|
في اليمن..الغباء السياسي والصدفة التاريخية
فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي
(Fuad Alsalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 4335 - 2014 / 1 / 15 - 00:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
يمكننا اعتماد رؤية سياسية جديدة في مقاربتها المنهجية لفعل التغيير ومسار المشهد السياسي اليمني ..ففي عموميات الدراسات السابقة عربيا وعالميا يتم التحليل وفق السائد والمألوف من المحددات الدافعة للتغيير عبر الانتفاضات والحركات وصولا الى الثورات او باعتماد الاصلاح التدرجي لكن ماذا لو اعتمدنا منظورا جديدا يشكل مقاربة منهجية تضيف الى المعرفة واطرها المنهجية ونقصد بذلك اعتماد تفسير التغيير السياسي في اليمن وفق محددات ((الغباء السياسي والصدفة التاريخية )). ومقولة الغباء السياسي منسوبة إلي السادات واصفا معارضية من اركان نظام عبد الناصر حين قدموا جماعيا استقالاتهم بغية خلق فراغ دستوري وتهييج الشارع ضد السادات حينها قال السادات ( دول لازم يتحاكموا بتهمة الغباء السياسي) لانهم كان بمقدورهم عزل السادات لا ان يعزلوا انفسهم . والامر ذاته يتكرر في بلادنا مرات متعاقبة خلال خمسة عقود أويزيد قليلا . والمصيبة انه في بلادنا حيث يدعي الجميع انهم بلاد الحكمة ومجبولين عليها تتراكم اخطائهم الكبيرة والصغيرة الي حد ان لا مجال الا بوصفها غباء سياسيا . الجدير بالذكر ان الغباء السياسي في بلادنا مقرون بالانتهازية السياسية وبتعاظم ممارستها بل والافتخار بها . فلم تتعلم النخبة الحزبية والسياسية من الاخطاء السابقة التي ارتكبتها هي او التي اقترفها اخرون , فالغباء بدلالاته "عدم إدراك المعطيات الراهنة للمشهد السياسي وانكار الوقائع المتجددة اهمها ظهور لاعبين وفاعلين سياسين جدد على المشهد " وبلادنا كما بلدان كثيرة جغرافيتها وبنيتها الاجتماعية تسمح بمرور كائنات هامشية الى موقع الصدارة اجتماعيا وسياسيا . ومن اللافت للاهتمام ان يترافق التسلط مع الغباء السياسي في اطار ان استخدام القوة يحجب ذلك الغباء ويستره لبعض الوقت . فتغيب رمؤسسات الدولة واضعافها يجعل من لحاكم متضخما الى حد الغرور بل وجنون العظمة هنا يكون الغباء السياسي لصيق ومعادل موضوعي. ومن مظاهر الغباء الاعتقاد بالخرافات(التنجيم/العرافين) والاعتقاد بضعف المجتمع وعدم قدرته على الانتفاضات الموجهة نحو الحاكم وهذا مسلك اظهر رغبة قوية في التوريث السياسي استنادا الي غرور القوة ودعم الحلفاء من الخارج واعتقادا برضوخ الشعب وقهره . وبعض مراكز القوى قبليا وعسكريا وكذلك الاحزاب السياسية مستمرة بفعل نفس الأخطاء التي وقعت فيها من سنوات ولم تتوقف لحظة لتتأمل مسارها وتعيد النظر في مسلكها ومواقفها وخياراتها مع ان اهم سمات القيادي والسياسي مراجعة مواقفه وامتلاكه البدائل في كل مشهد متجدد واعتماد منظورا نقدية لتجاوز الاخطاء وغياب هذه المنظورات المنهجية تدفع باصحابها للانتحار السياسي كنتيجة حتمية لغبائها.