إحسان خليل
الحوار المتمدن-العدد: 4320 - 2013 / 12 / 29 - 12:01
المحور:
الادب والفن
أخبرنى والدى انى و اختى معزومتان على الافطار عند عمتنا , و علينا الاستعداد فى التو و اللحظة , حتى نصل قبل آذان المغرب بساعة او على ألاقل بنصف ساعة , فهى تريد أن تستشيرنا فى امور تخصها .
بعد دقائق معدودة كنت جاهزة للخروج , اما اختى , فقد لاجظت أنها تتباطأ فى ارتداء ملابسها . عند وصولنا الى ميدان التحرير , تعجبت من انها تسمرت فى مكانها على الرصيف و لم تتجه الى موقف اتوبيس الهرم , و ابدت انشغالها و استغراقها فى التفكير , و طلبت منى الصمت لفترة حتى لا اقطع حبل أفكارها . و بعد فترة ليست بالقصيرة باغتتنى باننا سوف نذهب لصديقة لها , تسكن فى جاردن سيتى . و اننا سوف نذهب الى عمتنا على آدان المغرب أو بعده قليلا و ان هذا لا يهم , ثم أبلغتنى انها لن تخبر ابى بذلك .
_ و ايه المشكلة ان بابا يعرف , دى صحبتك و هو يعرفها و انا كمان معاكى !!!
_ انا حرة يا ستى مش عايزه اقول له
_ أمممممم طيب حاقول لك على فكرة كويسة , ايه رأيك أكسر كعب الصندل بتاعى و ندور على حد يصلحة , و طبعا الرجل مش حياخد فى تصليحة غير خمس دقائق , و بعدين نروح لصحبتك . علشان ما حسش انى بأكدب على بابا لما اقول له اننا كنا بنصلح الصندل , و كمان حاقول له اننا كنا قريبين من صاحبتك وانى اللى طلبت منك زيارتها .
_ ايه الهبل ده كله !! , طيب افرضى يا ناصحة اننا ما لقيناش حد فاتح دلوقتى يصلح لك الصندل . حتمشى لى حافية فى الشارع يعنى . اسمعى لو بابا ضغط عليكى اعترفى له بكل حاجة ,
_متخافيش أنا مش حأفتن عليك , و ح البس الموضوع لنفسى
ردت بامتعاض " ياستى قلت لك لو ضغط عليكى احكيله على كل حاجة , و علشان ما تتحرجيش حأعمل نفسى مش عارفه انك قلتى له .
فتحت صديقتها الباب لنا و سألتنى ان أغلقه خلفى و الحق بهما و بعد ان حدثتها اختى بصوت هامس , طلبت منى الصديقة أن انتظر فى مكانى , و عندما استدرت لم أجدهما , انتظرت عدة دقائق , ثم شعرت بالزهق و الضيق و ناديت عليهما , و لم يجيبنى أحد . تقدمت فى الطرقة و نظرت الى اول غرفة قابلتنى على اليسار , كانت والدة الصديقة مستلقية على جانبها فى السرير , و عندما تلاقت عينانا تهربت من النظر الى و استدارت على جنبها الآخر . فاجتزتها بسرعة و اكملت سيرى فى الطرقة متوجهة الى الغرفة التى فى آخرها . كانتا واقفتان تتحدثان بصوت خفيض فى حجرة شبه خالية من الآثاث , ليس فيها تقريبا غير منضدة صغيرة عليها مسجل الشرايط , و صورة كبيرة على الحائط لوجه والد الصديقة بشعره الرمادى الذى خطه الشيب . و خرجا و تركانى بالغرفة . بعد لحظة سمعتها فى الطرقة تقول لأختى " انا نفسى أقول لها ان الاوضة دى كانت المفروض تبقى اوضتها "
_ لأ لأ بلاش علشان خاطرى لحسن تعيط لنا , و تقعد فى أوضتك و ما ترضاش تخرج منها .
_ معقول تعمل كده ؟!!!
رجعت الصديقة بعد لحظة و شغلت لى المسجل على اغنية جميلة , و سألتنى اذا كانت الغرفة قد أعجبتنى أم لأ . اخبرتها ان غرفتها جميلة و لها قبول و شعرت معها بالألفة , ( لم اخبرها انى تعجبت من عدم وجود أى كرسى لكى استريح عليه ) .
_ احنا دلوقتى لوحدنا و عايزاكى تكلمينى بصراحة , انت كنت تتمنى ان الاوضه دى تبقى اوضتك , يعنى تكونى فيها بدالى لو قلتى آه حأديهالك .
_ لأ طبعا !!! اوضتك حلوة و مبروكة عليك , انا عمرى ما بصيت و لا شغلت نفسى بحاجة غيرى . ابديت اعجابى بالصوت الشجى للمطرب أخبرتنى ان اسمه محمد حمام .و اخذتنى و خرجت الى الصالة ثم اشارت لى على باب ينزلق او ستارة و سألتنى تعرفى ايه اللى ورا هنا ؟ . و فى اقل من ثانية أجبت هى غرفة مكتبة صغيرة و شكلها عامل زى كده ( رسمت بيدى فى الهواء نصف دائرة ) . بهتت الصديقة و بصوت عالى و كأنها تحدث نفسها " بعد كل السنين دى و هى لسة فاكرة " .. ردت اختى : لأ هى بس بتستنتج , هونى عليك يا صديقتى و حطى فى بطنك بطيخة صيفى .
