|
الغزو العربي وإهانة مصر
فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 4320 - 2013 / 12 / 29 - 21:03
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بانتهاء حكم الرومان بدأت فترة الحكم العربي الاستعماري الاستيطاني لمصر. بدأت بدخول عمرو بن العاص سنة 641م وانتهت بقيام الدولة الطولونية المستقلة سنة 868م. خلال هذه الفترة حكم مصر ولاة كمندوبين عن الخلفاء العرب، الذين أذاقوا المصريين أنواع العذاب والاضطهاد والاحتقار، واستنزفوا مواردهم بالجزية والضرائب والمكوس المختلفة. ولم يخطر على بال المستعمرين تعيين والى أو حتى من ينوب عنه من المصريين، واستمرت مصر بقرة حلوب لمصلحة الخلافة حتى بزوغ عصر الدولة الطولونبة سنة 868م حيث أصبحت مصر دولة مستقلة لا تدفع المكوس للخليفة وما تبع ذلك من رخاء وازدهار. بدأ الاستعمار الإسلامي لمصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حيث قام القائد المسلم العربي عمرو بن العاص بضم مصر لدولة الخلافة الإسلامية فيما عرف بالفتح الإسلامي لمصر وكان قد انتزع فلسطين من يد الرومان قبلها، وكان الهدف من فتح مصر هو تأمين الفتوحات السابقة وعمل طوق محكم حول الرومان لاتقاء عودتهم. كان عمر بن الخطاب يخشى على الجيوش الإسلامية من الدخول لإفريقيا ووصفها بأنها مفرقة أما عمرو بن العاص فقد كان مغرما بمصر من قبل الإسلام وبعد أن حقق انتصارا على الروم في معركة أجنادين استأذن الخليفة في غزو مصر، لكن الخليفة أبدى الرفض في البداية وما لبث أن وافق بعد أن وصل عمرو بن العاص إلى العريش (لاريس) وعسكر غربها قائلا المسا عيد في 12 ديسمبر 639 (وسميت هذه المنطقة بالمساعيد) وأرسل له الإمدادات. وزحف على الفرما ابعد حصون مصر من ناحية الشرق واستولي عليها في 13 يناير 640م وهدّم اسوارها، واستمر زحفه حتى استولي على كل الدلتا وحصن بابليون ومنها إلى جنوب مصر حتى تم طرد كل البيزنطيين من مصر 17 سبتمبر 642م. واستقبل المصريون الكارهون لكل ما هو بيزنطي الغزاة الجدد بكل ترحيب ظنا بأنهم سيكونون عونا لمصر بالخلاص. تم اجراء معاهدة صلح بين سيروس (المقوقس) وعمرو، انسحب البيزنطيون على أثرها من البلاد وأنتهي الحكم الروماني لمصر وبدأ الحكم الإسلامي بعصر الولاة وكان عمرو بن العاص أول الولاة المسلمين. فرض فيها على المصريين دفع جزيه سنوية مقدارها دينارين على كل رجل مصري بالغ (6 مليون رجل) بمقدار 12 مليون دينار مضاف إليها ضريبة على ملاك الأراضي (3 اردب قمح وقسطين زيت وقسطين عسل وقسطين خل)، ويلتزم المصريين بإعطاء كل عربي جبه صوف أو ثوب قبطي وخفين وبُرنس أو عمه وسراويل سنويا، وبنى العرب مدينة الفسطاط واعتبروها مركزا وعاصمة لهم وعن طريق دواوينها العربية تمت عربنة مصر خطوه خطوه. استمرت اليونانية كلغة رسمية لمصر حتى سنة 706م كما ظلت القبطية لغة المخاطبة حتى في مدينة الفسطاط نفسها. اعترف المؤرخون العرب رغم أيدولوجيتهم الإسلامية بالجرائم الوحشية التي ارتكبها العرب ضد شعب مصر بعد الغزو. اعترفوا بها كمدافعون عن العرب والإسلام، أمثال الطبري والبلاذري والسيوطي إلخ. ورغم حديث المقريزي عن ثورات المصريين ضد الاحتلال العربي، ورغم أنه من مواليد القاهرة (تنتمي أسرته إلى بعلبك كانت تسكن بحارة المقارزة) فإنه وصف المصريون بالجُبن، بحجة أنّ مصر لا يوجد على أراضيها الأسود فإنّ طبيعة المصريين أقرب إلى الأرانب والحمير (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار-ص43). عنجهيته العربية والإسلامية جعلته يتجاهل أنّ مصر بها أسود وفهود عكس جزيرة العرب وللتذكير عندما قبض الخليفة مروان بن محمد على رجال الكنيسة المصرية وسجنهم، ألقي القديس الشهيد أغناطيوس إلى عشرة من الأسود (ساويرس بن المقفع-تاريخ البطاركة-ص198). ويتمادى المقريزي في صفاقته فيلصق بالمصريين صفات الكيد والخبث والمكر، عندما كتب يُدين ثورات المصريين خاصة ثوار البشمور الذين تحدوا سلطة الاحتلال العربي، قائلا: طباعهم أغلظ والبله عليهم أغلب وذلك أنهم يستعملون أغذية غليظة ويشربون من الماء الرديء (المواعظ والاعتبار-ص44). للأسف كتب المؤرخون العرب التاريخ من وجهة نظرهم المتحيزة للعروبة والإسلام ولم يراعوا الحيدة فيما يكتبون. نعت المقريزي المصريين بأشد الصفات سوءًا، وفسر سُمرة المصريين بأنهم أولاد العبيد السود الذين نكحوا نساء القبط بعد الغرق واستولدوهن. بينما يري العرب أنفسهم أنهم أتم الناس عقولا وأحلامًا وأطلقهم ألسنة وأوقرهم أفهامًا (الألوسي في بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب-ج1ص 144) والنظرة العنصرية تحكمتْ في العربي المحتل، ليس من خلال نهب ثروات مصر فحسب، وليس بكل أشكال التعذيب البدني لمن كان يرفض دفع الجزية أو الخراج، وإنما ظهر في كلامهم كما قال ابن عباس (المكر عشرة أجزاء، تسعة منها في القبط، وواحد في سائر الناس) أما معاوية بن أبى سفيان فذهب إلى ما هو أخطر إذْ قال (أهل مصر ثلاثة أصناف: فثلث ناس، وثلث يُشبه الناس، وثلث لا ناس. فأما الثلث الذين هم الناس فالعرب. والثلث الذين يُشبهون الناس فالموالي، والثلث الذين لا ناس المسلمة يعنى القبط) (المقريزي-المواعظ والاعتبار-ص56) وهذه النظرة العنصرية تتفق مع الحديث النبوي (لا تكون العرب كفؤا لقريش والموالي لا يكونون كفؤا للعرب) (شمس الدين السرخسي– نقلا عن خليل عبد الكريم-الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية-ص16). حتى عمرو بن العاص نسي أنه ابن صاحبة الرايات (بيت دعارة) وأرخصهن سعرا، حين سُؤل عن مصر قال: "أرضها ذهب ونيلها عجب وخيرها جلب ونساؤها لعب ومالها رغب وفي أهلها صخب وطاعتهم رهب وسلامهم شغب وحروبهم حرب وهم مع من غلب"، نسي أن أمه قد واقعها خمسة رجال هم العاص وأبي لهب وأمية بن خلف وأبي سفيان، فولدت عمرا فألحقته بالعاص، سُؤلت في ذلك فقالت: إنه كان ينفق على بناتي. (عمر بن العاص-عباس العقاد ص10) كتب يوحنا النيقوسي القبطي (ربما تزلفا أو خوفا): وساد المسلمون العرب مصر. وكان عمرو بن العاص يقوى كل يوم ويأخذ الضرائب التي حدّدوها. ولم يأخذ شيئًا من مال الكنائس ولم يرتكب شيئا سلبًا أو نهبًا وحافظ عليها طوال الأيام. والحقيقة أن إقرار السماحة التي ذكرها النيقوسي عن العرب قد مرّت عبر أهوال كثيرة تجرعها المصريون حتى خضعوا واستتبتْ الأمور للغزاة الجدد. وفهم عمرو بن العاص أنّ التغاضي عن مال الكنائس هو مفتاح خضوع الشعب القبطي الكامل المحب لكنيسته، رغم ما كتبه النيقوسي في البداية: لما استولى عمرو بن العاص على الاسكندرية جعل نهر المدينة يابسًا وزاد الضرائب قدر إثنين وعشرين عصا من الذهب، حتى اختبأ الناس لكثرة البؤس وعدموا ما يؤدون. وكما جاء عن ابن عبد الحكم في كتابه (فتوح مصر