وهذا ماكان في بلادنا لجزء من النخبة الحزبية ابان حرب صيف94 . واثناء الانتفاضة الشعبية صيف2011 . في هذا السياق تتلاقي مسارات الغباء السياسي بمسارات الصدفة التاريخية (وكلاهما –الغباء والصدفة –كمفهومين وعمليتين تترابط عضويا في مجمل مسارات التاريخ السياسي ) و الصُدْفة بمعنها القاموسي ( اللقاء من غير موعد ، المجيء من غير ترقُّب ، مِنْ دُونِ اتِّفَاقٍ) وهي بذلك تكون ممكنة الظهور هنا يرى بعض الفلاسفة بان الصدفة النسبية ممكنة بينما الصدفة المطلقة مستحيلة. ووفقا للنظريات الاجتماعية والفلسفية فان الإنسان ذاته مبدع للأفكار وفق ادراكه لكينونته ومحيطه ومن ثم فهو محرك التاريخ وهذا ينفي وجود قوى اخرى غير مرئية تكون محركة للانسان وافعاله. والمنظور الهيجلي يجعل من الافكار محركا للانسان والمنظور الماركسي الكلاسيكي يجعل من القوانين الاقتصادية محركة للتاريخ والاصل ان الانسان الفرد والانسان الجمعي من خلال علاقة جدلية بين وعيهما الذاتي والموضوعي تبرز عملية التغير ضمن فاعلية الانسان وفق تنظيم جمعي لجهوده مع اقرانه فادراك ووعي الفرد لذاته ومحيطه الفيزيقي والاجتماعي تجعله في مصاف الفاعلين والقوى المحركة للتاريخ . ومن هنا عندما تترابط عمليتي الغباء والصدفة فان هذه الاخيرة لاتكون حاملة للوعي وللادراك بل تكون الصدفة دون حمولتها الادراكية والمعرفية وهنا تتضخم ذاتية القوى الغبية وبقليل من التطبيل الاعلامي تبرز جنون العظمة وهو الامر الذي عرفناهافي عموم المنطقة العربية من خلال حكام اغبياء واحزاب غبية اضاعت عشرات الفرص من التحديث والتغيير واضاعت فرص كبيرة من النضال وحتى في علاقاتنا مع الاخر لم نستثمر ايا من ممكنانتنا السياسية او الاقتصادية او الجغرافية وهنا ذهب الاعلام التابع للاحزاب والقيادات الغبية بتفسير هزائمنا وفق نظرية المؤامرة والاعداء الوهميين في الداخل والخارج . وبدون الاطالة في التأطير المعرفي لهذين المفهومين ندلف الى واقع المشهد السياسي في بلادنا ليظهر لنا نماذج من الغباء السياسي واقترانها بالصدف غير السببية . ففي مراحل التاريخي السياسي الحديث والمعاصر لحظات كان الغباء عنوانا لقيادات واحزاب وجماعات تصدرت المشهد السياسي تجلى ذلك في اتخاذ قرارات سياسية خاطئة واعتماد مواقف وحسابات غبية اضرت بمسار التغيير السياسي وفي نفس السياق دفعت الصدف باشخاص الى صدارة المشهد السياسي في حين لم يكن لهم اي دور او فاعلية بل كانوا في عداد عوام المجتمع .ومن يتأمل الاسماء التي تولت مناصب حكومية وعسكرية بل وزعامات قبلية سيكتشف الامر وهو معلوم لدي النخبة وكثيرا من العامة . وبالاخص من يتأمل اسماء رؤسا الحكومات ووزارات هامة خلال العقود الثلاثة الماضية. فالغباء دفع بالضباط الاحرار الى اعتماد مساومات مع القبيلة ورموزها الملكية في فترة الصراع الاول عقب ثورة سبتمبر والغباء دفع بالقيادات العسكرية والحكومية الى اعتماد قرارات تمنح الشيخ منصب وزير بغية سرعة خلق تحالفات مع النظام الجمهوري الوليد عام 62 في حين لم يحسبوا لظهور نزورات انتهازية تم دعمها من الخارج فكان ان عرفنا ان يكون احدهم جمهوري نهارا وملكي ليلا ثم ان جاء عام 67 فكان الغباء لاهم