|
الاسلام والجنس – عقيدة العقدة
ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 1233 - 2005 / 6 / 19 - 08:54
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
الاهداء الى ا. ع. ان تجربة قرنين من العصرنة والتحديث في العالم العربي قد احدثت تغيرا كببرا في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية. وتباينت مستويات هذا التغير من حيث العمق والسعة والنتائج، لكنها لم تمس بصورة جوهرية العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة بحيث تجعل منها موضوعا قابلا للتحديث والعصرنة العقلانية. بعبارة اخرى، ان حصيلة هذه التحولات والتغييرات الكبرى لم تجعل من العلاقة الجنسية موضوعا قابلا للتغير والتبدل بمعايير ما كانت تقاليد الفقه الاسلامي تطلق عليه تسمية شهوة الفرجين، اي غريزة الاكل والجنس. وهي فكرة كانت تحتوي بصورة تقريرية ما اصبح في وقت لاحق موضوعا تأسيسيا للفلسفة الماركسية والفرويدية. بمعنى نقل هذه القضايا من ميدان الغريزة المباشرة الى عالم التأمل التاريخي السياسي والنفسي. وهو انتقال لعب دورا هائلا في التاريخ العالمي المعاصر من خلال استقطاب الفكر والممارسة العملية في مختلف الميادين، واشراك ملايين البشر في ثورات اجتماعية وجنسية غيرت مجرى التاريخ العالمي وقيم العالم القديم من خلال جعلها جزء من ابداع الحرية والعيش بمعاييرها. وهي تجارب تكشف وتبرهن على ان الثورة الجنسية هي جزء مكمل للثورة الاجتماعية. كما تكشف وتبرهن في الوقت نفسه على استحالة الثورة الاجتماعية الفعلية بدون مكمل لها في ميدان العلاقات الجنسية. فهو الميدان الذي يضع حصيلة القيم والتقاليد البالية على محك الاحتكام المباشر للحرية والعيش بمقاييسها. كما تكشف هذه التجارب عن حقيقة تقول، بأن ضعف تكامل هذين المكونين (الاجتماعي والجنسي) يؤدي بالضرورة الى فشل الثورة الاجتماعية. والقاء نظرة سريعة الى الواقع العربي المعاصر يكشف عن خلل مضمون الثورة وارتداد "مآثرها" التاريخية الى مختلف اصناف التخلف والانحطاط. فالسلفية والحجاب، والاصولية والارهاب، والطائفية المذهبية والسياسية، ليست الا المعالم الظاهرية لعمق الخلل الذي تعرضت له "الثورة العربية" منذ بدايتها بعد الحرب العالمية الاولى وانتهاء بسقوط الفكرة القومية الراديكالية في حضيض الاستبداد والدكتاتورية. فهي مظاهر يشكل "الرجوع الى السلف الصالح" و"الاخلاق الاسلامية" و"الشرف" و"العفة" وما شابه ذلك مضمونها الداخلي. بمعنى تحول الهمّ الجنسي المبطن بقيود الرؤية التقليدية الى حافر الفكرة الاسلامية. وهو الامر الذي يجعل من الاسلام عقيدة العقدة الجنسية اكثر منه عقيدة المسلمين الاحرار. فمن الناحية التاريخية والفكرية لا توجد عقيدة اسلامية في الجنس باستثناء ما يمكن دعوته بالنماذج المثلى للسلوك الجنسي. وهي نماذج لا يمكنها الارتقاء الى مصاف "المقدس" وذلك لان محتواها الواقعي والفعلي لا يتعدى تلبية شهوة الفرج، اي الغريزة الجنسية. وهي تلبية محكومة بتقاليد المرحلة وتصوراتها عن حقوق الرجل والمرأة. بعبارة اخرى لا يمكن لاية نوعية من ممارسة السفاح ان تكون مقدسة او ملزمة للاجيال الاخرى. ذلك يعني انها لا تحتوي على قيمة اخلاقية ثابتة. اما "الثابت" الوحيد فيها فهو كونها جزء من تاريخ العلاقة الواقعية بين الرجل والمرأة. وهي علاقة متغيرة ومتبدلة. واذا كان بالامكان الحديث عن قيمة عملية فيها فهو مجرد "فنون" الممارسة الجنسية. وهي "فنون" تكشف عن مستوى ونوعية التجارب الجنسية للامم وقدرتها على بلوغ اللذة الحسية بوصفها تعبيرا عن حرية الروح والجسد. فقد كانت الرؤية الاسلامية عن العلاقة الجنسية استمرار ونفيا للتقاليد العربية القديمة. وبهذا المعنى يمكن اعتبار ما قدمه الاسلام بهذا الصدد ثورة كبرى. وليس مصادفة ان