|
مصر..بين الجلاء الاقتصادي والاحتكارات الكبرى
احمد البهائي
الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 2 - 13:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تناولنا في حديثنا السابق تحت عنوان ( الدستور.. تكريس البورجوازية والبيروقراطية لبقاء السيطرة الاحتكارية ) ..وكيف يمكن من خلال الدستور معالجة تلك المعوقات والتخفيف من آثارها؛ لكي تتحسن البيئة الاقتصادية وينعكس أثرها على أجيالنا القادمة في مصر ، وهذا هو ما نريده من دستورنا الجديد فهو يعتبر مشروع وطني قومي ، لابد ان يكون كفء بمواده ليثبت اقدامنا في القرن الواحد والعشرين ، فنحن ليس ضد مشروع الدستور المراد الاستفتاء عليه ولكن كل ما نريده الاخذ بتلك الملاحظات في الفترة القادمة ، ليكون الدستور والقوانين في خدمة الصالح العام . وقد قلنا ان للحديث بقية وهنا نقول ,,,, بمرور كل يوم يتضح ان ما يحدث في مصر هو صراع اقتصادي بامتياز ، فالاقتصاد الوطني مازال يرضح تحت احتلال السيطرة الاجنبية ، تلك السيطرة التي اتخذت ثلاث مشاهد : ** المشهد الاول الديون في عهد سعيد واسماعيل التي نتجت عن القروض المالية ، والتي ادت الى التدخل في امور مصر السياسية ،مما اسفر عن وقوع البلاد تحت الاحتلال البريطاني في عام 1882، كما ادت الى استمرار الرقابة الدولية للمؤسسات النقدية على شئون مصر المالية ، كالرقابة على الايرادات والسياسات الضريبية وتوجيهها وتدخله في رسم الميزانية العامة ، كذلك مراقبة تنفيذ الاتفاقات والمراسيم والبروتوكولات والاتفاقات . ** المشهد الثاني تملك الاراضي الزراعية والعقارية ، مما ادى الى تكوين شركات عقارية باموال اجنبية بهدف الاصلاح الزراعي والرهن العقاري ،مما اسفر عنها استغلال حاجة الملاك الى المال في انتزاع ملكيات كبيرة من الاراضي والعقارات . ** المشهد الثالث الاحتكارات الاجنبية في مجال الصناعة والتجارة والمال، وهذا هو اخطرهم ويدور حوله الصراع في مصر الان ، محاولا التوغل اكثر لتزداد السيطرة وحشية ليس فقط في زيادة نسبة رؤوس الاموال الاجنبية مقابل رؤوس الاموال المصرية لتكون اضعاف مضاعفة فحسب ،بل الامتلاك والانفراد باستغلال مرافق معينة دون وجود مزاحم لها ،تمكنها من فرض ارادتها على الجمهور فرضا ، اي المرافق التي لها صفة المنفعة العامة والتي لها وثيق الصلة بحياة الجمهور وصحته ومعاشه ،كالكهرباء وماء الشرب والنقل وغيرها...
ففترة الخمسينات والستينيات كانت ليست فقط فترة تحرر التراب الوطني من الاحتلال ، بل تحرير الاقتصاد الوطني من السيطرة والاحتكارات الاجنبية ايضا، بصدور الكثير من والقرارات والقوانين المصيرية التي حاولت اعادة الاقصاد ليكون وطني في خدمة الجمهور اي منه واليه ، ولكن سرعان ما عاد النفوذ والاحتكار للاقتصاد مرة اخرى بفعل تحالف البورحوازيه القديمة مع البورجوازية الادارية للتتشابك مصالحها مع مصالح المسيطر الاجنبي وتحت مسمى الانفتاح الاقتصادي ،وازداد التشابك تعقيدا ارتباطيا بظهور بورجوازية جديدة قديمة عقب قيام ثورة 25 يناير اعادها واحياها المحتكر الاجنبي لتدعم بقائه وهى البورجوازية المتأسلمة التي تتشح بالرداء الاسلامي ، وخير مثال محاولتها بعد تمكنها من مفاصل القرار السياسي والاقتصادي تمرير قانون الصكوك الاخواني وقانون تنمية اقليم قناة السويس وغيرها من الفرمانات التي كانت في الادراج منتظرة التوقيت فقط . فالمحتكر والمسيطر الاقتصادي الاجنبي يحاول الان جاهدا اللعب بالمشاهد الثلاث ،على مسرح الاحداث السياسية والاقتصادية المصرية مستغلا ما تمر به البلاد من ازمات اقتصادية ، من خلال وسطاء يقومون بنفس الدور وتنفيذ اجندته للسيطرة على اقتصاد البلاد ، تحت بند " التعاون " بين الرأسمالية المصرية والراسمالية الصديقة تلك الراسمالية المتحالفة مع الراسمالية المحتكرة الاجنبية ،مستغلا حجم وكم التداخل والتشابك واختلاط الاستثمارات المالية وتعقدها في المشروعات والشركات والبنوك وغيرها ، وهذه الصلات تندرج تحت اسم تحالف تزاوجي ، خاصة ونحن في عصر تسود فيه المشروعات الكبيرة التي تشترك فيها رؤوس الاموال من جميع الجنسيات ومن جميع الطبقات .