الاطراف القومية حين خطط للانقلاب وسلم السلطة للقبيلة وحلفائها من القوى التقليدية حزبيا وعسكريا وبترحيب من الخارج التقليدي ايضا ومع 74 كان الغباء من نصيب القيادات القبلية التي تم استدراجها من المقدم الحمدي للاستقالة حتى رمى بها جميعاخارج المشهد مؤسسا لمرحلة جديدة من مسارات التغيير واعادة الاعتبار للدولة لكنه سرعان ما اظهر ذاته غباء مماثل حين تصور ان المحيطين به من العسكر كما القبيلة التي اخرجها من المشهد سينصاعون للامر الواقع فكان ان دفع حياته ثمنا لهذا الغباء السياسي وهو الامر المتكرر مع الغشمي الذي تصور لبعض الوقت ان الفرص سانحة لاقامة دولته بمرجعية قبلية تتصدرها اسرته مع انه كان مخططا له ليكون ممر لوصول اخر الى السلطة ضمن مخطط اقليمي ودولي سابق. وكان عبد الرقيب بطل السبعين لايعمل ضمن منظومة اوتكتل حزبي يسنده فضاع وفق رومانسيته الثورية ((الغباء السياسي مشفوع له عند البعض بالنزعة الوطنية والرومانسية الثورية وعند البعض الاخر بالجهل السياسي وعند البعض الثالث بالانتهازية )). واليوم شباب الثورة وكل الشعب الذي تطلع وطمح في ان يحقق تغييرا يعود عليه بالنفع العام من خلال دولة مؤسسية قانونية ومشاركة سياسية واسعة وقع في تصوراته الناجمة عن غباء سياسي ورومانسية ثورية لان الحشود الشعبية لاتصنع ثورة ولا تغيير بل تدعم مشاريع التغيير التي تقودها مجموعات منظمة وممولة وذات سند من حلفاء اقويا . وما اكثر الصدف العبثية التي اظهرت اشخاص لم يكونوا حتى يحلمون بالسلطة ومع ذلك وصلوا اليها والامثلة كثيرة ومتعددة حتى اليوم . وللعلم كانت الصدف التاريخية تلعب ادوار هامة في مسارات العمل السياسي ((الصدفة ليست تلقائية بل هناك عوامل موضوعية تحركها مجموعات وافراد حتى من خارج المجتمع )) فالسلال لم يكن قائدا للضبالط الاحرار ومثله محمد نجيب في مصر والقاضي الارياني جاء للرئاسة حلا في صراع محتدم بين مراكز قوى محلية والخارج الاقليمي والدولي كما ان قحطان وفيصل كانو من الشخصيات الرائعة لكن الواقع الموضوعي كان يحتاج لظهورهم بشكل مؤقت ولم يدركوا هذا الامر في حينه فكانت تصفيتهم ضمن اجندة سياسية لمشروع جديد وكان عبد الفتاح اسماعيل من اهم قيادات مؤسسة للدولة والحزب لكنه في اطار رومانسيته الثورية والايدولوجية تناسي ان الجهوية لاتزال كامنة في الوعي الفردي والجمعي وان الرفاق لم يحدثوا قطيعه معها فكانت تصفيته ضمن هذا المنوال وتحت مبرره والغباء السياسي جاء مع البيض في عدم ادراكه لممكنات العمل السياسي فارتكب اخطاء قبل التوقيع على الوثيقة وبعدها ومن قبله على ناصر الذي توهم ان دولته وحضوره اللامه سيكون مع غياب رفاقه من المشهد في احداث درامية عام86 . ولم يكن الرئيس هادي يطمح للرئاسة ولم يعرف عنه ذلك خلال سنواته المتعددة كنائب لكن الصدفة التاريخية وضعته في الرئاسة ضمن اشتراطات مراكز القوى -وليس اشتراطاته هو- التي ان خرج عنها واسس لنفسه مسارا وطنيا مستقلا ليقود التغيير الحقيقي سينجو بنفسه ويمد من عمره السياسي والا سيكون مجرد عابر سبيل اقتضته الضرورة الاستثنائية لاخر يتم ترتيب الرئاسة له . الغباء ظهر عندما سلم البعث السلطة للقبيلة عام 67 ونفس الغباء عندما سلمت الاحزاب التحديثية بقيادة الاشتراكي والناصري السلطة والثورة عام2011 لمراكز القوى التي استهدفتها الثورة بل وشرعنت تلك الاحزاب اعادة انتاج النظام السابق والمحاصصة معه مقاعد الحكومة ومنح قياداته (صك براءة من كل الجرائم وهي معلومة لكل ذي عينين).