أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علوان حسين - عودة إلى خرافات يعقوب إبراهامي بشأن قوانين الديالكتيك / 2 و الأخيرة















المزيد.....



عودة إلى خرافات يعقوب إبراهامي بشأن قوانين الديالكتيك / 2 و الأخيرة


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4333 - 2014 / 1 / 13 - 16:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في الحلقة الأولى من ورقتي الموسومة : عودة إلى خرافات يعقوب إبراهامي بشأن قوانين الديالكتيك / 1 ، المنشورة بتاريخ 2013 / 12 / 28 في "الحوار المتمدن" ، ناقشت الجزء الأول من رد الأستاذ يعقوب إبراهامي الموسوم : "عودة إلى خرافة قوانين الديالكتيك-2" ، على ورقتي : "قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 7 – الأخيرة" ، المنشورة بتاريخ 2013 / 12 / 4 في نفس الموقع الآنف الذكر ، العدد : 4295 ، و ما قبلها في ذات السلسلة .
الآن أستكمل مناقشة الجزء الثاني و الأخير من مقالته المذكورة أعلاه . و سأقسم النص أعلاه إلى متون ثلاثة متسلسلة الأرقام ، للرد عليها كلاً على حدة .
1. مَنْ يَنْسِبُ الأقوال جزافاً لمَنْ ؟
يقول الأستاذ يعقوب إبراهامي بالنص :
" ثانياً / حسين علوان حسين اكتشف الطريقة الصحيحة لمقارعة خصمه الفكري والإنتصار عليه. وهذه هي الخطة: أنسب إلى خصمك الفكري ما لم يقله (بل ما يعارض أفكاره تماماً) واطلب منه بعد ذلك أن يجيب على اتهاماتك.
إقرأوا: "هنا لا بد من التساؤل : عندما يزعم الأستاذ يعقوب إبراهامي و شركاه بأن قوانين نظرية فيزياء الكم تتعارض مع قوانين الديالكتيك ، أليس حريّاً به أن يدعم أقواله هذه بالبراهين المفصلة المستخلصة من تباين أحكام هذا القانون الديالكتيكي أو ذاك بالضبط مع هذا القانون لنظرية فيزياء الكم أو ذاك بالضبط ، أم لا ؟ الجواب هو : بلى ، من الحري به أن يفعل هذا بالتأكيد ، لكي يقطع الطريق على قول القاريء له : "إن إدعاءك هذا ما هو إلا مجرد كلام فارغ لكونه لا ينبني على أية قاعدة متينة (sufficient grounds) للبرهان و التي من شأنها أن تقيم الدليل المقنع على صحته ." و لكن الأستاذ يعقوب إبراهامي لا يستطيع أن يبين لنا ما هو القانون الديالكتيكي الذي تتعارض معه قوانين فيزياء الكم ، و لا كيف يتعارض . لماذا ؟ لعدم وجود أي تعارض يستطيع التفصيل فيه". (لغرض الترفيه فقط نقول إن "sufficient grounds" هي ليست "قاعدة متينة").
متى وأين قلتُ إن نظرية الكوانتوم تعارض "قوانين الديالكتيك"؟ دائماً قلتُ أنه ليست هناك أية علاقة، بأي شكلٍ من الأشكال، بين "قوانين الديالكتيك" ونظرية الكوانتوم أو أية نظرية فيزيائية أخرى. دائماً قلتُ إن من يحاول أن يجد علاقة، أياً كانت، بين "قوانين الديالكتيك" ونظرية الكوانتوم يشهد على نفسه أنه لا يفهم "قوانين الديالكتيك"، أو لا يفهم نظرية الكوانتوم، أو أنه (وهذا هو الأرجح) لا يفهم كليهما. النظرية الفيزيائية (بما في ذلك نظرية الكوانتوم) يتم اكتشافها، اختبارها، التأكد من صحتها أو يجري تفنيدها، في المختبر، وفي المختبر فقط، وليس للديالكتيك ما يفعله في هذا الخصوص. مكان الديالكتيك (وكل فلسفة أخرى) هو خارج المختبر. في كل مكانٍ دخل فيه الديالكتيك إلى المختبر (بمرسوم حكومي من أعلى) حلّت الكارثة بالعلم والعلماء. طريق انتصار الديالكتيك على البحث العلمي في عهد ستالين مفروش بمآسٍ وضحايا إنسانية وبانحطاط المقاييس العلمية إلى درك النفاق والكذب والتملق والشعوذة والوشاية برفاق الأمس.
"يعقوب إبراهامي لا يستطيع أن يبين لنا ما هو القانون الديالكتيكي الذي تتعارض معه قوانين فيزياء الكم" لا "لعدم وجود أي تعارض"، كما يحاول حسين علوان حسين أن يوهم القراء، بل لأن المسألة (مسألة تعارض نظرية الكوانتوم مع "قوانين الديالكتيك") غير واردة بالنسبة لي على الإطلاق. أنا لا أناقش هذه المسألة، لم أُناقش هذه المسألة، وبقدر ما يمكن التنبأ بالمستقبل لن أُناقش هذه المسألة أبداً. كيف يمكنني أن أزعم أن نظرية الكوانتوم تخالف "قوانين الديالكتيك" وأنا أعلن ليل نهار إن "قوانين الديالكتيك" ليست سوى خرافة؟
وبعد أن ينسب لي حسين علوان حسين أفكاراً هي غير أفكاري يعلن بلهجة المنتصر: " لذلك فلا يصح مطلقاً معارضة قوانين الديالكتيك مع قوانين فيزياء الكم . مثل هذا التعارض المزعوم ليس إلا وهماً خرافياً من إصطناع ذهن الأستاذ يعقوب أبراهامي نفسه".
حسين علوان حسين هو ليس أول من انتصر على طواحين هواء.
أنتهى نص الأستاذ يعقوب إبراهامي

