أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العداء للمعرفة والتعصب الدينى















المزيد.....

العداء للمعرفة والتعصب الدينى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4344 - 2014 / 1 / 24 - 22:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العداء للمعرفة والتعصب الدينى
طلعت رضوان
عن اغتيال الفيلسوفة المصرية هيباتيا كتب ول ديورانت أنّ كبير الأساقفة سيريل Cyril أمر أتباعه الرهبان بطرد اليهود من الإسكندرية. فغضب حاكم المدينة أرستيز، فكان عقابه أنْ رموه الرهبان بالحجارة. ثم اتهموا هيباتيا بأنّ لها نفوذ وتأثير على حاكم المدينة الذى لم يعتنق المسيحية مثل هيباتبا التى هجم عليها جماعة من المتعصبين يتزعمهم أحد موظفى كبير الأساقفة. جرّدوها من ملابسها وقطعوا جسمها إربًا فى مرح وحشى شنيع (م6ج2 ص248) وكتب مارتن برنال أنّ اغتيالها كان بتحريض من القديس كيرلس (أثينه السوداء - ص237)
عندما دخلت المسيحية مصر آمن بها كثيرون وتخلوا عن ديانة جدودهم . وعانوا من اضطهاد الرومان 250 سنة. إلى درجة تقديمهم للوحوش فى الملاهى الكبرى . استمر الاضطهاد والقتل إلى عام 313 بصدور إعلان ميلان الذى نصّ على (التسامح الدينى) واستقر الوضع أكثر بعد أنْ اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية. ثم أصبحتْ هى الديانة الرسمية لكل الدول الخاضعة لروما.
كان المنتظر أنّ من عانى الظلم ينشأ لديه وجدان يرفض أنْ يكون ظالمًا. ولكن ماحدث هو العكس ، إذْ مارس الأساقفة الاضطهاد ضد الذين رفضوا اعتناق المسيحية وظلوا على إيمانهم بالديانة القديمة. كما شمل الاضطهاد بعض الطوائف المسيحية وشمل تحطيم التماثيل بإعتبارها (وثنية) وتحويل المعابد إلى كنائس . وتحطيم معبد السرابيون ، وهو تحفة معمارية . وكانت قمة التصاعد المأساوى عندما قرّر المؤمنون بالمسيحية الأتقياء اغتيال الفيلسوفة هيباتيا .
هيباتيا (370- 415) فيلسوفة مصرية وعالمة فى الرياضيات. وهى ابنة (ثيون) أستاذ الرياضيات فى متحف الاسكندرية. وكتب عنها ديورانت فى قصة الحضارة- المجلد الثانى. وجورج سارتون وادوارد جيبون وبرتراند رسل وآخرون. ومن المصريين د. توفيق الطويل ود. زكى نجيب محمود. غير الروائيين والشعراء الأوروبيين. ووصل اهتمام العالم المتحضر بهذه الفيلسوفة المصرية أنْ أصدرت جامعة الينوى الأمريكية مجلة فلسفية اسمها (هيباتيا) وفى أوروبا وأمريكا عشرات الجمعيات والمجلات العلمية والفلسفية التى تحمل اسم جدتنا (هيباتيا)
كانت هيباتيا ذات جمال أسطورى ، ورغم ذلك رفضتْ كل عروض الزواج وفضّلتْ التفرغ للعلم والفلسفة. وكتبتْ عنها دائرة المعارف البريطانية أنها جمعتْ بين التواضع والجمال والقدرة العقلية ((فجذبتْ عددًا هائلا من التلاميذ)) وكان من تلاميذها أساتذة وفلاسفة ، كانوا يأتون من أكثر من دولة ليستمعوا إلى محاضراتها ، من بينهم الفيلسوف اليونانى (دمشيوس) والعالم (سينسيوس) الذى اعترف بفضلها عليه فى تثقيفه وأنها شرحتْ له مؤلفات أرسطو وأفلاطون وبعض العلوم الطبيعية مثل الفلك والميكانيكا والرياضيات. وكانت تـُكرس لأهمية الحب الروحى لا الجسدى . ويقول عنها معاصروها أنها كانت تتربع بشرف ((على قمة الأسرار الفلسفية)) وذكر د. إمام عبدالفتاح إمام أنّ هيباتيا أنجزتْ حسب ما كتب سويداس فى معجمه ثلاثة كتب : شرح على كتاب ديفونطس السكندرى فى علم الحساب. والثانى شرح على كتاب بطليموس (المجموع الرياضى) الثالث شروح على (قطوع المخروط) أبولونيوس البرجى . كما أنها اخترعت (البلانسفير) وهى خريطة ذات ثلاثة أبعاد لنصف الكرة السماوية. أو الآلة الفلكية القديمة المسماة الاسطرلاب . والاختراع الثانى هو جهاز قياس الوزن النوعى للسوائل . وهو نوع من الهيدرومتر.
