان يفعل ذلك، حتى لا يشجع غزوات صليبية أخرى من الغرب. ونحن لا نزال نذكر تجاربه مع الصليبيين، وأسره لويس التاسع في المنصورة.
في عام 1270م، كان لويس التاسع، ملك فرنسا الذي أسر في المنصورة من قبل، يستعد فعلا لعزوة صليبية أخرى. لكنه عندما هاجم تونس، مات هناك خارج أسوارها. في نفس الوقت، أخذ بيبرس حصن الأكراد من فرسان الإسبتارية (فرسان القديس يوحنا).
في ربيع عام 1271م، كان يستعد بيبرس للهجوم على طرابلس، عندما علم بأن إدوارد، أمير كورنول، وملك إنجلترا فيما بعد، كان قد نزل في عكا، قام بتوقيع معاهدة سلام مع حاكم طرابلس، مدتها 10 سنوات.
الأمير إدوارد، كان لديه 300 فارس فقط. لكنه، كتب إلى أباقا، الخان المغولي، الذي قام بدعمه ب عشرة آلاف مقاتل مغولي. وصل المغول إلى حلب عام 1271م. لكن جغتاي خان، الابن الثاني لجنكيز خان، قام في ذلك الوقت، بمهاجمة أباقا في شرق فارس. لذلك، أجبر المغول على سحب قواتهم من حلب.
هذه الأحداث، بينت للسلطان بيبرس، كيف يتحالف الصليبيون من الغرب، مع المغول من الشرق، ضده وضد بلاده. هذا يبين لنا، لماذا قام بيبرس بعقد معاهدة سلام لمدة 10 سنوات، مع حاكم قبرص، هيوج الثالث.
في 16 يونية/حزيران عام 1272م، تمت محاولة اغتيال الأمير إدوارد. ربما بتدبير من بيبرس. قامت زوجته، إلينور، بمص السم من جرح الخنجر من جسد زوجها، بفمها.
في خريف عام 1272م، تقدمت قوة من المغول، ووصلت إلى الفرات. تصدر لها بيبرس، وسبح بنفسه يتقدم جنوده وهو يعبر النهر، وجعلها تفر أمامه هاربة. في نفس العام، قاد حاكم أسوان حملة إلى بلاد النوبة. في القاهرة، قام بيبرس بالسباحة في نهر النيل، ذهابا وإيابا، وهو يلبس سلاحه ودرعه الثقيل.
الشيعة الإسماعيلية، كانوا قوة لا يستهان بها في ذلك الوقت. لهم تسعة حصون متفرقة في جبال سوريا، بين المرقب وحماة. قام بيبرس بالاستيلاء على هذه الحصون، الواحد بعد الآخر.
من هؤلاء، جاءت فرقة الحشاشين. الذين كانوا يتعاطون الحشيش قبل اقترافهم عمليات القتل والاغتيالات. من هنا جاءت كلمة (assassin)، الإنجليزية، وتعني إغتيال.
في عام 1272م، قام بيبرس بغزو قلقيلية الأرمينية وتدمير مينائها. كان للمماليك مصلحة اقتصادية في تدمير مواني قلقيلية وأنطاقية وطرابلس وعكا، لأنها كانت مواني تصدير المنتجات الشرقية للغرب. الهدف هنا، هو تحويل التجارة إلى البحر الأحمر ومصر والإسكندرية.
شعار بيبرس، الأسدين، بينهما آيات قرآنية. http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/6/62/BaibarsBridge12.JPG
عاد بيبرس من قلقيلية لكي يعسكر في أنطاقية. فرض ضرائب باهظة على السكان. ثم قام بتوزيعها كلها بالتساوي على جنوده. أصغر الجنود رتبة، حصل على نصيبه. لكن السلطان بيبرس نفسه، لم يحصل على شئ.
في 9 يوليو/تموز عام 1276م، وصل بيبرس إلى دمشق. هناك، استقبل عددا من أمراء السلجق. جاءوا لكي يشكون حاكمهم بروانا. ويطلبون من بيبرس احتلال بلادهم، آسيا الصغرى.
