|
أزمة الأنبار: مفترق طرق
شاكر الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 4337 - 2014 / 1 / 18 - 03:31
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
الوضع في مدينة الفلوجة والأنبار عموماً غامض، وإن ما يتم نشره من تقارير حولها لا يكشف حقيقة ما حدث ويحدث هناك. الانقسامات في صفوف العشائر ( مع داعش ضد الحكومة، ضد داعش وضد الحكومة، مع الحكومة ضد داعش) وعدم حسم مواقفها بشكل نهائي يزيد من حالة الاضطراب القائمة ويُغَيب آفاق الحل الذي يفترض أن يتم في وقت عاجل، ويكشف في نفس الوقت عن حالة الصراعات السياسية القوية جدا داخل هذه المدينة. ويكشف كذلك عن مقدار انعدام الثقة ما بين الحكومة من جهة والقوى العشائرية النافذة في المدينة من جهة أخرى، خصوصا وان هذه القوى قد تمكنت من دحر القوى الإرهابية التي كانت تنتشر في المنطقة الغربية وحققت ما يمكن تسميته بالاستقرار الأمني في مدينة الرمادي على أمل أن تفي الحكومة بالتزاماتها ووعودها الاقتصادية والسياسية وإعادة إعمار المدينة التي تحولت إلى ساحة حرب ولفترات طويلة، غير أن الحكومة أدارت ظهرها لهذه القوى وتركتها في مواجهة صراعاتها من أجل النفوذ والمصالح أو في مواجهة القوى الإرهابية كالقاعدة وأتباعها وهذا ما زاد من حالة التذمر وانعدام الثقة بالحكومة والإجهار بمعاداتها علنا.
هل كانت " داعش" هي الطرف الأبرز في ما حدث وأنها تحولت في غمضة عين وبمجرد خروج قطعات الجيش من مدينة الرمادي، إلى قوة تمتلك قدرة السيطرة على مدينة بأكملها وتُسير الاستعراضات العسكرية، رغم تعرضها لضربات عسكرية قوية جدا خلال حملة الجيش والقوى الأمنية ضد معسكراتها وتجمعاتها في صحراء الرمادي – حسب ما صرحت به أطراف من الحكومة العراقية ؟ من أين لها هذه القوى البشرية لتتمكن من إحكام سيطرتها على مناطق ومدن واسعة في الرمادي؟ هل لديها خلايا نائمة تستفيق وقت الحاجة؟ هل داعش وحدها في مواجهة الأطراف التي تسعى للقضاء عليها في الأنبار" الحكومة، العشائر"؟..الخ
بغض النظر عن التصريحات أو التعليقات التي يتم إطلاقها هنا أو هناك، فان بعض التقارير المثيرة للانتباه تشير إلى وجود قوى مسلحة أخرى ،لا تقل قوة وقدرة عسكرية وقتالية عن "داعش" متواجدة داخل الفلوجة حتى قبل وصول "داعش" إليها، هذه القوى المسلحة مرتبطة بأحزاب وعشائرٍ معروفة وإنها مليشياتها وجناحها العسكري الذي تستخدمه لمواجهة خصومها أو لفرض الأمر الواقع وكما يحدث الآن، ف "حماس" هي المليشيا المسلحة لأحد الأحزاب التي تمتلك نفوذا واسعا داخل الفلوجة. وقد تمكنت هذه المليشيات من إثارة الذعر بين صفوف السكان ما لم يقبلوا بحلولها وإرسال التهديدات المتواصلة لهم بضرورة عدم الذهاب إلى أماكن عملهم والسعي لمنع دخول الجيش العراقي إلى المدينة وإبقاء حالة " المدينة المنعزلة" التي لا يحق لسلطات الحكومة العراقية دخولها أو التصرف بشأنها هي السائدة في الفلوجة.
