علي لّطيف
الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 2 - 08:04
المحور:
كتابات ساخرة
يسقط المطر, لا يسقط المطر, هل أشعر بالبرد, أم أن البرد يريد أن يُطفئ شمسي, لدي سجائرٌ أخري على أي حال!
في عام 2001 تحدى (الملا عمر) أمير طالبان, الولايات المتحدة الامريكية وبخاصةٍ جورج دبليو بوش, في معركة بين الكُفر والكُفر كما أحب أن أسميها؛ معركة "من صاحب القضيب الاكبر؟" على حسب تعليق الكوميدي الراحل جورج كارلين؛ كل الحروب المعاصرة يفتعلها الساسة و ليست الشعوب, ليس بداعي الامن القومي أو بداعي أوامرٍ من الله, بل لإثبات من قضيبه أكبر من الآخر, ألم يكن من الافضل لهؤلاء الرجال أن يجتمعوا وراء أحد البيوت في بلد محايد "الأمم المتحدة ليست محايدة" ويروا من قضيبه أكبر من الآخر, الأمر ليس مستحيلاً و يستحق التفكير ويوفر الوقت كثيراً, إلا لو مثلاً كان كل أحدٍ منهم يملك قضيباً صغيرا. "إنه الحل الأمثل" برأي جورج كارلين, "نعم نستطيع" يقول أوباما.
لن أتكلم عن الحرب في هذا النص, لا أريد أن اتكلم عن الحرب ولا الأعضاء الجنسية لجورج دبليو بوش ولا الملا عمر, الأمر مقزز للغاية, لست بمجاهدة نكاح في سورية ولا ريفي أمريكي من تكساس. لنعد الى الأهم, أعني لنعد إلى المشهد الرئيسي, الملا عمر يخطب في الجماهير وسط كابول, النساء يرتدين البراقع بلون السماء, و بعض منهن يرتدين (لانجيري) وردي تحت البرقع على أغلب الظن, على المرأة أن تؤدي عملها تقول أم سليمان, اللانجيري الوردي واجب وطني في تلك الأيام, المجاهدون يستحقون الاستجمام 7 مرات في اليوم على الأقل. على العموم في وسط الجماهير الغاضبة, لمعت أعينٌ مشابهة لأغلب الأعين التي أراها كل يوم, أعين ورائها طفلٌ مزعج و مضطرب, نظرت هذه الأعين الى العين الوحيدة التي يملكها الملا عمر بعاطفة جياشة, أعني لو كنتم هناك لرأيتم أن الأمر هو الحب الحقيقي من نوع حب مجنون لليلي, الحب الحقيقي الذي غنى عنه محمد فؤاد, الأمر كان جنونياً للغاية حتى لمشهد إباحي حامي, الأمر ليس بشئ جديد على هذه الأعين الغريبة, التملق أو "الزمزكة" كما يتم تسميتها في بلدي ليس بغريبٍ على هذه الأعين, فالأعين عربية, من موطني بالتحديد, لا أريد أن أذكر ما موطني, لا أريد أن يشمت فينا العرب الآخرون, على رغم من وجودهم أيضاً بين الجماهير, لكن هذا سرنا أيها العرب, ألآبدّ من إدخال الغريب في ملابسنا الداخلية كُل مرة؟ حتى بورديلو البرقع الوردي في باريس, أرخص عاهرةٍ فيه عربية, هذا أمرٌ يجعلني أشعر بالدونية, كيف تكون أرخص عاهرة في باريس عربية؟, لو فقط تحّكمنا بأعضائنا التناسلية المتمردة وأهتممنا بحُجرات نومنا بعض الشيء, وملئنا أوطاننا ببعض الحرية, وأعدمنا الجهل بأمعاء آخر شيوخ الوهابية, لكانت عاهراتنا تُشترى بالباوند في باريس, أترضون أن ينكح بيار اللوطي المجنون فريدة ابنة شرقكم ببعض القروش الصدئة!
على النت, أكبر سوق للألعاب الجنسية, يوجد في أكبر مملكة في الربع الخالي, التي يحكمها فقيه ناقص عقل وخالي من الإنسان والإنسانية؛ أيُعقل أن المرأة في تلك الأرض غير مسموح لها بقيادة السيارة؟, ويقولون أن الإسلام حرر المرأة, حقيقةً لم أرى ذلك, ولا أظن أن أي عاقل إستطاع أن يرى ذلك؛ في نفس الوقت الذي يناقش فيه العرب صحة الإحتفال بالسنة الجديدة, يقوم الغرب الصليبي الكافر الماسوني بإكتشاف الفضاء وإستعماره, وأظن أنهم حددوا موعداً ل200 شخص للرحيل عن هذا الكوكب الملعون إلى القمر لمحاولة العيش على سطحه؛ كم أشعر بالدونية كلما أستيقظ صباحاً وأرى أبناء وطني ونفسى نغرق في الجهل بإرادتنا, يبدو لي أننا نريد أن نعيش هكذا.