ولأنّ الأصوليين فى كل دين متعصبون أحاديون منغلقون ، لذلك جاءتْ النهاية الدامية لهذه الفيلسوفة التى كانت تنادى بترسيخ قيم الحب والعدل والجمال كما تعلــّمتها من الفلسفة المصرية. ولكن لأنها رفضت اعتناق المسيحية ، ولأنّ شهرتها فاقت فى الأهمية شهرة رجال الدين ، فقد دبّر رئيس الأساقفة خطة اغتيالها ، عندما أطلق إشاعة هو مصدرها تقول أنّ هيباتيا هى العقبة الوحيدة للتوفيق بين الحاكم أورستس ورئيس الأساقفة كيرلس . ولأنّ المتدين يُصدق رمزه الدينى ، صدّق المسيحيون ما يقوله كيرلس من بذاءات وافتراءات ضدها إلى أنْ جاءت لحظة اغتيالها فى شهر الصيام الكبير. وعن مشهد الاغتيال كتب د. إمام عبدالفتاح ((اعترضتْ جماعة من رهبان صحراء النطرون ، الذين قضوا فى الصحراء سنوات طويلة يصارعون قوى الشر كما يقولون ويديرون معركة صراع باطنى ضد شهوات الجسد ، اعترضوا عربة هيباتيا بإيعاز من كبيرهم كيرلس ، فأوقفوها وأنزلوا الفيلسوفة الشابة الجميلة. ثم جروها إلى كنيسة قيصرون حيث تقدّمت مجموعة من هؤلاء الرهبان وقاموا بنزع ثيابها حتى تجردت من ملابسها لتصبح عارية. وتقدم بطرس قارىء الصلوات فى الكنيسة وقام بذبحها وهى عارية. وقد أمسك بها مجموعة من الرهبان ليتمكن قارىء الصلوات من ذبحها. ثم عكف الرهبان (الأتقياء القلب) على تقطيع جسدها مستمتعين بما يفعلون. ثم راحوا يكشطون اللحم عن العظم بمحار حاد الأطراف . ثم أوقدوا نارًا وقذفوا فى النار بأعضاء جسدها وهى ترتعش بالحياة كما يقول الفيلسوف برتراند رسل . حتى تحول الجسد إلى رماد وهم يتحلقون حوله فى مرح وحشى شنيع على حد تعبير ديورانت)) ويرى د. إمام أنّ ((الرهبان عجزوا عن قمع شهوات الجسد. ولما كان يصعب الوصول إليه ، فإنه يسهل عليهم تمزيقه)) .
هذا هو درس التعصب : اغتيال الفيلسوفة والعالمة التى يعتقد بعض المؤرخين أنّ العالم كوبر نيكوس تأثر بنظريتها فى علم الفلك. وأنّ الروائى الإنجليزى تشارلز كنجزلى كتب رواية اسمها (هيباتيا) وكتب عنها الأديب الفرنسى Gille Menage فى كتابه الفلاسفة من النساء قصيدة قال فيها ((لابد لكل من يشاهد ويتأمل بيتك الطاهر/ الخالى تمامًا من كل زخرف أوزينة/ أنْ ينشغل بأمر الثقافة/ حقــًا ، لقد انشغلتِ أنتِ بالسماء/ هيباتيا.. أيتها المرأة الحكيمة/ لغتك عذبة.. ونجمك متألق فى سماء الحكمة)) (د. إمام عبدالفتاح إمام- نساء فلاسفة- مجلد 4 ) وكتبتْ عنها ماريا ذليسكا ((لن يقدرالموت يومًا / أنْ يُميتها / إنها قائمة هناك.. بسكونها / الموت لا يقدر أنْ يُميت مثلها / الموت يقدر فقط / أنْ يُبعثر هذا الزمن / بعوالمه المرتجفة / أما هى ستظل دائمًا هى)) (د. مرفت عبد الناصر- لماذا فقد حورس عينه- دار شرقيات- عام 2005 ص 82)
ألا تـُذكرنا مأساة هيباتيا بمأساة المفكر الفارسى ابن المقفع الذى كان مصرعه بتقطيع جسده وهو ينظر إلى أعضائه وهى تـُلقى فى النار. وبالنهاية المأساوية لعبد الحميد الكاتب الذى قتله العباسيون بوضع طست محمى على رأسه. و بمحنة الإمام أبى حنيفة الذى رفض أوامر ابن هبيرة الذى طلب منه تأييد تصرفه بقتل أحد الأشخاص ، فقال أبوحنيفة ((كيف أقبل هذا العمل؟ تأمر أنت بقتل إنسان ظلمًا أو مصادرة ماله وأختمه أنا. هذا لن يكون أبدًا)) وكانت النتيجة أنْ أمر ابن هبيرة صاحب الشرطة بحبس أبى حنيفة وأنْ يُضرب كل يوم عشرة أسواط . وفى عهد أبى جعفر المنصورأيضًا تم جلد الإمام مالك . وفى عهد الرشيد كاد الإمام الشافعى أنْ يُقتل لأنه اختلف مع أتباع الإمام مالك . وفى العهد الأموى قال الجعد بن درهم أنّ القرآن مخلوق ومحدث. فأتى به الوالى خالد بن القسرى إلى مسجد الكوفة مقيدًا بالأغلال يوم عيد الأضحى . وصلى خالد بالناس صلاة العيد وقال فى آخر خطبته ((اذهبوا إلى بيوتكم وضحوا تقبل الله منكم . أما أنا فإنى أريد أنْ أضحى بالجعد بن درهم . ونزل من على المنبر وقتل الجعد بن درهم مُطيحًا برأسه بالسيف . ثم يجيىء المأمون ويتبنى فكر المعتزلة حول خلق القرآن . واعتقل كل من رفض تأييد رأيه وكان من بينهم الإمام أحمد بن حنبل الذى ظل فى السجن 28 شهرًا وكان يُضرب بالسوط إلى أنْ يُغمى عليه. لدرجة أنه لم يكن يشعر بنغز السيف.
