|
تمثلات المرأة في الشعر الشعبي الجبلي بشمال المغرب
محمد قروق كركيش
الحوار المتمدن-العدد: 4335 - 2014 / 1 / 15 - 03:23
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تعتبر الثقافة الجبلية نتاجا طـبيعيا لمجموعة من التراكمات التـــاريخية والاجتــــماعية والثقافية والسياسية حيث يعتبر الفن أي فن مقوم من مقومات الحياة الإنسانية ، لذلك فإن الظروف العامة التي يعيشها هذا الإنسان ، تجعله يعبر بمجموعة من الحركات و الإشارات و الأقوال ، قصد تفريغ اليومي و الترفيه عن الذات ، وكذلك التعبير المتميز لكافة المعاناة و أشكال الفرح بمجموع تنويعاتها ، ولما كانت طبيعة المجتمع هي الحنين للسلام و الحرية و الخروج من القهر الإجتماعي ، كان لابد للأفراد من أن يبتكروا طرقا جذابة في التعبير عن هذا الفن ، لذلك نجد كل مجتمع من مجتمعات المعمورة يزخر بكثير من الدلالات الإبداعية والفنية التي تدخل في إطار الشعر الشعبي و الرقصات الشعبية ، ويعتبر المغرب بهذا الصدد بلدا يحفل بكثير من الأنماط الاحتفالية على اختلاف مكوناته و روافده المتعددة ، لذلك نجد تنوعا صارخا يجمع ما بين الأصـالة و المعاصرة ، وسوف نركز في هذه الورقة على الثقافة الجبلية كمكون أساسي في بنية المجتمع المغربي . ونجد الثقافة الجبلية بهذا الصدد من أغنى الثقافات ثراءا وتنوعا في الجانب الإبداعي الفني ، بحيث نجد أن الإنسان الجبلي قد ابتكر و طور كثيرا من فنونه الدلالية و الرمزية للتعبير عن نكهة الحياة ، مرها وحلوها ، ومن بين أبرز ما نجده في فنون الثقافة الجبلية ، فن العيطة الجبلية أو ما يطلق عليها " الطقطوقة الجبلية " حيث تمتزج اللهجة بالغناء والإيقاع . وما يهمنا في الشعر الشعبي الجبلي هو حمولته الثقافية و الإجتماعية ، فلا يمكن أن يكون مجرد كلام يقال و يلحن بإيقاع و موسيقى معينة ، بل لابد أنه حامل لصور تعبر عن تمثلات المرأة وخصالها ووضعها الإجتماعي في هذه الثقافة . وتشكل الأغاني الشعبية شكلا من أشكال التعبير الفني في أوعية إيقاعية متجانسة تضمن لها إمكانية التداول و الانتشار ، كما تشكل هذه الأغاني وسيلة من وسائل التعبير عن الذات والجماعة والتفاعل مع الطبيعة والناس والأحداث التاريخية ، لذلك تقدم الأغاني الشعبية كافة الأغراض الموحية بالأفراح و الأقراح من غزل ورثاء وهجاء ، فبالإضافة إلى التسلية و المتعة ، تطرح الأغاني الشعبية كافة أنواع الطموحات و أشكال المعاناة التي يشكو منها المجتمع . وتعد العيطة الجبلية من بين أهم الفنون الشعبية التي تمرر لنا معاني ودلالات لا ينبغي أن نغفلها داخل المجتمع الجبلي في شمال المغرب ، لأنها في النهاية تستبطن مجموعة من المقاصد التي تطورت عبر مرور التاريخ و تغير المجتمع ، يعبر عنها في العادة بالغناء و الرقص و الإيقاع المرتبطين بنكهة المجتمع و برمزيته المقدسة ، لذلك فاستخلاص الدلالات المتنوعة لهذا الفن يحتم علينا الغوص في دراستها دراسة أكاديمية ترقى إلى المستوى المطلوب ، بحيث يجب أن ندون متنا مهمة قصد تحليلها ودراستها لكي نخرج في النهاية عن التمثل العام الذي يميز المرأة الجبلية ، وقبل أن نبدأ بذلك نــــطرح مجموعة من الأسئلة العامة من قبيل : • كيف تظهر المرأة الجبلية من خلال المتون الشعرية الشعبية الجبلية ؟ • وما هي الصور النمطية التي تكرسها هذه المتون ؟ هل هي صور سلبية أم إيجابية،أو أنها تجمع ما بين السلبي و الإيجابي ؟ • وهل للمرأة الجبلية بشمال المغرب خصوصية تتميز بها عن باقي مكونات الثقافة المغربية ، أم لها نفس الخصوصية مقارنة بباقي المكونات في المغرب ؟ 1- في إشكالية التسمية : عيطة جبلية أم طقطوقة جبلية ؟
يختلف كثير من الباحثون في تسمية هذا الفن الشعبي القابع في شمال المغرب ، وذلك راجع إلى اختلاف المرجعيات من جهة ، واختلاف المقاربات السوسيوثقافية و السوسيولسانية من جهة ثانية ، فهناك من يطلق عليه اسم " العيطة الجبلية " أسوة بباقي فنون العيطة التي تبتدئ بالنداء " عيط " والذي يتميز بها المغرب على وجه الخصوص ، وهناك من يطلق عليها " الطقطوقة الجبلية " نسبة إلى إيقاعها البسيط و الذي يبتدئ بالطقاطيق " طقطق " ، وهناك من يرجعها إلى طلقات البنادق في المسارح الحربية ، غير أن هذه الإشكالية جديرة بالتوضيح ، وهذا الأمر يدعونا للتساؤل عن المصدر التي اعتمدت عليه كل هذه الآراء ، فاسم الطقطوقة وجمعها طقاطيق ، تنتشر بشكل كبير في مصر ، بحيث أنه لا علاقة لطقاطيق مصر بالعيطة الجبلية في شمال المغرب من جميع النواحي . يقول محمد محمود سامي حافظ في تعريفه للطقطوقة المصرية : " وهي بالعربية الصحيحة الأهزوجة ، و الجمع أهازيج ، وكانوا يقصدون بها الأغنية التي لا يعنى بها تمام العناية بتلحينها تلحينا فنيا دقيقا ، حتى أنهم كانوا يقولون أن فلانا لا يحسن إلا الأهازيج ، وهي بهذا المعنى تشبه الطقطوقة فيراعى فيها تلحين كل وحدة بسيطة داخلها " ، وإذا ما أقمنا مقارنة بين تعريف الطقطوقة المصرية و المغربية سنجد كثيرا من الاختلافات تجعلنا نسقط هذه التسمية ، وأول الاختلافات أن البيت في العيطة الجبلية لا ينبني على الوحدات البسيطة ، كما أن اللحن لا يمشي على المنوال الذي جاء في الوصف الذي يتعلق بالطقطوقة المصرية ، كما أنه لا مكان للموشح بكل أشكاله و أنماطه في العيطة الجبلية ، بالإضافة إلى أن هذه الأخيرة لا يمكن أن تؤدى من طرف الشخص العادي الغير ملم بالغناء و اللحن ، وهذا هو وجه الاختلاف البارز بين طقطوقة مصر و العيطة الجبلية بالمغرب .
