|
حركة المعارضة بين المقاطعة والمشاركة (1-3):البناء الثقافي وصراع الزعامة
عبدالله هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 1231 - 2005 / 6 / 17 - 11:20
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
الوعي العام والبناء الثقافي شكلا أبرز أسس الموقف السياسي من الانتخابات النيابية وأتى ذلك ضمن آلية ذات خصوصية بالنسبة للحركة الشعبية البحرينية حيث يمثل قطاع الشباب الذي انخرط في الانتفاض الجماهيري على مدى الخمسة الأعوام الأخيرة من القرن الماضي أهم القطاعات الحية في الحركة السياسية وهو ذو أهمية وسطوة خاصة في تكوين التيار الاسلامي الشيعي وقراره ، كما أنه ذو بناء ثقافي عقائدي وتاريخي يتصل بقيم الشهادة والسيف والثورة التاريخية التي سوف يأتي في سياقها أو مع انتصارها يوماً يسود فيه العدل والانصاف وتنعم معه الأمة بانتشار العدالة الاجتماعية وربما البشرية جمعاء . وقد تعززت هذه القيم مع تنامي القمع والتمييز على مدى الثلاثة عقود الماضية وعندما اندلعت الاحتجاجات التي تحولت الى مواجهات عنيفة تأججت خلالها روح الخصومة ذات الأبعاد المختلفة مع النظام وتحول المطلب الديموقراطي بإعادة العمل بدستور 1973م الى مظلة سياسة مشروعة لكل ما يعتمل من حساسية وخصومة وبغض ولدته أزمنة الاضطهاد . لذلك فإن المشروع الديموقراطي وما أتى به من غل يد البوليس السياسي واطلاق سراح المعتقلين والمحكومين السياسيين وإعادة المنفيين وإعطاء المرأة حقوقها السياسية ومنح الجنسية لعشرات الآلاف من البحرينيين من عديمي الجنسية وإطلاق حرية العمل السياسي وتوسيع هامش حرية التعبير والنشر وذلك بشكل لا يوجد مثيله في دول العالم الثالث كل ذلك لم يكن كافياً لقطاع الشباب المؤدلج المسكون بتحدي مضطهديه ومضطهدي طائفته ودينه وسارقي قوته ومجهليه هذا الشباب الذي يحاكي حركات سياسية تنتهج أساليب واستراتيجيات جهادية فالقبضات وعصابات الرؤوس المعلنة للعزم والحزم والمواكب وبطولات المواجهة العنيفة مع أجهزة الأمن ولا يهم إذا كانت مع عدو اسرائيلي على غرار جنوب لبنان وداخل فلسطين أو داخل الدولة الوطنية ولا يهم إذا كان في ظل قمع وتنكيل أو في ظل ديموقراطية وتسامح مشهود . إن مثل هذا الوعي لدى هذا القطاع بين وظاهر لكل من يعرف تكوين هذا القطاع الهام سياسياً كما أن أي قائد سياسي أو شعبي يعلم جيداً وبشكل بسيط وسهل جداً أنه بإمكانه أن يجتذب هذا القطاع ويستنفره بمجرد أن يتخذ موقفاً سياسياً معارضاً عالي السقف يوفر استمرار معارضه ذات طبيعة راديكالية . وهذا ما حدث فعلاً حيث أنه مع اعلان أحد القادة الشعبيين موقفاً بمقاطعة الانتخابات انحاز اليه هذا القطاع المهم من الشباب ومع استمرار محاولة تأصيل هذا الموقف فقد تنامى هذا التيار بحيث حاصر قيادات ومرجعيات دينية وسياسية مهمة تنتمي الى ذات التيار وكانت ترى أن المشاركة في الانتخابات هو الموقف الصائب ، كما إن اتخاذ موقف المقاطعة كان مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالمنافسة حول الزعامة السياسية للتيار الاسلامي الشيعي ( الخميني التوجه أو تيار ولاية الفقيه ) فالمقاطعة كانت رافعة لتيار قبالة تيار ولزعامة قبالة زعامة وما إطلاق ما عرف مؤخراً بالتنحي والاعتزال إلا نتاج لهذه التداعيات الداخلية وعلى رغم الاختلاف في الرؤى والمناهج إلا أننا نقول إن خروج