بعد زيارة قصيرة إلى حلب، عاد بيبرس إلى القاهرة. مارس هناك رياضته المفضلة. أقام حفلا كبيرا، لزواج ابنه وولي عهده بركة، من بنت الأمير قلاوون. مورست فيه الألعاب الرياضية، وتوزيع الجوائز على الفائزين. ثم أقيمت مأدبة كبيرة، ذبحت فيها آلاف الخراف. ودعي إليها الأمراء والنبلاء وكبار رجالات الدولة والأعيان.
في عام 1277م، ترك السلطان بيبرس القاهرة. معه الأمراء السلجق، لكي يقوم بغزو آسيا الصغرى، تركيا حاليا. في 16 أبريل/نيسان من نفس العام، هزم بيبرس جيشا مكون من السلجق والمغول، في مدينة البستان. المنطقة كانت جبلية وعرة، والمغول كانوا يقاتلون على أقدامهم.
بروانا، الوزير السلجق، الوصي على العرش، أخذ الطفل الحاكم وفر هاربا إلى مدينة توكات في الشمال، على بعد أربعة أيام سيرا على الأقدام. وجد جيش بيبرس عبور جبال طوروس شديد الصعوبة.
الجبال لها قمم حادة مدببة وجدران ملساء. الأمطار كانت تهطل باستمرار. السكان، معظهم أتراك مسلمين. قابلوا المماليك بحفاوة، لأنهم لم يكونوا يحبون الحكام المغول.
كل سكان قيسارية، عاصمة السلجق، بما فيهم من نساء وأطفال، جاءوا لكي يقابلوا السلطان البطل بيبرس. في 23 أبريل/نيسان عام 1277م، دخل بيبرس قيسارية. جلس على عرش السلجق. أقيمت مأدبة كبيرة بهذه المناسبة.
بدأت الأخبار تأتي بأن الخان أباقا، يتقدم بكامل جيشه في اتجاه بيبرس. لم يرد بيبرس أن يحصر جيشه في هذه الجبال الوعرة المحصورة. فتحرك بجيشه إلى البستان.
وجد بيبرس أن جثث القتلى من المعركة السابقة، كانت لاتزال ملقاة على أرض المعركة. فأمر بدفن القتلى المماليك، وكان عددهم صغيرا. أما القتلى المغول، فتركوا بدون دفن. ثم عبر الجبال إلى أنطاقية.
عندما وصل أباقا إلى البستان، وجد جثث المغول متناثرة على الأرض بأعداد هائلة، بينما مقابر الجنود المماليك، فهي قليلة العدد. جن جنون أباقا، وأمر بنهب قيسارية والقرى المجاورة، وذبح كل المسلمين فيها. يقول المقريزي، بأن عدد القتلى، كان يتجاوز 200 ألف قتيل، خلال 17 يوما.
لم يكن في استطاعة بيبرس، ترك حامية في آسيا الصغرى، تستطيع أن تصد هجمة المغول هناك وهم بكامل جيشهم. الثمن بالطبع، هو دمار قيسارية والقتلى الأبرياء ونهاية حكم السلجق المستقل. في 9 يونية/حزيران عام 1277م، ترك بيبرس أنطاقية إلى دمشق.
في 18 يونية/حزيران عام 1277م، تم استقبال بيبرس في دمشق. شرب كوبا من لبن الخيل الرائب. كان السلطان في قمة مجده. ذهب إلى قصره، قصر الأبلق، لكي يقضي ليلته. في الصباح، شعر بالمغص وأخذ يتقيأ. في اليوم الثالث، شعر بآلام حادة في المعدة. في مساء يوم 20 يونية/حزيران عام 1277م، لفظ أنفاسه الأخيرة.
