لقاء مع السجين الشيوعي رزكار ( بولا )
14 سنة من الاعتقال وتصميم على المواصلة
استجوبني الحاكم عواد البندر لمدة دقيقة ونصف ثم حكم عليّ بالإعدام
حاوره:علي إبراهيم
بعد صدور ما يسمى بالعفو العام عن السجناء عاد إلى بيته السجين الشيوعي رزكار عزيز المعروف بـ " بولا " والذي اعتقل في 6/ 5 / 1989 وأطلق سراحه في 20 / 10 / 2002 قضاها بين عدد من السجون والمعتقلات كان آخرها سجن أبو غريب الرهيب . والرفيق رزكار من عائلة شيوعية معروفة في مدينة السليمانية ولد عام 1959، التحق بحركة الأنصار التابعة للحزب الشيوعي العراقي عام 1979 كلف بمهمة حزبية في المناطق المسيطر عليا من قبل النظام الدكتاتوري ، لكن أجهزة السلطة القمعية استطاعت إلقاء القبض عليه وبمناسبة إطلاق سراحه أجريت معه هذا اللقاء :
*رفيق رزكار هل يمكنك أن تشرح لنا ما هي الظروف والملابسات التي أدت إلى اعتقالك ؟
- كانت لدي مهمة حزبية كما تفضلت ، لقاء مع أحد الرفاق يوم 6/ 5/ 1989 في مدينة السليمانية ، كان الموعد في تمام الساعة الخامسة مساء ، أثناء هذا اللقاء الذي تم في الزمان والمكان المحددين شعرت بحركة غير طبيعية ، فطلبت من الشخص الانسحاب إلي منطقة خلفية في محلة بردى ، وهناك نصب لي كمين من مفارز الأمن العامة وأمن السليمانية وتم إلقاء القبض علي َ.
* ما هي عدد السجون والمعتقلات التي مررت بها وما هي الظروف التي واجهتك ، وهل هناك فرق بين سجن وآخر من حيث التعامل وظروف العيش ، وصولاً إلى غرفة الإعدام ؟
- بعد اعتقالي أخذوني إلى موقف السليمانية وهو عبارة عن بناية لمدرسة قديمة ، ووضعوني في غرفة صغيرة كانت "مرافق صحية " مساحتها (متر ونصف × متر )، ومنها إلى غرفة التعذيب ، وهكذا ولمرات عديدة يتنقلون بي بين الغرفتين ولمدة شهرين . ثم نقلوني إلى الأمن العامة في بغداد وهناك بقيت ما يقارب أربعة أشهر وكان التعذيب مستمراً ومرة ثانية إلى أمن السليمانية في بناية جديدة تسمى ( البناية الحمراء ) وبقيت فيها أربعة أشهر أيضاً ، ُم نقلت إلى الأمن العامة في بغداد ومنها إلى محكمة "الثورة " حيث استجوبني الحاكم عواد البندر لمدة دقيقة ونصف ثم حكم علي بالإعدام ، فنقلوني إلى قاطع الإعدام ، بقيت شهرين ثم خفض بقرار جمهوري إلى المؤبد فتم نقلي إلى قسم الأحكام الخاصة في سجن ( أبو غريب ) بقيت هناك أشهراً ثم نقلت إلى سجن في مدينة الموصل يسمى (بالوش ) وبعد مدة أخذوني إلى مركز شرطة (سنجاري )للتسفيرات في مدينة الموصل كعقوبة نفسية وكانت الوضع فيه سيئاً جداً ثم نقلوني إلى مركز تسفيرات الشرطة العامة وكانت الظروف فيه قاسية أيضاً ، فقد تزامنت مع أحداث انتفاضة آذار 1991 ، بعدها نقلت إلى سجن (أبو غريب ) – قسم الأحكام الثقيلة وقبل أن يأخذوني إلى القسم الاعتيادي ، نقلوني إلى قاطع الإعدام ثم إلى قسم العقوبات الجنائية كعقوبة نفسية أيضاً .وبعد أقل من سنة أرجعوني إلى سجن الأحكام الخاصة في ( أبو غريب ) حتى إطلاق سراحي.
