أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني - تجربة في ظل الاشتراكية الحية... بلغاريا آنذاك والآن















المزيد.....



تجربة في ظل الاشتراكية الحية... بلغاريا آنذاك والآن


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني

الحوار المتمدن-العدد: 4333 - 2014 / 1 / 13 - 13:57
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


"المنافيست الشيوعي يقرأ الان وكأنه كتب منذ أسابيع قليلة فقط... ان تجربة اوروبا الشرقية والعالم الثالث تظهر الحاجة الاساسية ليسار منقذ على الصعيد العالمي، وكبديل حقيقي وحيد لاشكال متعددة ومختلفة من الهمجية والتخلف".
في هذه المرحلة الحاسمة والحرجة، ومع الاخذ في الاعتبار الالحاحية الشديدة للزمن الحاضر، فقد حان الوقت بالنسبة لليسار ان يعطي اهتماماً متجدداً للتجربة الاشتراكية في اوروبا الشرقية. اننا بحاجة لاعادة استكشاف متعمقة عبر اليسار الراديكالي في امريكا الشمالية واوروبا، وأي مكان آخر لما كان تقدمياً وناجحاً في الاقتصادات "الاشتراكية الواقعية " السابقة في اوروبا الشرقية – بخاصة الدول الاشتراكية الاصغر حجماً مثل بلغاريا – جنباً الى جنب مع نقاط ضعفها واخطائها وتناقضاتها ومشكلاتها التي لا تعد ولا تحصى التي نشأت من خلال الاثر الباقي والدائم للحرب الباردة. وقد تحولت البلدان الاشتراكية، والى حد بعيد الى "ميدان اختبار" لشكل عدواني متطرف من التوجيه الاجتماعي النيوليبرالي، وهي محاولة تفرض التغيير في النموذج الاشتراكي بالقوة". "اننا نرى تحولاً صارخاً في النماذج السياسية والاقتصادية على ايدي صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي والشرائح البورجوازية الكومبرادورية محدثي النعمة وحلقة من حكومات القلة التي تهيمن عليها جماعات صغيرة همها تحقيق المنافع الذاتية – التي حولت عالم ما بعد الاشتراكية الى تكية او ملجأ اجتماعي واسع.
وقد حاول الباحثون ان يبرهنوا على ان التسونامي الاستعماري الجديد في اعقاب الحرب الباردة قد جلب الى اوربا الشرقية اشكالاً جديدة متطرفة من النيوليبرالية، وتمخض عن نتائج مدمرة بالنسبة للتعليم والرعاية الاجتماعية. ان سخرية تاريخ البرجوازية، او ربما براعتها في خداع وتضليل الناس حسب الحس الكلاسيكي لهيغل – ان الانجازات الرئيسة في ظل الاشتراكيات "القائمة بحق" في القرن العشرين كانت ما يناضل من اجله الناس في كل مكان في ظل النظام الرأسمالي التقشفي في الوقت الحاضر.
ان ما اعتبره الفرضية الاساسية هو : ان قصص الناس العاديين الذين نموا وكبروا في ظل النظام الاشتراكي ويعملون ويعيشون الان في مرحلة ما بعد المجتمعات الاشتراكية في متاهات الانحلال والضياع (انهيار واسع الانتشار في النظام الاجتماعي) والفقر المدقع والخطير، الذي سحق كرامتهم، بحاجة الى تجميع هذه القصص ومناقشتها ونشرها على نطاق واسع. وسيوفر هذا سجلاً لتجربة وذكرى موثوق بها كما الواقع نفسه. مثل هكذا قصص يمكنها في آخر الامر ان تشحذ رؤانا وبصائرنا حيال "الاشتراكية الديمقراطية" في القرن الواحد والعشرين. مثل هذا المشروع يجب ان يوجه باتجاه التاريخ المروي والتحقيق البيوغرافي "المتعلق بسِير الاشخاص"، واستكشاف ماهية الحياة الواقعية والفعلية في تلك البلدان الاشتراكية كما رآها الناس العاديون الذين يعيشون الان في فوضى عودة الرأسمالية.
لقد جرى القول بأن احياء واستعادة اقتصادات السوق والديمقراطية البرجوازية عبر اوروبا الشرقية، الى جانب الالغاء الشامل لجماعية الزراعة وخصخصة الصناعة، أدت الى تدمير الكرامة الانسانية وضرب مكتسبات الرعاية الاجتماعية "الاشتراكية الحقيقية" التي تحققت على مدى عقود عديدة . ان الاستعمار الاقتصادي والأيديولوجي في الغرب اشتد وصار اكثر قسوة بالنسبة للأغلبية الساحقة من الاسر العاملة وعلى نطاق واسع . وقد علق احد الكتاب قائلاً :" لقد كان الغاء النظام الاشتراكي، وباختصار، كارثة، وخداعاً واحتيالاً كبيراً، ولم يقدم شيئاً مما وعد به، واحدث ضرراً لا يمكن اصلاحه... اصوات لا تعد ولا تحصى في روسيا ورومانيا والمانيا الشرقية وبلدان اخرى تتفجع على ما سرق منهم ومن الانسانية ككل، ولسان حالها يقول "لقد عشنا حياة افضل في ظل الشيوعية لدينا وظائفنا، ولدينا الأمن والأمان".
بلغاريا – أيقونة ما بعد الانهيار الاشتراكي
في الوقت الحاضر، في عام 2013، يعيش الاقتصاد البلغاري في انكماش شديد تحت "مداواة الصدمة"للنظام الرأسمالي النيوليبرالي. وبلغاريا هي الدولة الادنى دخلاً من الدول التي كانت اشتراكية، والاعلى في مستويات الهجرة الاقتصادية الى اوروبا، عاكسة "السباق نحو القاع" للنظام الرأسمالي في دول الاتحاد الاوروبي. وكما لاحظ احد الكتاب عام 2009: "الرأسمالية فشلت في رفع مستويات المعيشة، وفرض حكم القانون، والتخفيف من حدة الفساد والمحسوبية المتناميان، مما فتح الطريق للذكريات العزيزة للأوقات التي كان فيها معدل البطالة صفراً، وكان الطعام رخيصاً، ودرجة الامان الاجتماعي كانت عالية". ان الكثير من البلغار قد ولدوا في سبعينيات القرن الماضي وقبل ان يروا الفترة الاشتراكية "كعصر ذهبي" مقارنة بالوقت الحاضر. وهناك طرفة بلغارية متداولة على المستوى الشعبي حول الامرأة التي تستيقظ من نومها وتركض في بيتها في حالة من الهلع الليلي وهي تنظر في خزانة الأدوية والثلاجة، وبعد ذلك تنظر من النافذة الى الشارع، ثم هدأت وتعود بعد ذلك الى غرفة نومها. وهنا يسألها زوجها، "ماذا جرى لكِ؟" تقول المرأة "لقد عشت كابوساً مرعباً" وتضيف "لقد حلمت اننا ما زلنا قادرين على شراء الدواء وان ثلاجتنا مملوءة تماماً، وان الشوارع كانت سليمة ونظيفة". وهنا يسألها الزوج "كيف تعتبرين هذا كابوساً" وتهز المرأة رأسها وتقول "اعتقدت بأن الشيوعيين قد عادوا الى السلطة".
ان شريحة كبيرة من السكان البلغار الذين تزيد اعمارهم عن 40 سنة لا زالوا على قناعة بأنه، ومنذ 25-35 سنة، قدم نظام الرعاية الاجتاعية في بلغاريا السلع والخدمات الضرورية الى معظم الأسر – وانتاج الاحتياجات الانسانية والمجتمعية- والى حد بعيد، ضمن نظام تحكمه المساواتية ويقوم على التنمية ووجود وسهولة الوصول الى برامج اجتماعية شاملة. ان اجراء بحث تجريبي أكثر شمولية، هو أمر ملح واساسي، ويتضمن اجراء استطلاع نوعي لسبر اغوار "ذاكرة وذاتية الطبقة العاملة في مرحلة ما بعد الاشتراكية"، واستكشافات في "التاريخ غير المكتوب للاشتراكية الحقيقية، والسيرة الذاتية، "كوهج ونور" لكي تضيء الحقائق والوقائع المجتمعية والشيوعية الماضية". لا شيء هنا، اما اسود او ابيض، وكل نقطة تمت ملامستها هنا يمكن ان تستشكف اكثر عمقاً. وهناك اقلية صغيرة من المتمتعين بالامتيازات او من البلغار الاصغر سنا،ً سيعارضون ذلك بالطبع. ويمكن ان يضاف الى القصص البلغارية قصص من روسيا واكرانيا ورومانيا وصربيا واماكن اخرى.
ان "الديمقراطية" بالنسبة للكثير من البلغار الذين ولدوا عام 1970 وما قبله مجرد حشو كلام يسثيرهم، يلتفظون بها مع الازدراء وقلة الاكتراث ويعتبرونها شيئاً واحداً مع اعادة احياء النظام الرأسمالي" والعودة الى المجتمع الطبقي والفقر ومصدراً لليأس وعدم الأمن وعدم المساواة الفاضح، أي التدمير والتخريب والافساد الكلي للكرامة الانسانية للناس العاديين. ان بلغاريا التي هي اساساً استعمرت من قبل النيو- ليبرالية، انها في الوقت الحالي الادنى في اوروبا من ناحية الاجور، وجرى اخضاعها لحلف الناتو وتعاني من البطالة الشديدة، وقريبة من الانهيار في قطاعها الزراعي. والبلاد الان تواجه الفوضى الاجتماعية المفسدة، والانحلال الاجتماعي الواسع الانتشار، وطبقة حاكمة جديدة في السلطة، و "العولمة النهابة والضارية"، وكل هذا على حساب الناس العاديين. كما ان البلغار في الوقت الحالي قد امطروا بالبلاغة والكلام المنمق المتواصل والمفرط في تمجيده واعجابه القريب من العبادة للسلعة. وان "يصبحوا أروبيين". وان اعداداً كبيرة من البلغار المحطمين بفعل دمار وتخريب 23 عاماً من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي لا تنتهي، يعملون الان كمهاجرين اقتصاديين في اوروبا الغربية بما في ذلك الرومانيين، ويشعرون بانهم وعوائلهم كانوا والى حد كبير في وضع افضل في ظل نظام "الرعاية الاجتماعية الشامل" القديم، بصرف النظر عن عيوبه. ان بلغاريا والدول المحاذية لحدودها الجنوبية والشرقية تمثل خط المواجهة الامامي مع اليونان وتركيا والدول العميلة للرأسمالية في شرق البحر الابيض المتوسط .
