|
دروس من سويسرا 1: فصل الدولة عن الدين
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4335 - 2014 / 1 / 15 - 12:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
السعيد من يتعلم من تجارب غيره، أما الشقي من يتعلم من تجاربه.
يمر عالمنا العربي والإسلامي في صراع دموي بين مفهوم الدولة الحديثة ومفهوم الحركات الاسلامية التي تريد ان تفرض تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها كما جاء بها محمد في القرن السابع الميلادي، بما فيها هدم أبو الهول والأهرامات (انظر http://www.blog.sami-aldeeb.com/?p=28305)، كما فعلوا مع تماثيل بوذا في افغانستان ومع تمثال أبو العلاء المعري في سوريا.
وهذه الحركات لا تخترع شيئا من عندها. فهي تتبع في ذلك سيرة النبي محمد عندما فتح مكة في 10 يناير 630 ودمر الهتها معتبرا أن "ان الدين عند الله الاسلام" (آل عمران 3 : 19) "ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين" (آل عمران 3 : 85). وقد فرض محمد الجزية على اهل الكتاب منتقصا حقوقهم (فمثلا للمسلم الحق في الزواج من نساء اهل الكتاب، ولكن لا يحق لأهل الكتاب الزواج من مسلمة ... وكأن غير أهل الكتاب حيط واطي)، وأعلن الحرب على من هم ليسوا من اهل كتاب (أسلِم تَسلم: فإما الإسلام وإما القتل). وقد انتهى به المطاف إلى طرد جميع غير المسلمين (بما فيهم اهل الكتاب) من الجزيرة العربية تحت شعار "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان".
ولا يقتصر الأمر على الحركات الإسلامية. فها هم وزراء العدل العرب يوافقون بالإجماع على قانون يسن على قتل المرتد ورجم الزاني وقطع يد السارق، اعتمادا على القرآن وسنة محمد (http://carjj.org/node/237). وهو ما تُعلِّمه جميع جامعاتنا العربية والإسلامية. مما يبين ان الهمجية ما زالت معششة حتى في عقول النخبة وممثلي العدالة، فما بالك بالرعاع؟ إذا كان رب البيت للطبل ضاربا **** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
هذا الصراع الذي يمر فيه العالم العربي والإسلامي تجاوزته الدول الغربية بما فيها سويسرا في القرن التاسع عشر. وأود في هذا المقال وفي المقالات اللاحقة أن اوضح كيف تم تجاوزه لعلنا نستفيد من هذه التجربة في عالمنا العربي والإسلامي.
هناك مصطلح اوروبي ساد العلاقات بين الكنيسة والدولة مأخوذ من اللغة الألمانية وهو (Kulturkampf) وقد تم ترجمته إلى اللغة الفرنسية بالمصطلح (Combat pour la civilisation) أي (الصراع لأجل الحضارة) أو بصورة اخف (الصراع الثقافي) والذي يذكرنا بالمصطلح الإنكليزي (Clash of Civilizations) الذي استعمله الأستاذ الأمريكي (Samuel P. Huntington) وتُرجِم إلى اللغة العربية بـ (صراع الحضارات).
الصراع الثقافي (أو الصراع لأجل الحضارة) هو صراع دار بين مملكة بروسيا ثم بعد ذلك الإمبراطورية الألمانية تحت زعامة بسمارك (Bismarck) وبين الكنيسة الكاثوليكية تحت زعامة البابا بيوس التاسع (Pius IX) حول فصل الدولة عن الكنيسة وذلك من خلال تبني قوانين تنظم الحياة في الدولة دون الرجوع لموافقة الكنيسة (أي السلطة الدينية). وهو امتداد للصراع الذي دار بين فلاسفة التنوير الذين وضعوا العقل والعلم فوق الدين، وبين الكنيسة الكاثوليكية التي تقول بأولية الدين على العقل والعلم وأن الدين (أي رجل الدين) هو الذي يحدد إلى أي مدى يمكن للدولة ان تسن القوانين.
وقد بدأ هذا الصراع الثقافي (أو الصراع لأجل الحضارة) في الستينات من القرن التاسع عشر في منطقة (Baden) الألمانية التي فرضت على الكهنة امتحانا ثقافيا لمعرفة مدى قبولهم ومبايعتهم للدولة. ومن كان يرفض ذلك، كان يجرد من وظيفته كرجل دين. وفي عام 1864 أصدر البابا بيوس التاسع قائمة تتضمن 80 خطأ في السياسة والثقافة والعلوم ومن بينها حرية التعبير وحرية الدين وفصل الكنيسة عن الدولة. ثم حاول مجمع الفاتيكان الأول (1869-1870) توطيد سلطة الكنيسة وخاصة من خلال عقيدة عصمة البابا، وهو ما اعتبره التيار الليبرالي مخالفا لحرية الفكر وحرية الدين. وقد ساندت الدولة هذا التيار الليبرالي وتم قطع العلاقة بين المانيا والفاتيكان عام 1872. وقد اتخذ (Bismarck) عدة قوانين موجهة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ضد الكنيسة الكاثوليكية. وكان هذا هو اساس قيام الدولة الحديثة في اوروبا الغربية.