الرد :
الفقرات أعلاه تنصب على إتهام الأستاذ يعقوب إبراهامي لي بكوني أنسب إليه أقولاُ لم يتفوه هو بها ، و لهذا فهو يتساءل محتجاً في نصه أعلاه :
" متى وأين قلتُ إن نظرية الكوانتوم تعارض "قوانين الديالكتيك"؟ "
ثم يوضح موقفه النهائي ، بدقة "رياضية نموذجية" ، قائلاً :
"دائماً قلتُ أنه ليست هناك أية علاقة، بأي شكلٍ من الأشكال، بين "قوانين الديالكتيك" ونظرية الكوانتوم أو أية نظرية فيزيائية أخرى ."
طيب ، من الواضح – من نص الأستاذ إبراهامي أعلاه – أن قائلهما ، بالضبط : أ- لا يعتبر أن نظرية الكوانتوم تعارض "قوانين الديالكتيك" ؛ و ب- يؤكد أنه ليست هناك أية علاقة ، بأي شكلٍ من الأشكال ، بين "قوانين الديالكتيك" ونظرية الكوانتوم أو أية نظرية فيزيائية أخرى ." على حد تعبيره .
السؤال الآن هو : بما أن نظريات فيزياء الكم لا تعارض قوانين الديالكتيك ، و لا علاقة للأخيرة بالأولي ، حسب نص و فص يعقوب إبراهامي بتاريخ 14/ 12 / 2013 ، فكيف سمح الأستاذ يعقوب إبراهامي لنفسه أن ينسف قناعاته هذه بنقيضها المباشر الموثق بتاريخ 1/11/ 2013 عندما قال بالحرف الواحد :
" أسجل في ما يلي بعض غرائب نظرية الكوانتوم التي "لا يقبلها العقل" والتي ربما هي التي أثارت قلق علي الشوك (وقلق جاسم الزيرجاوي) لأنها تتعارض مع "قونين الديالكتيك" (كذا) "
؟!
النص أعلاه يعود للأستاذ يعقوب إبراهامي في مقالته المعنونة : " عودة إلى خرافة قوانين الديالكتيك-1" المنشورة في الحوار المتمدن - العدد : 4262 - 2013 / 11 / 1 - 20:07 . و فيه يسجل الأستاذ يعقوب إبراهامي : " بعض غرائب نظرية الكوانتوم التي "لا يقبلها العقل" والتي ربما هي التي أثارت قلق علي الشوك (وقلق جاسم الزيرجاوي) لأنها تتعارض مع "قونين الديالكتيك" "
من الذي ينسب إلى خصمه الفكري ما لم يقله (بل ما يعارض أفكاره تماماً) هنا ، و يطلب منه بعد ذلك أن يجيب على اتهاماته ، على حد زعم الأستاذ يعقوب إبراهامي ؟ من الذي يسجل بعظمة لسانه بعض غرائب نظرية الكوانتوم التي "لا يقبلها العقل" والتي ربما هي التي أثارت قلق علي الشوك (وقلق جاسم الزيرجاوي) لأنها تتعارض مع "قونين الديالكتيك" " ؟
إذن ، فالأستاذ يعقوب إبراهامي هو : إما لا يعي دوال ما يقول ، و هو بالتالي لا يعبأ بالإلتزام و بالتماسك المنطقي لأقواله اليوم مع أقواله البارحة ؛ أو أن لديه أقوال جاهزة و متناقضة في كل واحد من جيوبه ؛ لذا ، فهو يخرج لنا في 1/11/2013 أقوالاً محددة من جيبه الأيمن ، و يخرج ضدها في 14/ 12 / 2013 من جيبه الأيسر . و من يدري ، فلعله يحمِّل جيوبه الأخرى أقوالاً متناقضة أخرى يدّخرها لمناسبات قادمة لأمر في نفسه .
و عملاً بمبدأ إلإعتماد على آخر صيغة للأقوال عبر نسخ كل ما قبلها ؛ لذا ، فأنني أؤكد هنا للقراء الأعزاء بأن نظريات فيزياء الكم لا تتعارض البتة مع قوانين الديالكتيك ، و لكنها تتعارض كلياً مع قوانين المنطق الشكلي ؛ و هذه حقيقة تُحسب لصالح شمولية مدى إشتغال المنطق الأول ، و تُحسب ضد محدودية المنطق الثاني . علماً بأن الطرف الذي حشر ظواهر فيزياء الكم في معرض المناقشة لقوانين الديالكتيك هو ليس أبداً حسين علوان حسين ، بل هو أصلاً و فصلاً الأستاذ يعقوب إبراهامي ، رغم تصريحه علانية : " ليست هناك أية علاقة، بأي شكلٍ من الأشكال، بين "قوانين الديالكتيك" ونظرية الكوانتوم أو أية نظرية فيزيائية أخرى" . طيب ، ما دامت لا توجد هناك أية علاقة ، بأي شكلٍ من الأشكال ، بين "قوانين الديالكتيك" و نظرية الكوانتوم أو أية نظرية فيزيائية أخرى – مثلما يؤكد الأستاذ إبراهامي - فلماذا عمد و يعمد هو بنفسه و عن سابق إصرار و غرض إلى إقحام هذه بتلك ؟
و الآن إلى السؤال : هل صحيح أن ظواهر فيزياء الكم لا علاقة لها البتة بقوانين الديالكتيك ؟
لنأخذ قانون وحدة و صراع الأضداد كقاعدة للإنطلاق باعتباره جوهر الديالكتيك ، هل يتجلى هذا القانون في الطبيعة الجسيمية-المويجية للضوء ؟ الضوء هنا هو الوحدة التي تستوعب الضدين : الجسيم ؛ المويجة . إذن فقانون وحدة و صراع الأضداد ينطبق على ظاهرة الجسيم-المويجة للضوء ، و العلاقة بين الإثنين هي علاقة التجلي بين القانون الديالكتي العام و قانون الكم الخاص . إذن فالعلاقة بين هاتين المجموعتين من القوانين قائمة و لا يمكن نكرانها ، و إن كانت غير مباشرة . و لكن الأستاذ يعقوب إبراهامي في نصه أعلاه يحكم بشكل إعتباطي على كل من يحاول إكتشاف العلاقة بين قوانين الديالكتيك و النظريات الفيزياوية بكونه : " لا يفهم " في كليهما على الأرجح . أعيد نص أقواله :
"دائماً قلتُ إن من يحاول أن يجد علاقة، أياً كانت، بين "قوانين الديالكتيك" ونظرية الكوانتوم يشهد على نفسه أنه لا يفهم "قوانين الديالكتيك"، أو لا يفهم نظرية الكوانتوم ، أو أنه (و هذا هو الأرجح) لا يفهم كليهما. النظرية الفيزيائية (بما في ذلك نظرية الكوانتوم) يتم اكتشافها، اختبارها، التأكد من صحتها أو يجري تفنيدها، في المختبر، وفي المختبر فقط، وليس للديالكتيك ما يفعله في هذا الخصوص. مكان الديالكتيك (وكل فلسفة أخرى) هو خارج المختبر. في كل مكانٍ دخل فيه الديالكتيك إلى المختبر (بمرسوم حكومي من أعلى) حلّت الكارثة بالعلم والعلماء. "
إذن ، فطبقاً لنص الإستاذ يعقوب إبراهامي أعلاه ، فإن من غير الجائز بتاتاً لأي أنسان إجراء أي بحث علمي لاكتشاف وجود أي علاقة محتملة بين قوانين الديالكتيك و قوانين الفيزياء ، و لا إستخدام قوانين الديالكتيك في البحث العلمي . لماذا ؟ لكون حقل البحث هذا قد تولى غلق أبوابه أمام كل البشر مرة و إلى الأبد الأستاذ يعقوب إبراهامي بصفته مبعوثاً لإلهة الحكمة أثينا ، و كل ذلك لقصده "النبيل" بتبشير قراء الحوار المتمدن بخرافة كون قوانين الديالكتيك خرافة . و لهذا يجب و يتحتم على الباحثين طراً غلق أغلفة كل الكتب في حقل البحث هذا ، و إلا أصابتهم وصمة عدم الفهم الإبراهيمية ! رحم الله جدانوف ؛ على الأقل لأنه لم يحرِّم على البشر البحث في العلاقات بين قوانين الديالكتيك و قوانين الفيزياء ، و لا مَنَع إستخدام قوانين الديالكتيك في البحث العلمي ؛ و أنا الذي كنت أظن واهماً بأن إبراهامي مناهض للستالينية ! يبدو الأستاذ يعقوب أبراهامي هنا ستالينياً أسوأ بما لا يقاس من ستالين نفسه الذي ما فتيء إبراهامي يبسمل و يحوقل كل نصوصه بإسمه مثلما كان شعراء الجاهلية و الإسلام يستهلون قصائدهم بالوقوف على أطلال الحبيبة ؛ ستالين هو حبيب يعقوب إبراهامي ! و من الحب ما قتل ! نحن هنا إزاء المحقق الأكبر (grand inquisitor) في محاكم التفتيش الإسبانية لميادين البحث العلمي .
لنترك مؤقتاً تخريفات إبراهامي جانباً ، و لنستذكر كيف أن التفكير الديالكتي قد أفاد في تطور فيزياء الكم مثلما كنت قد أوضحت سابقاً عند التطرق إلى إكتشاف بوزون هيغز . في مقال لي بعنوان : " قوانين الديالكتيك و تخريفات إبراهامي بصدد عدم وجود الصراع داخل البوزون / 5 " المنشور في الحوار المتمدن – العدد : 4286 - 2013 / 11 / 25 ، قلت :
" نعود الآن للديالكتيك و كيفية إشتغال وعيه في تقدم البحث العلمي في حقل فيزياء الكم . بدأت قصة حقل هيغز مع مشكلة "الكتلة" في نظريات فيزياء الكم . فرغم النجاحات التي أحرزتها تلك النظريات ، إلا أنها كانت تعاني من مشكلة التناظر المفرط ، بحيث أن كل الجسيمات التي تصفها كان يتوجب أن تكون لا كتلوية (أي أن كتلتها يجب أن تكون بالضبط : صفراً) . و كان هذا نقصاً جسيماً في كل تلك النظريات - يتجلى فيه غياب الوعي المادي الديالكتي - لأنه إذا كانت كل الجسيمات الإبتدائية المكونة لكل شيء في العالم لا كتلوية ، فمن أين تكتسب الأشياء كتلتها المعروفة لدى البشر ؟
لحل هذه المعضلة ، إفترض ، في عام 1964، ستة من علماء الفيزياء – أحدهم هو هيغز – وجود حقل جديد في الطبيعة لم يخطر على بال أحد من قبل ؛ حقل من شأنه كسر هذا التناظر ليسمح لكل الجسيمات الإخرى أن تكتسب الكتلة . هذا الحقل هو : حقل هغز ؛ و الإهتزازات في ذلك الحقل هي التي تعطينا بوزون هيغز . هذا هو المقصود بالقول : أن تجاهل قوانين الديالكتيك يفضي دائماً إلى الوقوع في الأخطاء ، و العكس صحيح . و هذا هو المقصود من القول بأن العلم يتطور بالإستقراء : كيف نفسر وجود قوى الحقل المغنطيسي و القوة الأضعف و القوة الأكبر و الكتلة و الجاذبية في المادة ؟ نفترض وجود جسيمات إبتدائية مختلفة ناقلة لكل واحد من هذه القوى المختلفة . بدأ هذا الإستقراء مع إكتشاف كون الفوتونات هن حاملات القوة للحقل الكهرومغنطيسي ؛ ومنه إنتقلنا – بالإستقراء و ليس بغيره – لأكتشاف بوزوني (w) و (z) ، ثم الغلونات ، و الآن بوزون هيغز ، و بكرة الغرافيتون ، و هكذا إلى ما لا نهاية ، لأنه ليس للعلم نهاية . "
إنتهى نصي .
( ملاحظة : قمت في الإقتباس أعلاه بتصحيح عبارتي : " خمسة من علماء الفيزياء" بـ "ستة من علماء الفيزياء" . )
إذن فالتفكير الديالكتي مفيد في كل بحث علمي ، بالضبط لأن تجاهل قوانين الديالكتيك يفضي دائماً إلى الوقوع في الأخطاء ، و إلى تأخير الإكتشاف . و لحسن الحظ فإن هيغز لم يستمع لخرافات إبراهامي و لا لأكاذيب بوبر ، فاتخذ الإستقراء منهجاً ، و لم يعتبر المادية الديالكتية خرافة . المقصود بهذا المثل ليس أبداً إقامة الدليل على كون هيغز يؤمن بالمادية الديالكتية . كلا ، فليس هذا هو الهدف المقصود من هذه المناقشة البتة . المقصود هنا هو الإيضاح – المتواتر في تاريخ تطور كل العلوم التجريبية – لحقيقة كون المنهج المادي الديالكتي مفيداً في البحث في كل حقل من حقول البحث العلمي ؛ ليس أبداً عبر فرض قوانين الديالكتيك على أية ظاهرة قسراً "بمرسوم حكومي من أعلى" ، على حد تعبير الأستاذ يعقوب إبراهامي ؛ و إنما بتقصي تجليات علاقات الترابط و التضاد الجوهري القائمة بين كل العناصر الداخلية و الخارجية المتفاعلة في الظاهرة الطبيعية أو الإجتماعية أو الفكرية ، لكون المظاهر دائماً خدّاعة . أما من يصر على فرض قوانين الديالكتيك على أية ظاهرة قسراً "بمرسوم حكومي من أعلى" فهو الشخص الذي لا يفهم لا في العلوم و لا في قوانين الديالكتيك . لماذا ؟ لأن الديالكتيك : " لا يَسْمَح لأي شيء أن يُفرض عليه " ، مثلما يؤكد لنا ماركس ، لكون قوانينه موضوعية تعمل بمعزل عن إرادة البشر .
و الآن إلى عبارتي : القاعدة المتينة للبرهان .
حبذا لو كان الأستاذ يعقوب إبراهامي كان قد واصل ترفيهه لي و للقراء الأعزاء إثر تصريحه لنا بالقول : (لغرض الترفيه فقط نقول إن "sufficient grounds" هي ليست "قاعدة متينة") عبر منازلته طواحين الهواء على عادته ، و لكان قد شرح لنا بإسهاب مضحك المفهوم المنطقي-الرياضي لـ السبب الكافي " sufficient grounds " على هواه لفرض فهمه التحكمي الضيق على دلالات نصوص الآخرين كما لو كانوا طلاباً عنده في قسم للرياضيات يتسنم فيه هو المنصب الوسواس الخناس للعميد . يا أخي : من الذي قال لك أنني أستخدمت هذا المصطلح هنا بمعناه المنطقي الرياضي لكي ترفه عنا بتعليقك التحكمي بصدده ؟ هل نحن هنا إزاء جدانوفية جديدة ذات قوالب رياضية ؟ كل هذا التلفيق لا يقوم به الأستاذ يعقوب إبراهامي إلا وسط إتهامه لي بكوني أحاول إيهام القراء بنَسْبيَ الأقوال له جزافاً .
عبارتي تنص على : "قاعدة متينة (sufficient grounds) للبرهان" ، و لكن الأستاذ الدقيق يفضل حذف كلمة : "البرهان" هنا . علماً بأن سياقات النص لاستخدامي لهذا المصطلح تبين بوضوح أنه مستعمل بمعناه اللغوي البسيط ، ألا و هو : إقامة الدليل الكافي للإعتقاد بخرافة قوانين الديالكتيك عبر تفنيد صحة هذا القانون أو ذاك من قوانينه ؛ و ليس أبداً وفقاً لمعناه المنطقي-الرياضي لدى لايبنتز أو شوبنهاور أو غودل أو غيره لكي ينبري لنا العميد بالترفيه على هواه في وصلة جديدة لطبخ الحلاوات بقدور مثقوبة . نَصّي يقرأ : "عندما يزعم الأستاذ يعقوب إبراهامي و شركاه بأن قوانين نظرية فيزياء الكم تتعارض مع قوانين الديالكتيك ، أليس حريّاً به أن يدعم أقواله هذه بالبراهين المفصلة المستخلصة من تباين أحكام هذا القانون الديالكتي أو ذاك بالضبط مع هذا القانون لنظرية فيزياء الكم أو ذاك بالضبط ، أم لا ؟ الجواب هو : بلى ، من الحري به أن يفعل هذا بالتأكيد ، لكي يقطع الطريق على قول القاريء له : "إن إدعاءك هذا ما هو إلا مجرد كلام فارغ لكونه لا ينبني على أية قاعدة متينة (sufficient grounds) للبرهان و التي من شأنها أن تقيم الدليل المقنع على صحته ." كما أن من حق القاريء أن يسأل الأستاذ يعقوب إبراهامي : هل أن قوانين الديالكتيك تفصِّل في خصوصيات فيزياء الكم لكي نطابقها معها ؟ ما من جواب ! ثم يتساءل القاريء : يا أستاذ يعقوب إبراهامي ، ما دمتك تتحدث في مقالتك عن التواجد الآني للجسيم المتكمي في مكانين ؛ و عن قطة شرويدنغر الحبيسة الحية و الميتة في آن واحد ؛ و عن ظاهرة الجسيم -الموجة ؛ وعن اللاحتمية ؛ و عن التحابك ؛ و عن عدم اليقين ؛ و عن تجربة الشقين ؛ هلّا قلت لنا كيف أن هذه الظواهر تتعارض مع قوانين الديالكتيك لكي نقتنع معك في إدعائك بأن هذه القوانين هي خرافة ؟ ما من جواب !
و الآن إلى السؤال المهم : لماذا لا يهتم الأستاذ يعقوب إبراهامي بالإجابة على الأسئلة الأساسية و المشروعة أعلاه ؟ الجواب هو : لذر الرماد على عيون القراء عبر منح نفسه إمتياز إثارة الدهشة في نفوسهم ، و المحاولة الفاشلة بالتقمم على بذور الشك و الترقب ."
أنتهى نصي .

