|
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (18)
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 4331 - 2014 / 1 / 10 - 19:04
المحور:
الادب والفن
وديع العبيدي احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (18)
الشاعر.. النبيّ.. ثمة مفردات وصور وإشارات تتكرر في لغة سعدي الشعرية بشكل متفاوت عبر مجاميعه المتعاقبة، وبشكل يسهم تجميعها في تكوين قاموس شعري خاص بألفاظه ورموزه وصوره وأفكاره؛ وبما يعني كذلك مركزية البؤرة التي يصدر عنها عبر تاريخه الشعري، كما يعكس وجود غائية واضحة كامنة يسعى نحوها أو نحو تحققها شعريا –كحدّ أدنى-. وقد سبق الالماح لذلك في المائيات والنباتات والألوان والعمق الغيبي. وأتوقف هنا لدى صفة أخرى في دائرة المصطلح الديني المقابلة لصفة الشاعر.. النبيّ. هذه اللفظة الشائعة التكرار بشكل مباشر أو غير مباشر لتقود القصيدة في اتجاه ما خارج مساحة الورقة. وقد سلف القول.. أن معظم الرموز والمسميات التي ترد لدى سعدي يوسف تتناص مع الدلالات الدينية والنبوية حتى لو بدت بعيدة ومغرقة في علمانيتها، مثل صفة (الشيوعي الأخير) كصفة عصرية للنبي الثوري المناضل لتحرير الفقراء والكادحين من العبودية والاستبداد. ومن حق القارئ المعاصر التساؤل.. بل الاعتراض على علاقة (الشيوعي) ب (الجنّة)، بحسب القاموس الشعبي السائد. فالشيوعية وأهلها في طرف، والجنة كمفردة دينية وأهلها في طرف مقابل –إن يكن نقيض-. إذا كان المقصود بها (جنة شيوعية) فالتعبير المناسب هو (utopia) أو (paradise) بالمصطلح الانجيلي الغربي؛ أما (الجنّة) فهي مصطلح تراثي شرقي عميق الأثر في الوعي الجمعي للعرب الثابت الدلالة والتأثير. وحيث يتحول أمرؤ القيس الشاعر في القصيدة إلى نبي [قصيدة (غادر الآن)/ لندن في 22. 11. 2011]، يقول في نص آخر.. أجلسُ عند الشبّاكِ المفتوحِ قليلاً ... أشهَدُ معجزةً : كان الوشَعُ اللامرئيُّ ، الـمُرخى بزجاج الشبّاكِ ، يشِعُّ الوشَعُ اللامرئيُّ يشِعُّ ، متيناً ، بلّوراً ... أيُّ عناكبَ ظلّتْ تنسجُ هذا البلّورَ ؟ لأيّ نبيٍّ كانت تنسجُ هذا البلّورَ ؟ [(ما نسج العنكبوت)- 25. 11. 2012] والنص تسجيل لمقطع من سيرة ذاتية، لكن دلالات العنكبوت ونسجه تستفز ذهنية القارئ باتجاه واضح، لا تكذبه الدلالات الأخرى لمفردات [معجزة، الوشع اللامرئي، البلور]، لينتهي بالتصريح الحاسم (لأيّ نبيّ كانت تنسج..)!. وفي نص آخر يصف نفسه بالنبيّ.. "غرفة العمليات حيث يموت النبيّ هي الغرفة 13 /[لندن في 13. 12. 2013] في الدراسات الأدبية تسجل هذه الظاهرة في باب الأستعارة أو في مجال [رمز، اسطورة، قناع]، لكن ما لم يدرس أو يؤشر هو [المصادَرة].. حيث أفضل طريقة لمواجهة [منافسة/ محارَبة] طرف آخر هو الاستيلاء على لغته ومصادَرة مصطلحاته وشعاراته، وهو أمر، -قد- يعجز الطرف الآخر عن معالجته بالمثل. وفي مثلِ معجزةٍ ، مثل ما كان يَحْدُثُ للأنبياءِ أتتْني مع الظُّهرِ ... آنُ التي هي مريمُ . [قصيدة (درب الزجاجيين)/ لندن 20. 3. 2012] في أيام الحرب الباردة، قام كلّ معسكر بوصف الآخر بالفاشية، واليوم ترفع العولمة شعارات الدمقراطية والثقافة الشعبية، المستعارة في أصلها من مفهوم (الجماهير) و(عصر الشعوب) الذي نادت به ثورة اكتوبر (1917) والمعبّرة في جوهرها عن حاجات الطبقات الشعبية الكادحة وحقوق الشغيلة والفئات المستغلة بحكم النظام الاقتصادي الطبقي. استولت الأمركة على المصطلحات وأفرغتها من مضامينها الجوهرية، بل حرّفتها إلى معنى مضادّ. وفي ظل العولمة، لم تتسطح الثقافة والفنون فحسب، وانما زادت معاناة الفقراء واستشرى الاستغلال والكذب والجريمة. ان أحد الأسباب البنيوية للاشكالية الفكرية للشيوعية العربية هو موقفها التكتيكي في مسايرة التيارات الدينية والدخول معها في صفقات وتحالفات معلنة أو سريّة. واستقراء صلة اللغة الشعرية بالموروث عموما، وبالديني منه تحديدا، يفهم ضمن موقف عام و(قرار سابق) للشيوعية العربية تعود بتاريخها إلى تزايد اهتمام الباحثين والمنظرين الشيوعين بالتراث العربي والاسلامي كما لدى.. حسين مروة [1910- 1987] صاحب (النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية). وهادي العلوي [1933- 1998] في أبحاثه التراثية. ان تحطيم القوالب وتليين الحافات واستزادة التناصات، ضرورات تقتضيها اللغة والثقافة والظواهر الاجتماعية لتحقيق مزيد من الانسجام والسلم المجتمعي، عندما تستند للعقل وتتسم بالجدية، لتكون منهجا عاما في حركة التطور الاجتماعي والثقافي.. وبالتزامن التاريخي، يشكل ظهور شخصية (الأخضر..) جزء من تلك الموجة، والتي يمكن استقراؤها لدى أدباء وشعراء عرب كثيرين أيضا، باتجاهات ومستويات متفاوتة. مثل هذا الاستنتاج قد يبدو متعسفا في توصيف ظاهرة معينة، لكنه يؤكد ان نبتة الشعر لا تنمو وتكبر في أنبوبة (مفرغة من الهواء) كما في التجارب المختبرية. مع الآخذ بنظر الاعتبار التصريح الواضح والمكرر وبلغة لا تخلو من [إصرار ومفاخَرة] من قبل الشاعر بانتمائه السياسي وولائه لأيديولوجية عالمية معروفة. الهوية الأيديولجية للشعر، شاعت في ظل الحرب الباردة [الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين] ولعبت دورا في مجال الدعاية [ضدّ الامبريالية الأمريكية!]، مترافقة مع أفكار سارتر [1905- 1980] عن الأديب الملتزم والالتزام في الأدب. ومنذ السبعينيات اتجه الأدب للتحرر من (الأيديولوجيا) والاتجاه للهويات والمفاهيم الوطنية والانسانية العامة. مما يدفع لسؤال عن عودة دعوة [الشيوعي الأخير..]!. مبرر ذلك مرتبط بزمكانيته كراهن سياسي. حيث يضع الشاعر نفسه حارسا للمبادئ والأفكار والمواقف الأصلية للحركة الشيوعية، التي يجدها تراجعت لدى [رفاقه (الذين) لم يُسَمـوا الاحتلال احتلالاً.]. لكن (الشيوعي) وتوارده المتجدد، هو تعبير خارجي عن استمرار آلية الصراع بين الوعي واللاوعي لديه أيضا؛ بين الراهنية القلقة وبين الأعماق الهادئة وراء طفولة بعيدة. ثمة محاولات حثيثة للتقريب بين (الأخضر) و (الشيوعي) لمدة الشاعر، وهي مفاهيم مفتوحة خارج النمطية والقولبة في شعره، وتقدم قصيدته الجديدة نموذجا للتقريب أو التماهي بين (الشيوعي) و(المسيح).. [المسيح رفيقنا..] هو لم يكُنْ يدري بأنّ العامَ أوشكَ أو يكادُ فأيُّ معنىً للتتالي ؟ ساعةٌ من بَعدِ أُخرى ... ثمّ ماذا ؟ كانت الأعوامُ شاخصةً لديه مع اندفاعِ الكونِ أحمرَ : ثورةً من بعدِ أخرى . ثَمَّ في باريسَ راياتٌ لكوموناتها . في قلب بتروغراد يستهدي لنينُ برايةِ الفقراءِ. في بغدادَ جسرٌ ... أيُّ معنىً للتتالي الآنَ ؟ ................. ................. ................. يلتفتُ الشيوعيُّ الأخيرُ إلى رفيقته ، يقولُ لها : لـنُمضِ مساءَ هذا اليومِ ، يا إقبالُ ، في بارِ الضواحي ! هكذا نمضي ... تقولُ له رفيقتُه : أنحتفلُ العشيّةَ بانتهاءِ العامِ ؟ أم نستقبلُ الآتي ؟ يقولُ لها الشيوعيُّ الأخيرُ ، مُقَبِّلاً ،ثمِلاً ، أناملَها : سنحتفلُ! المسيحُ رفيقُنا ، حتى وإنْ جعلوه ، عن قصْدٍ ، نبيّــاً ... إننا، من أجْلِ هذا الكونِ ، نحتفلُ !