بعد عدة أشهر من زيارتنا للصديقة , تذكرت ما حدث لى و انا طفلة صغيرة فى شقة جاردن ستى . فقد كانت عمتى تقيم بها و عندما ارادت ان تنتقل الى شقتها الجديدة بالهرم , تمنت ان يسكنها ابى من بعدها فهى كما اوضحت له أنه اخيها الكبير الذى تحبه و لن تجد من هو أغلى منه عندها و أعظم .
وافق أبى وقتها و استأذن عمتى فى ان تستضيف لمدة يومين زوجة صديق لهم , نفى أو فر خارج مصر لمواقفه السياسية المعارضة للنظام , لان ليس لها مكان تقيم فيه هى و ابنتها الصغيرة و أخبرها ايضا انه سوف يترك لزوجة الصديق شقة جاردن سيتى لمدة شهر او اكثر حتى ترتب أمورها , و سيتصل فى خلال اسبوع بزوجها و يسأله كيف سيوفر لزوجته و طفلته الصغيرة بيت . وافقت عمتى على مضض على استضافة زوجة صديق ابى و لم تسترح للفكرة , كانت تخشى أن تدخل هذه السيدة المنزل و لا تخرج منه ابدا الا بعد عمر طويل . و صدق حدس عمتى .
بعد يومين من زيارتنا لعمتى و انا طفلة صغيرة ذهبت مع ابى مرة اخرى لتفقد الشقة التى سوف نسكنها . انشغلت عمتى بالترحيب به و الحديث معه بصوت خافت بالقرب من باب الشقة فقد كانت لا تريد للضيفة ان تسمع كلامهما ( زوجة الصديق ) .أشارت لى زوجة الصديق من بعيد ثم أخذتنى الى تلك الحجرة , ونزلت بجسمها قرب الارض وبنظرة تهديد و وعيد , و وجه بارد و جامد , طلبت منى ان ابلغهم رفضى للسكن فى هذه الشقة و اردد لهم ان هذه الشقة لن ياتى لنا منها غير المشاكل و المصايب و ان ابكى و اجرى على السلم وارفض دخولها مرة اخرى , ثم أكملت شرها بان قالت " اذا شوفتك مرة تانية هنا فى الشقة دى مش بس حموتك من الضرب دا انا حاموتك بجد ". و كمان حتكونى السبب فى أذية ابوكى , و قامت بدفعى من امامها حتى أنفذ ما قالته لى .
تعجب والدى مما حدث منى , فقد كنت أبكى والدموع تنهمر بغزارة و اجذب يد والدى و اترجاه للذهاب بعيدا واجرى على السلم مذعورة و اردد ما حفظته لى تلك السيدة التى ليس فى قلبها أى ذرة رحمة . . تذكرت كل ما حدث منها , بعد زيارتى لصديقة اختى و انا كبيرة فى المرحلة الثانوية . و لم استطع ان أحكيها لابى الا بعد سنين طويلة , وقتها هز رأسه بحزن و هو يقول : " تبقى الست دى ضحكت عليك , تبقى عرفت تخدعنا بصحيح ".
فى الحقيقة عندما اتذكر ذلك ألان , لا أعرف هل ابى وقتها تشائم من الشقة فتركها بخاطره , أم زوجة الصديق استموتت و لبدت فيها .
كنا قد خرجنا من شقة الصديقة عندما ابلغتنى اختى ان الوقت قد تأخر جدا و لن نتمكن من الذهاب الى عمتنا على الافطار و سوف نعود الى المنزل . عند وصولنا همست هى فى أذن والدى ثم دخلت الى حجرتنا , اردت ان الحق بها , فاستوقفنى والدى و سالنى عن سبب تأخرنا
نظرت الى الارض و كان قلبى يدق بشدة لانى لم اتعود الكذب , و حكيت له موضوع الصندل الذى قطع . ورددت القصة عدة مرات , قال ابى : خلاص الصندل اتقطع ميت حته و الحمد لله , و الراجل ابن الحلال صلحه فى خمس دقائق ,رحتم فين تانى ؟
_ كنا جنب بيت صحبتها فطلبت من اختى انى ازورها
_ طيب اتفضلى انت على اوضتك و ابعتى لى اختك
_ اختى ماذنبهاش حاجة انا اللى اتحايلت عليها .
خرجت اختى و قربت فمها من اذن والدى و تكلما بصوت خفيض .
_ من فضلك يا بابا ما تضغطش عليا اكتر من كده , دول اصحابى أنا .. و انا اعرف مصلحتهم , وهى ما تنفعش خالص تيجى معانا .
_ خديها معاكم الغلبانه دى ينوبك فيها ثواب , يمكن تتعلم لها حاجة منكم بدل ما هىه مش عارفه حاجة فى الدنيا دى , و كمان يمكن تنفعكم بحاجة دى شخصيها مضحية .
_لا ما تنفعش خالص يا بابا , يعنى لو مرة مثلا كلفناها بحاجة زى انها تعلق مجلة حائط او توزع منشورات و جه بتاع الامن شافها و سلمها للضابط المسئول , حتنهار و اول ما الضابط يضغط عليها شوية حتألف له حاجات من عندها ما حصلتش اصلا و تودينا كلنا فى داهية .
#إحسان_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