سأعود بكم للمشهد الرئيسي؛ بعد عدة دقائق, إنتهى الملا عمر من خطابه, وتوقفت الجماهير عن هتافها, وأخيراً قلت لنفسي, كنت واقفاً بجانب أحد الرجال الذي بكى كثيراً على كتفي, للأسف بكيت أيضاً, كان يجب علي ذلك, إن لم أفعل لشك الرجل بأمري, وفي حقيقة الأمر أنا لا أريد أن ينتهي بي الأمر كرأسٍ معلقة على أحد أعمدة الإنارة في كابول, نهاية ليست بمشرفة كثيراً؛ على كل حال, عدت إلى الفندق السئ الذي أقطنه, صاحب الفندق كان عربياً, سألته من أين يمكن لي الحصول على سجائر؟, رمقني بنظرة تكفيرية, وأخبرني أن الملا عمر حرم بيع السجائر وتدخينها, وأن مدخني السجائر من الكفار, شكرته, وقلت له أن سبب سؤالي كان لغرض آخر غير التدخين, لا أظن أنه صدقني, تمنيت ألا يخبر الشرطة الإسلامية عني, لا أريد أن يتم جلدي؛ الوشاية أمر عربي بحث, الإستخبارات العربية أساس معلوماتها من الوشاية, والواشي واشي لإنه تربى على ذلك, إن وشى كانت له جائزة, وإن لم يشى سيتم تعذيبه, العربي مسكين بعض الأحيان؛ على أي حال لا يهم الموضوع, الواشي في النار, الإستخبارات العربية في النار, والحكام العرب والفقراء في الجنة, أو شئ من هذا القبيل. في تلك الليلة قررت مغادرة الفندق, وكابول, قررت الذهاب إلى أي مكان يمكن لي فيه أن أدخن سجائري, أن أشرب بعض النبيذ, مكان لا يتم فيه الوشاية بي, مكان أستطيع فيه أن أقول ما أريد, أو حتى الصمت إن أردت ذلك.
إيطاليا, إقليم توسكانا, فلورنسا؛ في أحد المقاهي, يجلس رجل ما, يدخن سيجارةً جيدة, يشرب كأس نبيذ من نوع (فينو دا فينشي), هكذا قالت له النادلة الشقراء عندما سأل الرجل عن نوع النبيذ, نهدى النادلة كانا صغيران بعض الشئ, لا يعلم الرجل لماذا ركز في نهديّ النادلة, ربما هذا من أثر النبيذ, هكذا قال الرجل لنفسه. بعد نصف ساعة من تدخين السجائر وشرب النبيذ, شعر الرجل ببعض السعادة, وظن أن النادلة أُعجبت به, كان الرجل يبتسم؛ ما أجمل إبتسامتي, هكذا يجب أن تكون الحياة, فينو دا فينشي, سجائر, إمراة جميلة, سماء زرقاء, وإبتسامة؛ قال الرجل لنفسه. حاول الرجل ألا يلاحظ دخول الزوجين العربيين إلى المقهي, المراة كانت ترتدي برقعاً وجلباباً أسود وحذاء رياضياً, والرجل كان يرتدي سروال جينز وقميصاً أسود كتب عليه (أحب إيطاليا)؛ وأنا أحب كابول, همس الرجل لنفسه منزعجاً من هذا المظهر, حاول الرجل ألا يفكر في الزوجين الذين جلسا في الطاولة التي ورائه, لكن طريقة الزوجة في أكل قطعة البيتزا منعته من ذلك, كيف يمكن لها أن تأكل قطعة البيتزا من فتحة العينين في البُرقع؟, كيف يمكن للزوج أن يرغب في زوجته بعد هذا المنظر؟, قال في نفسه, أثارته أفكاره وأثارته سخرية النادلة الصغيرة على الزوجين هي والنادل القصير, شعر الرجل بالغضب وأراد أن يذهب للنادلة والنادل ويقوم بإسكاتهم, لكنه لم يذهب, نهدى النادلة الصغيرين أفسدا مخططه, شعر الرجل بالإنتماء, ليس لنهديّ النادلة, بل للزوجين, شعر الرجل بالحنين إلى وطنه, وشعر بالحنين إلى كابول, على رغم مدى بشاعة الوطن وجمال هذا المقهى الصغير في فلورنسا, وطعم الفينو دا فينشي الرائع, لم يستطع الرجل أن يتمالك نفسه من سخرية النادلة والنادل على الزوجين العربيين اللذين يمثلان كل ما يرفضه. لماذا لا نستطيع أن نعيش في أوطانٍ جيدة؟, سأل الرجل نفسه, لم تراوده أية إجابة واضحة, فقال في نفسه وهو يمعن النظر في نهدي النادلة تارة, والزوجين العربيين تارة آخرى؛ ربما لو نجح برتراند راسل بتحقيق فكرته في حكومة عالمية موحدة, لأصبح هذا المقهى الجميل الصغير في كابول, عندها لربما شربت كأسين من النبيذ مع الملا عمر, وتحدثنا عن تطور العلم, والفن, ولربما تعارضنا بعض الشئ, وربما عندها سأطلب منه أن يذهب معي إلى بورديلو البرقع الوردي الفرع الثاني في كابول, ولأشتريت له ساعةً كاملة مع أغلى عاهرة في البورديلو, العاهرة العربية فريدة.
#علي_لّطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