أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد علي جادين - اعادة نظر في استراتيجية المعارضه السودانيه: دعوة للنقاش















المزيد.....



اعادة نظر في استراتيجية المعارضه السودانيه: دعوة للنقاش


محمد علي جادين

الحوار المتمدن-العدد: 1236 - 2005 / 6 / 22 - 09:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مقدمه

الهدف من هذه المقال هو عرض مجموعة من الافكار المتعلقة بتطوير أستراتيجة قوي المعارضه ممثلة في التجمع الوطني الديموقراطي وحزب الامة والقوي الاخري في شكل خطوط عريضه علي جمهرة المثقفين والناشطين السودانيين في العمل العام السياسي وغير السياسي من خلال قراء الصحيفه. وهذا التطوير المطلوب منذ مده يفرضه الان بألحاح اكثر توقيع اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبيه ودخولها حيز التنفيذ والتوقيع الاولي لاتفاق القاهره بين الحكومة والتجمع الوطني في يناير الماضي. تبلورت هذه الافكار لدينا من خلال التفاعل بين التجربة العملية والتحليل والفكر النظري، وقناعتنا هي ان عرضها للنقاش العام هو من موجبات الشفافيه الحزبيه كما انها الوسيلة المثلي للاستفادة من الرأي غير البعثي. ان الشفافية مكون اساسي من مكونات ديموقراطية العمل الحزبي التي يعمل حزب البعث السوداني بجد للوصول اليها وتقتضي في مثل هذه المسائل اتاحة فرص متساوية لاعضاء الحزب ومؤيديه والرأي العام للاطلاع علي مجريات الامور في داخله والمشاركة في صياغة خطوطه السياسيه، كما ان الاستعانة بمدخلات وجهات النظر غير الحزبيه لاغني عنها لاكتمال الافكار قبل تبنيها رسميا. الاحزاب تموت وتحيا بمدي تفاعلها مع الاخرين. من هنا ترحيبنا بأي نقد او تعليق علي محتوي المقال.
جذور الازمه
منذ بضع سنوات كنا قد توصلنا من خلال العمل الحزبي ونشاطنا في هيئة قيادة التجمع الوطني الديموقراطي في الخارج وسكرتارية الداخل الي ان محدودية فعالية التجمع الوطني التي تقر بها كافة اطرافه، لاسيما بالمقارنة لحجمه ووضوح خطه السياسي وبرنامجه المستقبلي، تعود اساسا الي تدهور وزن القوي الحديثه المستنيرة خلال ربع القرن الاخير تقريبا نتيجة التفاعل بين ثلاثة عوامل اساسية هي : ترييف المدن تحت وطأة الحروب الاهليه وانهيار الهياكل الاقتصادية الزراعية- البدوية وذوبان الطبقة الوسطي في خضم تدهور الاقتصاد وتحريره غير المرشد ديموقراطيا واجتماعيا ثم التوسع الكبير للمنظومة التعليميه علي حساب نوعية التعليم من حيث المناهج واساليب التدريس والبنية التحتيه .. وذلك بالاضافة الي العوامل الثانويه مثل الهجرة المدينية الي الخارج. وبما ان حركة المعارضه للانظمة الدكتاتوريه تستمد زخمها من حيوية القوي الاجتماعية والسياسية الحديثه فأن كافة اساليب وخطط العمل المجربة في ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة مارس / ابريل 1985 ( تنظيم النقابات كنموذج ) والمستحدثه ( العمل المسلح ) ظلت تفتقر للاوساط والقاعدة الاجتماعية التي تتجاوب معها. كما ان الدكتاتورية الثالثه ( نظام الانقاذ والجبهة الاسلاميه ) تجد مصدر قوتها الاساسي، الاضافي بالمقارنة لسابقتيها، في نفس ظاهرة تضاؤل حيوية القوي الحديثه المجسدة في انتشار الفهم التقليدي الحرفي للاسلام مقترنا بالانهاك الذهني والنفسي وحتي الجسدي البالغ تحت الضغوط المعيشيه والسياسية- الامنية اليوميه.
علي هذا الاساس فأن التركيز الرائج وسط الجمهور العام وحتي داخل التجمع والقوي الاخري علي عوامل الضعف الذاتي كمصدر لمشكلة فعاليته وفعالية المعارضة عموما غير سليم. والحقيقة هي ان مسئولية التجمع الوطني ومسئولية مكوناته كأحزاب ونقابات وشخصيات مستقله حزبيا تنحصر اساسا في عدم التعمق بالبحث في جذور الازمه علي النحو المشار اليه اعلاه حتي الان وبالتالي عدم تعامله مع مسبباتها وافرازاتها بالرغم من مظاهرها البارزة في نمو واتساع التيارات السلفية في اوساط الطلبة الجامعيين وفي انعدام التجاوب مع المجهودات الكبيرة التي بذلتها وتبذلها بعض الاحزاب والشخصيات من داخل التجمع الوطني وخارجه مرتفعة الي حد التضحية بالنفس في العمل المسلح مثلا. من ناحية اخري فأن هناك تقصيرا بعثيا في نطاق مسئولية التجمع هذه يعود الي ان محدودية وزن حزبنا، حزب البعث السوداني، ( انظر الحزء الاخير من هذه الورقه ) في السنوا ت الاخيره لم تمكنا من طرح رؤيتنا هذه داخل التجمع الوطني وفي اوساط الناشطين فكريا وسياسيا عموما بما يكفي من القوة لاختبار مدي سلامتها اذ اقتصر الامر علي مجموعة كتابات ونقاشات متفرقه وسط دوائر التجمع الوطني والقوي الاخري.