يتمكن الاسلام بوصفه رؤية شاملة من إحداث تغيير جوهري في طبيعة العلاقات الاجتماعية. وهو تغيير كان وثيق الارتباط بفكرة الاسلام عن ربط كل نواحي الوجود الانساني بما في ذلك العلاقات الجنسية في مشروعه البديل. وهي رؤية لم يفسدها في وقت لاحق سوى تحولها الى عقيدة، بمعنى الوقوف عند حدودها التاريخية الاولى بوصفها نموذجا مثاليا تاما ومقدسا. مع انه لا قدسية في اي نموذج او أي شكل للممارسة الجنسية. وذلك لانهما يبقيان في افضل الاحوال مجرد جزء من تاريخ "تهذيب" الغريزة. وتاريخ الاسلام بدءا من تاريخ النبوة ونموذجها العملي الملموس في الموقف من الجنس هو تعبير عن التغير والتنوع والتبدل في المواقف والاحكام، اي من "تهذيب الغريزة". كما انه تاريخ يبرهن على ان "المقدس" فيه هو تلبية الغريزة بالشكل الذي يجعلها مقبولة في نظر الخواص والعوام من خلال رفعها الى مصاف التشريع المعقول بظروف المرحلة. والشئ نفسه يمكن قوله عن تجارب "السلف الصالح". فهي تجارب متنوعة ومختلفة ومتباينة ومتضادة احيانا، الا انها تشترك جميعا في نظرتها للعلاقة الجنسية على انها ضرورة حياتية وفرض ديني. وهي رؤية لها مذاقها الخاص ولهفتها الجسدية والروحية في ابداع اهل الحديث وعلم الكلام والفقهاء والفلاسفة والشعراء والادباء ورجال الانتفاضات الشعبية ومغامرات ومؤامرات الخلفاء والامراء والسلاطين. وهي رؤية لم ترتق اية واحدة منها في مجرى الازدهار الثقافي انذاك الى مصاف المقدس. بينما حولها الانحطاط الذي لازم انحسار الحضارة العربية الاسلامية وخراب مراكزها الثقافية السياسية، الى مصاف "العقيدة" المقننة. وهي مفارقة نعثر عليها في تحويل تاريخ النبي محمد الى قدوة في كل شئ باستثناء العلاقة بالنساء، اي نموذج العلاقة الجنسية. وهو استثناء يمكن تأويله المتحزب، شأن كل فعل تاريخي، لكنه يبقى في نهاية المطاف جزء من تاريخ الانحطاط وليس استمرار في تعميق "النموذج النبوي". من هنا لم يكن تقنين "النموذج الاسلامي" في الموقف من الجنس سوى الاستمرار الخشن للقطيعة "المقدسة" بين التاريخ الفعلي واللاهوت السلفي. من هنا امتلائه بالزيف والنفاق والانانية. وفي هذا تكمن سطوته الخشنة على الروح والجسد وتلذذه بادوات القمع الظاهر والباطن، والعلني والمستتر بوصفه الاسلوب المناسب لمناهضة الحرية والتقدم الاجتماعي. فقد ارتبط الانغلاق التاريخي لفكرة الحرية في عالم الاسلام بترسيخ وتأسيس فكرة "شهوة الفرجين" بمقاييس ومعايير "آداب السلوك" والقيم الاخلاقية فقط. وعوضا عن ان يجري تحرير شهوة الفرجين بمعايير الحرية الفردية والاجتماعية جرى تقييدهما بمعايير الفقه والفقهاء (الكبار السن والتقليدين حتى مخ العظام والمليئين بالرياء الاخلاقي والرجولة الناقصة). بعبارة اخرى، ان مرحلة الانحطاط الاسلامي قد قطعت بصورة نهائية امكانية نقل "شهوة الفرج" الى ميدان الحرية الفردية والاجتماعية، من خلال حبسها بقيود الفقه والفقهاء، اي بفهم اولئك الذين تقيدهم الحروف والكلمات وليس المعنى القائم في الحرية والحق الانساني المجرد والواقعي. وهو السبب القائم وراء ضمور امكانية نشوء فلسفة الحرية بشكل عام والجنسية بشكل خاص في تاريخ الاسلام. وليس مصادفة ان تتحول "شهوة الفرجين" الى بداية ونهاية "الاجتهاد" الفقهي لمختلف مدارس الاسلام التقليدية القديمة والحديثة. بل اننا نرى ازدياد شراسة "الاجتهاد" الفقهي بهذا الصدد. وهي شراسة تعكس اولا وقبل كل شئ معالم الانحطاط المادي والمعنوي للحرية الاجتماعية والسياسية. لقد تراكمت معالم الانحطاط المادي والمعنوي للحرية الاجتماعية والسياسية في غضون مرحلة تاريخة طويلة ادت في النهاية الى سيادة "عقيدة" جعلت من الجسد شيئا "مقدسا" هو عين المدنس. وبالعكس، اي جرى تحويل ما هو مصدر للتنديس حسب عرف الفقهاء الى شئ مقدس. مما ادى