التعامل يختلف من سجن إلى آخر نسبياً ولكن القسوة والأوضاع السيئة ، التعذيب ، القذارة ، القمل ، الأمراض الجلدية مثل الجرب نقاط مشتركة في كل السجون ، ونتيجة عدم الاكتراث بحياة السجناء فارق الحياة عشرات منهم ، لا توجد رعاية صحية بالمرة . ولكن بعد أن يصدر الحكم ينقل السجين إلى سجن خاص فيحصل بعض التحسن النسبي بسبب بعض المساعدات من قبل ذوي السجناء لأبنائهم وليست إدارة السجن .، وتبقى المشكلة السائدة في كل السجون العراقية وهي قضية الكثافة (الازدحام ) فقد يصل عدد السجناء في غرفة صغيرة (4×4) إلى خمسين سجيناً ، يتناوبون على المكان بعضهم ينام والآخر يظل واقفاً ، أمر لا يتصوره العقل ، وأحب أن أذكر لك مثالا : قبل أن يطلق سراحي كنت أعيش مع 35 سجيناً في غرفة مساحتها (4×5) ومن ضمنها" المرافق الصحية " ، وفيها نأكل وننام. . وإدارة السجن لا توفر حتى الحد الأدنى من التغذية ، أعتقد أن أي بلد أفريقي يعاني من المجاعة هو أفضل بكثير من المجاعة الموجودة في السجون العراقية .
يوجد معي في القسم 900 سجيناً يتوزعون على عشرين غرفة . مساحتا (4×5) مخصص لكل نزيل حفنة من الرز مقدارها 100غرام لكن هذه الكمية لا يصل منها سوى ما يقارب 20 غرام بسبب الفساد الإداري والسرقات . كيف يمكن لإنسان أن يعيش على هذه الكمية بخاصة وأن إدارة السجن تقدم وجبة واحدة أو وجبتين .
من ناحية العناية الصحية فمعدومة تماماً، لا يوجد أي دواء ابتداء من حبة (براسيتيمول ) إلى أي دواء آخر ، هذا الوضع أدى إلى وفاة العديد من السجناء بسبب أمراض بسيطة جداً ، مرض السل (T.B) منتشر في السجون العراقية ، ولا يوجد عزل للمصابين ، وإن توفر بعض من الأدوية لا يمكن ان تحصل عليها إلا إذا دفعت رشوة إلى مدير السجن أو الضابط السياسي أو ضابط الأمن .
ومن معاناة السجناء الأخرى التعداد الصباحي والمسائي إذ في كثير من الأحيان يقف السجين ساعات تحت ظروف جوية قاسية (برد قارص أو تحت أشعة الشمس الحارقة .
نوجد ساحة جانبية في السجن نستخدمها للطبخ اعتماداً على ما نحصل عليه من ذوينا ، وكذلك لغسل ملابسنا بأيدينا ، بعدها تواجهنا مشكلة نشر الملابس حيث يضطر كثير منا ان يرتدي ملابسه قبل ان تجف ، وفيها نمارس بعض الألعاب الرياضية بوسائل بدائية ، نلعب كرة القدم ولأن الساحة صغيرة فغالباً ما تخرج الكرة خارج الساحة مما يضطرنا لأن ندفع رشوة لحراس البرج لكي يعيدوها لنا ، وقد تصل هذه الرشوة إلى آلاف الدنانير حسب عدد المرات التي تخرج بها الكرة . وهناك هوايات ونشاطات أخرى يمارسها السجين مثل الشطرنج ، والمسابقات ، وبعض ألعاب التسلية ، كنا نحاول أن نخلق أجواء جيدة تعيد لنا جزءاً من حيويتنا ونشاطنا وإنسانيتنا المهدورة .
وعلى الرغم من ان للسجناء زياً موحداً لكن إدارة السجن لا تصرف لك هذه الملابس ولا البطانيات ، ولا توجد أسرة كافية بسبب ضيق المكان ، وأن وجد فيباع ويشترى بين السجناء فقد وصل سعر السرير الواحد إلى مليون دينار .ودائماً يبحثون عن أية حجة لمعاقبة السجين واخذ السرير منه .
* عندما حكم عليك بالإعدام ، كيف واجهت هذا القرار ؟ هل تساوم السلطة السجناء المحكومين بالإعدام محاولة منها الحصول على تنازل مقابل تخفيض الحكم ؟
-في أول دقيقة من الاعتقال تبدأ المساومات للحصول على المعلومات وتستمر في كل السجون ومهما كان الحكم.مواجهتي لحكم الإعدام كانت طبيعية ، لأن أي سجين سياسي يتوقع حكم الإعدام قبل أي حكم آخر ، لأن النظام الدكتاتوري لا يفهم غير هذه اللغة . حالة الطوارئ قائمة ومن صلاحية مديريات " الأمن "تصفية أي سجين بدون محاكمة ، لذلك من يصل إلى المحكمة محظوظاً رغم صورية تلك المحاكم ، لقد تم تصفية عشرات السجناء داخل أمن السليمانية . كان همي الكبير هو الحفاظ على الأسرار إلى آخر دقيقة من حياتي ، عندما رجعنا بعد إصدار الحكم كان الآخرون في حالة حزن عميقة ، حاولت التخفيف عنهم قائلاً : نحن عملنا ما في وسعنا في سبيل القضاء على القمع والإرهاب وهذا شرف لنا وعلينا أن نواجه الأمر بشجاعة.
