|
الموسيقار شوبرت وتحليل السمفونية الثامنة الناقصة
مازن المنصور
الحوار المتمدن-العدد: 1235 - 2005 / 6 / 21 - 11:29
المحور:
الادب والفن
الموسيقار شوبرت وهو من فطاحل العصر الرومانتيكي أيضا ا سوة با الفنان بيتهوفن الذي سبق ان تحدثت عنه في مقال سابق . وهو عبقرية ملموسة ظهرت مواهبه في سن السادسة عشرة عندما وضع أولى سمفونياته ، التي بلغت صفحاتها الخمسة والثلاثين . وقد تجلت مواهبه بصورة خاصة في تلحين الأغاني الأ لمانية ، فكان طابعه يمتاز بوضع خاص تتوافر فيه التعبيرات الصوتية . كما كانت الأغاني متوافقة مع مقاطع الشعر ومعانيه. كان شوبرت مخلصا من كل جوارحه إ لى فن بيتهوفن الرمانتيكي العميق . وفي إحدى المناسبات عرضت بعض أ لحان شوبرت على بيتهوفن الذي قال جملته المأثورة ( إن صاحب هذه الألحان شخصية روحية تستضئ بقبس من النور الآ لهي ) وعندما توفي بيتهوفن كان شوبرت ضمن حملة المشاعل في جنازته ، بل كان اسم بيتهوفن آ خر كلمة نطق بها شوبرت أثناء احتضاره في النفس الأخير من انفاسه ، كما وأوصى أن تدفن جثته بجانب بيتهوفن وبالفعل نفذت الوصية ، ومات شوبرت في سن مبكره لايتجاوز الثانية والثلاثين . ولاكنه خلف وراءه تراثا فنيا من الأ لحان ، ستظل خالدة على مدى الدهر . ومن مؤلفات شوبرت : تسع سمفونيات ، وعدد وافر من الصوناتة ، والالحان التي بلغ عددها حوالي 1634 أغنية . ومن أ شهر الحانه السرنادةالمعروفة بأسمه ، والأنشودة الكنسية تحت عنوان (Ave Maria )، أي انشدك ( الرحمة يامريم ) وقصائد عديدة منها رحلة الشتاء ، وعلى شاطئ ، والمسافر وغيرها . ومن قصائد شوبرت الملحنة اغنية ( ملك الغاب) ، ومن اشعار ( جوته ) . تصف لنا رجلا يحمل طفله الصغير أ مامه على فرسه ، ويخرج به في ليلة شتاء قارسة البرد ، كثيرة الأمطار . وقد يخيل للطفل من آونه لأخرى أن ملك الغاب ينظر إ ليه من بين الأشجار، يستدعيه إ ليه ليضمه إ لى صدره الحنون . ويحاول الأب أ ن يصرف ذهن الطفل عن هذه التخيلات والأوهام ، مؤكدا له أ ن مايسمعه ليس صوت ملك الغاب ولاكنه صفير الرياح وأزيز العواصف . وعبثا تنجح محاولات الرجل لأن صوت الملك مازال يطن في أ ذن الطفل . وعندما يعود الرجل الى داره يجد طفله قد فارق الحياة بين يديه .
من ناحية التحليل الموسيقي للقصيدة ، فقد جاهد شوبرت في أغنية ملك الغاب أ ن يصور مشاعر الرجل الحزين على طفله ، فتبدأ المقطوعة بأكورات رهيبة عميقة ، يعزفها عازف البيانو لتصف لنا ظلام الليل القاتم . ثم ننتقل من اللحن المهيب الى ( نوطات ) زخرفية مهرولة كأنها حوافر جواد تنهب الارض نهبا . وسرعان ماتتزايد النغمات في شكل تصاعدي ( كريشندو ) تمثل فزع الطفل المتزايد عندما يصل إ لى أ ذنه صوت الملك المسحور ، وكأنه حفيف الشجر او صفير الرياح وتختم الأغنية بأعادة الحان الحزن والأسى على نهاية الطفل المفجعة .