لقد نشأت فجوة اقتصادية واسعة ومستمرة بين البلغار الذين يملكون والذين لا يملكون. وتظهر احدث الاحصائيات الاوروبية ان بلغاريا لديها النصيب الاعلى من الاشخاص الذين هم عرضة لخط الفقر او الاقصاء والاستثناء الاجتماعي في الاتحاد الاوروبي عام 2011، وبنسبة تقل قليلاً عن 50%. كما ان "حكم القانون" البلغاري يصنف بين الادنى في العالم. وتشغل وزراة الدفاع الامريكية (البنتاغون) اربع قواعد عسكرية في بلغاريا، الحليف المطواع والمستخذي الجديد . وقد هاجر حوالي 20% من السكان منذ 1990 . لقد رأينا هجرة جماعية ضخمة، النتيجة المباشرة للجري الجماعي غير المخطط نحو اقتصاد السوق الحر، ومجتمع يعيش أزمة متواصلة منذ الكارثة القاتمة عام 1989. ويستنتج استطلاع للرأي أجري مؤخرا ان غالبية الناس في بلغاريا يعتقدون بأن الحالة لا تطاق. وكان هناك في عام 2013 عدد من حالات الانتحار العامة الناتجة عن اليأس. وهناك "انهيار ديمغرافي"، يلوح في الأفق بسبب الهجرة الضخمة، ولقد هبط معدل الولادة الى المستوى الادنى منذ عام 1945.
وكما يؤكد غوانز عام 2011 : "ن استطلاعاً اجري عام 2009 من خلال مشروع (بو) للمواقف العالمية وجد ان مجرد واحد من كل تسعة بلغار يؤمن بأن الناس العاديين هم احسن حالاً نتيجة التحول نحو الرأسمالية. وقلة يعتبرون الدولة تمثل مصالحهم. و16% فقط يقولون بأن الامور تسير نحو فائدة ومنفعة كل الشعب" . ان حكم القلة ومؤيديه، القائم الى حد كبير في صوفيا العاصمة والمرتبط بشكل لصيق مع الاتحاد الاوروبي الاستعماري، يستحوذ على امتياز غير عادي على حساب الاغلبية. وجزء من هذه الثروة مركز في صناعة السياحة على البحر الاسود المملوكة للاجانب وبعض البلغار. وقد كتب الكساندر اندرييف مؤخراً :
" منذ انهيار النظام الشيوعي في عام 1989 وعام 1990، حكمت بلغاريا من قبل شبكات من الجماعات الصغيرة التي تمارس مثل هذه السلطة والعمالة. ومن الناحية الواقعية والعملية فان جميع الاحزاب والائتلافات التي هي في السلطة تخدم مصالح الفعاليات الاقتصادية الكبيرة – او أسوأ من هذه الفعاليات وهي تنظيمات تعمل في الظل، وقد بدأت كمجموعات حماية للجريمة المنظمة، وفيما بعد أقدم القائمون عليها على تنظيم انفسهم كوكلاء اقوياء في السوق.
ومثل العديد من الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية عبر اوروبا، فان الحزب الديمقراطي الاشتراكي البلغاري (bsp)، وريث الحزب الشيوعي البلغاري السابق، والمؤيد الى حد كبير لحلف الناتو، يناصر اجراء تعديل "لطيف" لرأسمالية السوق النيو-ليبرالية. ويرأس هذا الحزب سيرجي ستانيشيف. والمفارقة السياسية التي هي بمثابة اللغز هنا هو غياب أية حركة مناهضة للرأسمالية في الشوارع او ميدان التنافس الانتخابي. وخيبة الامل لدى السياسيين والنفور العام من النخبة السياسية تنتشر بشكل واسع. كما انعكس في المظاهرات الشعبية في شباط عام 2013 ومرة اخرى ضد الحكومة التي تشكلت في حزيرن الماضي ويقودها الحزب الاشتراكي البلغاري. ويستنكر اندرييف "فقدان التلاحم والاتحاد" في المظاهرات، قائلاً ان المتظاهرين لم "يشكلوا حزباً سياسياً" بالاضافة الى بضعة اهداف موضوعة بشكل عام، كما انهم لم يكن لديهم قائمة مفهومة من اجراءات التنفيذ التي قد تطلب في الميادين المرتبطة بأزمة التعليم والرعاية الصحية والطاقة او الاقتصاد الراكد". ولا يشكل شعار "الناس قبل الارباح" مطلباً رئيساً، بينما الشعار الشعبي "القمامة الحمراء" يشير الى رأي يمين – الوسط السياسي الذي يقود الكثير من المتظاهرين. وينتقد العالم السياسي البريطاني دوسون 2013 التلميح المعادي للاتراك والعنصري المفتوح في اوساط الناقمين في شوارع صوفيا وبعض المدن الاخرى في المظاهرات الجماهيرية التي جرت في حزيران وتموز واب. ان العيش في هذه المتاهة من التناقضات في مرحلة ما بعد الاشتراكية، اضافة الى النفور ما بين الجماهير البلغارية والدولة، ربما جعل هذا الشعور في اعلى مستوياته منذ التحرير عام 1878 اي من قرابة خمسة قرون من نبر الحكم التركي .