القيادات الثقاة التي مرت باختبار التسعينات من قيادة الحركة في هذه الظروف هي خسارة فادحة للحركة الشعبية وحركة المعارضة وانصياعاً لقوانين هذا التزاحم اضطر الأضداد الى ركوب ذات المركب حتى لا تجف المياه من حولهم . وهذه المياه بطبيعة الحال هي الجماهير التي يصوغها الوعي العام الذاتي لها . والمركب هي المقاطعة التي ركبها طارحها ورافضها ، إذاً للمقاطعة اسبابها العديدة غير ما تعودت الناس على سماعه مرات ومرات في شرح الدستور الجديد وفقاً لمناهج الوعض والمجاراة الديماغوجية لرغبات الجماهير واستثارة عواطفها في حالة من الترديد الذي يشبه محادثة النفس واستعانت قوى المقاطعة في هذه المحاضرات برجال قانون ذوي بناء مهني وأكاديمي فقط إذ أن علاقتهم بمجمل الحركة السياسية ومجرياتها كانت محدودة جداً على مدى عقد التسعينات وخطورة هذا الأمر يكمن في أنهم استطاعوا بوصفهم تكنوقراطي تصوير القضية والمعضلة على أنها مشكلة قانونية وحقوقية في الوقت الذي كان مطلوب أن تتجنب قيادة الحركة مثل هذا اللغو لتضع مجمل الأوضاع في إطارها الصحيح وهو إطاراً سياسياً وتبدأ في تدارس ميزان القوى داخلياً وإقيمياً ودولياً باعتبار أن المشكل مشكل سياسي وليس قانوني ، كما إن التداعيات الخاصة داخل القوة القائدة لموقف المقاطعة كانت تلعب دوراً حاسماً في مواقف القوى التابعة سواء كان بوعي منها أو بدون وعي ، فعندما استحكم الموقف في شارع القوة القائدة وأضطر الجميع الى اتخاذه أنصاعت القوى التابعة لإتخاذ الموقف ذاته وفقاً لمعايير المصلحة الآنية فمنهم من يعيش في وسط الشارع المقاطع وهو يعايش حالة الهياج ويتفاعل معها أو أنه يخشاها كما أن هناك بعداً لدى البعض الآخر منهم يتوافق مع البقاء غير بعيد عن عباءة القوة القائدة لأنه يستمد ثقلاً سياسياً مصطنعاً من هذا التموضع وهذا كله ما يقودنا على المستوى العام الموضوعي الى نتيجة غاية في الخطورة على الحركة الشعبية البحرينية وهي ما يوجب طرح تساؤل مهم وهو هل كانت المقاطعة أسبق أم المطالبة بدستور 1973 بوصفه هدفاً هو الأسبق؟ بمعنى هل الوسيلة كانت بحاجة الى هدف يبررها أم الهدف كان بحاجة الى وسيلة لتحقيقه؟ ومن هنا كان التخبط اللاحق فهل المطلوب دستور 1973م أم المطلوب مكتسبات دستور 1973 ، ولكل منهما اشكالياته المنيعة العصية على الاختراق وهناك استحالة لتحقيقه . فإنه من الوجهة الدستورية هناك استحالة للرجوع الى نصف دستور أو جزء من دستور فالمطالبة بدستور 1973م يعني الرجوع لإعادة العمل بالدستور كله أي بما فيه أن دستور 1973م ينظم إمارة وهذا ما يعيد التسميات الدستورية بموجب هذا الدستور أي أنه لا يمكن ووفقاً للقانون الدولي العام والبرتكول الدولي أن يكون هناك نظام جمهوري وأن رأس الدولة يسمى ملك مثلاً ناهيك عن المبالغ الهائلة التي صرفت على عملية التحول وأخذ موافقات الدول والأنظمة التي تم التواصل معها من خلال مساع دبلوماسية ومصلحية معقدة وإن المطالبين بإعادة العمل بهذا الدستور عندما يقولون أنه ليس لدينا مانع بأن تبقى الملكية والملك ولكن ينعقد المجلس الوطني وتتم التعديلات بموجب المادة (104) فهذا رأي فيه من التبسيط المخل الكثير ، ويوحي بشئ من عدم استكمال المعرفة القانونية فالمسألة ليست كيفية وإنتقائية وإنما هو دستور معلقة مواده إذا ما تقرر العمل به وإنهاء التعليق سوف يعمل به كله هو الأمر