2- العيطة الجبلية : خصوصيات الاحتفال و التعبير
العيطة الجبلية كنمط غنائي متميز في شكلها وقالبها وأنغامها وإيقاعها ، تبدو في شكلها أنها ذات جذور متوسطية مرتبطة بأهازيج و أفراح و تعبيرات حوض البحر الأبيض المتوسط ، فبناؤها الإيقاعي بناء صارم ومعقد ، ويصعب أداؤه على الممارسين الذين لم ينشأوا في بيئتها نظرا لما يميز قالبها من خصوصية إيقاعية من جهة ، ومحلية اللهجة الجبلية التي ترتبط بها العيطة الجبلية بناءا وأداءا من جهة ثانية ؛ حيث أن اللغة بما يتوفر فيها من أصوات وحركات ، تساهم في بلورة الأشكال الإجتماعية وتطورها من خلال تنوع الممارسات الشفهية ، التي تتخذ أنساقا تترسخ عبر تقاليد موزونة زمنيا و حركيا و صوتيا ، فترتبط بالذهن و الحس و الذاكرة داخل الممارسة الفردية و الـــــــــــــجماعية المنتظمة و التلقائية على حد سواء ، حيث يتكون الإيقاع بفعل التواصل الذي يترسخ على قاعدة جماعية مكونا نمطا فنيا مرتبط بالبيئة التي أنتجته فيصبح الإيقاع وعاءا جاهزا تخضع له المادة الشفهية وتتلاءم مع نسقه صوتيا وحركيا ونغميا ، وتتآلف ضمنه تركيبات موزونة في هندسة متجانسة مع قياسه الزمني وجسمه الحركي وبعده الجمالي ، فيمتزج عنصر المتعة الذهنية مع عنصر الحس الفني الفطري ، وصولا إلى غاية الخلق الإبداعي . وهناك عدة أشكال غنائية في الشعر الشعبي الجبلي من أبرزها الأغنية ذات النمط المغلق تركيبا ونغما وإيقاعا ، وتتناول في غالبها مختلف الموضوعات حيث يتوحد القالب في جميع الوحدات ، وهذا كله شعر مغنى له معنى و إيقاع و حركة ، وهناك نمط أخر يلحن صوتيا من دون موسيقى ، بل يعتمد على النبرة الحادة و الصوت العذب و يسمى " اعيوع " ويكون على شكل إنشاد مرسل غير خاضع للإيقاع و الوزن ، وينبغي أن نشير أن حضور المرأة كبنية في الغناء في الشكل الأول هو حضور شبه مغيب ، لكن يحضر كغزل و عشق وحب ، بينما في النمط الثاني تحضر المرأة كشاعرة تتغزل بالرجل الزوج و الحبيب أو ترثي وضعها الإجتماعي أو تتحدث إلى الطبيعة و الوديان و الأشجار ، تماما كما في الثقافة الحسانية حيث يحضر الغناء الذكوري لوحده ، ثم الغناء الأنثوي " التبراع " لوحده من جانب أخر ، وهذه مقارنة نستحضر فيها البعد التشابهي بين وضعية المرأة في الثقافة الجبلية ونظيرتها في الحسانية . ويتفق المهتمون و الباحثون بهذا الصدد على أن للعيطة الجبلية ثلاث عناصر رئيسية : - الفراش : وهو مقدمة تتوفر على نداء ويكون موجها للمتلقي للدخول في إطار الأغنية وإثارة الإنتباه ، ومن خلال لفراش يمكن للمتلقي أن يعرف الأغنية التي سيتلقاها . - الغطاء : وهو الدخول في الإيقاع و قلب الأغنية التي تحمل في طياتها خبر مبطنا لحدث اجتماعي أو ثقافي أو فني أو دلالات عاطفية – طبيعية – تاريخية . - الحساب : المرحلة الأخيرة من أطوار الأغنية حيث يكون الإيقاع سريعا ، ويفهم أن الأغنية حينذاك قد استوفت شروط التبليغ و الإرسال . تعتبر العيطة الجبلية من أعف فنون الغناء المغربي ، فلا يمكن أن تجد فيها كلمة خادشة أو إشارة خبيثة ، ويرجع ذلك إلى ما تتميز به المنطقة من تدين ومحافظة ، فهي تعبر لنا عن صور واقعية عن المجتمعات الجبلية الزراعية والرعوية التي يعيش فيها الأفراد ، لذلك يمكن أن نحصر المواضيع التي تتناولها فيما يلي : -;---;-- الجغرافيا : التغني بالأرض و الجبال و الوديان و السهول و القبائل الجبلية -;---;-- التاريخ : حيث يتغنى بأشهر الأحداث التاريخية من حروب و صراعات و مجاعات و غيرها . -;---;-- الرجال : حيث يتغنى بالأولياء و المحاربين البطوليين داخل القبائل . -;---;-- المرأة : حيث يتغزلون بالحبيبة و الزوجة و العاملة و المناضلة و الأم و غيرها من الصور .