[قصيدة (الشيوعي الأخير في رأس السنة)/ لندن 9/1/2014] صفة الانتماء (الكوني) هي بديل للانتماء (الأممي) المحدد في مجال التاريخ. والكونية – خارج سياق الفيزياء- هي جزء من القاموس الديني وأحد المهيمنات التكرارية لدى الشاعر.. لقد همد الكون الكون أعمى.. [قصيدة (عناد) / لندن 11. 12. 2010] هل ينفجر الكون إذا انطلقت صيحة طير؟ [ قصيدة (محاولة تثبيت)/ لندن 19. 12. 2012] ومن مرادفات (الكون) [مجرات، العالم، الدنيا].. من نقطةٍ فُـقِئَتْ على إحدى الـمَجـرّاتِ.. / [قصيدة (رباعية الضوء البعيد)/ 19. 11. 2010] كأنّ العالمَ لم يتكون بعدُ.. / [قصيدة (منظر صباحي)/ لندن 30. 6. 2012] سنجوب بحار العالم.. [(في تلك الثمانينيات)/ لندن 1. 1. 2009] أعتمت الدنيا (كنّا في السادسةِ) / [قصيدة (ما نسج العنكبوت)/ لندن 25. 12. 2012] فالصلة بين (الشاعر) و(النبيّ) هي عود للبعد الصوفي في وحدة المصدر والوحي واختلاف طرائق التعبير والوصول. أنا أجلسُ عند الشبّاكِ المفتوحِ قليلاً لأدخِّنَ ... أعتمت الدنيا (كنّا في السادسة..) صدَقَ العرّافونَ : المطرُ الصامتُ ينهمرُ. لكني أسمعُ ... ماذا ؟ أغصاناً تتقصّفُ ؟ ممشى غزلانِ الغابةِ ؟ خرخشةً لثعالبَ ؟ أهوَ الوبْلُ المتدافعُ في الريحِ الليليّةِ ؟ أجلسُ عند الشبّاكِ المفتوحِ قليلاً ... أشهَدُ معجزةً : كان الوشَعُ اللامرئيُّ ، الـمُرخى بزجاج الشبّاكِ ، يشِعُّ الوشَعُ اللامرئيُّ يشِعُّ ، متيناً ، بلّوراً ... أيُّ عناكبَ ظلّتْ تنسجُ هذا البلّورَ ؟ لأيّ نبيٍّ كانت تنسجُ هذا البلّورَ ؟ ............... ............... ............... أنا أجلسُ عند الشبّاكِ المفتوحِ قليلاً لأُدَخِّنَ . [قصيدة (ما نسجَ العنكبوتُ)/ لندن 25.11.2012]
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (17)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (16)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (15)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (14)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (13)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (12)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (11)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (10)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (9)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (8)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (7)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (6)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (5)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (4)
-
انحطاط الأمة.. والخوف من الكلمة
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (3)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (2)
-
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (1)
-
اتجاهات الرأي.. والرؤية العراقية
-
الكراهية.. الأكثر كراهية!..
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|