إلى مِثْلِ هذا ينتهي مآل كل نقاش مع الأستاذ يعقوب إبراهامي : منازلة طواحين الهواء ، بغية التهرب من الموضوع الرئيسي : لب الديالكتيك ، دون معالجة ، للسبب المنطقي-الرياضي الكافي و المتمثل بكونه قد أصدر مسبقاً حكمه الخرافي الجاهز عليها بأنها "خرافة" ! هكذا يشتغل علم المنطق لدى الأستاذ يعقوب إبراهامي : حسب منهج لصق اليافطات الدامغة . الموضوع عنده ينحصر برمته بالمماحكات و الفذلكات الكلامية و خلط الأوراق المتوَّجة بلصق اليافطات الدامغة على غرار اللصقة الجاهزة للمهووسين دينياً على من يخالفهم الرأي بكونهم ، جميعاً ، من : " الكَفَرة الملعونين " .

2. أخطائي الخرافية
يسترسل الأستاذ في سرد مسلسل خرافاته بالقول :
في سعيه لإنقاذ "قوانين الديالكتيك" من الإنهيار يرتكب حسين علوان حسين عدداً من الأخطاء التي تثير الدهشة وعدم الإرتياح. كل الدلائل تشير إلى أنه لم يفهم "نظرية الكوانتوم" (وهو كما ذكرتُ في مقالةٍ سابقة ليس وحيداً في ذلك).
إنظروا كيف فهم حسين علوان ظاهرة وجود الجزيء الكوانتي في مكانين مختلفين في آنٍ واحد:
"نفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص تواجد الجسيم بمكانين في نفس الوقت . و لا بد من التطرق هنا إلى نص ديالكتيكي رائع لإنجلز بهذا الخصوص (مُطور عن هيجل في معرض حله لمفارقة : "زينو الإيلي"): "الحركة نفسها هي تناقضٌ ، لأن الحركة الميكانيكية البسيطة من مكان لآخر لا يمكن أن تتحقق إلا عندما يكون الجسم في نفس اللحظة الواحدة في مكان واحد بالذات و في نفس الوقت في مكان آخر ؛ و تكون في مكان واحد بالذات و لا تكون فيه . فالحركة هي مجرد الأستمرار في تأسيس التناقض وحله".
"في النص أعلاه تتجلى قوة المنطق الجدلي في التفسير للمتناقضات على نحو تعجز إزاءه مختلف آليات المنطق الكلاسي من قول شيء غير الحكم بعدم صحة ماهو ثابت تجريبياً بصدد تواجد الشيء آنياً في مكانين ".
هل أراد حسين علوان حسين أن يمزح؟ إذا أراد أن يمزح فقد نجح في ذلك:
1. ظاهرة وجود الجزيء الكوانتي في مكانين مختلفين في آنٍ واحد هي ليست حركة ميكانيكية.
2. مفارقة "زينو الإيلي" لا علاقة لها بالظاهرة الكوانتية. ظاهرة وجود الجزيء الكوانتي في مكانين مختلفين في آنٍ واحد هي ظاهرة طبيعية حقيقية وليست "مفارقة".
3. "النص الديالكتيكي الرائع لإنجلز بهذا الخصوص" لا علاقة له أبداً بالظاهرة الكوانتية. أنجلز تكلم عن حركة ميكانيكية من مكانٍ إلى مكانٍ آخر. أنجلز لم يحلم بظاهرة وجود "جسيم" في مكانين مختلفين في آنٍ واحد.
4. مفارقة "زينو الإيلي" لم تجد حلّها في "قوانين الديالكتيك" بل في رياضيات "التفاضل والتكامل" (Calculus) التي اعتمدت "آليات المنطق الكلاسي"."
أنتهى نص آخر للأستاذ يعقوب إبراهامي و الذي يبارز فيه طواحين الهواء بقلم لا رأس له .

و لأن لكل مقام مقال ، سأستذكر مرة أخرى الجملة الرئيسية للأستاذ يعقوب إبراهامي و التي أوجبت الخوض في غمار كل هذا الموضوع : جملته تقرأ : " أسجل في ما يلي بعض غرائب نظرية الكوانتوم التي "لا يقبلها العقل" والتي ربما هي التي أثارت قلق علي الشوك (وقلق جاسم الزيرجاوي) لأنها تتعارض مع "قونين الديالكتيك" (كذا) ".
الجملة أعلاه توضح أن السبب المعلن نصاً وراء قيام الأستاذ يعقوب إبراهامي بـ "تسجيل بعض غرائب نظرية الكم " (و هي : التواجد الآني للجسيم المتكمي في مكانين ؛ قطة شرويدنغر الحبيسة الحية و الميتة في آنٍ واحد ؛ ظاهرة الجسيم -المويجة ؛ اللاحتمية ؛ التحابك ؛ عدم اليقين ؛ تجربة الشقين) هو : "لأنها تتعارض مع قوانين الديالكتيك " "الخرافية" ، على حد تخريفه . و لو كان العكس هو الصحيح ، لما أزعج الأستاذ يعقوب إبراهامي نفسه أصلاً بالطَرق على أم رؤوس قرائه بغرائبه إياها ؛ و كل ذلك في مقالة مكرسة برمتها بالضبط لإثبات : "خرافة قوانين الديالكتيك" ؛ رغم كون هذه القوانين هي أعظم إكتشاف لعلم المنطق عبر تاريخ الفكر للبشرية أجمع ؛ و رغم كون تلك الغرائب لا تتعارض مع قوانين الديالكتيك ، بل تتعارض مع قوانين المنطق الشكلي . موضوع إيراد تلك "الغرائب" في معرض محاولة الأستاذ يعقوب إبراهامي الفاشلة لإثبات ""خرافة قوانين الديالكتيك" هو تلفيق في تلفيق ، خصوصاً و أن الأستاذ يعقوب إبراهامي يمنع نفسه من أن ينبس ببنت شفة حول التضارب الواضح القائم بين ظواهر فيزياء الكم و بين قوانين المنطق الشكلي ، و ذلك لذر الرماد على على على عيون القراء الأعزاء . كان هذا هو المقام الذي إستوجب قولي :
نص أقوالي :
" نعود الآن إلى غرائب فيزياء الكم التي يستنجد بها الأستاذ يعقوب إبراهامي لتخريف الديالكتيك ( التواجد الآني للجسيم المتكمي في مكانين ؛ قطة شرويدنغر الحبيسة الحية و الميتة في آن واحد ؛ ظاهرة الجسيم-الموجة ؛ اللاحتمية ؛ التحابك ؛ عدم اليقين ؛ تجربة الشقين ) ، و نتساءل : هل تتعارض الظواهر أعلاه مع القوانين الثلاثة للديالكتيك (وحدة و صراع الإضداد ، تحول الكم إلى النوع و بالعكس ، نفي النفي ) ؟ الجواب : لا يوجد أي تعارض البتة ؛ بل أن العكس هو الصحيح قطعاً ؛ لأن هذه الظواهر تتوافق مع قوانين الديالكتيك .
نصل الآن إلى أهم سؤال بهذا الصدد : مع أي منظومة منطقية تتعارض الظواهر الغريبة لفيزياء الكم التي يتحدث عنها الأستاذ يعقوب إبراهامي أعلاه ؟ الجواب الذي يعرفه كل دارس لعلم لمنطق هو قطعاً : أنها تتعارض كلياً مع القوانين الثلاثة للمنطق الشكلي (formal logic) ، و هي : قانون الهوية ؛ قانون عدم التناقض ؛ قانون الوسط المرفوع ( أو "المستبعد" ) . كما و تتعارض كذلك مع قوانين " المنطق الضبابي " (fuzzy logic) للطفي زاده (1965) . و لذلك فقد قُننت منظومة منطقية رابعة أسمها "منطق الكم" (quantum logic) خصيصاً لكي تتطابق قوانينها مع الظواهر أعلاه ، مثلما سنرى ."
إنتهى نصي .

