رئاسة اقليم كردستان العراق ( 1 ) خصوصية مميزة وشرعية كاملة

صلاح بدرالدين

الحوار المتمدن-العدد: 1231 - 2005 / 6 / 17 - 11:49
المحور: القضية الكردية
    

في البلدان ذات الانظمة الديموقراطية تصاغ الدساتير وتوضع القوانين وتمارس اساليب الحكم عادة حسب ارادة مجتمعاتها في تقرير مصيرها السياسي والاداري والاجتماعي ولا شك ان جميع اشكال البنى الفوقية ومظاهر السلطة والحكم تعبر عن حصيلة ما تتوصل اليها الاغلبية وتراها مناسبة لمستقبل الشعب والوطن , كما تدل في الوقت ذاته وفي جوانب اساسية على خصوصية المجتمعات المعنية النابعة بدورها من درجات وعيها وحضارتها وتاريخها وحاضرها الثقافي ونشأتها القومية وجذورها الوطنية , ولدى الامعان في التجربة الفدرالية الكردستانية في العراق ضمن هذا المنظور خاصة بعد الآفاق الواسعة التي ترتبت على سقوط الدكتاتورية وسير العملية السياسية على طريق البناء الديموقراطي في العراق الفدرالي التعددي الجديد , نتلمس الى جانب القواسم المشتركة العامة مع تجارب الشعوب في حل المسالة القومية عبر النظام الفدرالي المعمول به في العالم منذ بداية القرن التاسع عشر خصوصيتهاالكردية التاريخية والجغرافية التي تتجلى باوضح صورها في استحداث منصب رئاسة اقليم كردستان الفدرالي ومن ثم شاغل هذا الموقع وما يتمتع به من مكانة قومية وسياسية وشخصية كاريزمية لدى اهل كردستان .
في مختلف تطبيقات النظام الفدرالي يجري الاستناد في ادارة الحكم في الاقليم المعني على السلطتين التشريعية والتنفيذية مع دور – قليل او كثير – للسلطة القضائية التي يجب ان تكون مستقلة حسب المفهوم الديموقراطي , وتختلف طبيعة وشكل وصلاحيات السلطة التنفيذية بين التجارب والتطبيقات القائمة في مختلف انحاء العالم حيث كلما كان النظام الاتحادي اقرب الى مبادىء العدل والمساواة كلما كان التطبيق الفدرالي اكثر نجاحا واضمن مستقبلا واكثر مجالا لحرية تقرير المصير وحسب الاختيار الطوعي من جانب سكان الاقليم المعني , في التجربة الفدرالية الكردستانية في العراق نشهد خصوصيات لا مثيل لها في تاريخنا الحديث فمن جهة يشكل التطبيق الفدرالي حلا للقضية القومية الكردية المتفاقمة في العراق كبلد متعدد القوميات منذ حوالي القرن وفي الوقت ذاته يتميز اقليم كردستان ايضا بتعدد قومي ( كلدان تركمان آشور عرب ) ويحتاج ايضا الى حلول قومية وسيكون النظام الفدرالي الراهن منوطا بانجاز الحلول المطلوبة لقضايا جميع سكان كردستان الاصليين وبالتالي مبعث ارتياحهم ورضاهم ودافعا لحرصهم اللامحدود على نجاحه , لذلك نلاحظ ان التجربة الكردستانية تنتظر مهام مركبة ومتعددة مميزة بحد ذاتها , اما الخصوصية الاكثر وضوحا واهمية التي تكاد تنفرد بها هذه التجربة فهي استحداث منصب رئيس الاقليم كما ذكرنا كرمز ومسؤول بصلاحيات على راس السلطة التنفيذية .
مصادر شرعية رئيس اقليم كردستان :
ان تناولنا لهذا الموضوع يندرج في محاولة الاحاطة بدور الفرد في التاريخ وهو في هذه الحالة الرئيس مسعود بارزاني في اطار المجرى العام لكفاح ومسيرة الحركة التحررية القومية في كردستان العراق وعندما نشير الى مميزاته الشخصية وفعاليته عبر عقود وامكانياته في تحقيق الاهداف القومية والوطنية واوجه منطلقاته فاننا بكل تاكيد لانفصله ولو للحظة عن مسار تاريخ الحركة بكل انجازاتها وكبواتها لان الرجل وضمن قافلة العائلة البارزانية منذ اجيال لم يخرجوا يوما من اطار التاريخ القومي الكردستاني بل كانوا دوما الشعلة الوقادة في ثورات وانتفاضات الكرد والقوة المحركة الاساسية في اعادة اتمام المسيرة من جديد خاصة بعد حصول النكبات والهزائم على ايدي القوى الشوفينية المستبدة التي كانت موازين القوى مختلة لصالحها في اكثر الاوقات لذلك من حقنا بل من واجبنا بعد الحدث التاريخي في انتخاب الرئيس من محاولة قراءة موضوعية علمية في تلمس الاسس الشرعية التي يستند اليها رئيس اقليم كردستان المنتخب .