هناك عدة روايات، تصف موت السلطان بيبرس. أحدها تقول بأن أحد المنجمين، حذر بيبرس، من أنه سوف يموت بالسم في دمشق عام 1277م. أراد بيبرس أن يتخلص من أحد الأمراء الأيوبيين، الملك القاهر. في نفس الوقت، أراد أن يجعل النبوءة تتحق في الأمير ، بدلا منه.
صب بيبرس كوبين لبن رائب، كما تقول الرواية. أفرغ قارورة سم في أحد الكأسين، ثم دعا الأمير الأيوبي للشراب. لكنه، عن طريق الخطأ، أعطى الكوب الآخر للأمير، وشرب هو الكوب المسموم.
هذه القصة، لا تتفق مع طبيعة بيبرس. فالرجل لا يعرف للخوف معنى. ولا يلجأ للسم في قتل أعدائه. القتل بالسم، من أساليب النساء، وبالتأكيد، ليس أسلوب بيبرس، الأسد الهصور. هل مات بيبرس مسموما، أم من باكتيريا في المعدة، مثلا؟ الحقيقة لا يعلمها إلا الله.
عمر بيبرس عند وفاته، 50 سنة. كان طويل القامة قوي البنية. عيناه زرقاوتان، أحداهما بها بياض على النني. له صوت جهوري، وكان شجاعا مقداما لا يهاب الموت في المعارك.
له دهاء وذكاء شديدين. كريم محب للخير عطوف على الفقراء. محب للعلماء ورجال الدين (أمثال المعز بن عبد السلام والنووي)، يستمع لنصائحهم ويتحمل خشونتهم ومصارحتهم له في قول الحق.
خلاق، سريع البت في الأمور، لا يكل وطاقته لا تنفذ. كان مهابا من الأمراء المماليك، ومن أعدائه على السواء. لم يكن مقاتلا فقط، بل إداريا ممتازا نادر الوجود. كرس جزءا كبيرا من مجهوده، للخدمة العامة.
اهتم بالعمارة والتعليم والصحة. أنشأ العديد من المساجد والمدارس في مصر ودمشق، المدرسة الظاهرية في دمشق على سبيل المثال. ضمت المدارس المكتبات الضخمة والكتب النادرة.
أنشأ جامع "الظاهر بيبرس" في القاهر، الذي قامت الحكومة المصرية مؤخرا بترميمه بعد إهمال طويل. له حي باسمه في القاهرة، هو حي الظاهر. له مسجد آخر بمدينة قليوب، لا يزال موجودا، وأمامه ميدان بيبرس.
أنشأ الجسور والقناطر والأسوار، وحفر الترع والخلجان، وقام بتوسيع القديم منها. رصف الطرق، وأنشأ السدود، وبنى مقياسا للنيل. قام بأعمال أخرى كثيرة هامة، مثل تنظيم البريد. خصص له المركز وأمدها بالخيل والبغال والحمام الزاجل، وبنى كثيرا من العمائر.
جدد الجامع الأزهر، وأعاد له رونقه وجماله ومكانته. نصب أربعة قضاة شرعيين، واحدا من كل مذهب من مذاهب السنة الأربعة بعد أن كان القضاء مقتصرا على قاضي قضاة واحد شافعي.
خارج مصر، قام بعدد من الإصلاحات في الحرم النبوي بالمدينة المنورة، وقام بتجديد مسجد إبراهيم في الخليل. قام بتجديد ما قد تهدم من قبة الصخرة. وجدد قبة السلسلة وزخرفها.
أنشا هناك خانا للسبيل. عمل على إقامة دار للعدل للفصل في القضايا والنظر في المظالم. أيضا قام بتوسعة مسجد الصحابي خالد ابن الوليد في مدينة حمص. حصّن مدينة الاسكندرية، وجدد الأسطول المصري، وأضاف له 40 سفينة حربية (قادوس).
كانت إدارته للبلاد حكيمة عادلة. لكن الضرائب كانت باهظة بسبب حروبه ومشاريعة الحضارية. جيشه زاد إلى أربعة أضعاف جيش الأيوبيين. أصاب جيشه رعب المغول، فلم يجرؤوا على غزو سوريا أثناء حكمه.