واضح من النص أعلاه قيامي بالمقارنة بين قوانين كُلٍ من المنطق الديالكتي و المنطق الشكلي ، و لكن الأستاذ يعقوب إبراهامي يرفض أن يرى ذلك ، لذا نجده يجهر بالقول :" يفضل حسين علوان حسين الحديث عن "المنطق الديالكتي" مقابل "المنطق الشكلي". لا بأس في ذلك لو أن حسين علوان شرح لنا بالتفصيل ما هي مبادئ هذا "المنطق الديالكتي"، ما هي حدود عمله وأين يجب أن نفضل "المنطق الديالكتي" على المنطق الشكلي. لا أحدٌ يعرف ما هو هذا "المنطق الديالكتي" الذي يتحدث عنه حسين علوان حسين. كل الدلائل تشير إلى أن "المنطق الديالكتي" في رؤية حسين علوان حسين هو إسمٌ آخر ل-"قوانين الديالكتيك" سيئة الصيت." "
إنتهى نص الأستاذ يعقوب إبراهيمي ، و الذي سأعود إليه حالاً أدناه .
و لما كان الهدف المعلن للأستاذ يعقوب إبراهامي ينصب على ضرب قوانين الديالكتيك بقوانين فيزياء الكم التي لا تتعارض معها مطلقاً ، و إنما تتعارض مع قوانين المنطق الشكلي ، لذا فقد إنصب كل كلامي اللاحق على إيضاح هاتين الحقيقتين الصارختين ، لكي أبين مدى التلفيق الذي يلجأ إليه الأستاذ يعقوب إيراهامي بضربه فيزياء الكم بالديالكتيك جزافاً و مجاناً . و على العكس تماماً من زعم الأستاذ يعقوب إبراهامي بانني أفضّل : " الحديث عن المنطق الديالكتي مقابل المنطق الشكلي . لا بأس في ذلك لو أن حسين علوان شرح لنا بالتفصيل ما هي مبادئ هذا المنطق الديالكتي ، ما هي حدود عمله و أين يجب أن نفضل "المنطق الديالكتي" على المنطق الشكلي" ، فقد كنت قد قلت في معرض شرح قوانين المنطق الشكلي و بيان مديات إشتغالها ما يلي (أرجو المعذرة على طول هذا الإقتباس بقصد الإيضاح) :
نص أقوالي :
" المنطق الشكلي (الأرسطي)
تشتغل أدوات هذا المنطق للبرهنة على التطابق المفترض بين المسميات و أوصافها في المقولات المفردة بصدد الوجود . و قوامها ثلاثة قوانين مترابطة ، هي :
قانون الهوية : ( أ هو أ ) . كل شيء هو نفسه و يختلف عن غيره ممن هو ليس من جوهره .
قانون عدم التناقض : ( أ هو ليس : لا – أ ) . كل شيء هو ليس نفيه .
قانون الوسط المرفوع : ( أي س هو : إما أ ، أو لا – أ ) . كل مقولة إما أن تكون هي الصادقة ، أو أن نفيها هو الصادق .
و بالإستناد إلى القوانين الأولية أعلاه ، يمكن إشتقاق عدد من القوانين الثانية التي تحكم آلية الإستدلال الصحيح عن حقيقة الأشياء .
القوانين أعلاه إشتغلت و ما تزال تشتغل على نحو معقول عبر إفتراض دالة قيمية نحكم بموجبها بصدق أو كذب كل مقولة وجودية . و كل دالة حكمية (صادق-كاذب ، أو صح-خطأ) تتساوق مع العالمَين الممكنين - أو النموذجيين - للمقولات المعنيّة . و لذلك فأن هذه القوانين تساعد في الفصل بين العناصر المؤلفة لعضوية المجموعة المعينة - و التي تُعطى القيمة : واحد (1) - و بين العناصر غير المنتمية لنفس المجموعة - التي تعطى القيمة : صفر (.) . إذن هذه المقاربة الكلاسية هي ثنائية القيم ، و لذلك فإنها تُسمى بالمنطق ذي القيمتين الذي يقدم إجابات واضحة و قاطعة (نعم ، أو : لا) بخصوص عضوية المجموعة من طرف أي شيء أو عنصر مُعطى .
من الواضح أن آليات المنطق الشكلي الموصوف أعلاه قاصرة تماماً في تفسير الضواهر الطبيعية و الإجتماعية و الفكرية مثلما شرح هيجل ذلك بالتفصيل . أولاً ، لأن هذا النوع من المنطق صارم التحديد لطبيعة كل شيء في الكون : إما ، أو ؛ و ليس هناك شيء معقول هو : بين-بين ؛ و لذلك فإن المباديء الديالكتيكية بصدد النسبية و عدم اليقين و التضاد فيه منفية كلياً رغم كون هذه الصفات تتجلى فعلاً في طبيعة الأشياء و الأفكار حولنا . كما أنه – ثانياً – قاصر عن تحديد العلاقات القائمة بين الأشياء المختلفة ( و منها ظاهرة "التحابك" الذي يتحدث عنها الأستاذ يعقوب إبراهامي ) لأنه يختص في صفات الأشياء المفردة ، و لذلك يستحيل أن نشتق منه صفات العلاقات القائمة بين الشيء و كل شيء آخر حولة من شأنه أن يتأئر و يؤثر فيه مثلما تؤكده قوانين الديالكتيك . و ثالثاً : لأنه يلغي عامل التغيير بفعل تقادم الزمان : أ هو أ ، سواء كان طفلاً رضيعاً ، أم شيخاً هرماً . هذا المنطق يرفض الإعتراف ديالكتيكياً بأن كل شيء في الكون مترابط و له تاريخ و نهاية ، و أن هذا التاريخ هو نوعي و كمي و مستمر بدون توقف .
و بحكم هذه الآلية الشكلية الصارمة للمنطق الأرسطي ، فأن كل المقولات التي يسوقها الأستاذ يعقوب إبراهامي -بخصوص التواجد الآني للجسيم المتكمّي في مكانين ؛ قطة شرويدنغر الحبيسة الحية و الميتة في آن واحد ؛ ظاهرة الجسيم-الموجة ؛ اللاحتمية ؛ التحابك ؛ عدم اليقين ؛ تجربة الشقين – هي مقولات كاذبة و ليست صادقة ، رغم إثباتها تجريبياً . فمثلاً ، آليات المنطق الأرسطي تحكم بوجوب أن تكون القط إما : "حية" ، أو "ميتة" ؛ و ليست "حية-ميتة آنياً " ، لأنه يحكم على مقولة : "القطة حية-ميتة آنياً" بكونها مقولة كاذبة متناقضة تتنافى مع قواعد الإستدلال المنطقي السليم وفقاً لقوانين هذا النمط من المنطق . و تفرض أليات هذا المنطق الأرسطي نفس الحكم غير الصحيح بكذب إمكانية تواجد الجسيم آنياً في مكانين مختلفين ، و كذب مقولة الجسيم-الموجة للضوء اللاحتمية ؛ التحابك ؛ عدم اليقين... إلخ .
طيب ، ما دامت هذه الأحكام غير الصحيحة و التي تفندها التجارب العلمية الثابتة تخص آليات المنطق الشكلي و حسب ( و ليس آليات أي منطق آخر ) ، فلماذا يتعمَّد الإستاذ يعقوب إبراهامي إقحامها قسراً في الحديث عن قوانين الديالكتيك ؟ أليس الصحيح هنا هو ألإستنتاج بأن آليات قوانين المنطق الشكلي قاصرة عن تفسير الحقائق الثابتة بالتجربة في العوالم الممكنة ، و أن هذا الإستنتاج يثبت مرة أخرى صحة النقد الديالكتيكي لمحدودية و قصور هذا النوع من المنطق ؟ بالتأكيد ، هذا هو الإستنتاج التي تفرضه علينا الأمانة العلمية . إذن ، أمثلة الأستاذ يعقوب أبراهامي : ( التواجد الآني للجسيم المتكمي في مكانين ؛ قطة شرويدنغر الحبيسة الحية و الميتة في آن واحد ؛ ظاهرة الجسيم-الموجة ؛ اللاحتمية ؛ التحابك ؛ عدم اليقين ؛ تجربة الشقين ) هي أمثلة جديدة معززة لصحة النقد الجدلي للقصور الواضح في قواعد المنطق الشكلي – و هو النقد الذي يتجلى بأعمق صوره في مؤلفات هيجل و ماركس و إنجلز و لينين و تروتسكي و ماو ذات الصلة – و هي الدالة على صحة قوانين الديالكتيك المؤكدة على الترابط بين الأشياء و تغيرها كماً و نوعاً و نسبية الحقائق و تاريخيتها ، و ليس العكس مثلما يحاول الأستاذ يعقوب إبراهامي إقناعنا به .
ثم ، أين هي العلاقة المباشرة بين قوانين الديالكتيك و بين قوانين فيزياء الكم ؟ الجواب : لا توجد علاقة مباشرة ؛ مثلما ينبغي أن لا يوجد أي عالِمٍ جدلي يحترم نفسه ممن يجرأ على الزعم بأن القوانين الفيزياوية و الكيمياوية و الحياتية و النفسية و غيرها من المستويات المحددة للواقع يمكن إشتقاقها أو إستنباطها من قوانين الديالكتيك ، لأن آليات المنطق الجدلي – مثلما سبق إيضاحه – لا تقدم سوى قواعد إرشادية عامة ، و هذه القواعد العامة يستحيل عليها – بحكم طبيعتها العمومية – أن تُلغي ضرورة الإكتشاف – في كل حالة جديدة – لعلل تلك الحالة الجديدة ، و للنموذج الملموس لتطورها .
ب . نعود الآن لأول تسجيلات الأستاذ يعقوب أبراهامي الذي ينص :
" أسجل في ما يلي بعض غرائب نظرية الكوانتوم التي "لا يقبلها العقل" والتي ربما هي التي أثارت قلق علي الشوك (وقلق جاسم الزيرجاوي) لأنها تتعارض مع "قونين الديالكتيك" .
التعليق : الغرائب المزعومة لنظريات الكم لا يقبلها إلا مَنْ كان عقله متمسكاً على نحو أعمى بقواعد الحكم على صدق و كذب المقولات الوجودية التي تفرضها على فكرنا الآليات الجامدة للمنطق الشكلي القاصر . و العلم و التجربة يوضحان أن حكم قوانين المنطق الشكلي بكذب قوانين و ظواهر فيزياء الكم التي يسوقها الأستاذ يعقوب إبراهامي هو حكم أجوف لا قيمة له البتة لكون هذه القوانين توضح ظواهر ثابتة بالتجارب العلمية المسجَّلة . و عليه فإن من الواضح أن قوانين نظريات فيزياء الكم لها قواعدها المنطقية الخاصة بها و التي تسمح – على الضد من قواعد المنطق الشكلي - بالجمع بين صفتين متضادتين دون أن تنفي إحداهما الأخرى ( مثلما سنتبين بعدئذٍ ) . و من المعلوم أن التوحيد بين المتضادات في الظواهر هو جوهر المنطق الديالكتيكي ، و لذلك فلا يصح مطلقاً معارضة قوانين الديالكتيك مع قوانين فيزياء الكم . مثل هذا التعارض المزعوم ليس إلا وهماً خرافياً من إصطناع ذهن الأستاذ يعقوب أبراهامي نفسه .
جـ . التساؤلات
يسأل الأستاذ يعقوب إبراهامي :
" هل نحن أحرارٌ في قبول نظرية الكوانتوم أو في رفضها، مهما كانت نتائجها غريبة و"لا يقبلها العقل"، أم إن نظرية الكوانتوم مفروضة علينا، وخيار رفضها غير واردٍ أبداً، ما دام العلم قد أثبت صحتها؟
هل يحق لنا أن نسأل إذا كانت نظرية الكوانتوم تتفق مع "قوانين الديالكتيك" وعلى هذا الأساس نبني موقفنا منها، أم إن العكس هو الصحيح؟ "....
التعليق : إلإكتشافات الجديدة في قوانين فيزياء الكم و في غيرها من القوانين العلمية تفيدنا في تطوير معارفنا عن حقائق طبيعة الأشياء القائمة في الكون حولنا ؛ فإذا ما كنا مهتمين و جادين فعلاً في وعي الحقائق ، فلا مندوحة إذن من تصديق هذه القوانين و إخضاعها للمزيد من البحوث المتخصصة للإكتشاف العلمي التجريبي لعللها و لمنظوماتها و مديات إنطباقها و إمكانات تطويرها . أما إذا كنا غير معنيين بوعي حقائق الكون حولنا ، فنحن بالخيار في البقاء على جهلنا أو في نشدان المعرفة . و من المعلوم أن العلم نور و قوة ؛ و أن الجهل ظلام و ضعف . كما تفيد القوانين العلمية الجديدة في تيسير إستثمارها في تطبيقات تقنية جديدة تُسخَّر لخدمة صراع الإنسان مع كل ما هو حوله ، و ذلك عبر إتاحتها وسائل و مستلزمات و مكائن و أدوات جديدة ذات إستخدامات يومية مفيدة . هذه القوانين و غيرها هي التي جعلت الثورة العلمية التقنية الجديدة في مختلف الميادين أمراً ممكناً ، و هي التي منحت و تمنح الإنسان الأفضليات التي تتيحها تلك التطبيقات الجديدة لهذه العلوم للنمو و التقدم إلى أمام .
و ما دامت هذه القوانين العلمية الجديدة تنسجم مع قوانين الديالكتيك التي زكتها التجربة البشرية بأجمهعا ، لذا فإن السؤال الذي يطرحه الأستاذ يعقوب إبراهامي : " إذا كانت نظرية الكوانتوم تتفق مع "قوانين الديالكتيك" وعلى هذا الأساس نبني موقفنا منها، أم إن العكس هو الصحيح؟ ...." غير وارد هنا مطلقاً لأن كل التجربة البشرية قد بينت و تبين أن قوانين الديالكتيك تتجلى بهذا الشكل أو ذاك في قوانين كل العلوم . و فوق كل هذا ، فإن وظيفة قوانين الديالكتيك ليست هي أبداً أن تحكم – مثل مسطرة المنطق الشكلي الآنفة الذكر – على صحة أو عدم صحة القوانين العلمية ، لماذا ؟ لأن الحكم على صحة أو عدم صحة القوانين العلمية هو وظيفة البحث العلمي التجريبي المفصل و الدقيق و المتواصل في حيثيات هذه القوانين العلمية نفسها ، و ليس هو أبداً وظيفة قوانين الديالكتيك . قوانين الديالكتيك يتم إستكشاف تجلياتها في القوانين الطبيعية و الإجتماعية و الفكرية و لا يجوز مطلقاً فرضها عليها فرضاً تحكمياً من فوق أو من الخارج ، مثلما يوضح إنجلز لنا ذلك بدون لبس و إبهام . "

