|
في ضيافة زوار الفجر
فرهاد عزيز
الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 3 - 02:56
المحور:
الادب والفن
في ضيافة زوار الفجر 14 قالت بصوت هادئ فيه رنة من عمق الماضي وفيه رائحة كشف المستور : عندما أفقت من غيبوبتي داخل تلك الظلمات أحسست بقوة نور في داخلي تدفعني إلى الأعلى وأحسست باني امتلأت طاقة ولم يعد يخيفني شيء وكنت متيقنة بأنهم سيجلبون صغاري قريبا ، وبأني كنت في رحلة جميلة ومن حينها ارحل وأعود ، كانت رحلة إلى بستان أبي هناك في القرية ، حيث السعادة الرائعة وكنت أجد نفسي بصحبة الأشجار التي كان يسمي البعض منها بأسماء الدلع ، وكان أول ما يصل بعضا منها يقبلها ، لأنها رمز الخير كما كان يقول. كنت أفكر بقول الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا، حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين. وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين.. صدق الله العظيم وفجأة أحسست بارتطام على الأرض ، كنت خائفة جدا من أية حركة ، لكنني تحسست باللمس وبحاسة الشم وإذا بهما جثث صغيري قد رميا من كوة في الأعلى ، كدت اصرخ بأعلى صوتي ، وأحسست باني انتهيت ، جذبتهما إلى واحتضنتهما لكنني أحسست أن مازال فيها النفس ومازال قلبيهما يدقان وبقيت افتح فم احدهما لأزفر فيه شهيقي ، وسرعان ما انتهي من الأول لأبدأ بالثاني ، وبقيت هكذا حد الإعياء ، لأجد أنة تصدر من صغيري ذي العامين ، كان أنينا وشكوى ، وتلمست وجهه ووضعته في حضني وحاولت أن ألفه بثوبي ، لكنني انتبهت إلى أن ثوبي مبلل ولا يكسبه الدفء ، وبقيت اسحب نفسا عميقا وأظل انفخ في وجهه ، وكنت قد نسيت الكبير بعد ان سمعت أنين الصغير ، سرعان ما دبت به الحركة ليشهق في البكاء ، وضعته على صدري ، لاحظته يشم صدري بعمق ، وكأنه وجد الذي فقده وتحركت يده اليسرى لتتلمس وجهي ، ثم أجهش في البكاء والصراخ ، وجدته نهما وهو يحتضن ثديي الذابل ، وسرعان ما انتبهت إلى الكبير اسحبه أضمه بيدي الأخرى ، لأسحب نفسا عميقا وانفخ فيه ، وبقيت كذلك لحين ما دبت الحركة فيه ، وكان أقوى من أخيه ، إذ سرعان ما أحس بدفء زفيري ، صار يلتصق بي ، ومن ثم أجهش هو الآخر بالبكاء وصار العويل مزدوجا ، فكسرا كل جوارحي وصرت أنا الأخرى ابكي لحالنا نحن الثلاثة في هذه الظلمات ، كان صغاري عرايا ، وفجأة ارتطمت بنا وبقوة فائقة قطة صغيرة وهي تصرخ متشبثة بجلد صغيري ، فأفزعنا الصوت وكانت القطة تنهش من خوفها ويرتفع معها صوت صراخ صغيري آلما من تشبث القطة بجلده ، ولم تمر لحظة إلا وصدمتنا قطة أخرى ، وتعلو معها صراخ صغاري ولم استطع أن اصد هذه القطط بجسدي لأني لم أكن اعرف مصدرها ، وكنت اصرخ بكل قوتي ، وكانت آهات صغاري تصل عنان السماء ، وكثرت القطط حولنا وهي تمومئ خائفة ، وهي تتشبث بالظلام حولنا ، فاختلطت أصوات القطط بأصوات صغاري وبكائي ، تلمست صغيري لأجد الدم يسيل من رأسه نتيجة ارتطامه بالأرض . والثاني يتنفس بصعوبة ، ومن يومها يعاني أخوك من ضيق