اولا - الشرعية التاريخية :
وتتجلى بكونه سليل عائلة انخرطت مبكرا في العمل القومي وتصدرت قيادة الكفاح منذ عهد جده الاكبر الشيخ عبدالسلام الذي اعدم على ايدي العثمانيين بسبب نشاطاته الوطنية والاصلاحية وانتقلت الراية من بعده الى ابنائه واحفاده مرورا بالقيادة الفذة لوالده الخالد مصطفى البارزاني واخيه ادريس ولذلك فان تاريخ الحركة القومية الكردية في العراق تزخر بمآثر وادوار ابناء هذه العائلة وفضل البارزاني الخالد في التاسيس لنهج قومي وطني ديموقراطي متكامل ليس لكرد العراق فحسب بل ترك بصماته على مجمل مسيرة حركة التحرر القومي الكردية لذلك ومادام يسير في النهج ذاته فمن حقه الاستناد الى شرعية تاريخية لم تنقطع قامت على التضحية والفداء والابداع والقيادة الاستثنائية في اصعب مراحل التاريخ الكردستاني .
ثانيا – الشرعية الثورية :
عائلته باجياله الاربعة واصلت العمل الثوري ولم ترضخ للاضطهاد القومي والاذلال الشوفيني واختارت دروب المواجهة والتصدي للانظمة والحكومات المتعاقبة في العراق رغم المعاناة الانسانية والهجرة والتشرد وكانت المسيرة الطويلة للاب من مهاباد الى الاتحاد السوفييتي السابق وهو في اشهر حياته الاولى اكبر الاثر في توجهه اللاحق حيث انخرط في صفوف – البيشمركة – منذ نعومة اظفاره وشارك في ثورة ايلول وقاد مع اخيه القائد الشهيد ثورة – كولان – والحزب وتحمل مختلف المهام واصعبها طيلة اربعة عقود الى يومنا هذا وبذلك ومن خلال الممارسة وليس عن طريق الوراثة اكتسب الشرعية الثورية باجلى صورها واعمق معانيها .
ثالثا – الشرعية الدستورية – الشعبية :
جاء انتخابه بالاجماع من جانب المجلس الوطني الكردستاني – البرلمان – رئيسا لاقليم كردستان بمثابة اضفاء شرعية اخرى ترتكز على عنصرين : الاول تنفيذ بنود الدستور الكردستاني والعراقي المقترح والمصدق من شعب كردستان باحزابه ومنظماته الاهلية ومؤسساته وقومياته وبرلمانه , والثاني الثقة البرلمانية التي نالها والمعبرة عن ارادة الشعب بكل اطيافه تتجاوز الاحزاب والمناطق والقوميات لتعبر عن طبيعة المرحلة الراهنة التي يجتازها العراق عامة واقليم كردستان على وجه الخصوص ذلك البرلمان المنتخب ديموقراطيا والذي يتمثل فيه جميع القوميات والاديان والمذاهب الكردستانية .
رابعا – الشرعية الوطنية العراقية والدولية :
شارك في الجلسة المخصصة لاداء رئيس الاقليم القسم امام البرلمان في اربيل كل من رئيس جمهورية العراق ونائبيه ورئيس المجلس الوطني العراقي ونائبي رئيس الحكومة وعدد من مسؤولي الاحزاب العراقية وممثلين عن الامين العام لهيئة الامم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وبعض الدول الاوروبية والاقليمية بينها مصر وتكلم القسم الاكبر منهم حيث باركوا الرئيس وقدموا التهاني لشعب كردستان وابدو تضامنهم مع ارادة العراقيين في الديموقراطية والتغيير والفدرالية والتعددية . ان هذه المظاهر التي تجسدت في البرلمان الكردستاني عبرت بوضوح عن الشرعية الوطنية العراقية لرئيس الاقليم وكذلك عن توفر الضمانة الدولية ومظلتها لدستورية وقانونية وديموقراطية انتخابه ودعم صلاحياته في خدمة العراق وشعب كردستان ان كان من جانب القوات متعددة الجنسيات او المنظمة العالمية ومواجهة اية تحديات في المستقبل للنيل من موقعه الشرعي من اية جهة كانت .


* - الحلقة الثانية : خطاب القسم

#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات