|
حب ، وحب في زمن صعب
فرهاد عزيز
الحوار المتمدن-العدد: 4320 - 2013 / 12 / 29 - 02:32
المحور:
الادب والفن
حب ، وحب في زمن صعب 9 غادرتني وانا امني النفس بلقائها واخذت معها كل كياني ، وصرت لا احس الغربة في هذه المدينة ، وكأنني عدت لأجتمع بالوطن ، صرت احس بالامن اكثر وبشجاعة مواصلة الحياة اكثر ، بل وبممارسة الوعي اكثر ، لدرجة بدأت اشعر بأنها قريبة مني كثيرا ، وهي في داخلي ، بل انها متفهمة جدا لممارستي للوعي ولدوري الانساني ، وهي ربما اعرف بالضريبة التي ادفعها لممارسة هذا الوعي ، فانا وحين اراجع نفسي اجدني ابن عائلة طيبة عملت جهدي ان اتوفق في حياتي ، وبعدها دفعتني ظروف الحرب الى ممارسة القسوة والتصدي لها في آن واحد ، دفعتني الى الدفاع عن نفسي والبكاء من اجل المستقبل الانساني ، الحياة القاسية في الاسر ومن ثم السجن دفعتني الى ان اتعمق في تفكيري لدرجة صرت خارج التمكن منه ، وبالتالي ممارستي لهذه المهنة التي لم احبها قط وكنت مكرها على ممارستها ، ومن ثم التمرد عليها بوعي ومن ثم نفي نفسي وعائلتي ، وبالتالي ايجاد نفسي مرميا لوحدي في هذه المستشفى وفي بلد ليس لي فيه قريب ولا أحس بأن لي فيه من يستطيع انقاذي من ممارسة الوعي ، وهاهي هذه الانسانة التي ترغمني بالرعاية هنا و تتحول الى منقذ لي . وتبعث في الامل على التواصل والسير وحيدا وسط ادغال الحياة ، وبساتينها . تذكرت وانا في قمة وحدتي حديث امي حين سألتها : ـ متى التقيت بأبي ؟ وكيف تزوجتما ؟ قالت انها قصة الحب التي لا تذكر ، قصة حب في زمن صعب فيه الحب ، واستحال فيه البوح به ، وانتفت فيه التضحية ، وكان الموت معادلا للحياة في قصة حب ، اشبه بقصة حب اسطورية . ـ ياامي هل انت التي انتحرت من اجل ابي ام هو البادي . كان ابوك اجيرا لدينا وهو من عائلة طاردها الفقر ووسمها بالكدح ، وكنا ميسوري الحال ، كنت انا شمعة بيتنا وابنتهم اليافعة ، انا الشابة الجميلة لعائلة سمحة متفهمة ولها مكانتها في القرية ، طلبني ابوك وبقى عاشقا لي دهرا ، رغم خوف الفقراء من التماس الحب ، طاوعته الحب وكان لنا ماصار وانتقلت الى كنف العائلة الفقيرة ، وكنت حاملا بك ، يوم سيق الى الخدمة الالزامية ، فصرت عبئا على اهله ، وصار هو الاخر عبئا علي ، اذ لم يكن لديه ما يستطيع سد شظف العيش وكنت كبيرة على نفسي ، فلم اشكو لأهلي قساوة الدهر واهله ، بل جهدت انا ابنة العز في العمل بجمع الحطب للأخريين كي احصل على لقمة خبز اوفر له ما يسد عليه الحاجة ، ولدت انت المسكين في اصعب الظروف ، حيث كانت له اول اجازة وكنت انت مازلت لم تتجاوز الاربعين يوما ، كنا قد طردنا نحن الاثنين من بيت اهله لتمردنا ، فما كان منا الا ان نتركك عند جدتي هاربين بانفسنا الى مدينة كبيرة لم نعرف فيها احدا ، وكنت اخشى عليك قسوة اهل ابيك ، لانهم لم يرضو علينا بتركك هناك ، استأجرنا غرفة في بيت واسع مع آخريين في غرف اخرى وسط حي شعبي كبير مزدحم ، وصارت لقمة الخبز عسيرة علينا ، كان والدك يعمل في العتالة بعد الدوام الرسمي ، وتطورحاله ليشتري عربة حمل ، وتوسعت عائلتنا وصار عددنا في تلك الغرفة