السمفونية الثامنة ( الناقصة ) : لحنت هذه السمفونية من مقام ( سي ماينر ) . هي أ لحان رومانتيكية بحته، نلمس فيها معاني الأفراح ، إ نها موسيقى روحية تفيض بالنغمات العذبة الحلوة الرنانة .وتتألف السمفونية من الحركتين الأولى والثانية ، ومطلع الحركة الثالثة المشيد في قالب (الاسكرسو) المفرح .
وضع شوبرت هذه الموسوعة الفنية قبل وفاته بخمس سنوات . وقد لحنت بمناسبة ترشيح شوبرت عضوا في الجمعية الموسيقية لمدينة (جراتز ) في النمسا . فلما فاز في العضوية أ راد أ ن يعبر عن مشاعره تجاه مدير الجمعية ، فوعده بتلحين سيمفونية وإ هداءها له بمثابة شكر وإمتنان . وبالفعل عكف شوبرت على إ نجاز هذا العمل فأنهى منه الحركة الأولى السريعة ، والحركة الثانية البطيئة ، ومطلع الحركة الثالثة الخفيفة . ولكن انشغاله في نواح أخرى جعله ينسى البر بوعده ، وإرسال السيمفونية كاملة الى مدير الجمعية . ولما مات شوبرت عثر (أنسلم هوتنبرنر ) تلميذ بيتهوفن وصديق شوبرت على المخطوطات ، فعمل منها وضعا خاصا لآلة البيانو ومكثت النوطة في حيازة ( هوتنبرنر) مدة 42 سنة بعد انتقال شوبرت إ لى العالم الآخر ، حتى عزفت للمرة الأولى في ( فيينا) في اليوم السابع عشر من كانون الأول 1869 .
تحليل السيمفونية : الحركة الأولى :تتميز بطابع معتدل السرعة مشيد على فكرتين موسيقيتين أساسيتين ، تبدأ الحركة بجملة لحنية من آلة الفيولونسل في صورة خافتة عميقة ، وكأننا نواجه مكانا رهيبا أ و غابة موحشة . وسرعان ماتتبدل النغمات الرهيبة بأخرى حزينة ، تعزفها آلات الفلوت والكلارينيت في تجاوب رائع . وقد تلعب الكمان دورا هاما في تحلية المجموعة بنوطات إيقاعية زاهية ، يتلوها تسابق بديع بين مجموعة العازفين ، فالفلوت تستقبل نغما متهاديا كنفحة النسيم ثم تلاحقه آ لة الكورنو ، تود أ ن تتغلب بأصواتها الخشنة على عواطف الفلوت والكلارينيت . وتأبى الآلات النحاسية والخشبية إلا أ ن تتحد سويا ’ وتسيطر على الموقف با يقاعاتها القاسية التي تمثل الرهبة والانتظار . وتستمر في هذا الصراع الموسيقي حتى تعلن آ لات الكمان دخولها في نغمات مفرحة خفيفة تتبعها الآلات الخشبية بألحان هادئة رزينة تصور الإ نتقال من الظلام إ لى النور . وتختم الحركة الأولى بالعودة الى اللحن الرهيب التي بدأت منه .
الحركة الثانية : نغمات متهادية في معناها ، عميقة في مبناها ، تمثل معاني الرفعة والسمو . فالمفردات الموسيقية العذبة تبعث بنا الى عالم روحي يسيطر عليه عظمة الفن وقوة الإبداع . وقد نلمس في هذه الحركة الرومانتيكية أ لحنا تصور تبدد السحب وتفرقها ، ثم تظهر الشمس بأشعتها الذهبية فتظئ الكون بنور الحياة .
الفنان مازن المنصور Oslo . Norway http://www.rezgar.com/m.asp?i=
[email protected]
#مازن_المنصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أعلام الموسيقين في القرن التاسع عشرفي القصائد السيمفونية
-
بيتهوفن وسمفونياتة التسعة
-
موسيقى مانويل ضيف الله الاسباني
-
الموسيقى في عصر الباروك
-
ناريخ الموسيقى
-
تاريخ موسيقى الراي
-
تاريخ السمفونية
-
نوادر الموسيقى
-
تاريخ موسيقى الأوبريت
-
تاريخ موسيقى الفلامنكو
-
تاريخ ألة الكيتار
-
تاريخ موسيقى الآوبرا
-
تاريخ موسيقى البالية
-
تاريخ الموسيقى الكلاسيكية
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|