التنفس . ونحن مازلنا كذلك ، لحين ما دبت السكينة أرجاء ظلامنا ، وصرت اردد مع نفسي ما تعلمته من جدتي من آيات احمي بها نفسي وصغيري. وفجأة اشتعل النور المزعج للبصر ، وبقدر ما كان يزعجنا الضوء كنت أتلذذ بمرأى صغيراي والقطط وهي مستكينة بجانبي ، وجدت نفسي في قاعة ارتفاعها مترا بمساحة تقدر بالمئة متر ، لكن كل شيء حولنا كان احمرا ، جدار رطب ملون بالأحمر الفاقع ، بأرضية وسقف فاقع وإنارة قوية فاقعة ، تخدش العين ، بعدها بفترة صارت عينيني تتحسسان من اللون وتحول كل ما حولي إلى لون الدم القاني ، وتحول وجه صغيري إلى لون احمر وصرنا ننظر إلى بعضنا وكأننا من عالم آخر ، ولولا حاسة الشم لكنا قد شككنا يبعضنا . لا اعلم كم من الوقت مر علينا ، وفجأة انفتح الأرض من تحتنا لتنزل بنا البقعة التي نجلس عليها إلى الأسفل فوجدنا أنفسنا نرتطم بقاع غرفة أخرى وعاد السقف لينطبق ، بعدها بقليل جاءتنا امرأة متلفعة بالسواد ولم نر منها شيئا ، دفعت لنا من أسفل الشباك الحديدي صحنا من الأكل وقطع خبز وبعض الحليب ، وأسرعت القطط تتلمس الخروج . جاء بعدها ملثم ضخم الجثة ومعه سرنجات ليسحب منا بعض الدم ، ومن ثم عاد بعدها ليحقن قليلا من الدم لصغيري ، ولم أشأ أن أقول شيئا ، سوى أنني سألته من انتم ، فجاءتني لطمة على فمي أسقطتني أرضا لينزف فمي وتسقط أسناني الأمامية . ومنها صرت أخشى على نفسي ولم أحرك ساكنا ، لأنني لم أشأ أن افقد نفسي ويبقى الصغيران دون احد . وابتكرت طريقة عد الأيام من خلال جلبهم الطعام ، وكنت اعرف أن وجبة الصباح معها الحليب ووجبة المساء ساخنة ، لكنني بعد فترة تهت من العد ، ومازالوا يسحبون منا بعض الدم ويزرقون الصغير بعضا ، لكنني كنت ألاحظ الإعياء والنحول والضعف على صغيري ، وصار يفرغ ما في جوفه كلما أكل شيئا ، لحين ما تمت إعادتنا إلى الغرفة الحمراء مرة أخرى . لاحظت صغيري لا يقوى على الحركة وكأنه يريد الرحيل ، استنجدت برب السماوات وقرأت كل الآيات التي كنت أحفظها ، لكنني وجدت صغيري مصمم على الرحيل ، وإذا به ينظر إلى ويبتسم ابتسامة كنت أشم منها رائحة السخرية رغم أنني كنت متأكدة بأن صغيري لم يتعلم معنى السخرية بعد ولم يتعلم معنى العبث ، وكنت أريد تفسيرا لابتسامته تلك ، وتوجهت بالسؤال إلى أخيه ، لماذا يضحك أخوك ؟ أجابني بكل هدوء ، انه هو كذلك . وما كان منه أن أغلق جفنيه ، وهنا صرخت بأعلى صوتي مستغيثة ، واعتقد ان صرختي رجت البناية وأزعجت آخر هناك ، وإذا بهم يأتون ملثمين لابسي السواد ، ينهالون علي ضربا وعلى أخوك ضربا وعندما تيقنوا بان الصغير لا يتحرك ، حمله احدهم من ساقه وهو عار، وحاولت التشبث به ، لكنني رفست في خاصرتي ، وأنا مبهوتة لا اصدق ما يجري ، حاولت الخروج خلفه ، رجعت إلى الوراء و أنا اصرخ وأولول لاطمة نفسي وكان أخوك الآخر جامدا بجانبي فسقطت مغشية علي ، وبدأنا معا رحلتنا إلى عوالم جميلة ، وكنت آخذة بيده ونحن شبه عرايا بين الأشجار الوارفة في بستان أبي وفي نعيم الأرض ونوره ، وكنا ا