تطوير استراتيجية قوي المعارضه
التجمع الوطني وحزب الامه وكافة قوي المعارضة تتهيأ الان لمرحلة مابعد اتفاقيات السلام الشامل, وهي مرحلة تتميز بالتعايش الصراعي مع نظام الانقاذ مما يهئ فرصة ذهبية لاعادة النظر في تصورها لطبيعة الازمة السودانيه وعلاقتها بطبيعة النظام ومن ثم كيفية التعاطي معه من خلال حالة الصراع التعايشي في اطار التسويات السياسية الجاريه وفي اتجاه يقود الي تفكيك الازمة في بؤرتها الرئيسيه ومعالجة حلقاتها المتشابكة والمتداخله تصفية لدولة الحزب الواحد لاقامة دولة الوطن المدنية الديموقراطيه. بغير ذلك فأن تكرار التجربة السابقة يبقي واردا حبث بلغ اختلال التوازن لمصلحة النظام حد استجابته العكسية لمطالب التجمع عام 2000بألغاء الماده 15 من قانون الامن الوطني ، فأجري تعديلا اكثر قمعية واتبعه بأعتقال قيادة التجمع الداخليه لمدة عام كامل. اما اخر نماذج الخلل فهو مانشاهده الان من الصعوبات البالغة التي تجدها كافة قوي المعارضة في التغلب علي معارضة الحكومه لفكرة المؤتمر الجامع دعك عن تعديل اتفاقيات ماشاكوس /نايفاشا. هذا الوضع هدد ويهدد استمرار بقاء التجمع نفسه ناهيك عن وحدته ووحدة قوي المعارضة بشكل عام التي تتعرض لعوامل تعرية متعدده ناتجة عن بطء حركته اساسا ثم تأثيرات اتفاقيات السلام وباب المكاسب الحزبية الضيقه الذي فتحته. اخرهذه العوامل واهمها وضعية الحركة الشعبية لتحرير السودان خلال الفترة الانتقالية الحاسمة وعلاقتها مع التجمع واطراف المعارضة الاخري. وعلي صحة الاسباب التي تذكر عادة في مجال تفسير التباين بين حجم التجمع الوطني وحزب الامه وتأثيرهما العملي في ارض الواقع , خاصة وان علاقة التنسيق والتجربة الماضية المشتركه بين الطرفين تجعلهما كيانا شبه موحد, فأنها تبقي ذات اهمية ثانويه بالمقارنة للسبب القاعدي كما لخصناه في الفقرة السابقه.
ترجمة رؤية حزبنا هذه للسبب القاعدي الي تصور استراتيجي عملي محدد تعني اعادة صياغة استراتيجيه التجمع الوطني وحزب الامه والمعارضة عموما حول محور اساسي هو اصلاح المنظومة التعليميه مناهج ومؤسسات في قلب شبكة الاهداف العامة المتداخلة : السلام، الديموقراطيه، الوحدة الوطنيه، التنمية الشاملة والمتوازنه. واهمية التركيز علي محور التعليم تنبع من ان الميلاد الحقيقي لتيارات الاستناره الدينية والفكرية والسياسية والادبية والفنية والاجتماعيه الذي جعل صياغة اهداف التقدم العامة لكل مرحلة منذ الاستقلال وامكانية تحقبقها ممكنا، ارتبط بتأسيس التعليم الحديث وفيما بعد القطاعات الاقتصادية الخدمية والزراعية والصناعيه والاداريه التي استوعبت منتوجاته من الكوادر والخبرات وتكونت فيها الشرائح الاجتماعية والسياسية الحديثه, لذلك فأن اعادة تأسيس هذه التيارات، بمعني عودتها للانتعاش بوتائر متزايده، لايمكن تحقيقه الا بدء من هذه النقطه علي طريق تعزيز السلام والوحدة الوطنيه والتحول الديموقراطي واعادة الاعمار. استنادا الي هذه الفكرة الاساسيه كان رأي حزب البعث السوداني منذ مده هو تركيز كل طاقات المعارضه الذاتيه وتلك المرتبطة بالاطراف الدولية والاقليمية ذات الصلة بالازمه السودانيه للضغط من اجل تسوية سياسية ملائمه متفاوض عليها مع حكومة الانقاذ تتجسد في حكومة وحدة وطنيه يراعي تكوينها وتوازن القوي فيها تحقيق الهدف المحوري المذكور بموقعه في قلب الاهداف العامه. وبالنظر لضعف التجمع الوطني وقوي المعارضة عموما ولضعف الضغط الشعبي علي السلطه الناجم عن استمرار وتعاظم فعالية السبب القاعدي، فأن القدرات الذاتية للتجمع والمعارضة عموما لم تكن كافية للوصول الي التسوية بمواصفاتها هذه كما وضح مرارا من قبل ومؤخرا في استبعاد التجمع والاطراف الاخري من مفاوضات ماشاكوس/ نايفاشا وفي اتفاق جده الاطاري ( 12 / 2003 ) واتفاق القاهره ( 1 / 2005 ). فقد ادي هذا الضعف الذاتي الي اضطرار التجمع تقديم تنازلات كبيره حصرت اتفاق القاهرة في اطار اتفاق مشاكوس / نايفاشا رغم اشاراته الي قضايا التحول الديموقراطي والحريات العامه وحقوق الانسان وذلك لان توازن القوي علي ارض الواقع لم يكن يسمح بأكثر من ذلك رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها قيادة التجمع والوسيط المصري. لهذا كانت نظرتنا ولاتزال انه، اذا صح تشخيصنا لجذر الازمه، فأن تقديم تنازلات معينة للتوصل الي اتفاق ملائم للمشاركة قي حكومة وحدة وطنيه ذات تركيب موات للتقدم نحو الهدف المحوري يصبح مبررا بل وواجبا وطنيا من الدرجة الاولي كخطوة لامفر منها للشروع في الخروج من الازمة الوطنية الشاملة وازمة قوي المعارضة المتفرعة عنها في ظروف مرحلة مابعد اتفاقية السلام بوسائل افضل وامكانيات اكبر. علما بأن استمرار سيطرة حكومة الانقاذ علي الولايات الشماليه وفق الاتفاقيه ونسبة كبيرة من الحكومة المركزيه ومؤسساتها بالاضافة الي تناقضاتها الداخلية ومع شريكها الاساسي، الحركة الشعبيه لتحرير السودان، وتزايد التدخل الاجنبي سيدفع الازمة الوطنية الشاملة الجارية الي درجة تفتيت لحمة الترابط الوطني نهائيا واخضاع مصير البلاد لاستراتيجيات اجنبيه بدلا من التعامل الايجابي المنتج وطنيا مع الاهتمام الدولي المتزايد بالازمة السودانيه الواضح في اتفاقية ماشاكوس/نايفاشا وتدويل قضية دار فور وتفجر مشكلة الشرق، وتحويله الي عامل مساعد في تفكيكها ومعالجة ملفاتها المتشابكه. وبطبيعة الحال فأن الوصول لاتفاقية ملائمه للمشاركة في حكومة وحدة وطنيه بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل تعني ضرورة الاسراع بأستكمال مفاوضات القاهره والشرق وابوجا ومع حزب الامه وعرض مايتمخض عنها من اتفاقيات لاجازته في مؤتمر وطني جامع في اطار اتفاقية ماشاكوس/ نابفاشا والحكم الفيدرالي المتوازن والتحول الدبموقراطي .