وأخبارها) أنّ عمرو بن العاص قال "من كتمني كنزًا عنده فقد رتث عليه قتلته" وسمع عمرو أنّ أحد أهالي الصعيد اسمه بطرس عنده كنز فلما سأله أنكر ذلك، وعندما تبيّن لعمرو صحة ما سمع عنه أمر بقتله، فلما سمع بذلك الأقباط أخرجوا كنوزهم خوفـًا من القتل. كما وقع أيضا مؤرخي العصر الحديث في نفس المطب نصرة للعروبة والإسلام على حساب الحقيقة والمنطق، نجد كاتبًا مثل الدكتور جمال حمدان هذا (المثقف) الذي قرأ آلاف الكتب وكتب العديد من المؤلفات، عاند العقل الحر وابتعد عن الحيدة وكتب: الحقيقة أنّ الدولة العربية كانت امبراطورية تحريرية بكل معنى الكلمة. فهي التي حرّرتْ كل هذه المناطق من ربقة الاستعمار الروماني أو الفارسي واضطهاده (الوثني) وابتزازه المادي (استراتيجية الاستعمار والتحرر دار الشروق-عام 83-ص25، 26) هو هنا يعتبر الفرس والرومان واليونان والمغول الذين احتلوا مصر غزاة إلاّ العرب فهم مُحرٍرون، مغالطا أو متجاهلا حقائق التاريخ بأنّ الغزاة العرب كان هدفهم الأول هو نهب ثروات الشعوب المغزوة، متخذين من الدين ذريعة ليس إلا، بدليل ما أشار إليه ساويرس بن المقفع يأنّ الهروب من الجزية كان أكبر عامل على انتشار الإسلام، وبالرغم من ذلك ظل المصريين يدفعون الجزية رغم إسلامهم، كما ظلت الأرض كافرة. وذُكر المقريزي أنّ الخليفة عبد الملك بن مروان كتب إلى أخيه وواليه على مصر عبد العزيز بن مروان، أنْ يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة. ثم يُردّد جمال حمدان كلام الأصوليين مثل جمال الدين الأفغاني عن الرابطة الدينية فكتب: واضح إذن أنّ أخوة الدين كان يقابلها أخوة الأقاليم، وسواسية الناس كانت تترجم سياسيًا إلى سواسية الولايات والمقاطعات. والأكثر تضليلا قوله: الحقيقة أنّ الدولة العربية الإسلامية كانت شركة مساهمة بين كل أعضائها وأطرافها. وأنها كانت أول كومونولث في التاريخ وأنها لم تمر بالمرحلة الاستعمارية المُشينة التي مرّ بها كومونولث اليوم ويستمر في التضليل دون حيدة أو تدقيق. كما لم ينتبه للتناقض الذي وقع فيه عندما كتب عن (الصراع بين الرعاة والزراع) بأنه صراع بين الرمل والطين، ثم يُغالط نفسه عندما نصّ على أنّ الصراع بين الفلاحين والرعاة هو صراع أشباه أكثر منه صراع أضداد. ولا أدري كيف غاب عنه التناقض بين الفلاحين المُستقرين الذين وفروا لأنفسهم الطعام والكساء والمأوى، وبالتالي لم يُفكروا في غزو شعوب أخرى، وبين الرعاة الذين اعتمدوا على غزو ونهب ثروات الشعوب وسبى أطفالها ونسائها؟
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفيدرالية هي الحل
-
ثورات المصريين ضد الرومان
-
التدني العربي حتي في الرياضة
-
لماذا نحن نعشق الديكتاتورية ؟
-
ثورة المصريين أواخر عهد البطالمة
-
سوف يطفحوننا الكوتة
-
ثورة أخناتون الدينية والثورة المضادة
-
محاكمة مرسي بتاع الكرسي
-
الثورة على رمسيس الثالث
-
زعيم الأمة الذى أحببناه
-
مباراة غانا تكشف خبايانا
-
التشابه بين الثورة على بيبي الثاني وثورة 25 يناير
-
إلي أين نحن ذاهبون؟
-
ثورة الجياع على الفرعون بيبي الثاني
-
سوريا كمان وكمان
-
سوريا ومهزلة جامعة الدول العربية
-
Home sickness المواطنة ومرض الحنين
-
سوريا والخريف العربى
-
لصحافة هنا.. والصحافة فى الأوطان:
-
ذكريات الزمن الجميل
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|