التطلع الى الماضي مع ما هو اكثر من الحنان والتوق اليه:-
في اقصى جنوب البلدان الاشتراكية السابقة، كانت بلغاريا يقال انها تمثل الاقتصاد والدولة الاشتراكية الاكثر نجاحاً في اوروبا الشرقية. والنسبة المئوية للعمال البلغار العاديين البالغين من العمر 40 سنة فما فوق والذين يعتقدون بأن حياتهم هي افضل بكثير في عقدي السبعينات والثمانينات وبشكل ملحوظ من اندادهم الذين استطلعت ارائهم في الاتحاد السوفياتي السابق ورومانيا وبولندا. وانهم سافروا بحرية على امتداد البلدان الاشتراكية، وبتكلفة متدنية جداً واستطاعوا ان يروا الحياة في امكنة اخرى، والتحدث مع المواطنين هناك. وكانت بلغاريا مكتظة صيفاً وشتاء بالزائرين للاستمتاع بعطلاتهم من البلدان الاشتراكية، في البحر الاسود وفي ما لديهم من مرافق التزلج على الثلوج. وكانت هناك فرصاً وافرة للتفاعل وتبادل الافكار. بالتالي لماذا نستمر في كوننا مشغولين في التعميمات المقولبة والنمطية حول النظام السوفياتي المتحجر؟ ان ذكريات الكثيرين من البلغار كبار السن تتناقض مع الفكرة التي تقول بان النظام الاشتراكي كان ديكتاتورياً، ومجتمعاً شمولياً يعيش وضعاً لا ينتهي من المشقة والحرمان والقمع والافتقار للحرية الى جانب اقتصاد كئيب لا ينتج الا السلع الرديئة.
من ناحية اخرى، ربما يكون مناسباً الحديث عن شريحة مهمة من البلغار الكبار في السن الذين يرددوا صدى ما كتبته ايرينا مالينكوف، مؤلفة المذكرات/الرواية السوفياتية، حول نشأتها في الاتحاد السوفياتي، وفي مقابلة اجريت معها مؤخراً 2013 حيث قالت:
"حياتنا كانت مطمئنة وآمنة وفي بيئة هادئة وبعيدة عن الضغوط، وبدون مخدرات على الاطلاق، وتقريباً بدون جريمة. وكان هناك في العمل قدر من الرقابة الاجتماعية، واذا قام شخص ما بعمل خاطئ فان زملاءه او جيرانه يعيدونه الى الطريق الصحيح. وكل بالغ كان في عمله باستثناء العاجزين عن العمل، اومن يعيلون الاسر- اذا ما رغبوا بالبقاء في البيت- والمتقاعدين. وكان سن التقاعد 55 للنساء و60 للرجال. وكان الشعب السوفياتي ايضاً اكثر شعوب العالم ثقافة. وكانت كل الفنون متاحة ومن اسهل ما يمكن الوصول اليها. والمكتبات كانت مجانية. اما الكتب والروايات والحفلات الموسيقية والمتاحف والمعارض فكانت زهيدة جداً في تكلفتها.
وكان لدينا الحق المضمون في السكن، والحق في العمل، والحق في العطل المدفوعة الاجر. وتكلفة الاسكان كانت متدنية جداً. وما يدفعه الناس كان فقط للماء والكهرباء، وبما لا يزيد عن 3% او 4% من مجموع أجرهم. وتعطي الدولة للناس شققاً مجانية مدى الحياة، ويمكن للابناء الاقامة معهم في نفس البيت، ولكنهم كان من غير المسموح لهم بيع الشقة. وكان النقل العام رخيصاً جداً، كذلك الطعام. وكانت ملابس واحذية الاطفال مدعومة من الدولة. وكتب المدارس بالمجان. وكان لدينا دور نشر كاملة تعمل خصوصاً على اصدار كتب الاطفال، وكان هناك كمية هائلة من افلام الكرتون والصور المنتجة خصيصاً للاطفال.. وكل الاندية الرياضية كانت بالمجان، وكان الاطفال يلقون التشجيع للذهاب اليها.
لقد ازدهرت الزراعة الجماعية البلغارية، وتوسعت الصناعة الى حد كبير. وتم انشاء صناعة حاسوب رئيسية تمركزت في مدينة برافيتز. وكان لدى الكثير من المنظمات التعاونية الزراعية والمؤسسات التجارية والمعامل والمدارس والجامعات مواقع للاجازات على البحر الاسود توفر اجازات شبه مجانية لعمالها. اما في الوقت الحاضر فقد اختفى كل هذا واجازات البحر الاسود اصبحت مكلفة جداً للأغلبية. والامر الهام انه كان هناك اقتصاد مخطط بدقة يشرف على الانتاج لكي يواجه الاحتياجات الانسانية الاساسية، وليس فوضى السوق- الحر المنتشرة في البلاد في الوقت الحاضر. واهداف النظام الجلية والظاهرة للعيان، التي انجزت في الاساس من اجل غالبية المواطنين، كانت صورة مميزةالمساواة المادية الراديكالية، وتوظيف مضمون بالكامل. وكانت هناك جهود جماعية منسقة لتطوير وعي قوي للتضامن الاجتماعي، بالرغم من العنصرية القائمة باتجاه الاقليات العرقية الكبيرة- التركية والرومانية. لقد كانت هذه الاقليات متكاملة ومندمجة "كمواطنين"، ولكن ليس كأقليات عرقية، ولها حقوقها الخاصة بها. ان القوانين الاشتراكية خففت من التمييز العرقي. ومع ذلك ظل التمييز العنصري ضد الاقلية الرومانية متوطن، وهو فشل واضح للدول الاشتراكية على امتداد اوروبا الشرقية.