ان هذه الاستراتيجيات الاجنبية واقع قائم في السياسة الدولية منذ وجدت الدول القومية وقبلها الامبراطوريات ويزداد تأثيرها علي السودان في الاونة الاخيرة نتيجة عاملين العامل الاول : سيطرة القطب الامريكي الاوحد علي مسرح السياسة الدوليه والارتفاع السريع في معدلات التشابك العولمي لمصائر دول العالم وشعوبه بفعل الطفرات التكنولوجيه والعامل الثاني يتمثل في قابلية حكومة الانقاذ للاستجابة الضارة وطنيا الي مزيج الضغوط الدولية وخاصةالامريكيه والاغراءات المرتبط بهذه الاستراتيجيات بحكم انحصار معيارها للاستجابه في الحفاظ علي السلطه فقط. والضغوط الامريكية والغربية علي حكومة الانقاذ ترتبط دون شك بالسياسات والمصالح الغربية قي المنطقتين العربية والافريقيه ولكنها تستثمر السياسات العملية الخاطئة للحكومه اتية من خلال قناتي مبادرة الايقاد والامم المتحدة ( مجلس الامن ). كل هذا والاوضاع الداخليه تتردي بسرعه مع تطاول عمر النظام الشمولي الاسلاموي المترتب علي تدهور وزن قوي التغيير الديموقراطي وخلفية الاستنارة التي تتغذي منها. والتدخل الدولي، وخاصة الامريكي، في بلادنا وصل تأثيره ذروته الاولي عام 2001 عندما نشط الدور الامريكي في تركيبة الدور الغربي ( امريكا ،بريطانيا, الاتحاد الاوروبي, النرويج الخ ..) وراء مبادرة الايقاد وذلك بعد حسم التوازن في ادارة جورج بوش الاولي ( 2001-2005) لمصلحة اليمين المحافظ لاسباب عديدة اهمها الخدمات التي اسدتها له هجمات 11 سبتمبر 2001 الانتحاريه في نيويورك وباريس. ومنذ ذلك الحين بدأ التدخل الدولي والامريكي المباشر في الازمة السودانيه يتواصل ويتزايد من خلال مبادرة الايقاد وشركائها ليصل في بداية هذا العام الي دفع الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان لتوقيع اتفاقيات ماشاكوس / نايفاشا. وبعد تفجر ازمة دارفور في نهاية عام 2002 ادت سياسات الحكومة الي تحويلها لبند ثابت في اجندة مجلس الامن حيث اصدر خلال العام المنصرم تسعة قرارات متتالية ترتبط كلها بأزمة دار فور وحرب الجنوب. ووصلت هذه القرارات درجتها القصوي بالقرار 1590 الخاص بصلاحيات بعثة الامم المتحدة وقوات حفظ السلام في السودان خلال الفترة الانتقاليه. وهي صلاحيات واسعة تضع البلاد عمليا تحت وصاية دولية كاملة تقريبا. ويشير ذلك الي ان التدخل الدولي في الازمة السودانيه اصبح عاملا هاما خلال السنوات الاخيره بفعل سياسات حكومة الانقاذ القمعية والاقصائيه ومتغيرات الوضع الدولي. والتعامل الامثل مع هذا الواقع لايكون بالدخول معه في مواجهة خاسره وانما يتمثل في استثمار ايجابياته لمصلحة التسوية الوطنية الشاملة وابطال سلبياته وحصره في الحدود الدنيا تمهيدا للتخلص منه في اقرب وقت ممكن بدء بحكومة وحدة وطنيه واسعة التمثيل ايجابية المردود فيما يتعلق بالمعالجات الاسعافية وتلك الاهم المتصلة بجذر الازمة العامه. فرغم رفضنا للتدخل الاجنبي والدولي، اي الواقع خارج حدود التزامنا الطوعي بموجبات العضوية في المنظمات الاقليمية والدوليه وفي العلاقات الثنائيه ، لايمكن نكران دوره الايجابي في انهاء الحرب الاهليه في الجنوب واجبار الحكومة علي توقيع اتفاقية السلام مع الحركة الشعبيه. والقرار الدولي الخاص بقوات حفظ السلام يرتبط بضمانات تنفيذ تلك الاتفاقيات بموافقة الحكومة والحركه ويرجع ذلك الي اتساع هوة عدم الثقه بين الطرفين المعنيين وعدم التزام الحكومة بالمواثيق والعهود وتركيز القوي الاقليمية والدولية علي حماية اتفاقية السلام وضمان تنفيذها في مواجهة تكتيكات نخبة الانقاذ القائمة علي ضمان بقائها في السلطه من خلال تفتيت المعارضه وتجزئة الازمة السودانية في منابر تفاوض متعدده مع اطراف المعارضه ( نايفاشا، القاهره، ابوجا، الشرق الخ .. الخ.. ). انطلاقا من هذا الواقع تجد الضغوط الاقليمية والدولية مجالا لدور ايجابي بمقياس المصلحة الوطنيه يتجسد في تحسين شروط صراع التجمع الوطني وحزب الامة التفاوضي مع الحكومه سواء فيما يتعلق بالقضايا اليومية الحيوية مثل تسريع استكمال مفاوضات القاهره وابوجا والشرق بدفعها لتكوين حكومة قومية متوازنة في اتجاه تنفيذ اتفاقية السلام الشامل والتخطيط لمعالجة كوامن الازمة الوطنية الشامله بدء من النظام التعليمي.