الاسلاميين (الاصلاح) خدمتهم الصدف التاريخية منذ الستينات في اطار اصطفاف مع القبيلة ضد التواجد الناصري بدعم سعودي ومع اول انقلاب على الرئيس صالح ظهر الاسلاميون كدرع وسيف يحارب نيابة عن الرئيس ولكن لتأسيس حضورهم ووجودهم السياسي اولا في بنية نظام صالح وداخل قاعدته الاجتماعية والقبلية واليوم الغباء السياسي يقود الاسلاميين بكل فصائلهم لتعميم فوضى الاحتراب والفتاوى المشرعنة للعنف والغلو مما يدفع بالمجتمع المدني للاصطفاف ضدهم مع الخارج المناوئ للاسلاميين والامر ذاته مع الحوثيين فغرور القوة والانتصارات السريعة على تجمعات قبلية يدفعها لاظهار حقيقة مشروعها في الثأر التاريخي من نظام الجمهورية وثورة سبتمبر (الثأر حاليا من هزيمة سابقة )وفق محددات راهنة مما يؤلب عليها المجتمع كله وهو ما سيخلق اصطفاف استثنائي نحو محاربة المذهبية مع ان الواقع يتطلب هذا الاصطفاف ضد الجهوية والقبلية والمذهبية وضد التبعية لدول الجوار . واكثر مظاهر الغباء السياسي كانت مع الرئيس السابق الذي تصور ان القبيلة والعسكر اللي منحهم امتيازات ضخمة وغير مسبوقة سيكونوا عونا له بشكل دائم واذا بهم ينتفضون عليه ويطيحون به ويشهرون به بلصق كل الصفات السلبية مقابل تنقية انفسهم من مثالب النظام اللي كانو جزءا منه . ومن ينظر الى اسماء الوزراء والمستشارين في مختلف مواقع السلطة التنفيذية يجد الصدف وحدها مقرونة بالغباء السياسي اوصلت الكثير من هذه الاسماء الى مواقعهم ومن ذلك اعداد كثيرة من اعضاء مؤتمر الحوار فغالبيتهم لاعلاقة لهم بالشأن السياسي والوطني ولم يكن لهم دراية باي مفهوم سياسي كالدولة والحوكمة والفيدرالية والعدالة الانتقالية بل انهم تعرفوا عليها لاول مرة داخل قاعات الحوار . وللعلم مراكز القوى منذ الستينات كانت تستقصد الدفع بنماذج من الاغبياء سياسيا في مواقع هامة في الحكومة والسلطة المحلية والسلك الدبلوماسي والعسكري من اجل تمريرمصالح تلك المراكز عبر ادوات الدولة ومؤسساتها ومن هنا ندرك كيف تم تغيب الدولة واضعاف مؤسساتها. في هذا الصدد تم تصنيع نخب مشيخية لتقوم بدور قبلي وفق اجندة امنية خادمة للنظام ، والامر ذاته تم اصطناعه داخل المجتمع المدني والاحزاب والنقابات والجامعات كل هذا الامر اظهر منظورا كوربوراتيا كسمة للمشهد السياسي في الدولة والمجتمع في آن واحد بل وكسمة للنظام السياسي ذاته .
#فؤاد_الصلاحي (هاشتاغ)
Fuad__Alsalahi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
-
برجوازية طفيلية وحكومات فاسدة ..؟
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
-
اليسار الجديد.. رؤية نقدية
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|