وكان النظام الاشتراكي البلغاري معتمداً على التعليم المجاني والرعاية الطبية عالية الجودة المجانية والنقل العام الممتاز بتكلفة اقرب الى المجان. وفي الاساس، معظم الخدمات للاحتياجات الانسانية "كانت متاحة" بتكلفة متدنية للمستهلكين، وفي الواقع انها كانت في الاغلب اقرب الى المجان بالنسبة للماء والكهرباء والنقل العام والتدفئة المركزية. تلك التكاليف هي في الوقت الحاضر محلقة في السماء وبخاصة الكهرباء والغاز. ونظام السكك الحديدية البلغاري، الذي كان في ما مضى نموذجاً هو الان في مشكلة عميقة حيث اعداد الركاب هبطت بما يزيد عن 50% منذ 2001. واجور حافلات البلدية في الوقت الحاضر اكثر 18 ضعفاً مما كانت عليه في ظل الدولة الاشتراكية. والمقاهي والمطاعم كانت مكتظة بالعمال، لان تكاليفها كانت متدنية وهي غير ربحية، وفي الوقت الحاضر قلة قليلة من تستطيع الخروج من البيوت وتحمل نفقات الخروج. واجازة الامومة عند الولادة في ظل الاشتراكية كانت ثلاث سنوات مدفوعة الراتب جزئياً، وهي في الوقت الحاضر مقيدة بقسوة والكثير من الامهات يعشن بوضع محزن على المعونة الهزيلة التي تقدم لهن. وفي ظل الاشتراكية كانت بلغاريا ذات سمعة حسنة من حيث نظامها الطبي الذي كان يعتبر احد الانظمة الافضل في اوروبا الشرقية، وفي الوقت الحاضر هناك هجرة ضخمة للكوادر الطبية، نظراً لان رواتب العاملين في الرعاية الصحية في بلغاريا هي الادنى في اوروبا اضافة الى النقص الشديد في المعدات الطبية. وبالنسبة للأدوية في الوقت الحاضر فانها تستورد كلها تقريباً من الغرب وبتكلفة عالية، وسيقول لك الكثيرين من البلغار ان نوعيتها موضع شك. والكثير من كبار السن يعيشون في هلع لعدم قدرتهم على تحمل نفقات الادوية الاساسية. ودفع الرشاوى الكبيرة للاطباء هي الان شائعة، بينما الكثير من المرضى مفلسين. وكل هذا مدمر لكرامة الانسان الاساسية".
وكما كتبت ميمي فيتكوفا وزيرة الصحة في التسعينات:
" لم نكن بلداً غنياً على الاطلاق، ولكن عندما كانت لدينا الاشتراكية كان اطفالنا اصحاء وتغذيتهم جيدة، وكلهم كانت لديهم مناعة. والمتقاعدون والمصابون بعجز يقعدهم عن العمل يزودون باحتياجاتهم ويحصلون على الادوية مجاناً. وكانت مستشفياتنا مجانية. اما في الوقت الحاضر، فان كل من لا يملك المال، لا حق له بالعلاج، ومعظم الناس لا يملكون المال، واقتصادنا مدمر".
لقد كانت ايرادات الاسر في ظل الاشتراكية في الغالب افضل مقارنة بالقوة الشرائية الفعلية منها بعد 23 سنة من "الديمقراطية" والسوق الحر. وسيؤيد الكثير من العمال كبار السن والمتقاعدين البلغار هذه الحقيقة. وآنذاك كان الجميع له عمله وبأجر يكفي لمعيشته وتلبية احتياجاته . والان الفجوة بين القلة الثرية والفقراء الكثر في بلغاريا.
ضخمة وتتسع شهرياً. وشريحة كبيرة من العمال العاديين البلغار وكل المتقاعدين يعيشون على الحافة، ومن 30-40% من السكان يعيشون في حالة افقار شديد. والحد الادنى للأجور ثبت عند 160 يورو في الشهر، لكن الكثيرين يشقون طريقهم المحفوف بالمخاطرة والمجازفة بالعمل الجزئي بالساعة. ومتوسط الرواتب ادنى بنسبة 25-30% من الرواتب في رومانيا الجارة. وحوالي 8% من السكان البلغار،أي طبقة صغيرة من محدثي النعمة، يعيشون بشكل رئيس في صوفيا وبلوفيدف وفارنا وبورغاس، هم في حال احسن من الماضي. وبعض من يعمل في العمل الاجتماعي يحصلون على ما يعادل 140 يورو في الشهر ويكافحون من اجل البقاء. ويقول الكثير من البلغار في المقابلات ان جو العمل كان في الماضي اكثر سعادة وصفاء وزمالة وانتاجاً. واقل توتراً وقلقاً من الان. وكانت الروابط القوية بين الجوار، والتضامن الانساني البسيط شائعين، ولكن التفاعلات اليومية في الوقت الحاضر مثقلة بالضيق والقلق الاقتصادي.
وما يرشد ويعطي معلومات مفيدة هي المقارنات وخاصة في قطاع التعليم. كان التعليم الاشتراكي في بلغاريا مشابهاً في نواح هامة للنظام التعليمي في كوبا في الوقت الحاضر. وهذا على وجه الخصوص حقيقية من ناحية بناء"اقتصاد اخلاقي" يقوم على التضامن والمجتمعي ويتغلب على الانقسام بين المنهاج والحياة ما بعد الغرفة الصفية الدراسية في العالم الطبيعي والاجتماعي والاشتراكي، العملية المعروفة بـ "تعليم الثورة". وكان التعليم كما هو مثبت بوضوح افضل في ظل النظام الاشتراكي فيما يتعلق بالاعتمادات المالية المخصصة ونوعية المدرس الى درجة مهمة وكبيرة. وفي مواقف الطلبة واتجاهاتهم بالنسبة للتعليم كانت المدارس منضبطة ومستعدة المتطلبات ومهيئة ومتكيفة للعمل نحو مستويات الاداء العالي، وتحفز على مشاركة الطلبة والتفكير الماركسي المعادي للرأسمالية.
ومن ناحية ثانية، فإن "التفكير النقدي" في الفهم البرجوازي الحالي، كان مفقوداً. وكان هناك فتحة صغيرة للرأي الاخر مسموح بها، والتي هي في استعادة للماضي كانت غلطة نظامية. وكان الدخول الى الجامعات الحكومية (وليس الخاصة) صعباً ويتطلب علامات عالية. ولكن التعليم كان بالمجان وكان هناك عملاً مضموناً من قبل الدولة بعد التخرج. ولم يكن هناك ديون طلابية او خريجون بدون وظيفة. التمييز الطبقي الاجتماعي وجرى كبح جماح في المدارس، والانضباط كان شديداً . وفي الوقت الحاضر هناك افتقار شديد لانضباط الطلبة يدمر النظام التعليمي بكامله. اما الحضور حتى في قاعات الدراسة الجامعية فهو متقطع وغير منضبط والمستويات ككل في انحدار في ظل نظام التعليم السيء. ويوافق كل مدرس قابلته على هذا. قال احد المعلمين الذي امضى سنين طويلة في مهنته "لقد دمر التعليم البلغاري. والنتيجة هي الفوضى الكاملة في النظام الذي كان في الماضي الافضل في اوروبا الشرقية" وانتشرت المدارس الخاصة الباهظة التكاليف لخدمة طبقة النخبة الصغيرة. وكثيرون هم الطلبة الذين يريدون فقط الحصول على درجة جامعية ومن ثم الهجرة. واظهرت استطلاعات للرأي ان ثلثي اليلغار يرغبون في ان يدرس ابنائهم في الخارج. وافاد استطلاع خاص بآراء الشباب اجري عام 2012 ان 40% من الشباب يريدون مغادرة بلغاريا في اول فرصة تتاح لهم. وحدد استطلاع وزارة التعليم اجري هذا العام 2013 ان نسبة 52% من طلبة صف التخرج من المدرسة الثانوية قدموا طلبات التحاق بالجامعات في الخارج. وتقول دراسة اجريت عام 2012 ان هناك ازمة وطنية حقيقية وصادقة تظهر ان 41% من البلغار في عمر 16 سنة هم "اميون الى حد ينذر بالخطر". لقد كانت بلغاريا ذات يوم وادي السيليكون للمعسكر الاشتراكي. وفي الوقت الحالي يواجه المرصد الفلكي الوطني في روزهن، وهو الاكبر في جنوب شرق اوروبا، تخفيضات قاسية، كما هي اوضاع قطاعات كثيرة للبحث العلمي، حيث هناك احتجاجات ضخمة والتي انفجرت بسبب التوزيع الجائر والمراوغ لاعتمادات الابحاث في اواخر 2012.
وقبيل استعادة احياء النظام الرأسمالي في بلغاريا كان هناك عدد ضخم من الفعاليات حسنة التنظيم، تدار من قبل الدولة وهي خارج الواجبات المنهجية النظامية او روتين العمل، الى جانب المخيمات والنزهات الصيفية المجانية لاطفال المدارس. وكان الطلائع من عمر 9-13 سنة والكومسمول (الشبيبة الشيوعية) من عمر 14-18، شباب منظم في المدرسة وبعد المدرسة.
كل هذه الفعاليات الغيت، وغالباً ما يتذكرها الناس بحزن. وكان الشباب في العادة يجري حشدهم وارسالهم للمشاركة الزامياً في فرق الحصاد الزراعية تحت اشراف الدولة. وكان هذا النشاط بأمر رسمي من فوق، ومع ذلك فإن الكثيرين يقولون بأنه كان ممتعاً ومفعماً بالألفة والمودة الى جانب حفلات السمر والغناء والرقص في الامسيات. وكان هناك عملاً جسدياً شاقاً، واخر صغيراً وفصول صيف من العمل الاجتماعي المطلوب. وفي الوقت الحاضر يعيش الاطفال في عالم من الأتمتة الاجتماعية، مع تركيز قليل جداً على اللياقة البدنية وحب الطبيعة المكونين الرئيسين في نظام التعليم البلغاري في ظل الاشتراكية.
ان تجربة هذا المجتمع المترابط من حركات الشبيبة المنظمة ودورها الرئيس في تكييف وتطوير الشبيبة، المعاد استذكارها من منظور الوقت الحاضر تحتاج الى بحث وتحقيق متعمق. وبعض اساتذة الكليات كان قد تم بناء شخصياتهم في جزء منه من خلال ايام مدرستهم الاولى، عندما انتظموا في فرق بناء وكان مديد العون في العمل ضروري وبديهي.
وفيما مضى، ايام الزمن الاشتراكي في بلغاريا، كانوا هناك مكتبات مقبولة ونشاطات ثقافية ورياضات من كل الانواع. والكثيرون من طلبة المدارس الصغاركان يحضرون حفلات شهرية للموسيقى الكلاسيكية، والتي كانت الزامية في المنهاج الاشتراكي. وفي الوقت الحالي يذهب القليلون الى مثل هذه النشاطات والتي اصبحت نادرة جداً. وافادت الدراسات الحديثة ان الاسرة البلغارية العادية صرفت في العام الماضي ما يعادل 6 يورو على الكتب و2 يورو على السينما/المسرح/ حفلات الموسيقى. وفي ظل النظام الاشتراكي كانت الكتب متدنية جداً في تكلفتها. الا ان "ثقافة القراءة" ككل في الوقت الحاضر افسدت ودمرت. وفي ظل الاشتراكية كانت دور النشر كلها مؤممة ولم يكن اي منها يعمل من اجل الربح. والكتب الرخيصة الثمن كانت اولوية. وكانت الفنون مدعومة من قبل الدولة وكان هناك صناعة سينما بلغارية ذات مكانة وشهرة (بعض ما هو الافضل منها موجود على اليوتيوب) وانهارت عام 1990 ولم تستعد عافيتها حتى الان. ونظام المسارح المدارة من قبل الدولة، حيث الانتاجات الدرامية الرائعة التي يمكن مشاهدتها في مدن وقرى كثيرة، هي في الوقت الحالي في فوضى وبطيئة الحركة. وحتى الذهاب الى السينما الان فهو بعيد عن متناول الكثيرين، بوجود تذاكر كلفتها اضعاف كثيرة عما كانت عليه في ظل الاشتراكية. وامناء المكتبات ممن لديهم خبرات يحصلون الان على ما يقارب 180 يورو. وكان نظام المكتبات في المدن والريف الشامل الى جانب المباني والمعاهد البلغارية التقليدية تفي باغراض عديدة وفيها غرف واسعة للقراءة الا انها الان تعيش في عجز مالي شديد نتيجة لقلة الاعتمادات. وفي مجال الرياضة فان نظام الفرق القومية في حالة من الانكماش والتقليص وفي عام 2012 حققت بلغاريا أسوأ اداء لها منذ 60 عاماً في اولمبياد لندن، والذي اعتبر على نطاق واسع عاراًً قومياً حقيقياً.