أن ماسيتمخض عن تفاعل الضغطين الذاتي والخارجي من ميل نسبي في توازن القوي لمصلحة اطراف التغيير الديموقراطي ممثلة في التجمع وحزب الامه وقوي المعارضة الاخري سيؤدي الي تعظيم امكانيات التحول الديموقراطي المنصوص عليها في اتفاقيات السلام بصورة معممة وغامضة علي مرحلتين : الاولي هي اضعاف قدرة سلطة الانقاذ علي استخدام مزيج التحايل والترهيب المعنوي بالاسلام، اضافة للوطن والعروبه، والمادي بالضغط الاستخباراتي الناعم والخشن. وهو مايحسن مناخ الصراع قي كافة المجالات ويمهد الطريق للتوصل الي تسوية ملائمة في منابر القاهرة وابوجا والشرق الخ ..الخ وايضا لدخول المعارضة معركة الانتخابات علي كافة المستويات ابتداء من اللجان الشعبيه وحتي الرئاسيه وليس المجال الطلابي وحده خاصة وانها ، مهما كانت احتمالات التزوير فيها، تتيح فرص التفاعل مع الجمهور العام وايضا ايصال رسالة الاستراتيجية الجديده لدوائرها المتقدمة واستقطابها لها واكساب كوادر المعارضه الوسيطة والدنيا خبرات انتخابية لم تتوفر لها بحكم السن. ويتطلب ذلك تركيز الاهتمام منذ الان علي المشاركة في اصدار قانون انتخابات ديموقراطي يستفيد من التجارب السابقه ويضمن تمثيل كافة القوي السياسية في المؤسسة التشريعيه ( التمثيل النسبي مثلا ) وكذلك وحدة قوي المعارضه في قائمة موحدة لهزيمة سلطة الانقاذ علي اساس استراتيجية تشخص مصادر قوتها وضعفها الحقيقيه. اما المرحلة الثانية والاهم علي المدي الابعد في عملية التحويل الديموقراطي، فهي استعادة الدور الاستناري القيادي للمعلم والمؤسسة التعليمية السودانيه بشكل خاص وبقية المجالات بشكل عام. ويقتضي هذا حشد اكبر قدر ممكن من جهود المجتمع المدني السياسي وغير السياسي وكذلك الموارد المالية للدوله والقطاع الخاص ومصادر التمويل والعون الفني الثنائية والاقليمية والدوليه لانجاز هذا الهدف المتصل مباشرة بالازالة التدريجية للمسبب القاعدي وراء الخلل في توازن القوي السياسي الحالي لمصلحة السلطه وقوي الفهم التقليدي او/ و التجاري سياسيا واقتصاديا للدين عموما.
وبالاضافة لهذه الضرورة العامه، فأن تعديل استراتيجيه قوي المعارضه في الاتجاه الرئيسي والاتجاهات الفرعية المشار اليها يقدم معالجة حاسمة وسليمة لاشكالية العلاقة بين التجمع – حزب الامه من جهه والحركة الشعبيه من جهة اخري خلال الفترة الانتقاليه لان الطرفين سيكونان ممثلين في الحكومه الانتقاليه ويعملان وفق خطة مشتركة ومحددة بدقه. وهذا مع الانتعاش التدريجي لقدرات الشق الشمالي من تيارات الاستنارة والديموقراطيه في المجتمع والحياة العامه ووزنه الشعبي سيتيح فرصة حقيقية امام قيادة جون قرنق في الحركة الشعبيه لتبقي شريكا للتجمع- حزب الامه والقوي الاخري بدلا من اضطرارها الراهن للاكتفاء بدور شريك سلطة الانقاذ نظرا للتراجع الكبير في وزن تلك التيارات وتعبيراتها السياسية الحزبية وغير الحزبيه، وسيترتب علي استمرار هذا الوضع حتما تراجع الحركة الشعبية نحو همومها وقواعدها الجنوبية الضاغطة بشده للخروج من كوارث الحروب الاهليه وبالتالي ترجيح فرص الانفصال في استفتاء الجنوب .. وينطبق هذا الوضع في مجمله علي الحركات الجهوية المسلحة القائمة في الشمال خاصة في دار فور والشرق وجبال النوبه والنيل الازرق وتلك التي تتهيأ لذلك لان مصدر اليأس من الحلول الشاملة وطنيا هو هذا التراجع نفسه مما يجعل قضية تحديد مسبباته ومعالجتها بالسرعة الممكنه قضية حياة او موت لوحدة السودان الوطنيه دون مبالغه. وعلما بأن معضلة العلاقة بين المركز والاقاليم هي في المقام الاول معضلة تأسيس حكم ديموقراطي راشد، فأن الامر يقتضي تأسيس هذه العلاقة يالنسبة للاقاليم الشمالية في عمومها علي اساس نظام فيدرالي متوازن ومتماشي مع وضعية الجنوب وصلاحيات تراعي خصوصياتها وتطلعاتها المشروعه، وبالتالي تقليصها الي ستة اقاليم بدلا من 15 ولايه كما هو الحال الان.
