أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد سالم - فتح أم غزو الأندلس؟!













المزيد.....

فتح أم غزو الأندلس؟!


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4329 - 2014 / 1 / 8 - 10:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



منذ سنوات بينما كان عاهلا إسبانيا، خوان كارلوس وزوجه صوفيا، يستعدان لزيارة إحدى الدول العربية في شمالي إفريقيا، أعدت السلطات الإسبانية شريطًا حول العلاقات العربية الإسبانية منذ "غزو" الأندلس حتى اليوم، مرورًا بالعلاقات الثنائية بين البلدين. كُلف أحدهم بترجمة الشريط إلى العربية، دون أن يدرك حساسية الفرق بين لفظي "غزو" و"فتح" بالنسبة للعرب، فآثر الأول، فما كان من سلطات ذلك البلد العربي سوى أن تعيد الشريط لاستدارك هذا "الخطأ الجسيم"! كان الوضع شائكًا للسلطات الإسبانية التي لم تكن تعرف هذا "الفارق الجسيم" في لفظي لغة الضاد، خاصة وأن لا وجود لهذا المشكل في اللغة الإسبانية، إذ لا يوجد سوى المصدر conquistaومنه اشتق لفظ حرب الاسترداد لشبه الجزيرة من العرب reconquista.
عودة إلى ماضٍ مشترك بين العرب والإسبان فإن الثاني من شهر يناير يصادف ذكرى سقوط غرناطة، آخر معقل للإسلام في شبه جزيرة أيبيريا بعد حضور دام ثمانية قرون، بدأ في عام 711م وانتهى رسميًا في الثاني من يناير عام 1492، بتسليم الملك أبي عبد الله الصغير مفاتيح القصور الملكية في غرناطة إلى الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيسابيل. وبهذا اليوم المشؤوم في التاريخ العربي بدأ البكاء على الفردوس المفقود، رغم أنه لم يكن يومًا فردوسًا بالمعنى العربي الإسلامي، أي لم تكن فيه أنهار من حليب وعسل، بل كان فيه أنهار دماء ومحاكم تفتيش، رغم فترات التلاقح والتعايش بين حضارتي المتوسط، ما أفرز ثمرةً غضة لا تزال شواهدها قائمة حتى اليوم في فن العمارة والبستنة.
منذ أيام تجول في خاطري تلك الحادثة، حادثة ترجمة الشريط، التي تعود إلى أوائل ثمانينات القرن العشرين متلحفة بالتساؤل حول ما إذا كان وصول العرب والبربر إلى الأندلس فتحًا أو غزوًا. وهل هناك فارق لغوي أو فلسفي إذا كانت قد أسيلت الدماء من أجل الفتح أو الغزو؟ ألم يكن يسكن شبه جزيرة أيبيريا شعب له ثقافته ودينه ودولته؟ هل طلب أهل أيبيريا دخول العرب كي ينقلوا عنهم تعاليم ديننا أم أن مساعدة يوليان حاكم سبته لطارق بن زياد لانزال الهزيمة بلذريق دعوة مفتوحة لاحتلال البلاد؟ كان هناك شعب تراكمي، كبقية شعوب الدول المعبر، شكلته طبقات الغزو والهجرة، أعني هنا الدول الجسر بين ثقافات وحضارات مثل إسبانيا والمغرب ومصر والعراق وتركيا.
هناك مفهوم جارٍ مفاده أن الفتح يكون لمنطقة مهجورة، بلا شعب ولا دولة، أو لنشر الدين حسب المفهوم الإسلامي المبطن. وحسب لسان العرب المحيط فإن "الفتح نقيض انغلاق، والفتح: افتتاح دار الحرب، وجمعه فتوح، وهو: النصر، وفي حديث الحديبية: أهو فتح؟ أي نصر."
وما بين الفتح والفردوس المفقود ضاعت جهود عشرات السنين ونحن نصر على أن الحضور العربي في الأندلس كان فتحًا أودى إلى فردوس مفقود، وتعاملنا مع الحالة كالنعام، دون أن نتوقف للتأمل واستخلاص الدروس لتفادي الأخطاء والتشرذم الذي نعيشه اليوم من الماء إلى الماء. ولمن يرد الاستزادة حول هذا الأمر فليقرأ تاريخ ملوك الطوائف في الأندلس ليدرك أن أخطاء الماضي تجاه الأخ وتملق الآخر تتكرر اليوم بحذافيرها، وأبرزها التحالف مع هذا الآخر لضرب الشقيق. علينا بالولوج في قراءة مغايرة لما حدث في حرب الخليج الأولى والثانية، وقضية الصحراء الغربية، ومشروع قناة الجزيرة القطرية، وتمزيق السودان، وبيع ليبيا في سوق النخاسة الغربية، واليوم سورية. سيخرج كل واحد بتبرير ما حدث ويحدث، لكن القلة القليلة التي ستدافع عن "الشقيق" ستُقابل باستهجان واستخفاف.
وبقدر ما كانت الأندلس عربية إسلامية كانت مسيحية أوروبية، إذ كانت امتداد للتمازج والتناضح بين حضارات البحر المتوسط، البوتقة التي انصهرت فيها ثقافات الشعوب المتأملة لزرقة مياهه وسمائه. قام العرب باعادة قولبة ما اغترفوه من حضارتهم التي ارتوت من الحضارة الهلينية الرومانية. بيد أن العنصر اليهودي في الأندلس في حجم وقوة العنصرين الآخرين. وهنا تكمن كذبة أخرى من أكاذيب اليهود، إذ يصرون على أن الأندلس كانت صنيعة العناصر الثلاثة، وهذه كذبة تاريخية تحولت إلى شبه حقيقة في مخيلة الكثير من الإسبان بفضل وسائل الإعلام الموجهة وبعض الباحثين.
في لقاء مع المستعرب الإسباني بدرو تشالميتا أخبرني متحديًا أن العرب غزو شبه جزيرة أيبيريا من أجل الخيل والنساء!!! وكان مصدر تحديه في هذه المعلومة المصادر، الأخبار، العربية التي توثق هذه المعلومة التي كانت مفجعة لي. بيد أن مبررها يكمن في أن العرب كانوا في حاجة إلى الخيل في توسعاتهم العسكرية، إذ كان الخيل أداة الحرب السيارة الأولى في الانتقال والتحرك في جبهات القتال. أما مسألة النساء فهذا أمر يحتاج إلى تمحيص، وإن لم يكن غريبًا، فالفارق جلي بين نساء تربين على شظف العيش في البادية وآخريات عشن حياة مستقرة في حضارة نمت في وديان الأنهار.
هناك سؤال ملح حول الأسباب التي أدت إلى استئصال شأفة العرب من الأندلس ما بين عامي 1492م، تسليم غرناطة، و1613م، طرد الموريسكيين: كيف يمكن القضاء على جزء من شعب ولد في أرض وعاش عليها حوالي ألف عام؟ وكي نقترب من فداحة الواقعة، علينا أن نتصور اليوم امكان طرد العرب المسلمين من أي بلد في المغرب العربي، بعد تواجد لهم دام ألف وثلاثمائة عام. بالطبع لا يتخيل هذا الأمر شخص عاقل. إنه لضرب من الوهم والخيال، ومع هذا فقد حدث في الأندلس منذ خمسائة عام.
كان للإسبان أسبابهم في استئصال أولئك "الغرباء"، إذ كانوا يريدون، من منظور قومي قصير النظر، توحيد بلادهم بعد قرون من التمزق والتحارب بين الممالك التي شكلتها. وكان حكامها ومن خلفهم الكنيسة الكاثوليكية يريدون تحقيق الوحدة ثقافيًا ودينيًا لتعود امتدادًا لسياقها الأوروبي. خسرت إسبانيا كثيرًا بطرد الموريسكيين، واليوم لا ينكرون الضرر الذي لحق ببلادهم جراء ذلك القرار بطرد الموريسكيين.
كان للحضور العربي الإسلامي في بلاد الأندلس بصمات فذة في مجالات عدة، تأتي العمارة على رأسها، والزراعة والبستنة وشق القنوات والصناعات. ساد التعايش العربي المسيحي فترات ازدهار وتسامح واسعة، لكن الدماء سالت في أمكنة واسعة منها. ومن يرد الاستزادة فليقرأ عن معركة الزلاقة 1086م، ومحاكم التفتيش، والتعصب الديني الذي أتى على مؤلفات ابن رشد، من بين آخرين.
يذكرني الحديث عن الفردوس المفقود، الأندلس، بالتشدق عن الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية حيث يدعون سيادة العدل والسلم، وينسون أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين قُتلوا، ولم تدم هذه الدولة سوى ثلاثة عقود.
من حق الإنسان أن يحلم لكن التمادي في الحلم يتحول أحيانًا إلى كابوس، وإذا بالغ في أحلامه تصبح كالكذاب إذ ينتهي إلى تصديق نفسه ما يحول بينه وبين الواقع. وما يحدث تجاه ظاهرة الأندلس، الفردوس المفقود، خير مثال. إننا اليوم نجني ثمرة المبالغة في الأحلام واتباع سياسة النعام.



