أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - رواية (المعطف) بنيةٌ مفككةٌ ومجتمعٌ مفككٌ














المزيد.....

رواية (المعطف) بنيةٌ مفككةٌ ومجتمعٌ مفككٌ


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4322 - 2013 / 12 / 31 - 08:56
المحور: الادب والفن
    



بطبيعة الحال لم يقصد غوغول (1809 - 1852) أن يحول روايتَهُ القصيرة (المعطف) إلى رمزيةٍ سياسيةٍ للمجتمع الروسي، فالمعطفُ المهترئ الممزق لا يشيء بأي شكل إلى كونه بنيةً رمزية.
فالبنيةُ الرمزيةُ في وعي غوغول ووعي المرحلةِ الأدبية الإبداعية الروسية المبكرة غير موجودة، فالأدبُ القصصي الروائي هو إنعكاسٌ مباشرٌ لحالاتِ المجتمع، لكن البنيةَ الرمزية تظل مطلوبةً ومتوخاة لصعوبةِ تحليلٍ المجتمع الروسي العبودي – الإقطاعي الشمولي المتخلف بصورة واقعية تشخيصية.
فمعطفٌ مهترئ، وشخصيةٌ محورية مهترئة، لا ينفصلان عن واقع مهترئ.
لكن البنيةَ القصصية ليست بنيةً تحليلية حفريةً تغوصُ في صراع القوى الاجتماعية، ولهذا فهي بنيةٌ حكواتية، متناثرة، والروائي حكاءٌ ساخر، كالقصاص الشعبي يوجه نثرَهُ في فسيفساءِ المجتمع المهترئ المفكك، المتحول بصعوبة شديدة لمجتمعٍ رأسمالي غيرِ مكتمل.
فحين تأخذُ المعطفَ رحلةُ البحث عن إصلاح يحضرُ الخياطُ وهو(بتروفتش)، ومن هنا تنمو قصة الخياط الجانبية وحكاية سكره وحالة زوجته:
(في البداية كان يُدعى مجرد جريجوري وكان عبداً مملوكاً لسيد أو آخر، المعطف)، من ترجمة الدكتور محمد الخزاعي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص21.
ومثل هذه الانعطافة هناك العشرات من الانعطافات التي تملأ شقوقَ الرواية، فتظهرُ في كل لحظة لمحةٌ عن زملاء «البطل» في الإدارة المباشرة، وفي عالم الإدارة الواسع، وتظهر عن البطل وجثومه في وظيفته الكتابية الإدارية المطلقة وهي وظيفة النسخ.
إن كون البطل ليس بطلاً، وإنه شخصية سلبية ضعيفة، تمثل رمزيةً أخرى محورية هي رمزية الإنسان الروسي في ذلك الوضع التاريخي العتيق المهترئ.
سلبيتهُ وغرقهُ في النسخ والنوم وتحول النسخ إلى حالة وجودية تختلط بمظاهر حياته الأخرى وتتغلغل فيها، لا تتيح له أن يُظهر سمات ما أخرى، أو أن يقيم بالتالي علاقات حدثية تتصاعد وتنقل البطلَ من اللابطولة إلى البطولة.
ولهذا فإن هذا البطل تتساقط عليه القمامةُ دون أن يدري أو يحرك ساكناً:
(وفي الطريق احتك به منظف المداخن وسوّد له كتفه بأكمله)، ص29.
وفي سبيل تخييط المعطف وإصلاحه كان البطل يتضاءل أكثر، ويتنازل عن نقود وعن خصائص إيجابية فيه.
فغدا المعطفُ هو رفيقه الدائم، والمعادل الموضوعي لشخصه، ولهذا كلما تضاءل الشخص ازداد المعطف اهتراءً وتلصيقاً، وحصل البطل على علاوة مادية محدودة تؤبد وضعه كناسخ غير مبدع.
لكن المعطف يتعرض للسرقة بعد أن بدأ البطل يعود لبيته بعد حفلة باذخة لم يستمتع بها كثيراً، رغم ضخامة المأدبة، ويتعرض المعطف للسرقة من قبل لصين في حادث من حوادث المصادفة التي تزخر بها الرواية القصيرة.