كذلك فأن هناك فرقا بين اقامة علاقة تنسيق للمعارضة مع المؤتمر الشعبي وهي في حالة ركودها الراهنه واقامتها في حالة تبني استراتيجية تؤدي لانعاشها وتطويرها علي اساس برنامج مدروس وعملي محدد. فالمؤتمر الشعبي يملك قوة سياسية معتبره لاستناده الي نفس ظاهرة سطوة التدين الخام علي المجتمع الحضري التي يتغذي منها الجناح الحاكم للحركة الاسلاميه والعلاقة مع المؤتمر الشعبي في الحالة الاخيره ستسد الطريق نهائيا امام استعادة وحدة الحركه الاسلامويه وتضيف لوزن المعارضه دون خشية من المحاذير.
بيد ان اهم الاثار الايجابية لصياغة مثل هذه الاستراتيجية العملية المدروسة علميا بالنسبة للعلاقات الحزبية السودانيه هو توطيد الصلة مع حزب الامه. يلاحظ في هذه المقال استخدامنا لمصطلح التجمع- حزب الامه احيانا في اشارة الي القناعة بأن القيادة المتميزة للصادق المهدي تضع هذا الحزب التاريخي علي طريق التحديث بما يرفع قابليته لاغناء استراتيجية من هذا النوع نظريا وعمليا. وفي هذه الحالة فأن امر العلاقة الرسميه مع التجمع اذا استمر بوضعه الراهن يغدو غير ذي موضوع لان دور حزب الامة القيادي في تنفيذها لن يتطلب ذلك. وبدلا من البيانات المشتركة مع الحزب التاريخي المماثل ( الاتحادي الديموقراطي ) وقيادة مولانا محمد عثمان الميرغني والتنسيق المتقطع مع التجمع الوطني في المجال الطلابي والمجالات الاخري سيصبح العمل اليومي المتزايد المردود تدريجيا لاهتدائه بخريطة طريق واضحه تتيح الاستراتيجية السليمة رسمها، سمة العلاقة بين المستويات القيادية المختلفة لدي الطرفين.
المدي الزمني للاستراتيجيه
الالتزام بهذه الاستراتيجيه القائمة علي تسوية سياسية للمشاركة في حكومة وحدة وطنية وفق برنامج عملي يركز علي اصلاح ملموس للنظام التعليمي في علاقته بالاهداف العامه لاتعد الشعب السوداني بأي مكاسب انيه او تصاعد قريب في فعاليتها لانها تفترض مبدأيا مدي زمنيا طويلا لانجاز اهدافها يتجاوز الفترة الانتقاليه هو الوقت الذي يستغرقه بالضرورة تغيير عقلية المدرسين والدارسين وتغلغل الاشعاع الاستناري في اقسام مؤثرة من انحاء البلاد والمجتمع مدعوما بما يتيسر تحقيقه من تغييرات اجتماعية اقتصاديه في نطاق خطة اعادة الاعمار والتنميه. ولايعني هذا عدم السعي لتحقيق امكانية تفكيك النظام وفق خطة مشتركة بين اطراف المعارضه للانتخابات القادمه بعد ثلاث سنوات ترتكز علي الايجابيات لمصلحة هذه الخطه الكامنه في اتفاقيات ابوجا والشرق والقاهره وفي دخول اتفاقية السلام الشامل مرحلة التنفيذ.
اما علي المدي الابعد فأن وضوح الطريق نحو مهمة بناء مجتمع ديموقراطي ينبثق عنه نظام سياسي ديموقراطي قابل للحياه سيشكل املا ملموسا بالنسبة لبؤر النخب السياسية والاجتماعية التحديثيه التي ظلت حيه مما سيبقيها عليه الي اخر الشوط بعكس الوضع الراهن حيث تصطدم جهودها المضنية بحائط اللامبالاه والسلبيه حتي من قبل القطاعات الشبابيه دون ان تجد هذه البؤر امامها تفسيرا لذلك وطريقا للتغلب التدريجي ثم الاسرع عليه مما يلقي بها في قاع الاحباط.
المقصود هنا تحديدا ان الارادة البشرية قادرة علي التأثير في الواقع الموضوعي الي حد ما. اي ان نشاط منظمات المجتمع المدني السياسي ( الاحزاب الديموقراطية التكوين ) وغير السياسي ( الجمعيات الاهلية والنقابات ) يمكنه تقليص الفترة الزمنيه التي يفرضها الواقع التاريخي السوداني راهنا. اذا التزم النوعان بالخاصية التي تجعلهما ضمن توصيف المجتمع المدني وهي طوعية الانتماء مع التركيز الكلي علي لاحزبية الجمعيات الاهليه فأن ذلك يصب مباشرة في الهدف الجوهري للاستراتيجيه وهو تنمية حس المبادره والتفكير المستقل لدي الافراد والجماعات. واعتمادا علي حجم الجهد المبذول من نخب المجتمع المدني هذه ونوعيته يمكن ان تنطلق في المستقبل القريب ديناميكة دفع ذاتي تقصر المدي الزمني للاستراتيجيه مع ملاحظة ان مايستدعيه ذلك من وضع خطط تفصيلية مستوحاة منها كأفضل وسيلة لذلك هو مسئولية الاحزاب بينما تعتمد مساهمة المجتمع المدني غير السياسي علي امكانية تأثير اعضاء الاحزاب عليها في الاتجاه المطلوب دون المس بأستقلاليتها وطبيعة مهمات كل هيئة من هيئاتها. وفق هذه الرؤية، يكتسب التركيز علي قطاع معاهد اعداد المعلمين والمؤسسات التعليمية الثانوية والعاليه اهمية اكبر بكثير من اهميتها الحاليه للمعارضه كمنابر للتنافس المحدود الافاق مع السلطه. فالتركيز يستهدف هنا بالدرجة الاولي تجفيف منابع الفكر والممارسة التقليدية عن طريق العمل النقابي والسياسي والثقافي الملتزم بالديموقراطية والحوار وذلك لتدريب منتسبي هذا القطاع القيادي الاول للاستنارة والتحديث علي الانفتاح والعقلانيه كأولوية تؤدي حتما الي الظفر السياسي الدائم علي مؤيدي السلطة واحتياطيهم خارجها من دعاة اسلام الاستسلام للتخلف والركود. وكنموذج اخر للمسائل التي تبدو قليلة الاهمية وفق الرؤية التقليدية للعمل المعارض ويمكن ان تشكل تفصيلا مهما في برنامج مشتق من هذه الرؤية غير التقليديه، مسألة الزي العسكري للتلاميذ وزي تلميذات مرحلة الاساس. هناك منافذ كثيرة وسهلة لتنظيم حملات ضد مظاهر عديدة تشكل احد وسائل هيمنة التدين الخام المعادي لمقومات العقلانية في الاسلام والفكر العربي الاسلامي نفسه علي الاذهان والعواطف.