3- ثمتلاث المرأة في شعر العيطة الجبلية : نماذج وتجليات
قبل أن نبدأ بتحليل مجموعة من النماذج في شعر العيطة الجبلية و التي تخص صورة المرأة ، لابد من القول بان المجتمع الجبلي في شموليته لا يعطي للمرأة قيمة سلبية أو صورة غير راقية ، إلا في بعض المقاطع القليلة جدا ، والتي تكون فيها التجارب الإجتماعية حاضرة بقوة ، فعمل المرأة الجبلية إلى جانب الرجل و بالتساوي في بعض الأحيان جعلها محط اهتمام و تقدير ، فهي تأخذ طابع الحياء و العفة ، لكن ورغم ذلك نجد صورة أخرى عكس صورة المرأة الجميلة و الحبيبة و الحلوة و المثيرة ، وهي صورة مكروهة ومذمومة تتجلى في مكرها و غدرها للحب في سبيل الزواج أو شيئ من هذا القبيل ، ومن ثم تظل صورة المرأة في الشعر الشعبي الجبلي تنتابها الازدواجية فهي تارة صورة محبوبة و مرغوبة وتارة أخرى صورة مكروهة ومرهوبة .
أ------- صورة المرأة المرهوبة : • النموذج الأول : يقول الشاعر الغنائي " عبد اللطيف الخمسي " في قصيدة بعنوان ولا سخيتي بيا ما يلي : وإلى سخيتي بيا مكتابي واش نعمل وإلى نسيت فراقك الحبيبة وراني نهبل خويا لتفكرنيش فكلامك الأول وإلى طال غيابك الحبيبة علامن نسول خويا ولتزيدنيش براكا من الكيا فعذابي كنقاسي ولا حد يسول فيا هو عيا ميحلف بيا ما يغدر وليوم جا بحال أخور ومعايا مابغا يهضر خويا ومتعدبنيش مالك ياودي لاباس حبك مصهرني وصابر لكلام الناس على المستوى التحليلي الخارجي يبدو لنا بأن هذه الأبيات تدل على ثنائية ضدية تجمع ما بين الحب للحبيبة و النصح من طرف الأخ ( أخ الشاعر )، حيث أن الشاعر يعيش ازدواجية ما بين حبيبته التي ضاعت و أخيه الذي نصحه من قبل على ان هذه الحبيبة لا تستحقه ، وسرعان ما يدخل الطرف الثالث وهم الناس أو الجماعة التي لا ترضى بحبهما ، ليدل ذلك على حب مرفوض من طرف الأخ الذي يمثل العائلة و الجماعة التي تمثل القبيلة. أما على المستوى التحليلي الداخلي العميق ، فنلاحظ أن الشاعر قد تغنى بهذه القصيدة لأن حبيبته قد تركته و غدرت به ، ليعود الأخ ليقول له " لقد نصحتك بأن هذه المرأة لا تستحق حبك " لأنها ماكرة ولا تعطي للحب قيمة ، وكلام الأخر بالنسبة للشاعر يزيده تأزما من شدة عشقه لها ، ومن هنا تظهر أن الحبيبة قد غادرته و اعتبرها الشاعر ماكرة و مذمومة ولا تستحق العناء ، وهي صورة مذمومة تبين خيانة المرأة للرجل وغدرها له بعدما ذهبت وعادت إلى القبيلة من جديد ، وهي كذلك تمثل صورة التغير و التبدل في قيمة الحب .