إنتهى نصي الذي يشرح الفرق بين المنطق الشكلي و المنطق الديالكتي ، و يفضح تلفيقات الأستاذ يعقوب إبراهامي عبر محاولته الفاشلة لضرب الديالكتيك بفيزياء الكم .
و الآن نأتي إلى النص الذي يصطنع منه الأستاذ يعقوب إبراهامي ليس فقط : "تخريف خرافة الديالكتيك" ، بل و كذلك إصطناع : "تخريف إرتكابي للأخطاء في فهم نظرية الكم" ؛ قلت :
" و أخيراً نعرض باختصار لمنطق الكم (quantum logic) ، حيث أوضح تطور نظريات فيزياء الكم خلال القرن المنصرم وجود ظواهر طبيعية لا يمكن وصفها و البرهنة عليها في إطار المنطق الشكلي و الآليات المستندة عليه . فالجسيمات الإبتدائية تتصرف بما يظهر الصفة التي يمكن النص على كونها صحيحة رغم أنها غير صحيحة . مثال : الضوء هو ظاهرة موجية أو جسيمية رغم أن أياُ من هاتين الصفتين لايعرِّف بمفرده طبيعة الضوء على نحو كاف . و نفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص تواجد الجسيم بمكانين في نفس الوقت . و لا بد من التطرق هنا إلى نص ديالكتيكي رائع لإنجلز بهذا الخصوص (مُطور عن هيجل في معرض حله لمفارقة : " زينو الإيلي ") :
Motion is itself a contradiction since simple mechanical movement from place to place can only accomplish itself by a body being at one and the same moment in one place and simultaneously in another place by being in one and the same place and yet not there. And motion is just the continuous establishing and dissolving of the contradiction.
الترجمة :
الحركة نفسها هي تناقضٌ ، لأن الحركة الميكانيكية البسيطة من مكان لآخر لا يمكن أن تتحقق إلا عندما يكون الجسم في نفس اللحظة الواحدة في مكان واحد بالذات و في نفس الوقت في مكان آخر ؛ و تكون في مكان واحد بالذات و لا تكون فيه . فالحركة هي مجرد الأستمرار في تأسيس التناقض و حله ."
إنتهت الترجمة
في الكلام أعلاه تتجلى قوة المنطق الجدلي في التفسير للمتناقضات على نحو تعجز إزاءه مختلف آليات المنطق الكلاسي من قول شيء غير الحكم بعدم صحة ماهو ثابت تجريبياً بصدد تواجد الشيء آنياً في مكانين . و لهذا ، يقول العالِم "بور" (1929) ، إن تجربة فيزياء الكم :
" تفرض علينا تبني أسلوب جديد للوصف يكون تكميلياً بمعنى أن أي تطبيق معيَّن للمفاهيم الكلاسية التي تنفي الإستخدام في نفس الوقت للمفاهيم الكلاسية المضادة الأخرى يكتسب في مجال آخر نفس درجة الضرورة بغية إيضاح طبيعة الظاهرة . " "
إنتهى نصي .

و الآن إلى السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل نصي أعلاه يتصدى لشرح نظرية الكم بالذات فيفشل في ذلك لكي يقفز الأستاذ يعقوب إبراهامي إلى استناجه الذي ينص : "كل الدلائل تشير إلى أنه لم يفهم "نظرية الكوانتوم" (وهو كما ذكرتُ في مقالةٍ سابقة ليس وحيداً في ذلك)" ؟
الجواب : بالطبع لا ، و الدليل على ذلك أنه يفصل في قصور المنطق الشكلي مثلما هو واضح من مندرجاته .
في معرض شرحي لمنطق الكم ، كان من الواجب إعادة إيراد السبب الأساسي للحاجة إلى نمط جديد آخر للمنطق ، هو منطق الكم في هذا السياق ، و المتمثل بقصور المنطق الكلاسي عن تفسير ظواهر فيزياء الكم ، و منها ظاهرتي : الضوء هو ظاهرة موجية أو جسيمية رغم أن أياُ من هاتين الصفتين لايعرِّف بمفرده طبيعة الضوء على نحو كاف ؛ و نفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص تواجد الجسيم بمكانين في نفس الوقت . و كنت قد بينت سابقا أنه : " بحكم هذه الآلية الشكلية الصارمة للمنطق الأرسطي ، فأن كل المقولات التي يسوقها الأستاذ يعقوب إبراهامي – بخصوص التواجد الآني للجسيم المتكمّي في مكانين ؛ قطة شرويدنغر الحبيسة الحية و الميتة في آن واحد ؛ ظاهرة الجسيم-الموجة ؛ اللاحتمية ؛ التحابك ؛ عدم اليقين ؛ تجربة الشقين – هي مقولات كاذبة و ليست صادقة ، رغم إثباتها تجريبياً . فمثلاً ، آليات المنطق الأرسطي تحكم بوجوب أن تكون القط إما : "حية" ، أو "ميتة" ؛ و ليست "حية-ميتة آنياً " ، لأنه يحكم على مقولة : "القطة حية-ميتة آنياً" بكونها مقولة كاذبة متناقضة تتنافى مع قواعد الإستدلال المنطقي السليم وفقاً لقوانين هذا النمط من المنطق . و تفرض أليات هذا المنطق الأرسطي نفس الحكم غير الصحيح بكذب إمكانية تواجد الجسيم آنياً في مكانين مختلفين ، و كذب مقولة الجسيم-الموجة للضوء اللاحتمية ؛ التحابك ؛ عدم اليقين... إلخ . "
واضح أنني أتكلم هنا بصدد قصور المنطق الشكلي في إصدار الحكم الصحيح تجريبياً على ظواهر فيزياء الكم أعلاه ، لكونه يحكم حالاً بكذبها . و لما كانت كل ستراتيجية الأستاذ يعقوب إبراهامي في البرهنة على خرافة الديالكتيك تنبع من محاولة ضرب الديالكتيك (و ليس المنطق الشكلي مثلما يتوجب عليه ) بفيزياء الكم ، لذا ، كان لزاماً تبيان كيف أن المنطق الديالكتي يحل معضلة الحركة الموضعية ، فأستشهدت بإقتباسي من إنجلز القائل :
"الحركة نفسها هي تناقضٌ ، لأن الحركة الميكانيكية البسيطة من مكان لآخر لا يمكن أن تتحقق إلا عندما يكون الجسم في نفس اللحظة الواحدة في مكان واحد بالذات و في نفس الوقت في مكان آخر ؛ و تكون في مكان واحد بالذات و لا تكون فيه . فالحركة هي مجرد الأستمرار في تأسيس التناقض و حله ."
أنتهى نص إنجلز .

الإقتباس أعلاه القصد منه تبيان الفرق بين مقاربة المنطق الديالكتي للحركة كتناقض مستمر زمكانياً ، و بين مقاربة المنطق الشكلي للحركة كانتقال موقعي ؛ و ليس شرح نظرية فيزياء الكم لكي يسمح الأستاذ يعقوب إبراهامي لنفسه أن ينسب لي جزافاً ما هو ليس لي ، و يبارز من جديد طواحين الهواء ليخلص – بلغة مدرسية – لشرح الماء بعد الجهد بالطين عندما يقول :
1". ظاهرة وجود الجزيء الكوانتي في مكانين مختلفين في آنٍ واحد هي ليست حركة ميكانيكية.
2. مفارقة "زينو الإيلي" لا علاقة لها بالظاهرة الكوانتية. ظاهرة وجود الجزيء الكوانتي في مكانين مختلفين في آنٍ واحد هي ظاهرة طبيعية حقيقية وليست "مفارقة".
3. "النص الديالكتيكي الرائع لإنجلز بهذا الخصوص" لا علاقة له أبداً بالظاهرة الكوانتية. أنجلز تكلم عن حركة ميكانيكية من مكانٍ إلى مكانٍ آخر. أنجلز لم يحلم بظاهرة وجود "جسيم" في مكانين مختلفين في آنٍ واحد.
4. مفارقة "زينو الإيلي" لم تجد حلّها في "قوانين الديالكتيك" بل في رياضيات "التفاضل والتكامل" (Calculus) التي اعتمدت "آليات المنطق الكلاسي"."