تقصير المدي الزمني بتأسيس وتقوية فعل الديناميكية الاستناريه له مصدر اخر وهو حسن استثمار الاهتمام الدولي الثنائي ( الولايات المتحده ودول الغرب عموما ) والمتعدد الاطراف ( الامم المتحده والاتحاد الاوروبي ) بالازمة السودانية وقضاياها بما يحوله الي اهتمام ايجابي معياره الخضوع لاولويات الاجندة الوطنيه. فمن المعروف ان قضايا اصلاح النظام التعليمي خصوصا ونشر الديموقراطية بشكل عام تشكل احد دوافع الاهتمام الغربي والامريكي الاستثنائي بالمنطقتين العربية والاسلامية. الدافع المباشر لذلك هو الظهور القوي للاصولية الاسلاميه المعادية بالعنف الشمولي لكل مايمت للغرب بصله وغير المباشر هو تلاشي خطر القطب السوفيتي علي مصالحه في هاتين المنطقتين وغيرهما.
وهنا نشير الي ان الاعتراض علي اوجه السياسات الغربيه ولاسيما السياسات الامريكية الداعمة لاسرائيل مسئولية اخلاقية في المقام الاول. ومعني ذلك أن القوي المقتنعة نظريا وعمليا في سلوكها اليومي بالديموقراطيه هي وحدها صاحبة الحق الاخلاقي في الاعتراض والقادرة علي تفعيله ايضا. فالديموقراطية نظام يقوم في جوهره علي احترام ادمية الانسان كفرد ومجموع لذلك لايحق للانظمة والحركات والايدولوجيات اللاديموقراطية القائمة علي التضحية بحرية الانسان وكرامته وحقوقه المادية والمعنويه بأسم الدين والوطنية والقوميه و " لاصوت يعلو فوق صوت المعركه ضد الاستكبار والامبرياليه " ان تعترض علي سياسات تعتبرها لاانسانيه وحاطة من قيمة الحقوق الوطنية للبشر مهما حسنت نواياها وبلغت تضحيات بعض مجاميعها وافرادها. من ناحية اخري فأن هذه الحركات والانظمة تنتهي الي قتل روح المبادرة الشعبية والنخبويه التي تشكل المنبع الوحيد وغير الناضب للابداع العلمي والفني الخلاق تنمويا وحضاريا الذي لااساس غيره لاستقلال الارادة الوطنيه، مما يجعل الاوطان فريسة سهلة للاستهدافات الاجنبية التي تدعي مكافحتها.. وهذا ماتثبته حقيقة ان اكثر البلدان قدرة علي مجابهة السياسات الامريكيه الضارة بمصالحها الوطنيه بقوتها الذاتية وبأستقطاب الدعم الاقليمي والدولي حتي داخل امريكا نفسها، هي بلدان تحولت ديموقراطيا مثل فنزويلا في امريكا اللاتينيه ( هوجو شافيز ) وتركيا ( رجب اردوغان ) ثم المانيا التي خرجت منذ نصف قرن فقط من دمار لامثيل له بفضل تمسكها بالخيار الديموقراطي وتعاملها مع الولايات المتحدة، توافقا واختلافا، بما يخدم تركيز هذا الخيار وتعزيزه في تربتها حتي وقفت علي قدميها واضحت قوة اقتصادية وسياسية كبري تحسب امريكا نفسها لها الف حساب كما حدث خلال حرب العراق في 2003 . من ناحية اخري فان الانظمة الشمولية في شرق اوروبا والوطن العربي انهارت بسهوله في مرحلة معينه لان جبروتها العسكري كان مستندا الي مجتمع مدني محنط تحت وطأة الجبروت الامني والايدويولوجي الشمولي وعبادة الزعيم. اما حركات التطرف الديني فأن كونها قمة الشمولية الفكرية هو الذي يفسر النتائج العكسية لضرباتها الانتحاريه حيث مهدت الطريق لاستشراء النفوذ الامريكي في المنطقة العربية والاسلاميه وعرضت مئات الالاف من المسلمين الذين ارتبطت حياتهم بالغرب الي الضغوط الامنية والاداريه بل وسدت الطريق امام انتشار الاسلام في الغرب المنفتح للاديان غيرالمسيحيه. وحتي في دولة عربية مثل العراق تحولت حياة الاف السودانيين الذين عملوا وعاشوا فيها الي جحيم بعد ان تورط بعضهم في هذا النوع المنحرف والعقيم من الحركات الدينية السياسيه وعنفها العشوائي الاعمي بمسمي المقاومه.