• النموذج الثاني : يقول الشاعر في مطلع القصيدة : لا إله إلا الله براح بها البراح **** الله يلعن الزين لي عرفوه السُراح ومعنى هذين البيتين أن البنت الجميلة التي تبيع نفسها رخيصة في سوق الدعارة ، تنقص قيمتها ، وأن جمالها يلعنه الله طول الوقت ، وهذه صورة تنقص من المرأة المتبرجة الغير عفيفة و التي تتنكر للقيم و الأخلاق و الحشمة و الوقار ، لذلك ينبذها المجتمع ولا يعتبرها سوى مخلوقا زائدا يلبي نزوات الرجال الخارجين بدورهم عن الدين و الاحترام ، وهي صورة نجدها في مختلف الثقافات ، لذلك نجد الشاعر يلعنها في البيت الشعري ، لأنه رأى أنها غير صالحة للمجتمع وينبغي قتلها و رجمها .
• النموذج الثالث : يقول الشاعر في مطلع القصيدة : أسيدي القاضي ******** مراتي مسخيتش بها أمراتي مسخيتش بها ******** عملت حيلة باش نرابها كانت عاملا سغلا في الدار ******** تابعا شغلا كيف الناس وليوم ولات تهدار ******** شادات معايا العكس ومعنى هذه الأبيات أن زوجة الشاعر ثارت ضده ، ولم تعد تعمل بكلامه ، فلجأ إلى القاضي للطلاق ، وهذا دليل على أن المرأة في المجتمع الجبلي بدأت تعرف نوعا من التحرر الشيء الذي يغضب الرجال ، لأن النساء لم تعدن تحت سيطرتهم ، وإذا ما عمقنا تـــحليلنا نجد أن هناك صراع ما بين الزوج و الزوجة ، وهو صراع قائم على تقسيم الأدوار ، بحيت لم تعد المرأة تفضل القيام بالأعمال المنزلية الشاقة ، بل أصبحت تــــــــحلم بـــحياة الرفاهية و الـــسعادة ، بـــينما الرجل لا يرضى بان تكون زوجته خارجة عن إرادته ، وهذه الـــــصراعات تتجسد في الـمجتمع بشكل ملحوظ اليوم في كل الـــمجتمعات ، وبالتالي فإن المرآة في هذه الصورة غير مرغوب بها في المجتمع ، لأنها تساوي بين الرجال و النـــــــــــساء ، وخصوصا من طرف الرجال ، وهي تمثلات تتعاكس مع ما جاءت به مقاربة النوع ، لذلك فإن المضمر في الثقافة الجبلية يبقى حبيس الواقع ، لأن المرأة في هذا المجتمع تتساوى مع الرجل في الأدوار و الوظائف ، ولا تتساوى معه في الحقوق ، وهي نظرة دونية تبقى مطروحة في الصميم . وبالتالي نخلص إلى أنه في كل ثقافة توجد هناك صور نمطية تذل من قيمة المرأة ، فتظهر غير مرغوب بها داخل المجتمع ، نظرا لأنها ترتبط بالمكر و الخداع و قلة الحياء و انعدام الأخلاق وغيرها من الصور التي يكرسها الشعر الشعبي الجبلي .
