أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عمر الداودي - القمصان المخضبة بالدماء















المزيد.....


القمصان المخضبة بالدماء


عمر الداودي

الحوار المتمدن-العدد: 4321 - 2013 / 12 / 30 - 01:54
المحور: كتابات ساخرة
    


للقمصان قصص وحكايات وللقمصان ..السن وروايات...بدءا من قميص هابيل مرورا بقميص يوسف عروجا على قميص عثمان وقوفا عند قمصان الصبية المخضبة بالدماء...كلها كانت قمصانا لدماء لضحايا ابرياء عدا قميص يوسف الذي كان الدم عليه كذبا ولكن لون الدم ارعب يعقوب كما لوكانت دماءا حقيقية وابكته سنينا ،، كنت قد ارتديت القميص الابيض حين بدأت رحلة السفر الطويلة من مدينتي الصغيرة نحو بغداد في احدى ايام عام 1992 ،، صعدت الباص من كراج المدينة وفي نقطة التفتيش جنوب المدينة الصغيرة امرنا الجنود بالعودة حيث اتينا ،، الطريق مسدود ،، ممنوع ،، ارجعوا...كانت هنالك ازمة بين القوات العسكرية التابعة لحكومة المركز القابعة جنوب المدينة وبين حكومة الاقليم ومدينتنا كانت جزءا من مناطق الاقليم..رجاء وتوسل طويل ومخاطبة (ابو خليل ) بعبارة سيدي ولاكثر من مئة مرة !!..مع كل عبارة رجاء وتوسل بالسماح بالمرور !!!..دون جدوى فالعسكري وهو مرتدي للزي العسكري يصبح الة بلا قلب !! على الاقل في بلادنا...بلاد ما بين النارين...بلاد قابعة في وادي بين جبلين من نار ...نار الماضي التي لا تخمد ونار الحاضر المستعرة ونار الغد الموقدة !!..عدنأ ادراجنا ...ولكن كيف نعود ومستقبلنا ؟!!..وكلياتنا؟!..كنا عشرة طلاب ومعنا سبع عمال نقصد جميعا بغداد حيث كلياتنا وحيث مصدر معيشة العمال الفقراء...احدهم اقترح اللجؤ للمهربين (القاجاغجية) فهؤلاء سوف ينقلوننا الى جلولاء التفافا على القطعات العسكرية تحت جنح الظلام كنا اربع طلاب قانون وثلاثة طلاب في كلية الطب واثنان من الهندسة المعمارية..وواحد من كلية الشريعة ..اضافة للعمال السبع،، توجهنا للمهرب ،، فاوضناه وقدم خصما لنا وعرضا سخيا بنقلنا الى جلولاء على ان يأخذ من كل منا خمسة عشر دينارا...قبلنا على الفور..لا ينقلنا بطائرة !!..وانما نمشي خلفه في الظلام على ارجلنا،،، اربعين كيلومترا !!..واقترح علينا وطالما اننا نخالف القانون ان نتوغل بعد بمخالفته ..اذا قبض عليكم وانتم كما انتم الان فانتم مخالفون للقانون واذا قبض عليكم وانتم تحملون بضائع فالحالتين سيان ولكن انظروا الى الجانب الايجابي !!؟..اذا نجحتم في التسلل خلف القطعات العسكرية والكمائن فستنالون ربحا جيدا من البضائع التي تبيعونها !!!..استسغنا فكرته على خطورتها!!.تصور ؟!..ان تكون طالب قانون وفي ذات القانون قاجاغجيا..مهربا ؟! في ذات الوقت؟!...ومشينا وبدأت الرحلة مع غياب قرص الشمس خلف ستار افق المغيب التي انتظرناه بفارإ الصبر!!..البشر في العادة يستعجلون الشروق...ونحن استعجلنا الشروق في ذلك اليوم!!!..علمني والدي كثيرا عن لغة الليل فالليل له لغة خاصة به ايضا..وفي سكونه مليون كلمة لا الفا...من دروس والدي انه اذا سمعت صوت طائر الهدهد في الليل ففي ذاك اشارة على وجود حركة ما في الارجاء !!..الهدهد له تاريخ طويل في الوشاية !!..من زمن سليمان ووشايته على بلقيس وملكها الى يومنا هذا...هو يأتيك في كل وقت بنبأ يقين!!..وغيابه مبرر دوما بالانشغال في مهمة ما...ما كان امر الهدهد على بالي في تلك اللحظات من المشي الطويل وسط الاحراش وفي الوديان ووسط أحجار الغدير المتجفف...وكل يحمل على ظهره متاعه وبضاعته خلف حادي الليل ودليله..اقتربنا من القطعات العسكرية بعد مسير ساعة في ليل اغرق الاعين في سواده الحالك ..وبسكونه المخيف ...وصلنا للمنطقة الخطرة وهنا يجب قطع مسافة تقدر بكيلومتر حبوا أو زحفا وبواقع اربع اشخاص تفرق كل واحد عن الاخر مسافة مائة متر..المهرب حتى في تلك اللحظات الخطيرة كان لا يكف عن الضحك علينا والاستهزاء بنا !!..واحيانا يصفنا بالفاشلين !!..يصف اهلنا بأنهم اضاعوا مستقبلنا حين وضعونا بالمدارس !!..ولكنه كان ظريفا وجريئا جدا !!..انها حرفنة اكثر من كونها شجاعة !!..هذا هو عمله الذي يؤديه كل ليلة ...لذا هو متقن لعمله كأعتياد له ولا علاقة للامر كثيرا بالشجاعة والجرأءة ...