بلغاريا الاشتراكية :مجتمع غير استهلاكي
الى حد كبير وهام، كانت بلغاريا الاشتراكية تعيش اقتصاداً في طريقه نحو مجتمع غير استهلاكي فعلي وواقعي، وفيه وفرة من السلع الاساسية التي كانت تنتج ليس من اجل الربح ويمكن شراؤها من قبل شرائح كبيرة من المجتمع.
وكانت هناك اسعار متطابقة ومراقبة على نطاق البلاد. ولم يكن هناك صناعة الدعاية والاعلان وعلى مدى 25 عاماً لم يكن هناك اعلانات تجارية على التلفاز. وكان الانتاج الى حد ما "غير سلعي". وكان هناك نوعاً واحداً من اللبن الرائب بنوعية عالية ويباع في جرار مستعادة، وليس 25 ماركة كما هو عليه الان. وفي الواقع، يصنف البلغار الان بين "اكثر المستهلكين تشاؤماً في العالم" استناداً الى تقرير صدر حديثاً. ويقول الناس ان 90% من اللبن الرائب في الوقت الحاضر هو حصيلة خلطة زائفة. والحالة هي نفسها مع الجبنة الصفراء (الكشكوان) والسلامي البلغاري التقليدي (لوكانكا) وكل انواع نبيذ المائدة (العالي المستوى) وكلها كانت بتكلفة قليلة. وفي ظل النظام الاشتراكي كانت الرقابة على الاطعمة مشددة جداً، الا ان هذا اختفى الى حد كبير. والسوق الرأسمالي في الوقت الحاضر مستعمرة الى حد خطير من قبل سلاسل البقالات (السوبرماركت) المملوكة للشركات الاجنبية. وكثير من المواد تستورد والنوعية غالباً ما تكون مشكوك فيها. وفي زمن النظام الاشتراكي التدفئة المركزية التي توفرها البلدية (والمدعومة مالياً من قبل الدولة) باسعار رخيصة جداً، وفصول الشتاء البلغارية كانت دافئة في بيوت الجميع. والان اغلب الناس في شقق المدن لا يستطيعون تحمل اثمان التدفئة المملوكة لشركات خاصة. ولجأوا الى استخدام مدافئ الحطب القذرة والخطيرة او تلك التي تعمل بالكهرباء المطلقة. وقبل سنين مدافئ الحطب كانت تستخدم بشكل رئيس في القرى، حيث الطلب على الوقود ادى الى تدمير الكثير من الغابات. وفي الوقت الحاضر، اصبحت المواقد التي تقوم على حرق الحطب القذر والمكلف هي القاعدة في بيوت المدن.
روح المجتمع
كان من المعتاد ان توجه الطاقة الاجتماعية الاساسية والكبيرة نحو المبادرات الجماهيرية والمجتمعية من كل الانواع مثل لجان الجوار للتنظيف، وفرق ازاحة الثلوج. وكان الحزب الشيوعي منهمكاً بنشاط وفعالية وفي تحفيز الوعي المجتمعي على مستوى الجوار. وما هو اكثر اهمية، انه لم يكن هناك في بلغاريا الاشتراكية بالفعل جرائم عنف في الحياة اليومية، باستثناء بعض الهفوات، ومحاولات السرقة القليلة. اما في الوقت الحاضر الجريمة الصغيرة والتافهة صارت عنيفة ومنتشرة و"الامن" هو قضية رئيسة. ووصفت البلاد مؤخراً من قبل وزير في الحكومة انها "واحة للجريمة المنظمة" ويقول العمال من كبار السن، انهم في السنوات الماضية كان الكثيرون منهم لا يغلقون اطلاقاً ابواب منازلهم الخارجية وكانت المفاتيح تترك تحت الدعاسة امام الباب، لعدم وجود حاجة للسرقة.
ولم يكن هناك فقرراً ً مدقعاً كما هو حال الكثيرين من البلغار ومعظم الرومانيين في الوقت الحاضر، الى جانب مجتمع مزدهر بالمتقاعدين المفقرين حيث يعيش الكثيرون منهم على تقاعد يعادل من 70-120 يورو شهرياً. اما معونات البطالة فقد حددت حول 65 يورو شهرياً وهو مبلغ يكفى بشق الانفس للحد الادنى من البقاء.