ويصل التعصب إلى درجة اغتيال الصوفى الكبير الحلاج الذى حاول التوفيق بين الدين والفلسفة اليونانية. فكان مصيره السجن 8 سنوات وضربه بالسياط وحرق جثمانه. ورغم أنّ القضاة حكموا بتكفيره ، فقد كان من الصالحين فى نظر الجماهير. والتعصب ينهش صدور الفقهاء ضد السهروردى فيتآمرون عليه لدى صلاح الدين الأيوبى الذى أمر بقتله. وبعد نفى ابن رشد إلى اليسانه كتب الخليفة الأندلسى المنصور منشورًا أمر فيه الجماهير بعدم الاشتغال بالفلسفة. والعداء للمختلف لم يتوقف فيكون اغتيال فضيلة د . محمد حسين الذهبى وفرج فوده ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ . والموقف من الفلسفة لم يتغير، إذْ فى عهد عبد الناصر يُصدر وزير التعليم كمال الدين حسين قرارًا بإلغاء مادة الفلسفة من المرحلة الثانوية. ومع بداية الألفية الثالثة أصدر وزير التعليم قرارًا بأنْ تكون مادة الفلسفة اختيارية. وهكذا يتلازم ثنائى الشر المطلق : العداء للمعرفة (بمراعاة أنّ الفلسفة هى المدخل للمعرفة) واغتيال كل صاحب فكر. وصدق من قال ((من يبدأ بحرق الكتب. ينتهى بحرق البشر)) ومع ذلك فإنّ الأحرار فى كل مكان مازالو يبحثون عن أية معلومة عن الفيلسوفة المصرية هيباتيا . ويعيش سقراط فى الوجدان وفى الكتب . ونقرأ ما كتبه الحلاج والسهروردى وابن المقفع وابن الراوندى . وصدق الفيلسوف هيجل فى قوله الحكيم الذى لخص مأساة التعصب المصحوب بالدم فى جملة تحمل الأمل لذوى الضمائر الحية ((إنّ الخنجر لا يقتل الأفكار))
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (14) أحمد صبحى منصور
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (13) محمد أحمد خلف الله
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (12) د. قاسم عبده قاسم
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (11) رجاء النقاش
- رد على الأستاذ أحمد المصرى
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (10) الدكتور جلال أمين
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (9) فاروق عبد القادر
- رد على الأستاذة ساره
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (8) صلاح عبد الصبور
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (7) أحمد بهاء الدين
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (6) نعمان عاشور
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (5) د. محمد عماره
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (4) محمد سيد أحمد
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (3) نجيب محفوظ
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (2) د. مصطفى محمود
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (1) د. حسن حنفى
- المؤسسة الإعلامية والأصولية الدينية
- وزارة الشئون الاجتماعية والأصولية الإسلامية
- المؤسسة التعليمية والأصولية الإسلامية
- مؤسسة الأوقاف


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العداء للمعرفة والتعصب الدينى