علي ذلك فأن قوي التغيير الديموقراطي والاستنارة السودانيه هي وحدها المؤهلة اخلاقيا وفعليا لمعارضة ومواجهة السياسات الامريكية والغربية التي تتطلب ذلك عربيا وافريقيا وعالمثالثيا, ومن باب اولي سودانيا لان الشرط الاولي لذلك هو ترتيب البيت الداخلي ديموقراطيا . هنا تقتضي الاولوية الوطنية الملحة ادارة العلاقة مع الغرب الاوروبي والامريكي وفق خطة تستهدف ترميم ثم بناء القوة الذاتية السودانيه اثبت التحليل والتجربة العملية ان نقطة ارتكازها هي اعادة بناء الانسان السوداني نفسه. ويعني ذلك تسخير هذه العلاقه لدعم الجهود المحلية الوطنية السودانيه الرامية لاحياء النظام التعليمي مع توسيع وتنشيط رديفه وهو قطاع المجتمع المدني بأشكاله المختلفه. فالغرب الاوروبي والامريكي يملك خبرات متراكمة منذ عصر التنوير والنهضه ساهمت فيها الحضارة العربية الاسلامية نفسها وامكانيات تقنية واقتصادية وسياسية كبيره بما فيها نفوذه في المؤسسات الدولية. ويمكن الاستفادة من كل ذلك انطلاقا من المصالح الوطنيه العليا وبالتعاون والتنسيق مع المنابر الاقليميه العربية والافريقيه والعالمثالثيه المتضررة من التقسيم الدولي الراهن للعمل الناتج عن سيطرة البلدان الرأسمالية وشركاتها العملاقه علي الاقتصاد العالمي . ولاشك ان ادارة العلاقة مع الغرب وفق هذه الخطه سيساهم كثيرا ايضا في تقليص المدة الزمنية اللازمة لتطبيق استراتيجية التجمع- حزب الامه والمعارضة عموما. وكل خطوة تخطوها البلاد علي هذا الطريق وسواه للخروج من قاع انحدارها الحالي بأستنبات وتنمية الوعي الديمقراطي وتربته الاستناريه هي خطوة علي طريق بناء القوة الذاتية السودانية الخيره التي تعتبر الشرط الوحيد للتعامل الندي ولكن الوثيق في عالم اليوم المتشابك المصالح بكباره وصغاره، اخذا وعطاء.
ملحق
هذه المجموعة من الافكار ظلت متداولة في بعض اوساط الحزب القيادية منذ بضع سنوات غير ان مقدرتنا علي بلورتها نهائيا وطرحها للنقاش في الاوساط الفكرية والسياسية السودانيه تأثرت بالعوامل التي ادت الي تقليص وزن ودور حزب البعث العربي الاشتراكي السوداني من القمة التي كان قد وصل اليها عبر عدة قمم اصغر في النصف الاول من الثمانينيات بقيادته للحملة ضد قوانين شريعة سبتمبر . يشهد علي ذلك استهدافه وحده من بين الاحزاب السودانية بمحاكمة بنفس قوانين اعدام محمود محمد طه في عام 1984. السبب الاول للتقلص خصوصية انقساماته ضمن موجة الانقسامات في الحزبية السودانية عموما. هذه تعكس حالة التأزم نتيجة فقدان الاتجاه في الصراع مع الدكتاتوربة الثالثه بعمقها في حالة هزال القوي الحديثه كما اوضحت سابقا. كما ان الاسباب لدينا لاتقتصر علي العوامل الذاتية المتعلقة بتكوين البعث الفكري والتنظيمي اللاديموقراطي كجزء من حركة اليسار ، وانما تتصل ايضا بعوامل عراقية وسوريه ناتجة عن انه كان حتي عام 1997 عضوا في المنظومة البعثية العربية التي تضم البعث العراقي ودولته ( 68- 2003) في منافسة مع المنظومة البعثية التي تضم البعث السوري ودولته ( 63- ....). نعيد هنا تأكيد احترامنا لوجهة نظر الرفاق الذين اختاروا المضي في العلاقة مع قيادتي صدام والاسد لان العوامل المشار اليها لاتتعلق بالنزاهة الشخصيه او تنتقص من الدور النضالي الذي لعبوه في تاريخ الحزب ويلعبونه في الحياة العامه الان وفق تقديراتهم للامور وانما بكون الدولتين البعثيتين نشأتا في ظروف تاريخية اواسط القرن الماضي جعلت منهما لاحقا نموذجا لازمة الديموقراطية السياسية في الحركات والانظمة الحديثة. فالدور الريادي التاريخي الذي قام به هذا النوع من الانظمه والحركات في مناهضة الاشكال الاستعمارية المستحدثة الامريكية موقظة شعوب العالم الثالث علي حقوقها ومطالبها الانسانيه وفي ابراز قضية الديموقراطية الاجتماعيه الي درجة فرضت تغييرات في النظام الرأسمالي نفسه، اتضح جليا فيما بعد خطورة ارتباطه بأفتقارها الي الية تصحيح داخلي تتولي تعديل المسارات الخاطئه قبل وقوع الكوارث. وكما اثبت تطور الاحداث الفعلية منذ العقد الثامن فأن النماذج الاشتراكية والشيوعيه الاوروبيه ليست مستعصية علي الاصلاح تماما حيث شهدت كافة هذه النماذج تحولات ديموقراطية بتفاعلات ضاغطة داخليا وخارجيا سواء وهي في السلطة او بعد الاطاحة بها. اما في الوطن العربي فيبدو ان ضعف صلته بعصرالتنوير والنهضة الغربي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر بتياراته الفلسفية والفكرية المستنيره الذي انتج فيما بعد مجتمعات سياسية ديموقراطية، جعل الانظمة والحركات التقليدية العربية اكثر تقليدية من غيرها وتلك الحديثة مستعصية علي الاصلاح الي درجة العودة الي نظام توارث الحكم ( سوريا، العراق، مصر، ليبيا ) والتشبث بأحتكاره حد التراجع المهين عندما يصبح العدو علي الابواب في المعارك الخارجية التي تتورط فيها بسوء التقدير او تغطية لاخفاقاتها. بالنسبة لمنتسبي حزب البعث ( العربي الاشتراكي ) السوداني ومعهم رفاق من اليمن والاردن والجزائر وغيرها كانت التجربة خير برهان علي الاستعصاء اذ قوبلت نداءات ومحاولات الاصلاح بالصمت وطلب التأجيل ثم التشكيك في الدوافع. بذلك اغلق باب الحوار الداخلي مع هؤلاء الذين قرروا ان الخروج علي خط الدولة البعثية العراقية – السوريه والقيادتين القوميتين المرتبطتين بهما ( يفترض انهما اعلي قيادتين في المنظومة البعثيه ) يعادل ضرورة انقاذ الاوطان نفسها من التفتت الداخلي الذي يجعلها جاذبة للتدخل الخارجي وبالتالي انقاذ الحزب نفسه في اعين الشعوب والتاريخ.