ب- صورة المرأة المرغوبة:
• النموذج الأول : يقول الشاعر و المغني الحاجي السريفي : الله يا شيخ لقبيلة خليني نشوف جميلة هي بغاتني يانا نمشيلها غير بالحيلة نحكيلها قصة طويلة وهي بغاتني يانا الله يرحم الولدين خليني نشوف داك الزين لي بغيتو يانا لخدود والحاجب والعين والسالف حتى للرجلين سنين ونا نبغيها جيتي نتا وديتيها وهي بغاتني يانا والله ماسخيت بها وقلبي محروق عليها ... وفي هذه الأبيات يتوسل الشاعر لشيخ القبيلة ، لأنه يحب ابنته الفاتنة و الجميلة بخديها وشعرها الطويل ، وهذه علامات للجمال و السمو التي تتميز به المرأة الجبلية ذات الشعر الأشقر و الخد الأحمر والعين الكبيرة ذات السواد المغلق ، ولو استنطقنا هذا النص بشكل أعمق سنجد أن الشاعر متشبث بالحبيبة الفاتنة رغم ان والدها يرغب في تزويجها لرجل أخر ذا شأن وقيمة في القبيلة ، ولكن رغم ذلك ينتصر الشاعر و يفوز بحبه و معشوقته " جميلة " ، والتي تبدو في متخيله نموذج للجمال و العفة والوقار ، وهذا يدلل أيضا على قيمة الجمال التي تتمتع بها المرأة وسط القبائل الجبلية ، وبالرجوع إلى العين السوداء الكبيرة و الشعر الطويل ، فإنها تحيل في الثقافة الجبلية على قمة صور الجمال و الأنوثة .
• النموذج الثاني : يقول الشاعر الجبلي : وما العين سلاسية وما السالف حياني وما الحزمة د الجاية والخد حساني في هذه الأبيات يظهر بقوة البعد المقارناتي بين صور الجمال في القبائل الجبلية ، وهذا يحيلنا على التقاليد المعهودة التي عرفت بها هذه القبائل ، فمثلا قبيلة بني مسارة تركز على خصر المرأة باعتباره أحسن صور الجمال و الأنوثة عند المرأة ، وهناك بعض القبائل مثل قبيلة سلاسة تعتبر أن جمال المرأة في عيونها وهذا يدل على قيمة الغزال في هذه الثقافة و الذي يعتبر أغلى مبيعا وأحسن منظرا وهو تشبه ترميزي للدلالة على الجمال في أبهى صوره ؛ لذلك لا غرابة إن وجدنا نوع من الرقص في هذه القبيلة يستعملون فيه حركات الغزال . بالإضافة إلى الشعر الطويل الذي تتميز به نساء الحياينة بالأطلس المتوسط ، فالمرأة بدون شعر جميل وطويل في هذه القبائل تعتبر ناقصة ، لذلك فإنه من معايير التقبل و البروز أن يكون لها شعر طويل ، أما قبيلة الجاية فتعتبر الخصر قيمة جمالية لابد وأن تتوفر عليها المرأة ، ويظهر الخصر في الوسط الإجتماعي الجايي ، في أعمال المرأة اليومية خصوصا في مرحلة جمع الحطب ، لذلك لا غرابة إن وجدنا قصة تحكي عن شاب عشق فتاة بسبب خصرها الرشيق ، حيث كان يتبعا أثناء الذهاب للحطب ؛ ونحن نعلم ان وضع الحطب على الظهر يبرز الخصر بوضوح ، مما أدى به إلى العقاب من طرف رجال القبيلة الجبلية ، أما الخد فهو من معايير المرأة المرغوب بها في المجتمع الصحراوي المعروف بتبجيله للنساء من خلال الاعتناء بهم ، وما عملية البلوح حيث يعتني بجسم المرأة و جمالها خير دليل على ذلك ، و الخد الحساني معروف بالانتفاخ مما يعطي للوجه لمحات جميلة تدل على الجمال ، وهنا نلاحظ الشبه القائم ما بين الشعر الفصيح و الشعر الشعبي في عملية التغزل بالمرأة وذكر محاسنها،وفي إطار هذه المقارنة لابد من القول أن معايير الجمال وصور المرأة الجميلة و المقبولة اجتماعيا تختلف من منطقة إلى أخرى مما يعطيها خصوصيات تدل على طابع الاحترام ووجاهة التقبل .