الصغيرة اربعة وكنا نؤمن بان الله الذي خلقهم يبعث معهم رزقهم ، ومازلت انت هناك عند جدتك في القرية ، الا ان الذي حصل ياولدي هو ومازلت اتذكر تلك الامسية التي لم يعد فيها ابوك من العمل ولم يكن لدينا الكثير لنقتات به ، اذ كان قوت اليوم من عمل اليوم لا غير ، ليلتها اظلمت الحياة علينا نحن الباقين في تلك الغرفة ، كانت ليلة شتوية والبرد قارص ، الظلام كان حالكا ، والوحشة والقلق خيم على الغرفة وكنت قد استعنت بجارنا ان يساعدني في البحث عنه اذ لم اكن اعرف من المدينة الكبيرة غير شارع السوق الذي كنا نعيش في وسطه . عاد جارنا بعد منتصف الليل ليخبرني بانه سأل في المستشفيات وفي مراكز الشرطة ولم يجد له اثرا ، وسأل البعض من المعارف في السوق ولم يفيدوه بشئ ، وولولوت كثيرا ولطمت الخدود ولم اعرف احدا في تلك المدينة الكبيرة المخيفة والسريعة الحركة ، كنت احس الحركة تلك عندما كان ياخذني الى الطبيب او في الاعياد لزيارة الاولياء الصالحين ، لكنني الان لوحدي اواجه محنة الغربة كامراة شابة وجميلة ولي طفلان عمر اكبرهما ثلاث والثاني عمره سنتان ، وانت كان عمرك آنذاك اربعة سنوا ت ، وكانت تصلني اخبارك مع الوافدين من القرية بان وضعك احسن من حالنا بكثير ، كنت احمد الله على وضعك واشكر جدتي على رعايتها لك ، لم اعرف اين اذهب ، وكنت اخرج الى اول السوق واعود الى اخره انظر يمينا وشمالا واتابع حركة العتالين عسى ان اجده بينهم ، وانظر الوجوه علني اجد ه وكنت اؤمل نفسي في طريقي هذا الذي صار هما يوميا على التواصل معه ، وانا احمل معي طفيلين ، كنت اجمع الخيز اليابس من المكانات التي يرمي فيها الناس بقايا خبزهم اليومي ، لاعود واضعها لاخوتك في الماء ، مضت ايام ولم نعرف نحن الثلاث طعم النوم ، لم يكن لدينا ما ندفئ به انفسنا ، ولم يكن لدينا اغطية كثيرة سوى غطاء تحتنا واخر فوقنا ، لم يكن لدينا معارف ، ولم اكن لاخبر اهلي عن وضعنا هذا ، وكنت اخشى ان ارسل خبرا لاهله ، لئلا اتعرض الى اضطهادهم ويحملوني مسئولية تعريض ابنهم الى مصير مجهول .
بغــــــــداد اواخر كانون الثاني عام 2013
#فرهاد_عزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثالوث جنس مقدس 8
-
صاحبة الصوت هنا
-
امي والله
-
الصوت حاجة هنا وهناك
-
ايهما ال(هنا) .. ام ال (هناك) ارحم
-
أين الخلل ، فينا أم منا
-
الحياة لمن يستحقها
-
نكسة الاتحاد الوطني في الانتخابات وللمرة الثانية مسئولية من
...
-
ديمقراطية رحم المجتمع
-
هل يتمكمن العراق ، ان يتحول الى مشروع حضاري ، لدولة مواطنة ،
...
-
الدولة الطائفية المسيسة والدروع البشرية
-
الفيليون قضية دولة العراق بعد قرارالمحكمة
-
الفيليون ليسوا ملفا على الرف
-
الدولة والدين
-
اسئلة بين سطور الخبر
-
العائدون لكن دون اشلاء
-
تفعيل عمل الجالية العراقية المشترك في الدنمارك مهمةاحزاب ام
...
-
اربعينية فنان الشعب الكردي الراحل محمد جه زا
-
مجلس جالية مهمشة الحضور الا من كلمات المناسبات
-
حلم جالية عراقية في الدنمارك لم تتجسد على ارض الواقع
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|