السبب الثاني لتقلص وزن البعث السوداني هو التمويل. هنا ايضا نجد التعقيد الاستثنائي بالمقارنة للاحزاب السودانية الاخري التي تعاني مشكلة مشابهه لان المسألة لدينا ناجمة عن انعدام الخبرة البعثية في التمويل المحلي ( مشاريع تجاريه، تبرعات كبيره من افراد ) والذاتي ( اشتراكات العضويه ) . نعيد للاذهان هنا ان معالجة موضوع التمويل السوري- العراقي للاحزاب البعثية بالمداراة كان خطأ شاركنا فيه جميعا كقيادات بعثيه اذ ان المبادرة بطرحه للنقاش الصريح والمفتوح خلال الفترات الديموقراطيه كان ضروريا كنوع من ممارسة الشفافيه واحترام الرأي العام بشرح الاسس التي تجعله بديهيا ومقبولا لدي البعثيين ولكنه ليس كذلك لدي غيرهم وهي : وحدة الحزب في السودان وخارجه، في السلطة وخارجها والاحتياطات المغروسة في التربية الحزبية لتلافي سوء استخدام التمويل. وسواء قبل القارئ تقدير هذه الورقه بأن توفر التمويل السهل لم يصبح مصدر ترهل نضالي او فساد الا في حالات نادره وعندما تفاقمت الازمة المعيشية في السودان الي درجتها القصوي او لم يقبله، فأن انقطاع صلة البعث السوداني ببغداد كان ورطة حقيقيه بالنسبة له لانعدام موارد تكفل استمرار العمل بالحد الادني حتي يتم اكتساب الخبرة اللازمة لتوليدها. وتزامن ذلك بالطبع مع احتياجات مالية استثتائيه في فترة الانقسامات ازاء اطراف كان وضعها مختلفا من هذه الناحيه ولكن الضرر الاهم الذي الحقته الازمة المالية هي انها حرمت البعث السوداني من فرصة المساهمة في اغناء الفكر السياسي السوداني والعربي بأكثر مما فعل حتي الان وترقية تجربته واغنائها بتفاعل اوسع واكثر حميمية مع القوي والتيارات الاخري ومع حركة الواقع اليومي. يتعلق الامر علي سبيل المثال بوجود ثلاث مؤلفات علي الاقل بأحجام متفاوتة بين الكبير والمتوسط لم نجد وسيلة لطبعها منذ سنوات هذا غير الدراسات والمقالات التي تعذر توزيعها الا في دوائر ضيقة حتي للعضوبة الحزبيه. والمؤكد ان اكثر هذه المؤلفات والمواد اثارة للشعور بالتقصير الممزوج بالالم لدينا هو المتعلق بالمراجعة النقدية لتجربة البعث – في – السودان والعراق وخارجهما من كافة جوانبها وهي التي تجاوزت في مترتباتهاالعملية انقطاع الصلة بالمركز العراقي وعدم الاستجابة لعرض الالتحاق بالمركز السوري، الي اصدار اعتذار علني للشعب العراقي. ففي اول ممارسة سياسية عربية من نوعها علي حد علمنا اصدر البعثيون السودانيون بيانا وزع علي مجموعة كبيرة من المثقفين والناشطين العراقيين ونشر في عدة صحف عربيه تحملوا فيه بوضوح نصيبهم من المسئولية عن معاناة العراق والعراقيين التي تجل عن الوصف ( 3 حروب وحصار استمر 13 عاما ) تحت قيادة صدام حسين لحزب البعث العربي الاشتراكي.
رغم كل ذلك فأن البعثيين السودانيين مرتاحون نفسيا وضميريا الان وهم يخوضون معركة الاستنارة والديموقراطيه مغ الاخرين بهذا القيد الثقيل الذي يحصر مساهمتهم
دود دنيا بالمقارنة لطموحاتهم وحاجة البلاد. فالنقد الذاتي الشامل سودانيا وعربيا وعلي رؤوس الاشهاد كان بمثابة تصالح مع النفس والتاريخ والمستقبل وهم واثقون من ان الشرائح القادرة في المجتمع الذي اختاروا خدمة قضاياه العامه ديموقراطيا ستساعدهم بكل الوسائل الممكنة علي اداء هذه المهمه كما فعل بعض الاصدقاء الحريصين علي دعم التطورات الايحابية في الحزبية السودانيه.









#محمد_علي_جادين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد علي جادين - اعادة نظر في استراتيجية المعارضه السودانيه: دعوة للنقاش