الى "تكامل" اشكاليات غير قابلة للحل مثل جعل الجسد ميدانا للاخلاق مع انه لا علاقة للجسد بالاخلاق. وذلك لان الاخلاق قيم عملية ونفسية. كما جرى اختزال فكرة الضمير والشرف الى اعضاء جنسية هي شأن كل عضو في الجسم، وتحويل المني والحيامن المنوية الى قوة الشرع والشرعية في تحديد مضمون الاخلاق وحقيقة الشخصية الانسانية. وهي اشكاليات عصية لا تصنع حرية. على العكس انها تعمق وتوسع وترسخ عبودية الروح والجسد. مما ادى في نهاية المطاف الى بلورة ما اسميته بعقيدة العقدة. انها ليست عقدة اوديب، بل عقدة الادب والذهنية التي لا تدرك الحقيقة القائلة، بانه ليس هناك من عقيدة ايا كان مصدر ادعاءها ان تكون ملزمة للامم في مجرى تطورها والتزامها العملي. ان قيمة العقيدة تقوم فقط في كونها نتاجا لابداع الامم في رؤية ذاتها وتطويرها. وبغض النظر عن نتائجها المباشرة، فان ما فيها يبقى في نهاية المطاف جزء من عقل الامم وخرافاتها، علمها وجهلها، حريتها وقيودها، واقعيتها واوهامها، حصافتها وحماقتها، رزانتها وتهورها، اضافة الى كل ما تسعى اليه وما تريد التمسك به. ذلك يعني انها جزء من تجارب الاجتهاد الفردية والاجتماعية، ومن ثم فهي نتاج تجارب تاريخية، المطلق فيها هو حدودها فقط! لكن مفارقة الظاهرة عندنا تقوم في تحول هذه الحدود التاريخية الى حدود اخلاقية وفقهية. ومن ثم "ارتقاءها" الى مصاف العقيدة المقدسة. وهو الامر الذي جعل ويجعل منها قوة قامعة للحرية بشكل عام والجنسية بشكل خاص. وليس مصادفة ان تلتقي في ابعادها "الروحية"، مع روح الاستبداد والدكتاتورية. ***
#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)
Maythem_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشروع الديمقراطي العراقي وفلسفة النفي الشامل للطائفية السي
...
-
الحركة القومية الكردية - المثلث الهمجي للطائفية العرقية 5 من
...
-
التوتاليتارية الشيعية – المثلث الهمجي للطائفية السياسية الجد
...
-
الطائفية السياسية - قاعدة الاحتمال الهمجي في العراق 2 & 3 من
...
-
المثلثات الهمجية - برمودا الانحطاط العراقي 1 من 6
-
الاصولية والعنف في العراق – عنف بلا اصول
-
الشرع والمرأة – حق الانتخاب ام انتخاب الحق
-
اهانة القرآن بين الفضيحة والادانة
-
الحجاب - غطاء لغنيمة الجهاد والاجتهاد الذكوري
-
العلاقة الشيعية الكردية – زواج متعة ام حساب العد والنقد
-
إشكالية الحزب والأيديولوجيا في العراق المعاصر
-
من جلالة الملك الى العم جلال
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق 4 من 4
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق -3 من 4
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق 2 من 4
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق - 1 من 4
-
فلسفة الثقافة البديلة والمثقفين في العراق
-
هل العراق بحاجة إلى قضية كردية؟
-
العمران الديمقراطي في العراق (4-4) فلسفة الثقافة البديلة
-
العمران الديمقراطي في العراق (3-4) المجتمع المدني ومهمات بنا
...
المزيد.....
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول
...
-
اتهامات بغسيل رياضي وتمييز ضد النساء تطارد طموحات السعودية
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
المزيد.....
-
الجندر والجنسانية - جوديث بتلر
/ حسين القطان
-
بول ريكور: الجنس والمقدّس
/ فتحي المسكيني
-
المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم
/ رشيد جرموني
-
الحب والزواج..
/ ايما جولدمان
-
جدلية الجنس - (الفصل الأوّل)
/ شولاميث فايرستون
-
حول الاجهاض
/ منصور حكمت
-
حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية
/ صفاء طميش
-
ملوك الدعارة
/ إدريس ولد القابلة
-
الجنس الحضاري
/ المنصور جعفر
المزيد.....
|