أزمة الرمادي بمجملها تشكل مفترق طرق خطير بالنسبة للعراق وللأوضاع السياسية القائمة فيه، وكَشف عن حجم الانهيار والفشل وانعدام أبسط معايير العمل السياسي بين الخصوم وخصوصا وسط القوى التي تتقاسم كراسي السلطة في العراق أو تشارك فيها. هذه الأزمة تعيد إلى الأذهان ما حصل خلال السنوات الماضية حيث لم يتحقق من وعود الأمن والاستقرار والبناء والتنمية والرفاه شيئا يذكر وأصبح الهم الشاغل للمواطن العراقي هو كيف سيعود إلى بيته آمنا بعد نهاية يوم عمله أو دراسته أو عند ذهابه للتسوق أو مراجعة المستشفى...الخ؟
ليس ثمة حلول سياسية أو عملية واضحة حتى الآن في الأنبار، فدخول الجيش إلى المدن التي ترفض القوى السياسية دخوله إليها سيعقد الأوضاع بشكل مرعب وسيتم تصويره بصورة الجيش الذي يقتل أبناء بلده وان مسألة حسم الأمور عسكريا لا تصب في صالح الجيش ولا في صالح السلطة القائمة بعد أن بينت الأحداث الأخيرة وبشكل لافت مدى رفض أهل الأنبار لهذه السلطات. هل يمكن انتظار الحلول من الخارج، أمريكا التي دخلت على الخط عبر بيانات الدعم والتسليح السريع والاتصالات المكثفة مع المالكي ومع شيوخ عشائر الأنبار، إيران التي أيدت وبحماس تحركات الحكومة العراقية للقضاء على الإرهاب كما تقول واستعدادها للمساهمة في الحرب القائمة، مجلس الأمن الدولي خصوصا وانه أصدر بيانا رئاسيا يدعم فيه الحكومة العراقية والجيش في مواجهة الهجمات الإرهابية ويشجب وبشدة العمليات الإرهابية التي ينفذها تنظيم داعش؟
عمليا، فان تجربة السنوات الماضية أثبتت فشل القوى السياسية المتصارعة في العراق على إيجاد الحلول العملية والجذرية للكثير من المشاكل المصيرية التي تشهدها البلاد. وان هذه القوى انشغلت في تحصين مواقعها السياسية إزاء بعضها البعض الآخر وتركت المواطن العراقي يواجه بمفرده مشاكل الأمن والسياسة والاقتصاد والبطالة والفقر وسوء الخدمات..الخ. وإذا كان بعض أطراف الحكومة أو من أعضاء ائتلاف دولة القانون قد وجدوا في مواقف أمريكا ومجلس الأمن ما يساند توجهات الحكومة في مسألة الحرب على الإرهاب، فأنهم سيكونون على خطأ كبير في مسألة التعويل على الدعم الخارجي أو بيانات المساندة. فقول احدهم: إن العراق يقاتل الإرهاب نيابة عن العالم فيه الكثير من التجني على العراقيين ومتاجرة رخيصة بدمائهم وتذكرهم بكل ما كان يقوله الطاغية الفاشي صدام حسين خلال حربه الهمجية مع إيران،"إن العراق يدافع عن البوابة الشرقية للأمة العربية ويقاتل نيابة عنها". من يتماهى مع بيانات الدعم عليه أن يقدر الكلفة النهائية التي يجب دفعها من دماء العراقيين وأرواحهم ومستقبلهم.
في ظل الأوضاع السياسية القائمة في العراق الآن وصراع القوى ورهانات الانتخابات القادمة، فان أزمة الأنبار لن تجد حلولها العملية والجذرية، سياسياً واقتصاديا وأمنياً واجتماعياً. قد تتم حلحلة الأوضاع كما تم في السابق ولكنه لن ينهي أو يقارب جذور الأزمة ومسبباتها، بل ستبقيها مفتوحة على أزمات أخرى أشد وطأة وأكثر كلفة وستقرب العراق من مفترق طرق ضياعه.
#شاكر_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة والعشيرة في العراق*
-
عن العطل والتعليم والمدارس الخاصة في العراق
-
نحن واليابان: آمالنا وآمالهم
-
أمريكا وإيران: مَن يروّض مَن؟
-
تبريرك بائس يا دولة الرئيس!
-
لماذا تخشى حكومة المالكي تظاهرات الغد؟
-
السلطات العراقية تستلب حق التظاهر
-
إن أردنا ان نكون: لا شيء خارج النقد والمراجعة
-
بيان وزارة الداخلية : لننتظر أيام المحنة القادمة
-
المالكي ذَب البراءة
-
الرسالة التي تبعثها تظاهرات الناصرية
-
صرخة ضد حكم الأحزاب الإسلامية في العراق
-
الى شباب حملة تمرد و شباب مصر الثوار وقواها التحررية والثوري
...
-
ماذا يعني أن تكون نائباً برلمانياً في العراق؟
-
عن إينانا، بنين، نبأ وعبير، عن الطفولة المستباحة في العراق..
-
البوكسات أهون من الإرهاب
-
يا أهالي محافظة ذي قار: أما شبعتم فقرا وذلا؟
-
سوق الإنتخابات مابين -أبو القاعة وزوجة المرحوم-
-
الحرية لأحمد القبانجي
-
فخ التكنوقراط ..احذروا يا أهل تونس !!!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|