#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملحمة إلسِيد: تكوينها وتأليفها العربي
- إداورد سعيد رمزًا للتسامح الأندلسي - في ذكرى رحيله
- من أدب الصعاليك الإسباني (حياة لاثاريّو دي تورمس، حظوظه السع ...
- لن تتحرر المرأة إلا إذا كانت قوة ضاغطة تغير القوانين والفكر ...
- في ذكرى رحيل خوسيه ثيلا خامس وأخر نوبل إسباني للآداب
- حضارة الفرجة: صناعة الرموز الرخيصة وشيطنة الآخر
- زمن الفرجة: صناعة الرموز الرخيصة وشيطة الآخر البرادعي نموذجً ...
- نطاق خشبة المسرح بين التقليد والتجديد
- تطور حركة الإستعراب الإسباني
- الكاتب الإسباني أنطونيو غالا: الأندلس تتملكني، فهي الهواء ال ...
- تأثير نوبل نجيب محفوظ على الترجمة من العربية إلى الإسبانية
- عالم الأندلسيات محمود مكي يترجل إلى الآخرة من بلاد الأندلس
- الغيطاني وجدلية المجرد والمحسوس في -متون الأهرام- *
- الشاعر رفائيل ألبرتي : تأثرت بالشعر العربي الاندلسي وغارثيا ...
- الإسلاميون والديمقراطية في مفترق طرق
- سورية في قلب أم الدنيا
- الرؤيا في شعر البياتي
- لا تجبروا جيش الشعب المصري على أن يكون فاعلاً على غرار جيوش ...
- أزمة اللغة في -المسرح الجديد- في إسبانيا
- مشاهد بعد معركة الإخوان المسلمين


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد سالم - فتح أم غزو الأندلس؟!