• النموذج الثالت : أيلي الزين ليعجبني وليزيد يعذبني جاية جاية من الدشر جاية جاية بمشموم النوار وهذه صورة أخرى عن المرأة الجبلية ذات الجمال الفائق ، والتي دائما ما تجعل الرجل يقع في فخها،ومشموم النوار في يد الفتاة في الثقافة الجبلية يدل على الرضا و القبول بالرجل كزوج،وما تستبطنه هذه الأبيات أن الشاعر يعرف تمام المعرفة ان حبيبته ستكون له وستأتي يوم زفافها وفي يدها زهورا،وهي تحيل في رمزيتها على السعادة و الـــــــــحب و تقاسم الحياة مع الشريك،وهي صورة جميلة تجعل من المرأة الجبلية شيئا أخر غير صور المكر و الخداع ، كما رأينا في السابق .
خــــــــــــــــــــــلاصات : إن تقديمنا لهذا المحور ينطلق من نظرتين أو تمثلين لصور المرأة داخل المجتمع الجبلي ، فهي صورة جميلة و عفيفة من ناحية ، وصورة خبيثة و مذمومة من الناحية الثانية ، لكن ورغم ذلك نخلص إلى مجموعة من الاستنتاجات ، تمثل تمرة تحليلنا للنصوص المقدمة في هذا المحور ، منها : • أن المرأة تحضر في الثقافة الجبلية على أنها مُعينَة للرجل في جميع المجالات ، مما يعطيها طابع الإيجابية في التمثلات و التقاليد الجبلية . • أن المجتمع الجبلي بدوره يتوفر على تمثلين في الصور ، الأول تحضر فيه المرأة الجميلة و المحبة و الصبورة ، والثاني تحضر فيه المرأة المخادعة و الماكرة والناكرة للجميل ، بل حتى العاهرة ، لكن رغم ذلك تغلب الصورة الأولى على الثانية . • يتاح للمرأة في المجتمع الجبلي أن تخرج لأي غرض أرادت وهذا في الثقافة الجبلية لا يقلل من قيمتها ، نظرا لعامل الحياء و الأخلاق و التدين الذاتي المستقر ، كما لا يتاح للرجال أن ينظروا إلى المرأة وهي في الخارج نظرا لأن هذا المجتمع يكن لها من الاحترام الشيء الكثير . • لا تحضر في العيطة الجبلية المرأة الساحرة لان هذا المجتمع محافظ بامتياز . • تحضر المرأة المفرقة بين الزوج و الزوجة بقوة ، نظرا لأن التعدد في الزواج فرضه الطلب الإجتماعي في هذا المجتمع ، وهي دائما ما تحضر بصورة النسيبة أو أم الزوجة .
مراجع وهوامش :
1- المصطفى شادلي ، مقال " شذرات من الشعر الشفاهي المغربي : البنية والدلالة " ضمن كتاب " الشعر الشفاهي بالمغرب مقاربات ونصوص " تنسيق المصطفى الشادلي ، مطبعة النجاح الجديدة ، منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط ، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 136 ، الطبعة الأولى 2006 ، الدار البيضاء-المغرب ، ص37 . 2- علال ركوك ، " الغناء الشعبي المغربي : نماذج وتجليات "، منشورات جمعية أسفي للبحث و التوثيق ، مطبعة دار وليلي للطباعة والنشر ، الطبعة الاولى 2000 ، المغرب ، ص 75 . 3- السًراح بفتح السين في اللهجة الجبلية تعني " السلاكيط " . 4- سلاسية: نسبة إلى قبيلة سلاس بنواحي غفساي وهي قبيلة جبلية . 5- حياني : نسبة إلى قبيلة الحياينة وهي قبيلة غير جبلية . 6- الجاية : قبيلة جبلية معروفة بشمال المغرب . 7- حساني : نسبة إلى بني حسان المنحدروين من تخوم الصحراء المغربية،وغالبا ما كان بنو حسان منطبقة المحاربين والحامون ..
#محمد_قروق_كركيش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فن أحيدوس بالمغرب: دلالات الإبداع ورمزية الحركات
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|