فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4341 - 2014 / 1 / 21 - 19:42
المحور:
الادب والفن
هي، هي، بعذوبتها التي عرفناها وسجّلتها الكاميرات، كأن الزمانَ لم يمرّ. هي، هي، بصَفوها كما خلّدها المسرحُ، كأن المحنَ لم تَنَل من هذا الجسد الساكن. هي الابتسامةُ نفسُها كما عرفتها طفولتي فملأتني بالفرح. ازداد الوجهُ جمالاً، ربما بسبب تلك الهالة الملائكية تُكلّلُ هاماتِنا مع الكِبَر؛ وربما بسبب الإيمان بأن يدَ الله حانيةٌ حين تمتد بالرغد والسلام، مثلما حين تسمحُ بالمرض والاختبار. لكن الحتميَّ أن هذا النور المرسوم على وجهه، والاطمئنانَ بأن كلَّ شيء على ما يرام، يعود إلى تلك الزوجة الاستثنائية التي منحها اللهُ له، والتي أودُّ أن أختتم بها مقالي.
بيتٌ واسعٌ أنيق. يشبه مُتحفًا عالميًّا يجمعُ لوحاتٍ أصليةً وقِطعًا نحتية نادرةً من كل أرجاء العالم، لأن جورج، كما أخبرتني زوجته، مهووسٌ باقتناء التحف النوادر.
دخلنا عليه، حيث يجلس. جميلاً ضاحكًا كعادته، لم تنل منه السنواتُ، ولا هزمه المرض. فوق رأسه، صورة لوالدته تحمله طفلاً، وجواره تمثالٌ عال للسيدة العذراء، أمّ البشر، تمدّ يدها بالرحمة إلى ابنها الصموتُ، جورج. وكأن لسانَ حاله يقول: "تكلمتُ كثيرًا وملأتُ حياتكم بهجةً، وحان وقتُ الصمت، فلم يعد ما يُغري بالكلام!" نحن الزوار، ملأنا البيتَ كلامًا وصخبًا وضحكًا وذكرياتٍ. وهو الصموتُ، لم يقل كلمةً. لكنه بصمتِه، كان أكثرنا حديثًا وحياةً وجمالاً. يومئ إليكَ، ثم يشيرُ إلى كأس العصير لتشرب، إن أخذك الحديثُ ونسيت، ثم يشير إلى طبق الكعك والحلوى، لكي تأخذ المزيد. الكرمُ والتحضّر والرقي، لا يحتاج إلى لسان ليحكي، بل إلى قلبٍ نابض بالمحبة، ووجه يفيضُ بالبِشر.
وأما الدكتورة "ليندا مكرم"، قرينة جورج سيدهم، التي حملت معه المحنةَ سبعة عشر عامًا، فهي قصةٌ هائلة تضيق عنها كتبٌ وقصائدُ. قال فيها الملك سليمان الحكيم: "امرأةٌ فاضلة، مَن يجدها؟ لأن، ثمنَها يفوق اللآلئ." لهذا كتبتُ إهدائي على كتابي "صانع الفرح": "طوبى لكَ يا جورج، فها أنتَ قد وجدتَها."
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