وفي قاطع الإعدام كان معي جمهرة طيبة من المناضلين ،وأذكر من رفاقنا : جوهر ، أحمد بازوكة ، كاوه ،ومحمد قركه بي، وحيد وهاتف وآخرين ثوريين من عموم العراق ، الأكثرية كانت معنوياتهم عالية وعلى استعداد لمواجهة الموت بشجاعة .
كنت أنتظر الإعدام ، ولكن شاءت الصدفة أن يخفض إلى المؤبد .إذ أن المتبع أن تجري المصادقة على الحكم من قبل ديوان الرئاسة أحياناً وبنسبة واحد من الألف لا تتم هذه المصادقة اعتماداً على مزاجية صدام والمسؤولين هناك ، وربما خدمتنا ظروف ذلك الوقت حيث انتهت حرب الأنفال ، وأشيع أن صدام ينوي القيام ببعض الإجراءات باتجاه ما يسمى بـ " الديمقراطية " و"التعددية ".
المساومات مستمرة ، حتى آخر لحظة في حياة السجين . وعادة كل أحد وأربعاء يتم تنفيذ حكم الإعدام بعد الساعة 12 ليلاً ، ويحتاطون كثيرا عند تنفيذ جريمتهم لأن الكثير من السجناء يحاولون ضرب الجلادين ، ويهتفون بشعارات تندد بالدكتاتورية وبصدام حسين.
تأتي المفرزة إلى باب الغرفة وتضع ( الكلبجات) على يدي السجين و(سير) يكتب عليه اسمه ويأخذونه إلى ( غرفة الانتظار ) ثم يأتي ضابط الأمن أو الذي كان يحقق معه ويحاول الحصول على آخر ما يمكن الحصول عليه من معلومات قائلين له : إذا زودتنا بمعلومة تفيد الدولة والثورة سنخفض عقوبتك إلى المؤبد . وهناك من يقع في شركهم وأقصى ما يفعلوه هو تأجيل التنفيذ لحين التأكد من المعلومات ثم ينفذون الحكم .
* معروف أن المناضلين السياسيين ينظمون حياتهم في السجن بل كانوا يجعلون السجن " مدرسة " وقد قرأنا وسمعنا كثيرا عن هذا الموضوع من خلال مذكرات المناضلين في العهد الملكي والسنوات التي تلته ، هل مثل هذه الإمكانية كانت متوافرة في ظل النظام الدكتاتوري ، الدموي القمعي في العراق هل كنتم تمارسون بعض النشاطات التي تخفف من معاناتكم ، كالرياضة وبعض اللعاب المسلية ، هل تقرئون ، وتنظمون أموركم اليومية ؟ كيف كانت علاقتكم وانتم تنتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة فكرياً وسياسياً ولكن يجمعكم جامعان مهمان هما حب الوطن ومحنة السجن . ؟
- السجين العراقي يعيش تحت الإرهاب وقسوة الحياة اليومية ، نحن تعرف أن هناك موروثاً تاريخياً زرعه السياسيون في السجون، فقد أطلق المناضلون على السجون مدرسة الحياة أو جامعة الحياة وهناك كثير من السجناء تعلموا في السجن اكثر مما تعلموه في الحياة الطبيعية . وعندما وصلنا حاولنا الحفاظ على تلك التقاليد ، ولكن تعامل النظام ووضعية السجناء والكثافة العددية والظروف الصعبة التي نعيشها كانت عائقاً أمام استثمار أوقاتنا .ولكن أيضاً استطعنا التكيف مع الواقع فكان بيننا تعاونا على الرغم من التباين في آيديولوجياتنا ومذاهبنا السياسية فقد كنا ننتمي إلى أحزاب مختلفة ، بيننا الشيوعيون وأكراد من الأحزاب القومية والتقدمية . ، والشيعة : حزب الدعوة ،منظمة العمل الإسلامي ، ومؤخراً حزب الله . وحركات إسلامية سنية ومستقلون ليس لهم توجه سياسي محدد ، متهمين بالتهجم على صدام حسين أو أركان نظامه . ولكن كانت بيننا وحدة اتجاه إدارة السجن وكانت لدينا قراءاتنا ولكن للأسف للكتب المسموح بها فقط ، وكن نتبادل الآراء . وبالمقابل كانت هناك سلبيات أيضاً ، فمديرية الأمن تحاول أن يكون لها جواسيس بيننا كنا نطلق عليهم ( المنافقين ) كان هؤلاء يعيشون بيننا ، محكومين بنفس أحكامنا ، ولكن لأغراض دنيئة بسيطة يتعاونون مع الإدارة والجهات الأمنية ضدنا .كنا نحاول بقدر الإمكان تحجيم دورهم والتعامل معم كمنبوذين.