ترك العديد من الأعمال والأوقاف الخيرية. منع التجارة في الخمور والحشيش، وأغلق الحانات والمواخير والبيوت السرية. كان يمضي وقت فراغه في ألعاب الفروسية والبولو والصيد.
يقضي ليله في تدبير شؤون الدولة، لا في أحضان النساء كما كان يفعل الكثير من سلاطين المسلمين. عندما يأتيه خطاب رسمي، يكون الرد جاهزا خلال ثلاث ساعات على الأكثر.
كان لدي بيبرس 12 ألف مملوك. أربعة آلاف في القاهرة، ومثلهم في دمشق، والباقي في حلب. هذا بخلاف الجنود الاحتياطي. قد يبدو بيبرس قاسيا شرسا بعض الأحيان. لكننا نخطئ خطأ كبيرا، إذا قيمناه بمقايسنا الحديثة.
قسوة بيبرس، كانت شيئا متبعا عاديا في أوروبا أيام بيبرس. التعذيب والحروب الدينية، وانتهاك حقوق الإنسان، كان متبعا في العصور الوسطى في أوروبا، وفي انجلترا ولمدة 400 سنة بعد بيبرس.
كان التعذيب والقتل متبعا أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية. اليابان، ضُربت مدنها الآهلة بالسكان بالقنابل الذرية. العراق، دمرت دون ذنب اقترفه العراقيون.
الفلسطينيون سرقت بلادهم، أمام مرأى ومسمع العالم المتحضر الحديث. ولا يجب أن ننسى أيضا، ما حدث في البوسنة والهرسك، وسجن العقرب ومعتقل جوانتنامو، .
في عام 1820م، كما يقول ادوارد وليام لين، كانت سيرة الظاهر بيبرس تغن على الربابة في مقاهي القاهرة أيام حكم محمد على، ولا زالت إلى وقتنا هذا. لقد أصبح الظاهر بيبرس، بطلا أسطوريا، يعيش في حنايا وجدان الشعب المصري.
نقل جثمان السلطان بيبرس لكي يدفن في ضريح القبة الظاهرية بدمشق. أخبرت العامة بأنه مريض. ولم يعلن عن وفاته، إلا بعد أن رجع الجيش إلى القلعة. هنا نختتم سيرة بيبرس المختصرة بقول المقريزي: "كان بيبرس، أحد عظماء الحكام، الذين حكموا مصر وبلاد المسلمين".
ولا يسعنا هنا، إلا الموافقة على قول السير جون جلوب، "نحن مجبرون على الاعتراف بأنه كان عملاقا بين الرجال".
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة المماليك – الظاهر بيبرس (2 / 3)
-
قصة المماليك – الظاهر بيبرس (1 / 2)
-
قصة الموسيقى الغربية – فرانز شوبرت
-
قصة المماليك – شجر الدر - قطز
-
قصة المماليك – خلفية تاريخية
-
قصة الموسيقى الغربية – فيبر، آخر العظماء السبعة
-
كليوباترا بنت الزمار
-
تاريخ البطالمة الأوائل–عصر النهضة
-
التاريخ المصري القديم - نزل الستار وفقدت مصر استقلالها
-
التاريخ المصري القديم - الأسرتان 20-21
-
بيتهوفن - عبقري الموسيقى الأصم
-
رمسيس الثاني، فرعون موسى
-
قصة الموسيقى الغربية – موزارت
-
قصة الموسيقى الغربية – هايدن ، أبو السيمفونية الحديثة
-
قصة الموسيقى الغربية – جلوك
-
التاريخ المصري القديم - توت عنخ أمون
-
التاريخ المصري القديم - إخناتون إمام الموحدين
-
التاريخ المصري القديم - تحتمس الثالث
-
التاريخ المصري القديم - العصر الذهبي
-
التاريخ المصري القديم - الدولة الوسطى والهكسوس
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|