فمن المعروف ان الدول التي كانت خاضعة للاستعمار او شبه استعمار اقتصادها لا يكون عادة نتاج تطور طبيعي لانماط الانتاج المعروف، انما يكون نتاجا لمؤثرات خارجية هي مؤثرات الاستعمار ، وبالتالي فان الطبقات التي يفرزها هذا النظام تكون مختلفة في تكوينها وتركيبها وعلاقتها الانتاجية عن مثيلاتها في البلاد التي لا تكون قد خضعت للاستعمار مثال ذلك البلاد الاوروبية ، فالصراع الطبقي ينحصر بين من يملكون ومن لا يملكون ، اما في بلادنا التي خضعت للاستعمار يكون شيئا اخر ،فانه يكون صراعا بين الذين يملكون والذين يملكون ايضا ، ولكن حينا يبرزا على مسرح الحدث يجدا فوقهما من يسيطر على الاقتصاد بل يملك ويحكم وبيده ترجيح الكفة ، وتبدأ الضغوط والمساومة للاخضاع لاوامر المسيطر المحتكر الاجنبي ، لحسم القضية بتحويل الراسمالية الوطنية الى راسمالية احتكارية تابعة للمسيطر الاجنبي ،حيث يتم اجهاد المنشآت المتوسطة في الحجم والطاقة والانتاج حتى ينتهي الامر باندثارها او ارتباطها او اندماجها في الشركات الصناعية الكبرى التابعة للمسيطر الاجنبي في شكل من اشكال الاحتكارات المعروفة ،مثل " الكارتلات او " الترستات " . ** الشكل الاول : الكارتلات " cartel " وهو اتفاق بين مشروعات راسمالية كبيرة متعددة تقدم نفس الانتاج ووصلت الى نفس المستوى الانتاجي ،ليكون اتحاد يسمى بالاندماج الافقي ويقتسم بموجبه الشركاء الاسواق بينهم ، حيث يحددون الاسعار وظروف البيع وغيرها ..، ونيجة لذلك يمكنهم الحصول على ارباح احتكارية عالمية ، وكل مشروع ينتمي الى الكارتل يمكنه ان يتصرف باستقلالية الا فيما يتعلق بمشاكل الانتاج والتسويق . ** الشكل الثاني : الترستات " trusts " فهو اشد تقيدا وتركيزا ، والمراد تطبيقه الان بقوة في اقتصادنا من جانب المحتكر بصورة تدريجية ، وفيه تفقد المشروعات المندمجة تحته افقيا وراسيا استقلالها كليا ، حيث يكون الترست مسئول عن كل شئ الانتاج والبيع والتمويل والتسويق ...الخ ، ثم ياتي الدور الاخير ليمكن المحتكر الاجنبي من الهيكل الوطني للاقتصاد ، بسيطرة الاحتكارات المالية الكبرى التي نشأت نتيجة لاندماج البنوك والمصارف بعضها في بعض على الاحتكارات الصناعية سيطرة تامة ، عن طريق تمويلها وامداداتها من جهة ، وعن طريق مقدرتها على منع الاعتمادات المالية عنها وتخفيض اسعار اسهمها وحرمانها من ائتمانها وتشويه سمعتها المالية عند المتعاملين من جهة اخري ، بهدف تحقيق اغراضها ، وهنا تصبح الدولة ترضخ تحت الاحتلال تماما السياسي والاقتصادي . ومع ذلك نحن لا نريد طرد رءوس الاموال الاجنبية او تقيد حركتها ووضع القيود والقوانين التي تحد من توسعها او استثمارها في بلادنا ، بل نريد منها الدخول والاندماج مع رءوس الاموال الوطنية دون اي امتيازات احتكارية ، ليكون جزءا من حركتها الصاعدة نحو النمو والتوسع وزيادة المشروعات وازدياد الخبرة وفتح الاسواق ، وهنا تستحضرني تلك المقولة ( نحن لا نريد الجلاء الاقصادي ، وانما نريد تحكم الدولة في الاحتكارات الكبرى ، وهذا عنصر من عناصر برنامج كامل يقع تحت عنوان كبير ،وهو بناء الديمقراطية في بلادنا ) .
#احمد_البهائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل اخطأ عمر موسى ؟
-
الدستور.. تكريس البورجوازية والبيروقراطية لبقاء السيطرة الاح
...
-
الدستور.. والجهل بمفهوم الاقتصاد
-
سقف الدين الامريكي.. معركة كسرعظم
-
حكومة الببلاوي..بين القدرة والرؤية والحلول
-
متناسيات مرسي..مازلنا نحمل وزرها
-
سوريا.. بين بوتين وسايكس بيكو جديد
-
مصر الثورة ..بين الدبلوماسك والانتلجنتسيا والبروليتاريا.
-
البرادعي..بين الافلاطونية والواقع
-
قطر.. القرضاوي والبوطي وجهان لعملة واحدة
-
مرسي..حصاد الفكر القطبي
-
مرسي ..بين هاملت ويوليوس قيصر
-
مرسي..يذكرنا بجحا الضاحك المضحك
-
اردوغان.. بين الحلم واتفاقية لوزان
-
قانون تنمية اقليم قناة السويس.. مشروع تاجر البندقية
-
مرسي.. بين الكاريزما والانجازات والتسول
-
اسرائيل وايران..الهدف الاستراتيجي
-
مصر الثورة..هل لها من ناصر؟
-
صكوك الاخوان الاحتكارية(فرمان1867م)
-
الاردن..( الشعب والملك ووحدة التراب )
المزيد.....
-
فيضانات غير مسبوقة تجتاح بريتاني الفرنسية والسلطات تدعو للحذ
...
-
رئيس أركان الجيش الجزائري يبحث مع وفد -الناتو- سبل تعزيز الح
...
-
روسيا تدين أعمال المتمردين في الكونغو الديمقراطية
-
رئيس وزراء سلوفاكيا يهدد زيلينسكي بمنع المساعدات المالية لأو
...
-
وفد حماس يبحث مع المخابرات المصرية تطورات ملف التهدئة بغزة
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|