تخطينا جميعا واجتزنا منطقة الخطر وبدأ مسيرنا من جديد لانهاء بقية المسافة المتبقية خلف القطعات العسكرية ،،، انها منطقة خطرة ايضا ولكن بدرجة اقل ولكنها لا تعني انك حر في التدخين فيها وهو الخطأ الذي ارتكبه حادي الركب والقافلة !!..المهرب!!..فقد اغراه مشهد حاجة الاطباء ومهندسي وقضاة الغد اليه بشدة في تلك الليلة منتشيا بعبارات الثناء منهم على شجاعته !!ولكنني سمعت فجأءة صراخ الهدهد!!..لذا طلبت من الجمع الحذر والاختباء..صدق نبوءتي فقط ستة من صحبي ومشوا معي ونأينا عن البقية وعن المهرب المنتشي..الذي..ما ان اخذ نفسا من سيكاره حتى تحول الليل الى نهار في لحظة امطرت السماء علينا نيرانا وهاجة تلسع ظهر الليل لسعا !!..قذائف هاونات جعلتنا نتشتت في عرض البرية تلك ...ثم انبطاح على الارض وبكاء وصياح وصرخات ...كانت حمولتي على ظهري وكذلك ستة من اصدقائي .. اختبئنا منبطحين في حفرة واسعة بعمق نصف متر تقريبا ارزقنا الله بها في تلك اللحظة ...كان البكاء بكاء المهرب فقد جرح بالشضايا ..لزمنا الصمت ولكننا قلقنا على الثلاثة الاخرين ...مرت دقائق وتوقف القصف وظهرت اشباح مدججة بالسلاح وطوقت من وقع في الكماشة ...صياح وطلقات نار بكثافة في الارجاء ...خوف شديد لا ينتهي..لم نشك بأن المحاصرين الذين وقعوا في الاسر قد قضي امرهم ..كنا نشاهد بضآلة الاشباح المتحاورة باصوات واضحة ...كان هناك صوت ضابط شاب يقول...خطية هذا امصوب!!..خطية؟!!..يعني مسكين!!..لقد ساعد الجند المصاب وكمدوا وربطوا اصابته في ساقه ويده ...وسمحوا له بالعودة وصاحوا علينا بالظهور ولكننأ لزمنا مكاننا ولم نظهر لهم واستصبرت زملاءي وحذرتهم بأنها خدعة ..بعد ساعة انسحب الجند وعم الصمت المكان ..صمت قتلته صرخة غريبة من صاحبنا طالب الشريعة!!..ما بك؟!...اننا نجلس داخل قبر قديم منهار !!!..طلاب الطب والقانون في تماس دائم مع الجثث الطرية لذا لا يخشونها...اما الملا ،،، فمسكين جدا كان يرتجف!!..ما بك ؟!..كن رجلا...كن مؤمنا بالله !!..اسكت اصمت ...ستقضي علينا بصوتك ؟!!..وخرجنا من القبر القديم الذي كان واحدا من عشرات القبور القديمة لقرية مهجورة واستمر مشينا والقلق على الثلاثة الباقين يقتلنا...ولكننا كنا نقول اما هم في قبضة الجيش مع المهرب الجريح أو كان الضابط صادقا واعادهم من حيث اتوا ...لذا اقنعنا انفسنا بالمضي نحو الطريق العام للوصول صباحا الى جلولاء...ومشينا وطال مشينا والمشي في الصحاري لمن لم يعهده كابوس لا ينتهي لم نشعر بأننا كنا نمشي بمحاذاة مجرى نهر زرداو القديم المتجفف هو غدير اكثر من كونه نهرا ،، كانت حصى الغدير الجاف تلوي اقدامنا وصلنا للشارع العام في الفجر ووصلت بشرى...سيارة باص قديمة ،، تأسى السائق لحالنا ورغم قدم سيارته وافق على عرضنا بايصالنا الى بعقوبة أو بغداد حتى ووافق عليه...ونمنا في السيارة وفتحنا اعيننا على صوت رجل امن في نقطة تفتيش الراشدية ...لا زلت اتذكر عبارته الهزلية...بسم الله الرحمن الرحيم ...أنس لو جان؟!..رددت عليه ..وهل تلبس الجان الجينز؟!!..وكنت ارتدي بنطال جينز...نزلت في الوزيرية ومشيت نحو الكلية ...وضعت الحمولة والمتاع في استعلامات الكلية وسرت نحو الصف أو القاعة التي كانت شعبة من الشعب الخمس وفيها ستين طالبا كنت احدهم..دققت الباب وهممت بالدخول ،، استوقفني الاستاذ المحاضر وكان الدكتور الفاضل قيس جمال الدين أستاذ القانون الدولي ...مهلا اخي هي ليش هيجي؟!...وشنو هلدم على قميصك ؟!!..متكاون؟!..في تلك اللحظة فقط عرفت وانتبهت للدماء التي كانت تلطخ وتخضب قميصي وفي تلك اللحظة فقط انتبهت وتذكرت ان الملا لم يكن يبكي فقط بسبب كوننا كنا نحتمي بقبر قديم...كانت هناك شظية صغيرة قد اخترقت يده وهو كان يضمنا من الخوف في الحفرة ويشدنا من قمصاننا !!..اجبت الدكتور قيس...كنت هناك...تحت امطار النار...في كردستان..فهم الجميع بمن فيهم الطلبة..وطلب مني الدكتور ان اذهب لارتاح ومنحني اجازة وطلب لي اجازة من العمادة واوصلني زميل لي بسيارته الى شقتنا وهناك نمت لاسبوع وربما اكثر نوم اصحاب الكهف بقميص ملطخ بدم لا يعود لي...ولكنه لم يكن بدم كذب!!.



#عمر_الداودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عمر الداودي - القمصان المخضبة بالدماء