وقد امتد هذا الصراع الثقافي (أو الصراع لأجل الحضارة) إلى سويسرا وكاد ينتهي بصراع دموي بين المقاطعات السويسرية الكاثوليكية والبروتستنتية. وقد تم قطع العلاقة بين سويسرا والفاتيكان عام 1873 بسبب عقيدة عصمة البابا. وجاء دستور عام 1874 كوثيقة تضمن وحدة سويسرا واستقلالها من خلال مواد تؤكد على فصل الكنيسة عن الدولة وضمان الحريات الفردية. ونذكر هنا من بين هذه المواد:
- سحب سجل الأحوال الشخصية من يد الكنيسة ووضعه في يد الدولة، وهو ما أُطلِق عليه سجل الدولة المدنية (Registre de l état civil) - فرض الزواج المدني الذي يتم أمام دائرة الدولة المدنية (Office de l état civil). ومن يريد ان يعطي صبغة دينية لزواجه، يمكنه ان يلجأ للكنيسة بعد الزواج المدني للحصول على البركة (ولا يُدعى هذا زواجا بل بركة دينية). ورجل الدين الذي يقوم بالشعائر الدينية قبل الزواج المدني يتم معاقبته ولا قيمة للزواج الذي يعقده. وهذا يسمح لكل شخص مهما كانت ديانته ان يتزوج مع من يشاء أمام دائرة الدولة المدنية. - حذف المحاكم الكنسية وجعل جميع المحاكم بيد الدولة المدنية. وهذا يسمح لتلك المحاكم المدنية بالحكم بانحلال الزواج في حالات يعينها القانون المدني وليس الكنيسة. - ضمان الحرية الدينية، ومنها حرية الأهل في اختيار ديانة ابنائهم واتباعهم التعليم الديني في المدارس حتى عمر 16 سنة، ثم تنتقل هذه الحرية للشخص ذاته. فله ان يغير دينه كما يشاء وأن لا يتبع الدروس الدينية. - وضع المقابر تحت سيطرة السلطات المدنية. فلم يعد هناك مقابر خاصة للكاثوليك ومقابر خاصة للبروتستانت. ولا يحق للسلطات الدينية حرمان شخص من الدفن في تلك المقابر المدنية لسبب ديني. فلكل شخص الحق في دفن لائق.
وهذا يعني ان الدولة السويسرية وضعت يدها على كل صلاحيات الكنيسة منذ الولادة إلى المقبرة. وسوف أُفصِّل في مقالات لاحقة هذه المواضيع لعل عالمنا العربي والإسلامي يستفيد من التجربة السويسرية لتخطي محنته الحالية.
د. سامي الذيب مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com كتبي المجانية : http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14 حملوا طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي والرسم الكوفي المجرد : http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315 حملوا كتابي عن الختان : http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131 ومن يجد مشكلة في التحميل أو يريد التبرع لهذا المشروع، يمكنه الاتصال بي على عنواني التالي: [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اعتذار للمساطيل
-
وما على الرسول إلا البلاغ المبين
-
اهديكم القرآن بالرسم الكوفي المجرد
-
محمد من نبي الى زير نساء وسفاح
-
امنيتي هذا العام انتهاء الإسلام
-
مشكلة فهم القرآن والكتب المكدسة الأخرى
-
هل نضع القرآن في المتحف أم في المزبلة؟
-
نعم ضعوا القرآن في المتحف
-
قرآن بدون تنقيط وبدون تشكيل
-
ضرب الله بالحذاء 2
-
ضرب الله بالحذاء
-
الى أي مدى الصراحة مع المسلمين؟
-
الدين الفنكوش والخطر الداهم
-
ما فائدة الحوار مع المسلمين؟
-
أين الخطأ: في الإسلام أم في المسلمين؟
-
اعتراف محمد الأخير
-
قاعات مشتركة للعبادة وحل مشكلة المسجد الأقصى
-
حوار حول طبعتي للقرآن
-
القرآن بين الفهم والبصم
-
قرآن سعودي للببغاوات
المزيد.....
-
الضربات الجوية الأمريكية في بونتلاند الصومالية قضت على -قادة
...
-
سوريا.. وفد من وزارة الدفاع يبحث مع الزعيم الروحي لطائفة الم
...
-
كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
-
طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025 TOYOUR BAB
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال اقتحم المسجد الأقصى المبارك 21
...
-
” أغاني البيبي الصغير” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي عل
...
-
زعيم المعارضة المسيحية يقدم -ضمانة- لتغيير سياسة اللجوء إذ أ
...
-
21 اقتحامًا للأقصى ومنع رفع الأذان 47 وقتاً في الإبراهيمي ا
...
-
24 ساعة أغاني.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
قائد الثورة الاسلامية:فئة قليلة ستتغلب على العدو المتغطرس با
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|