وكان للوضع الخارجي انعكاساته أيضاً علينا ، وبيننا أناس ليس لديهم الوعي السياسي الكافي وكان يصعب عليهم مواجهة المواقف الصعبة . ولكن السائد والعام هو التعاون فيما بيننا .
* ما هي وسائلكم في الاتصال بالعالم الخارجي ؟ كيف تتابعون ما يجري في الوطن والعالم من تطورات سياسية ؟ وهل تصلكم معلومات خارج إطار أخبار النظام المسموح بها . بعبارة أخرى هناك كوة – ولا أقول نافذة – تطلون من خلالها على العالم ، راديو تلفزيون ، أخبار من هنا وهناك ؟
- إدارة السجن تسعى دائماً إلى عزل السجين عن العالم الخارجي، أما نحن بحكم طبيعتنا كسياسيين نحاول ان نكون على تماس مع الأحداث سواء داخلياً أم خارجياً ، لذلك جعلنا من السجن عراقاً صغيراً بسبب انتماء السجناء إلى كل المحافظات العراقية كانت تصلنا كل المعلومات عن كل أجزاء العراق . قد تكون هذه الأخبار مشوشة أو مشوهة لكننا نخضعها للتحليل والاستنتاج لكي نصل إلى ما هو مفيد. هناك مكتبة في السجن تضم مطبوعات النظام ، مع ذلك يلاحق من يقتني كتاباً أو توضع عليه علامة استفهام . لكننا كنا نحصل على الكتب (أدبية وسياسية ) وبطرق مختلفة ومثل ما يقال : "الحاجة أم الاختراع "
التلفزيون لا يبث إلا القنوات العراقية ويركز على الأخبار من وجهة نظر الإعلام العراقي لذا لم نعتمد عليه ، البعض منا لديه مذياع ، نستخدمه سراً لأن السجين الذي يضبط ومعه راديو يتعرض للمحاسبة ، أنا شخصياً عوقبت عدة مرات والعقوبات هي:الفلقة ، الضرب ، المحجر – وظروفه أتعس مما أنت عليه ، وهو عبارة عن غرف معزولة ، بدون تكييف ، بدون ماء لازم _ أو ان توضع في غرفة صغيرة تسمى ( الكنارة ) ويمنع السجين من المواجهة .
وهناك وسيلة أخرى للاتصال وتتم من خلال الناس الذين ينتمون إلى أحزاب سياسية فنتعرف على أوضاع البلد .
* أنت مثلا هل كنت تتابع تطورات التي حصلت داخل حزبك ؟ طبعاً خلال المدة التي سجنت فيها مر الحزب بمراحل كبيرة وطرأت عليه تطورات كبيرة جداٌ في فكره وسياسته وتنظيمه ، وعلى سبيل المثال عقد الحزب ثلاثة مؤتمرات وكونفرنسين حزبيين وتبدلت قيادته و تشكل الحزب الشيوعي الكردستاني وانهار المعسكر الاشتراكي …إلخ هل تابعت تلك الأحداث؟
- هذه المعلومات تصلني بطريقة أو أخرى ، ولكن مع الفارق الرفيق هنا يعرف أدق التفاصيل بينما نحن لا نعرف سوى الخطوط العريضة على سبيل المثال عرفنا بتشكيل الحزب الشيوعي الكردستاني ومن هو سكرتيره وعرفنا أن الرفيق حميد مجيد موسى أصبح سكرتيراً للحزب لكن معلوماتنا محدودة ، كنا نسمع إذاعات المعارضة خاصة إذاعة صوت العراق الحر نسمعها سراً ( تحت البطانية ) لأن عقوبتها تصل إلى الإعدام . وعلى سبيل المثال زميلنا معن معيد الذي أمضى 17 سنة في السجن ثم حكم عليه بالإعدام بسبب رسالة صغيرة . وهناك زميل آخر مزق صورة صدام حسين ، أعدم في ساحة السجن ، وعلى الرغم من كل ذلك كانت هناك محاولات للتواصل .