الحادثة تفقده صوابه وتشكل تضاداً ساخراً مع رحلة صناعة المعطف، ففي لحظة وامضة يختفي هذا الشيء المحتفى به.
ويظهر البطل الآخر ذو الثقل الحقيقي، وهو الإدارة الروسية الجديدة الطالعة كقوةٍ مسيطرة، حيث يتوجه البطل إلى موظف كبير في الإدارة ليساعده في استرجاع المعطف، لكن الموظف يغضب عليه ويستغرب كيف كلمه بشكل شخصي دون أن يرجع للترتيب الإداري فيهينه أشدّ الإهانة!
غياب الإنسان من الحياة الروسية الواقعية يقابله ظهور الأشباح، وتحول البطل إلى شبح بعد وفاته يسرقُ معاطف الناس، حتى يختفي حين يسرق معطفَ الموظف الكبير الذي أهانه وجعله يُصاب بالبرد في عودته لبيته، وهو المعطف الذي لائم روحه الشبحية تماماً حيث تكمن عملية رد الإهانة!
هكذا يقيم غوغول بدايةَ الرواية الروسية على سردِ جوانب متناثرة من الحياة، يلتقي فيها الواقعي بالخيالي، والفوتغرافي بالاسطوري، وتغدو القصة شريطاً متقطعاً مليئاً بالنوادر الجانبية، معبرةً عن بداية فئة وسطى تخرجُ من بين البيروقراطية المثقلة بالسيطرة والخنوع، ولهذا فهي مترجرجةٌ لها طموح إنساني ولكنها في حالة عبودية، ولتعتمد أعماله القصصية الكبرى على هذه الرمزية وهي تتغلغلُ في المجتمع كرواية (النفوس الميتة) حيث يتوجه البطل المحوري لشراء أرواح العبيد الموتى، وهي عملية تجمع بين السخرية والواقع المذل.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دستوريون ضد الديمقراطية
- الدساتيرُ والشعوبُ
- من يدفع الفاتورة؟
- رأسماليةٌ واقتصادٌ حكومي، كيف؟
- نقادٌ مذعورون
- حالةُ انفصامٍ مذهبية سياسية
- رموزٌ معتمةٌ لفئةٍ وسطى
- المسألةُ ليستْ المذهبية!
- تحللٌ وإنتهازيةٌ
- إعادةُ نظرٍ نقديةٍ شجاعةٍ لتاريخ
- الروحانيةُ خلاقةٌ
- ثقافةٌ غير بناءة
- إشكاليةُ التوحيدِ
- الهروبُ من العلمانية!
- كلماتٌ عن المناضلِ الراحلِ محمد السيد
- بابكو ولحظةٌ تاريخيةٌ
- التغييرُ الديمقراطي ممكنٌ
- أوحدةٌ خليجيةٌ أم تفكّكٌ خليجي؟
- مانديلا والصراعُ الاجتماعي في جنوبِ إفريقيا
- السياسةُ الأمريكيةُ وتفكيكُ العربِ


المزيد.....




- بلاغ ضد الفنان محمد رمضان بدعوى -الإساءة البالغة للدولة المص ...
- ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام
- جامعة الموصل تحتفل بعيد تأسيسها الـ58 والفرقة الوطنية للفنون ...
- لقطات توثق لحظة وصول الفنان دريد لحام إلى مطار دمشق وسط جدل ...
- -حرب إسرائيل على المعالم الأثرية- محاولة لإبادة هوية غزة الث ...
- سحب فيلم بطلته مجندة إسرائيلية من دور السينما الكويتية
- نجوم مصريون يوجهون رسائل للمستشار تركي آل الشيخ بعد إحصائية ...
- الوراقة المغربية وصناعة المخطوط.. من أسرار النساخ إلى تقنيات ...
- لبنان يحظر عرض «سنو وايت» في دور السينما بسبب مشاركة ممثلة إ ...
- فيديو.. -انتحاري- يقتحم المسرح خلال غناء سيرين عبد النور


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - رواية (المعطف) بنيةٌ مفككةٌ ومجتمعٌ مفككٌ