ستمتعنا برحلتنا تلك ، وطالت رحلتنا قليلا هذه المرة ، وحينما فتحت عيني ، وكانوا يرمون لنا بعض الأكل ، لكننا كنا قد نعمنا بطيب الطعام في رحلتنا فلم نكن بحاجة إلى طعامهم ، ولم نستطع أن نأكل منها ، وصار ت الإغماءة طقسا أمارسه بعد أن آخذ معي صغيري ونغيب عن الوعي لنكون في عوالم أخرى نتمتع فيه برؤيا أخرى وحياة أجمل ، وفي كل مرة أصحو فيه أجد نفسي أقوى ، وأكثر أملا ، واجد أن النور يشع في داخلي ، تذكرت ذاك الذي أراد الله أن يختبره في ابنه فضحى به قربانا ، لينجيه الله من ذبح ولده ، وكانت المرة الأخيرة التي فتحت فيها عيني، فصرخت بأعلى صوتي أولول وكأني الآن تيقنت من موت صغيري، ومر بنا وقت آخر اختار فيها وصغيري طقسنا المفضل في أن نرحل و نأكل من فاكهة تلكم البساتين بدل طعامهم القذر . بعدها بأيام جاءنا الملثمون ليأخذونا إلى غرفة أخرى ، صعقتني المفاجأة حين وجدت أباك مرميا فيها ، مكسور الجناح ، كث اللحية ، طويل الشعر ، والأظافر ، نحيلا مخطط الجسم ، تبدو آثار الحرق على جسده ، لا يستطيع أن يحرك ساقيه ولا ذراعية وكان ممددا على بطانية قاتمة رثة ، لكنها كانت أفضل من مكاننا ، أجهشت في البكاء واحتضنته ، حاول أن يتماسك وصرنا نحن الثلاثة نجهش بالبكاء ، محتضنين بعضنا ، صامتين ، ننظر إلى بعضنا ولم نصدق أنفسنا ، سرعان ما انتبه ليسألني عن الصغير ، فأخبرته بموت الصغير بكي كثيرا ومازال عندما يتذكر ابتسامته . لا اعرف كم أمضينا من الوقت بصحبة أبيك هناك حيث جاءنا الملثمون مرة أخرى واقتادونا بعد أوثقوا أيدينا وعصبوا أعيننا ، وبعدها وجدنا البعض نحن الثلاثة في حاوية القمامة في أول السوق، واقتادونا إلى البيت الذي كنا نسكنه وكان صاحب البيت قد جمع إغراضنا وتصرف بغرفتنا وعرفنا بأنه مر علينا ثلاثة أشهر ، إلا أن الوقت كان صيفا فأعطانا مكانا في السطح حيث سيج لنا غرفة بالقماش فسكناها فترة وجيزة لحين ما فرغت إحدى الغرف ومن يومها تعاهدنا أنا وأبوك على الحب والمقاومة. إلى هنا انتهت قصة الحب والمقاومة لامي وهي تحدثني شامخة مرفوعة الرأس وكأنها تتحدى جلاديها الآن مرة أخرى.
بغداد اواخر كانون الثاني عام 2013
#فرهاد_عزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسطورة الامهات ابدية
-
الأم الخيمة والعويل
-
الحب في رعاية زوار الفجر
-
حب ، وحب في زمن صعب
-
الثالوث جنس مقدس 8
-
صاحبة الصوت هنا
-
امي والله
-
الصوت حاجة هنا وهناك
-
ايهما ال(هنا) .. ام ال (هناك) ارحم
-
أين الخلل ، فينا أم منا
-
الحياة لمن يستحقها
-
نكسة الاتحاد الوطني في الانتخابات وللمرة الثانية مسئولية من
...
-
ديمقراطية رحم المجتمع
-
هل يتمكمن العراق ، ان يتحول الى مشروع حضاري ، لدولة مواطنة ،
...
-
الدولة الطائفية المسيسة والدروع البشرية
-
الفيليون قضية دولة العراق بعد قرارالمحكمة
-
الفيليون ليسوا ملفا على الرف
-
الدولة والدين
-
اسئلة بين سطور الخبر
-
العائدون لكن دون اشلاء
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|