و باستثناء النقطة الأخيرة ، فإن التلقين الملائي للنقاط من 1-3 هو صحيح ، رغم كونه لا يخص الموضوع الذي أنا بصدده هنا ، ألا وهو قصور المنطق الشكلي و الحاجة للمنطق جديد يأخذ بعين الإعتبار الوقائع الجديدة لفيزياء الكم . و الدليل على ذلك هو أستشهادي في جملة واحدة متصلة بعد نصي هذا مباشرة بقول العالِم "بور" (1929) ، إن تجربة فيزياء الكم :" تفرض علينا تبني أسلوب جديد للوصف يكون تكميلياً بمعنى أن أي تطبيق معيَّن للمفاهيم الكلاسية التي تنفي الإستخدام في نفس الوقت للمفاهيم الكلاسية المضادة الأخرى يكتسب في مجال آخر نفس درجة الضرورة بغية إيضاح طبيعة الظاهرة " و التي تناقش نفس موضوعي الآنف الذكر : قصور آليات المنطق الشكلي و الحاجة لمنطق جديد بديل .

أعود الآن لقول الأستاذ يعقوب إبراهامي في النقطة الذي ينص على أن : " مفارقة "زينو الإيلي" لم تجد حلّها في "قوانين الديالكتيك" بل في رياضيات "التفاضل والتكامل" (Calculus) التي اعتمدت "آليات المنطق الكلاسي"." ، و أؤكد للقراء أنها – هي الأخرى – خرافة أخرى من خرافات الأستاذ يعقوب أبراهامي ، هذه المرة : خرافة مزدوجة . و لكون الموضوع طويل ، و لذيذ ، و يحتاج مجالاً غير متاح في هذه الورقة ، سأكتفي بنقل النص الموجز جداً جداُ التالي ( لعام 1996) و الذي يؤكد فشل كل الحلول الرياضية لمفارقات زينو الإيلي ( و منها تلك الخاصة بالحركة و التي لم يحلها فلسفياً أي أحد غير العظيم هيجل ) و التي مضى عليها أكثر من 2500 سنة (و ذلك بالضبط عكس الزعم الخرافي للأستاذ يعقوب إبراهامي الآنف الذكر) ، على أمل التفصيل في مختلف الحلول الفلسفية و الرياضية الفاشلة لها ( بعضها لا يحك حتى ظهر زينو ) في وقت لاحق :
WHY MATHEMATICAL SOLUTIONS OF ZENO’s PARADOXES MISS THE POINT: ZENO’s ONE AND MANY RELATION AND PARMENIDES’ PROHIBITION.
ALBA PAPA-GRIMALDI
MATHEMATICAL RESOLUTIONS OF ZENO’s PARADOXES of motion have been offered on a regular basis since the paradoxes were first formulated. In this paper I will argue that such mathematical “solutions” miss, and always will miss, the point of Zeno’s arguments. I do not think that any mathematical solution can provide the much sought after answers to any of the paradoxes of Zeno. In fact all mathematical attempts to resolve these paradoxes share a common feature, a feature that makes them consistently miss the fundamental point which is Zeno’s concern for the one-many relation,´-or-it would be better to say, lack of relation.
الترجمة
لماذا تخطيء الحلول الرياضية لمفارقات زينو هدفها : علاقة زينو المفردة و التعددية و حظر بارمنيدس
ألبا بابا-غريمالدي
قُدِّمت الحلول الرياضية لمفارقات زينو الحركية على نحو منتظم منذ الصياغة الأولى لتلك المفارقات . و سأحاجج في هذه الورقة بأن مثل هذه "الحلول" الرياضية تخطيء و ستستمر في إرتكاب الخطأ في إدراك النقطة الأساسية من محاججات زينو . و لا أعتقد أن أي حل رياضي يمكن أن يقدم الأجوبة المطلوبة تماماُ على أي من مفارقات زينو . و في الحقيقة ، فإن كل المحاولات الرياضية لحل هذه المفارقات تشترك بميزة عامة ، و هي الميزة هي التي تجعل تلك الحلول تستمر في عدم إدراك النقطة الأساسية و المتمثلة باهتمام زينو بالعلاقة المفردة- المتعددة ، أو من أفضل القول : غياب العلاقة .
إنتهت الترجمة .
حتى في الرياضيات ، يا بروتس ؟

3 . الإكتشافات الخرافية الجديدة - القديمة ليعقوب إبراهامي بخصوص قوانين الديالكتيك
فيما يلي فقرات الخاتمة التي ينهي بها الأستاذ يعقوب إبراهامي خرافاتة . و سأعلق على كل منها مباشرة في ما يليها :
إبراهامي :
إن موقفي في موضوع "قوانين الديالكتيك" يتلخص بما يلي:
لا يمكن إطلاق اسم "القانون الطبيعي" أو "القانون العلمي" على ما يُدعى "قوانين الديالكتيك". أمثلة محدودة العدد لظاهرة طبيعية لا تحول الظاهرة إلى قانونٍ علمي له قوة القانون الطبيعي. تعريف أنجلز ل-"قوانين الديالكتيك" بأنها القوانين العامة للحركة في الطبيعة، في التاريخ البشري وفي الفكر الإنساني ليس له ما يسنده في كل ما يتعلق بالطبيعة على الأقل.
التعليق :
على حد علمي ، لا يوجد هناك أي متخصص في الديالكتيك يطلق إسم " القانون الطبيعي " على قوانين الديالكتيك لكي ينفي إبراهامي صحة هذه الإمكانية أولاً ، و من ثم ليتخذ من هذا النفي حجة مزعومة منه ضد الديالكتيك فينعته بـ " الخرافة " . الديالكتيك ليس من أصناف " العلوم الطبيعية " لكي نطلق على قوانينه إسم " القانون الطبيعي " ، مثلما يزيف إبراهامي . لا ماركس و لا إنجلز قال يوماً بهذا ؛ و إبراهامي يعلم علم اليقين هذه الحقيقة ، و لكنه يحب الدس – بأي ثمن – على قوانين الديالكتيك عبر لصقه عنوان " القانون الطبيعي " زوراً و بهتاناً بها لأمر في نفسه . قوانين الديالكتيك هي القوانين العامة لـ "الترابطات " التي تخص حصراً " سيرورة التطور " عبر الزمن فقط ؛ و هي تسمى " قوانين الديالكتيك " الخاصة بعلم المنطق الجدلي . أما قوانين الطبيعة ، فهي تختص بشيء مختلف تماماً أسمه : " العلوم الطبيعية " ، و هي علوم : الأحياء و الكيمياء و الفيزياء و علم الأرض و تفرعاتها . و لكون قوانين الديالكتيك مطلقة العمومية ، فإنها "تنطبق" على قوانين الطبيعة و المجتمع و الفكر ؛ و لكنها ليست أبداً قوانين طبيعية ، و إلا لما انطبقت على الفكر ( إذا ما اعتبرنا الطبيعة و المجتمع كلاً واحداً ) . يقول إنجلز – في جدليات الطبيعة – ما نصه : "قوانين الديالكتيك تُستنبط من تاريخ الطبيعة و المجتمع البشري . لأنها ليست أكثر من كونها أعم القوانين لهذين الوجهين من التطور التاريخي ، علاوة على الفكر نفسه . و هي في الواقع يمكن اختزالها أساسياً إلى ثلاثة قوانين : قانون تحول الكمية إلى نوعية و بالعكس ؛ قانون تداخل المتضادات ؛ و قانون نفي النفي ."
أما الأمثلة على إنطباق القوانين الثلاثة أعلاه على الظواهر الطبيعية و الإجتماعية و الفكرية فهي – عكس زعم إبراهامي - لا تعد و لا تحصى أبداً ، و لهذا فهي تكتسب صفة القوانين العامة لتاريخ الطبيعة و المجتمع و الفكر بامتياز عال . و لا ينكر هذه القوانين إلا من لا يستطيع رؤية الحقائق الناصعة ؛ أو معاد للماركسية .
إبراهامي :
الطبيعة الخالية من الوعي ليست ديالكتيكية. الإنسان الواعي هو وحده الذي يستطيع أن يفكر بصورة ديالكتيكية. لا وجود للديالكتيك بمعزلٍ عن الإنسان المفكر (بالضبط كما أنه لا وجود للمنطق الشكلي (Formal Logic)، إذا أردنا أن نسير على خطى حسين علوان حسين، بمعزلٍ عن الإنسان المفكر).
التعليق :
الأنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة ، و قوانين الديالكتيك قوانين مادية موضوعية تتجلى في كل الظواهر و الكينونات الطبيعية و الإجتماعية و الفكرية لكونها تعمل بشكل مستقل عن وعي الإنسان (بالضبط كما أنه لا وجود للوعي إذا ما أردنا ان نسير على خطى يعقوب إبراهامي ، بمعزل عن العقل ) .
إبراهامي :
اهتمام الماركسية الوحيد هو بالإنسان والتاريخ البشري وليس بالطبيعة. كارل ماركس لم ير في الديالكتيك عملية كونية تعمل في النجوم وفي الفضاء الخارجي، في أعماق الذرة وفي الطبقات الجيولوجية في باطن الأرض، في الفيزياء، في الكيمياء وفي البيولوجيا. كارل ماركس لم ير إمكانية وجود "ديالكتيك طبيعة" بمعزل عن الإنسان. أو على الأقل ليس هناك أثرٌ لهذه الفكرة في كتاباته.
التعليق :
لا يمكن أبداً الإهتمام الحقيقي بالإنسان و بالتاريخ البشري بمعزل عن الطبيعة باعتباها المسرح الذي يحيا فيه الإنسان و يتطور فيه التاريخ و يؤثر و يتأثر كل منهم بالآخر . أما قول الأستاذ يعقوب إبراهامي بأن ماركس لم ير إمكانية وجود ديالكتيك الطبيعة بمعزل عن الإنسان فهي فرية جديدة على ماركس لا تليق بإبراهامي لأن ماركس – قطعاً – رأى رؤية اليقين و كتب كتابة التبيين بأن ديالكتيك الطبيعة موجود حتماً بمعزل عن الإنسان . يقول ماركس أن : "العالم الواقعي هو ليس إلا العالم المادي المنعكس بواسطة العقل البشري ، و المترجَم في أشكال للفكر . " و إذا كان يوجد شيء يميز القانون العلمي عما عداه فهو بالضبط إشتغال القانون في حقله الخاص بمعزل عن وعي الإنسان . وعي هذه الحقيقة الأولية البسيطة معروف ، خصوصاً عند أصحاب الفكر المادي ، ناهيك عن مؤسسي المادية الديالكتيكية : ماركس و إنجلز .
(للمزيد في هذا الموضوع : ينظر تعليقي ما بعد اللاحق ، لطفاً .)
إبراهامي :
الماركسية ليست نظرية عن نشأة الكون وتطوره بل عن نشأة الرأسمالية وتطورها.
التعليق :
لم و لن و لا يزعم أحد من المتخصصين أن الماركسية هي "نظرية نشأة الكون وتطوره" لكي نتبرع مجاناُ للتصدي لمثل هذا الزعم المضحك المبكي ، مثل كل خرافات إبراهيمي الأخرى و مبارزاته الدونكيشوطية لطواحين الهواء . من يفهم في الماركسية يدرك أنها النظرية العلمية الوحيدة التي تتيح للبشر ، و بواسطة البشر ، الإنعتاق من كل ظلم و إستغلال و تحقيق ذوات كل إنسان كحزمة من المواهب التي يحب إتاحة كل الشروط المحققة و المرقّية لها ؛ و ليس كحزمة من الشهوات الناسفة لحقوق الآخرين و التي تتطلب سحق كل عائق أمام إشباعها .
إبراهامي :
مهما يكن تعريفنا ل-"القانون الطبيعي" واسعاً فإن "القانون الطبيعي" هو في نهاية الأمر تعميم (Gneralization) (كذا) أو تجريدٌ (Abstraction) لظواهر طبيعية قائمة. القانون ليس سرداً لهذه الظواهر الطبيعية بل تعميماً لها. القانون العلمي "يتنبأ" بما سيحدث إذا توفرت الشروط التي يتحدث عنها القانون، وعندما تُخالف النتائج على أرض الواقع ما "يتنبأ" به القانون يفقد القانون صفة القانون العلمي ويُستبدل بقانون آخر. ليس هذا هو الحال مع "قوانين" الديالكتيك الثلاثة التي شرحها أنجلز في "ديالكتيك الطبيعة" وفي "انتي دوهرينغ". حتى من ناحية تاريخ نشوء الأفكار ليست "قوانين" الديالكتيك الثلاثة منشؤها بتعميم الحركة الحقيقية في الطبيعة.
تُنسب هذه "القوانين" الثلاثة إلى الفيلسوف الألماني هيغل الذي عاش وعمل قبل ما يقارب المائتي عام. المشكلة في هيغل هي أنه، إضافة إلى صعوبة فهمه، وضع فلسفته، لسوء الحظ، على رأسها إلى أن جاء كارل ماركس وأوقفها على قدميها. كيف يمكن إيقاف مدرسةٍ فلسفية كاملة على قدميها بعد أن اعتادت الوقوف على رأسها - هذا الأمر لم يتضح أبداً، ولا زال موضع خلافٍ بين الباحثين. هناك من يعتقد (وأنا أميل إلى هذا الإعتقاد) إن هذا أمرٌ مستحيل وإن "الديالكتيك" لا يمكن أن يقف على قدميه أبداً بل إنه وُلِد لكي يقف على رأسه. (أو بعبارة إخرى لمن لم يفهم حتى الآن ما أرمي إليه: إن تعبير "المادية الديالكتيكية" هو تعبير خاطئ. جدير بالذكر هنا إن كارل ماركس لم يستخدم هذا التعبير). على كل حال بعد أن أوقف كارل ماركس "الديالكتيك" على قدميه (بهذه الطريقة أو تلك) جاء فريدريك أنجلز (الذي لم يكن فيلسوفاً محترِفاً) وأخذ من فلسفة هيغل مفاهيم فلسفية تكتسب معناها الخاص في نطاق الفلسفة الهيغلية المثالية فقط وليس خارجها (تناقض، كم وكيف، نقض النقيض)، أنزل هذه المفاهيم من عالم الأفكار الهيغلي وفرضها على عالم المادة في الطبيعة الخالية من الوعي. أي إن عملية ولادة "قوانين" أنجلز الديالكتيكية الثلاثة كانت منذ البداية عملية غير طبيعية: لا تعميم لظواهر طبيعية بل فرض تأملات فلسفية على الطبيعة . ليس هناك "قوانين" ديالكتيكية مغروسة في الطبيعة. إذا كانت هناك قوانين ديالكتيكية مغروسة في الطبيعة فأنها يجب أن تكون مكتوبة في كتب الفيزياء ويجب أن تُدرَّس في المدارس في دروس الفيزياء. كتب الفيزياء (والكيمياء والبيولوجيا وكل العلوم الطبيعية) هو المكان الوحيد الذي تُسجل فيه القوانين الطبيعية.
التعليق :
تعريف إبراهامي أعلاه للقانون يخص قوانين العلوم الطبيعية ، و ليس قوانين الديالكتيك ، التي هي من نمط آخر مختلف تماماً عنها مثلما سبق و أن تم تبانه بالتفصيل في هذه السلسلة . و لا يجوز علمياً فرض مفاهيم قوانين العلوم الطبيعية الخاصة على قوانين المنطق الديالكتي العامة للإختلاف الجوهري في طبيعة نمطيهما و في مديات إشتغال كل مجموعة منهما . و بالتالي فإن كل اللغو الإبراهامي المبني على مثل هذا الفرض القسري هو مجرد خرافات لا تليق بمن يحترم العلوم و يدرك الفروقات بينها .
و لا أحد يجرؤ على نسب قوانين الديالكيتك الثلاثة لهيجل ، إلا من كان جاهلاً بأبسط وقائع تاريخ تطور الفلسفة و علم المنطق ممن هم على شاكلة يعقوب إبراهامي و شركاه . قانون وحدة و صراع الأضداد يعود للفيلسوف الأيوني : "هيراقليطس الأفسسي " ؛ و قانون تحول التراكمات الكمية إلى تغيرات نوعية يعود أصلاً للفيلسوف الأيوني : أناكسيمينس ، أوصله إلينا أرسطو . فقط قانون نفي النفي يعود لهيجل . أي أن عملية ولادة هذه القوانين مجتمعة قد إستغرقت أكثر من ألفين و خمسمائة سنة ، و بالتالي لا توجد "ولادة " أكثر طبيعية منها يمكن أن يشهدها التاريخ ، بالضبط على عكس زعم إبراهامي .
و بخصوص قلب الديالكتيك الهيجلي لكي يستطيع أن يقف على ساقيه ، يقول ماركس (الأقواس [ ] مني ) :
" إن طريقتي الديالكتيكية ليست فقط مختلفة عن الطريقة الهيجلية ، بل هي النقيض المباشر لها . بالنسبة لهيجل ، فإن سيرورة الحياة للعقل البشري ، أي عملية التفكير – و التي ، بإسم "الفكرة " ، يحولها حتى إلى ذات مستقلة – هي "الذات الخالقة" للعالم الواقعي ، و أن العالم الواقعي ليس إلا الشكل الخارجي الظاهري لـ "الفكرة" . أما بالنسبة لي ، على العكس ، فإن العالم الواقعي هو ليس إلا العالم المادي المنعكس بواسطة العقل البشري ، و المترجَم في أشكال للفكر .
لقد انتقدت الجانب الملغز للديالكتيك الهيجلي قبل ثلاثين سنة مضت تقريباً ، يوم كان ما يزال هو الزي الشائع . و لكنني ، و خلال إشتغالي بالجزء الأول من "رأس المال" ، تبين أن من دواعي السرور المفرط لورثته ، المناكدين و المتغطرسين و العاديين ( الورثة المقلدون – بيشنر ، دوهرنغ ، و غيرهما ) ممن يتكلمون عالياً الآن في أوساط المثقفين الألمان ، أن يعاملوا هيجل بنفس الطريقة التي عومل بها "سبينوزا" من طرف الشجاع "موسى مندلسون" في عصر "ليسنغ" ، أي مثل "كلب فاطس" . لذا ، فقد أعلنت نفسي صراحة بأنني التلميذ لذلك المفكر الجبّار ، حتى أنني هنا و هناك ، في الفصل الخاص بنظرية القيمة ، قد داعبت أساليب التعبير المميزة عنده . إن التلغيز الذي يعاني منه الديالكتيك على يدي هيجل لا يمنعه أبداً من أن يكون أول من يعرض الشكل العام لإشتغاله بطريقة شاملة واعية . بالنسبة له ، فهو يقف على رأسه [ لكون مصدره هو العقل البشري ] . لذا يجب قلب رأسه للأعلى (ليقف على ساقيه فوق الأرض) مرة أخرى [ أي على مصدره الحقيقي : العالم الواقعي ] ، إذا ما أردت إكتشاف النواة العقلانية داخل القوقعة المُلغزة .
بشكله المُلغز ، أصبح الديالكتيك هو الزي الشائع في ألمانيا ، لأنه بدا يضيف الهيبة و المجد على الوضع القائم للأشياء . أما بشكله العقلاني ، فقد كان الفضيحة و الشيء المقيت لحكم البرجوازية و أساتذة الجامعات الفارغين ، لأنه يتضمن في إستيعابه و وعيه الإيجابي للوضع القائم للأشياء ، في نفس الوقت أيضاً ، وعيَ النفي لذلك الوضع ، وعي تفككه الحتمي ، لأنه يعتبر أن كل شكل إجتماعي تاريخي متطور هو في حركة سيّالة ، و لذلك فإنه يأخذ بعين الإعتبار الطبيعة الإنتقالية لذلك الشكل ، ليس بأقل من أخذه بعين الإعتبار وجوده السريع ؛ لأنه لا يسمح لأي شيء أن يُفرضَ عليه ، و لأنه في جوهره نقدي و ثوري . إن التناقضات المتأصلة في حركة المجتمع الرأسمالي تفرض نفسها على البرجوازي العملي بأوضح ما يكون في التغيرات الحاصلة للدائرة الدورية ، التي تمر بها الصناعة الحديثة ، و نقطة القمة فيها هي الأزمة الكونية . هذه الأزمة تقترب مرة أخرى ، و إن كانت حتى الآن في مرحلتها التمهيدية ؛ و بفعل كونية مسرحها ، و شدة فعلها فسوف تقرع طبول الديالكتيك حتى في رؤوس الطفيليين حديثي النعمة للإمبراطورية البروسية-الألمانية المقدسة الجديدة . "
إنتهى نص ماركس ("الخاتمة" التي كتبها ماركس عام 1873 للطبعة الألمانية الثانية لـ "رأس المال" ) .

يبين نص ماركس أعلاه أن هيجل إعتبر قوانين الديالكتيك هي قوانين مصدرها الفكر المجرد و التي تنطبق على الطبيعة و التاريخ (أي : المثالية التي تقول بأولوية الفكر على الوجود) ، فتحولت على يد ماركس إلى قوانين حقيقية للتطور في الطبيعة و التاريخ إكتشفها عقل الإنسان (أي : المادية التي تقول بأولوية الوجود على الفكر) . و هذه القوانين موضوعية تشتغل بمعزل عن الوعي ، و لهذا فهي لا يمكن و لا يجوز فرضها بأي حال من الأحوال على أي شيء أبداً ، مثلما لا يمكن فرض أي شيء عليها . هذه القوانين هي أعم القوانين لكل الحركة في الطبيعة و المجتمع و الفكر ؛ و لكونها قوى فاعلة في كل الحركة للأشياء المادية ، و كانت كل المادة هي حركية (لا يوجد شيء إسمه مادة "جامدة" بدون حركة ، لأن الحركة هي شكل وجود كل مادة ) ، لذا فهي تتجلى في حركة كل مادة ، حية كانت أم غير حية ، و لهذا السبب نجدها متجلية بهذا الشكل أو ذاك في العلوم الطبيعية و في تاريخ البشر و الفكر . و لا يوجد الآن قسم جامعي واحد معتبر في العالم لمادة الفلسفة و المنطق لا يدرس قوانين الديالكتيك . أما إذا لم تدرس تلك الأقسام هذه القوانين – و في ذلك إفقار للقسم و ليس لقوانين الديالكتيك – فالفضل في ذلك يعود إلى التأثيرات المغرضة و السيئة لأساطين تكريس الفكر الرجعي في جامعات أمريكا و أوربا و غيرها ، و من لف لفهم .
و لا يمكن ضرب ماركس برفيقه إنجلز بأي شكل من الأشكال بغية الخلوص إلى خرافات من النوع الإبراهيمي أو الوقواقي . الخرافة تكمن بالضبط في محاولة ضرب ماركس بإنجلز ؛ أو إنجلز بماركس . بعد تعارفهما ، حرص كلٌ منهما إلى عرض كل كتاباته على الآخر ليطورانها معاً خطوة خطوة . إنجلز ليس أقل علمية من ماركس ، و لا ماركس أقل من إنجلز ، قدر تعلق الأمر بالفكر الماركسي ككل . و لا توجد ماركسية بدون ماركس و إنجلز مجتمعين ؛ أي أنه اذا كانت لا توجد ماركسية بدون ماركس فإنها غير موجودة بنفس الدرجة بدون إنجلز ، على الأقل لأن إنجلز هو الذي لفت نظر ماركس إلى الدور الثوري التاريخي للطبقة العاملة ، ليتقاسما بعدها تكريس حياتهما معاً للبصيرة العلمية-الثورية . و لقد بلغت ثقة ماركس بعبقرية و رجحان عقل رفيق عمره إنجلز (يسميه ماركس تحبباً : amigo) حد إمتناع ماركس نفسه – حتى في أمور حياته العائلية و ليست الفكرية فقط – عن إتخاذ أي قرار مهم دون التشاور مسبقاً مع إنجلز و استحصال موافقته (زواج إبنته مثلاً) . و بلغ التماهي الفكري و الإجتماعي بينهما درجة نادرة من السمو و التكريس المتبادل و الذي لم يعرف له تاريخ الفكر و الإنسانية مثيلاً قط ، و أصبحت مثلاُ يحتذى لكل البشر عموماً و للماركسيين خصوصاً في الأفضليات النوعية للتعاون المثمر بين الرفاق و الذي يصل حد نسب أحدهما لنفسه حتى نفس عبارات الآخر ( "الثامن عشر من برومير" ، مثلاً ) . و بقدر تعلق الأمر بنكران الذات في علاقات الرفقة و حقوق الملكية المادية و الفكرية ، فإن إنجلز لا يضاهيه أحد في هذا المضمار طوال تاريخ الفكر العالمي قاطبة و الإنسانية جمعاء (مثال : ترك إنجلز كل ثروته لعائلة صديقه ماركس وفاء له بعد مماته لأنه إعتبرها هي عائلته الحقيقية) . كلاهما عبقري من الطراز الأول في الفلسفة و العلوم ، و كلاهما إنسان راق و رفيق درب و فكر مخلص من الطراز الفريد .
عيب عليك يا إبراهامي – و أنت المناضل الشيوعي المخضرم – أن تحكم - مثل البطران من قممه العالية - على العظيم إنجلز بأنه لم يكن فيلسوفاً محترفاً . لا معنى لصفة "الإحتراف" لا في الفلسفة و لا في كل العلوم . قولك هذا يسيء إليك أنت بالذات ، و يسيء لتاريخك ، و لا يمس إنجلز قيد شعرة ؛ و هو أبعد ما يكون عن الإنصاف للحقائق التاريخية و العلمية . أعطني إسم فيلسوف "محترف" واحد من القرن التاسع عشر كتب أفضل من إنجلز في نفس موضوع : "أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة " ، أو موضوع : "دور العمل في تحول القرد إلى إنسان" ، أو موضوع : "حالة الطبقة العاملة في إنكلترا" أو ، و قبل كل هذا ، موضوع : "ثورة الفلاحين في ألمانيا" .
إبراهامي :
الديالكتيك هو طريقة في التفكير والبحث والتحليل. كل ما عدا ذلك هو إمّا ثرثرة ("الديالكتيك هو الوجود")، أو ضحالة فكرية ("الديالكتيك هو الحقيقة المطلقة")، أو ملجأ لمن يفتقر إلى الحجة المقنعة (ماذا قصد لينين عندما كتب في وصيته إن بوخارين لا يفهم الديالكتيك؟ ماذا أراد من بوخارين أن يفعل؟ أن يجلس ويحفظ عن ظهر قلب "قوانين" الديالكتيك الثلاثة؟)، أو شعوذة (ليسنكو)، أو غطاءٌ يختفي تحته جدبٌ فكريٌ وإفلاسٌ سياسي ("مبادئ الديالكتيك تتناقض مع العقيدة الصهيونية")، أو ستار للتغطية على أخطاءٍ وأفعالٍ منكرة ("أنت لا تفكر بطريقة ديالكتيكية، يا رفيق!") أو أداة لقمع كل معارضة والفتك بخصومٍ فكريين (ستالين وماو).
التعليق :
للديالكتيك وجهان : فهو منهج للبحث العلمي ؛ و هو في نفس الوقت قوة فاعلة المفعول في حركية كل ظاهرة مادية أو فكرية . و لذلك فأن العديد من العلماء - ممن يرفضون الديالكتيك أو لا يهتمون به أو لم يسمعوا بها – قد يحبذون – عند إكتشاف قوانينهم الجديدة في خضم سيرورة التطور المضطرد للعلوم الطبيعية و الإجتماعية – الإكتفاء بتجاهله و نسب تجلياته إلى القوانين العلمية المكتشفة نفسها ، و ليس إلى الديالكتيك . و تاريخ تطور هذه العلوم زاخر بالأمثلة على ذلك ، و هم أحرار في ذلك .
و من العيب الأدبي و العلمي تحويل هيجل و ماركس ( مثلما يفعل الكذاب المغرض بوبر ) أو إنجلز ( مثلما يفعل من لا أجد داعياً لذكر أسمائهم و الوصف اللائق بهم هنا ) إلى كبش فداء لجرائم غيرهم من المتمسحين بهم بعد وفاتهم بعشرات السنين . لا تزر وازرة وزر أخرى .
و بقدر تعلق الموضوع ببوخارين و لينين ، فالمسألة لا تتعدى التقييم الشخصي من طرف لينين في وصيته لمدى ديالكتيكية بوخارين بجملة واحدة فقط (لينين لم يدمغ قوانين الديالكتيك بالخرافة) ، و قد كان لينين محقاً في ذلك (في حين أن صاحب الخرافة غير محق) . و لمّا كان الموضوع لا يتعدى مطلقاً مجرد التعبير عن الرأي – و لكل إنسان الحق في ذلك ، بله الرفاق في حزب واحد – و ليس فيه أذى للمقابل ، فمن العيب على إبراهامي التقمم هنا على إصطناع بذور الشك في تضاعيف جمله الشرطية الفارغة ؛ خصوصاً لأن تقييم لينين لبوخارين هو أشهر من أن يتحول إلى شريط بوليسي ممطوط ليملأ بالألغاز . و يحفظ التاريخ للينين إهتمامة ليس فقط برفاق اليوم ، بل و كذلك حتى برفاق الأمس ممن إنقلبوا على سلطة البلاشفة أنفسهم بعدئذٍ بقيادته نفسه . خذ مثلاً طريقة تعامله مع مارتوف : دعاه لينين إلى الكرملين ، و زوده بنفسه بجواز سفر مزور ، و نصحه بالسفر للحفاظ على حياته .
إبراهامي :
بدل أن يرى في الديالكتيك طريقة في التفكير والبحث والتحليل (طريقتي في التحليل هي الطريقة الديالكتيكية – كارل ماركس) يفضل حسين علوان حسين الحديث عن "المنطق الديالكتي" مقابل "المنطق الشكلي". لا بأس في ذلك لو أن حسين علوان شرح لنا بالتفصيل ما هي مبادئ هذا "المنطق الديالكتي"، ما هي حدود عمله وأين يجب أن نفضل "المنطق الديالكتي" على المنطق الشكلي. لا أحدٌ يعرف ما هو هذا "المنطق الديالكتي" الذي يتحدث عنه حسين علوان حسين. كل الدلائل تشير إلى أن "المنطق الديالكتي" في رؤية حسين علوان حسين هو إسمٌ آخر ل-"قوانين الديالكتيك" سيئة الصيت."
التعليق :
بدون تعليق !

بابل ، 13/1/014



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية الطَّبْر و الهَبْر
- الفتى صالح و السبحة الكهرب
- عودة إلى خرافات يعقوب إبراهامي بشأن قوانين الديالكتيك /1
- الحمار و عبد الكريم
- قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 7 - الأخيرة
- قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 6
- قوانين الديالكتيك و تخريفات أبراهامي بصدد عدم وجود الصراع دا ...
- قوانين الديالكتيك و تخريفات أبراهامي بصدد عدم وجود الصراع دا ...
- ألحمار المناضل
- طبيعة قوانين الديالكتيك و طريقة إستنباطها و فحصها و علاقتها ...
- قصة البغل المتهوِّر
- قصة العيد
- رفسة إسطنبول
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...
- نَجْلاء
- الخِطّة الأمنيّة العبقريّة
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 7 الأخيرة
- مهرجان الصماخات
- تطور الشعر الإنگليزي 1920 - 1950 / 6


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علوان حسين - عودة إلى خرافات يعقوب إبراهامي بشأن قوانين الديالكتيك / 2 و الأخيرة