الذي يعيد الملك أميراً والمملكة إمارة . وبشكل عام فإنه يجب التنويه الى حقيقة تاريخية مهمة وهي أننا عندما طالبنا عام 1992م بإعادة العمل بدستور 1973م ليس لأنه أفضل الدساتير وليس لأنه أكثر ما يستحقه الشعب البحريني وإنما كنا قد طالبنا به لمقتضيات سياسية وهو أنه وثيقة وقع عليها وأقرها الطرفين الحكم والشعب وهذا ما سوف يسهل عملية التعاطف مع الحركة الدستورية ويوسع معسكر حلفاؤها وأصدقاءها في المحيط الاقليمي والدولي ويضع النظام الرافض للحياة الدستورية في مواقع سياسية وحقوقية صعبة
وعودة الى مقومات البناء الثقافي بوصفه أساساً مهماً لاتخاذ موقف المقاطعة والتداعيات السياسية التي أدت الى اتخاذ الموقف داخل القوة القائدة يمكن القول استشرافاً إن ما يحدث اليوم من حراك داخل التيار الاسلامي الشيعي من تباين في الرؤى هو صيرورة حتمية ضمن عملية الارتقاء السياسي حيث أن واقع هذا التيار كان يلفه المذهبي والديني وهذه مرحلة يبدو أنها أخذت تغير ملامحها فالعمل السياسي اليومي سوف يفرض قواعده وأحكامه فلا يمكن سياسياً أن يكون هناك وحدانية سياسة كما هي الوحدانية الدينية فالجهة الواحدة الشاملة الجامعة الممثلة لتشكيل مذهبي واجتماعي سياسياً غير ممكنة فالتعددية تفرضها الخيارات والاجتهادات بين المناهج للوصول الى التحقيق الأمثل للمصلحة ومثلت المقاطعة والمشاركة والقبول بدستور 2002م أو المطالبة بدستور 1973م منعطفاً مهماً على هذا الصعيد . وبالاستناد الى ذلك فإن موقفاً سياسياً يشكل منعطف خطير في التاريخ السياسي البحريني كالموقف من الدستور والانتخابات سوف تكون له تداعياته المستقبلية على هذه القوة السياسية وسوف تؤل هذه التداعيات الى إنشطارات وفرز يؤدي الى نشؤ قوى سياسية متعددة برؤى متعددة وسوف تعول جميع هذه القوى على الموروث الديني والمذهبي ودفع البناء الثقافي الراهن وهو الأمر الذي سيبقى هذه القوى تراوح سياسياً في مواطن يصعب معها استشراف الابداع السياسي للموقف كما أنها بطبيعة الحال سوف تراوح على مستوى بناء منهجية التراكم والكسب التاريخي .
#عبدالله_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوعي الشمول (3-3): العنف والإلتباس
-
الوعي الشمولي (2-3):ثورة تاريخية أم كيانية بحرينية
-
الوعي الشمولي (1-3) : دولة بني أمية والإسقاط التاريخي
-
ليس من حق ممثل الشعب حمل مطالب الناس من دون موافقة الهيئة ال
...
-
الاعتصام تراجع نهج المقاطعة.. والسداسي&
...
-
رئيس التجمع الديمقراطي إلى النواب: لا تكونوا رقما في تعميق م
...
المزيد.....
-
الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس
...
-
الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو
...
-
غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني
...
-
انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
-
خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
-
عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ
...
-
روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا
...
-
عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
-
مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات
...
-
السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية!
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|