اما الرهاب ضد الاجانب فينتشر في الوقت الحاضر ضد الرومانيين على امتداد بلغاريا، حتى في اوساط الاكاديميين في الجامعات، وضد الاقلية الكبيرة من المسلمين من عرق تركي. ويزداد التمييز العنصري والعنصرية سواء بسواء، وتنتعش قومية النجاح اليميني. والعنصرية المناهضة للرومانيين والكراهية التاريخية للعرق التركي تتعمقان في بلغاريا،، هذا الحقد والبغضاء ضد الرومانيين كانا في ظل النظام الاشتراكي مكبوحين الى حد ما بفعل "سياسة الاستيعاب" التي كانت متبعة، لكن هذه المشاعر اصبحت الان تترافق بالعنف المتزايد ويواجه الكثيرون من الرومانيين الوقوع في الفقر المدقع، وربع اطفالهم تقريباً ما بين عمر 5-15 سنة لا يذهبون بانتظام للمدارس. ويفيد تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2011 بأن 46.2% فقط من السكان الرومانيين في بلغاريا اكملوا التعليم الابتدائي و7.8% فقط منهم اكملوا التعليم الثانوي.


نحو منهج تجريبي اساسه الناس
"التاريخ الشفهي" الذي كتبه دانيال راليه (2006-2011) يتحدى بقوة وجهة النظر احادية البعد "للاستبدادية والشمولية" السوفياتية والحكايات المحبوكة بغير اتقان للتاريخ السوفياتي المنتشرة على نطاق واسع في الغرب وخاصة في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة. ويصف ديفيد كيديكال (2008) في ما كتبه والمستند على عدة عقود من الزمن من العمل الميداني والمعزز بعدد كبير من حكايات العمال العاديين عن الخوف والنفور الماثلين امام العمال الصناعيين في كل يوم من حياتهم في رومانيا ما بعد الاشتراكية. ومن العودة بالذكريات الى هنغاريا ونظامها التعليمي، ويحلل سوزاميللي (2013) ذكرياته عن خمسة من معلمي رياض الاطفال عما كان عليه التعليم في ظل النظام الاشتراكي، و"الطرق التي كانت الايديولوجيا الاشتراكية الواضحة مفهومة من قبل المعلمين الذين قابلهم". ويؤكد الباحث في علم الانسان جيرالدكريد 1999 على ان "الناس لديهم مفاهيم وافكار متعددة حول الماضي.. والجميعة "نتيجة الجمع بين الطريحة والنقيضة في الديكالكتيك الهيغلي) التي تنتج هي والى حد كبير يعتبر انتاجاً عصرياً". ان عمله الميداني لاجل طويل في قرية صغيرة في شمال غرب بلغاريا تدعى زامفيروف، يلقي الضوء على كيفية تكيف المزارعين مع التطبيقات العملية الاشتراكية، والمشكلات التي لا تعد ولا تحصى التي برزت منذ عام 1990 وعودة النظام الرأسمالي.
الخلاصة
يجب علينا ان نتجنب "خطر القصة الاحادية" في وصف ما كانت عليه الحياة في ظل النظام الاشتراكي. ونحن بحاجة الى نظرة جريئة على الانجازات "الاشتراكية النمط"، على الرغم من العوامل الحكومية التسلطية. وفي بناء اقتصاد تشاركي ومجتمع ما بعد النظام الرأسمالي، وبخاصة عالم التوظيف الكامل المضمون والانتاج الاجتماعي غير السلعي. ان "الاشتراكية" هي تاريخنا وتراثنا. ان حكايات وروايات العمال العاديين الذين نموا في ظل النظام الاشتراكي ويعيشون الان في دوامات تتوسع باستمرار من النفور والقلق والضياع وعدم المساواة والظلم في مجتمع ما بعد الاشتراكية، الى جانب ما يرويه اطفالهم عن الحياة في الوقت الحاضر، بحاجة الى الجمع وبطرق نظامية وممنهجة وبحاجة الى التوزيع على نطاق واسع. ان الحاجة عاجلة وملحة.
ملاحظة: الكاتب الذي اشير الى اسمه بالحروف الاولى F.S هو من امريكا الشمالية خبرته هامة وكبيرة على مدى سنوات طويلة في بلغاريا الريفية.. فيما بعد الاشتراكية، يتكلم البلغارية بطلاقة وله علاقات كثيرة مع الاسر البلغارية العاملة العادية وعدد من المؤسسات التعليمية.
تعريب : هاني مشتاق
عن موقع بيبولزوورلد
التابع للحزب الشيوعي في الولايات المتحدة



#اللجنة_الاعلامية_للحزب_الشيوعي_الاردني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمر القطعي (Categorical Imperative)
- الأمانة, كخصلة خلقية
- وجهة نظرنا في (الغاية تبرر الوسيلة), أخلاقياً (الأهداف والوس ...
- الأيديولوجيا في دول الطرف الرأسمالي
- التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الإقطاعية
- محاولة لقراءة ماركسية, للمملكة العربية السعودية.
- تربية الذات اخلاقياً:
- ما هي (البطولة), من وجهة نظرنا؟
- بعض جوانب النزعة اليسارية المغامرة
- التفاني Devotion
- التيوديسيا Theosdike
- الولايات المتحدة الأمريكية الاشتراكية
- الموقف من المرأة
- ماذا يعني مفهوم, الأخلاق البرجوازية؟
- ما هي رباطة الجأش عند الشيوعي؟
- نكران الذات, طبقياً
- الأنانية Egoism
- الحرص... تعريف
- الديماغوجية Demagogy
- سلسلة الوعي الاجتماعي


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني - تجربة في ظل الاشتراكية الحية... بلغاريا آنذاك والآن