*ما هي أوقات ما يسمى بـ ( المواجهة) مع ذوي المساجين ؟ وكيف يجري التعامل مع العوائل عند زيارة أبنائها ؟
-نظام الموجهات السائد في السجون هو كل أسبوعين أو كل ثلاث أسابيع ، يوجد مكان مخصص لهذه الغاية لكنه غير كاف ، مما اضطرت إدارة السجن السماح للعوائل مواجهة أبنائهم في مكان معيشتهم ، تسعى هذه العوائل إلى توفير المأكل والملبس مقترين على أنفسهم ولكن ما يتم إحضاره لا يصل منه إلا الجزء اليسير ، لأنه يصادر من قبل السيطرات والمسؤولين عن إدارة السجن ، إضافة إلى الرشاوي الطائلة..
*تطالب الأحزاب السياسية العراقية وذوي السجناء بكثير من المواطنين الذين لم يجر إطلاق سراحهم وقدمت هذه الجهات ومنها الحزب الشيوعي العراقي معلومات وأسماء عن أولئك الذين غيبتهم الدكتاتورية منذ انقضاضها على الحكم ؟ هل فعلاً تم إطلاق سراح جميع السجناء ؟
- حسب اعتقادي تم إطلاق سراح كل السجناء الموجودين في السجون الرسمية ، وعلى ما أعتقد أن كل الذين اعتقلوا وليس هناك أخبار عنهم منذ أكثر من خمسة سنوات يعني أنهم في عداد المعدومين عدا بعض الشخصيات السياسية القيادية والدينية البارزة ، أظن أنهم لازالوا رهن الاعتقال حسب ظني .
* بعد تلك السنوات العجاف ، سنوات السجن والتعذيب والإرهاب ووصولك إلى حافة الموت ، إضافة إلى سنوات النضال وحركة الأنصار الصعبة . هل لازلت تؤمن بالمبادئ التي ضحيت من أجلها ، وهل لديك ذات الاستعداد والحماس لمواصلة المسيرة .
- من خلال تجربتي طيلة تلك السنوات أستطيع أن أقول : إن السجناء ينقسمون إلى قسمين : الأول أصابه نوع من الإحباط أو الانهيار والثاني تولد لديه أنواع من الإصرار والتحدي والصمود ، وأحسب أني من النوع الثاني . التجربة التي مررت بها جعلتني أومن أكثر من ذي قبل بأنه لا بد من العمل والنشاط والتحرك من أجل إنقاذ الشعب العراقي من هذا النظام الدكتاتوري البغيض . هذه القضية بالنسبة لي محسومة وليست للنقاش والنضال واجب حتى تحقيق أهدافنا.
لكن هناك حقيقة أريد أن أثيرها ، كنا نحس بها داخل السجن ، وتشغل بال مناضلين آخرين خارجه ، وهي مثارة على صعيد العالم كله . بها العالم وتتلخص بأن الظروف الدولية التي مر ومن ضمنها العراق،وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية ، والعولمة وما تمخض عنها ، كل هذه وغيرها تتطلب وقفة ، نوع من التأمل ، نوع من التفكير لقراءة هذه التجربة .لقراءة التأريخ وما حدث على صعيد المعسكر الاشتراكي السابق والأحزاب الشيوعية وحركات التحرر بالعالم والحركات العمالية .
هناك أسئلة تدور في عقل الإنسان بحاجة إلى أجوبة شافية وكافية ،لكي لا يتكرر هذا الاهتزاز مرة ثانية في الفكر ، أتحدث ليس على المستوى الشخصي وإنما على المستوى العام ، بحاجة إلى دعم أيديولوجي ، ماركسي لينيني ، هذه النظرية والفلسفة التي لا زلت أومن بها ، ما هو الخلل لا أعتقد أنه يكمن في الحرب الباردة وسباق التسلح ، هناك قضايا تخص الفكر ، أين الخلل وكيفية المعالجة ؟ أنا الآن بحاجة إلى إجابات … وأنا أولاً وأخيراً مستمر في العمل وتحت أي ظروف .