|
من التراث اليهودي: الحاخام باشي والبطريرك وسرقة كيس المال
سيلوس العراقي
الحوار المتمدن-العدد: 4317 - 2013 / 12 / 26 - 11:37
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كان رئيس الرابيين في سالونيقيا الرابي رافائيل آشير كوفو، شخصية ذكية وقوية في تحليلاته، حكيما، وخبيرا في الأدب الرابيني. كان الأول الذي يحصل على لقب (حاخام باشي) رسميا، وكان ذلك بأمرمن السلطان العثماني عبدالحميد حين قام بزيارته الى سالونيقيا في عام 1858 م. وخدم رابي رافائيل في منصبه لمدة سبع وعشرين سنة من دون انقطاع، لغاية وفاته في سنة 5635 عبرية (1874 م). تروى حول الحاخام باشي هذه القصة اللطيفة التي تبين مدى دهائه وذكائه : " أتى تاجر مسيحي من بلغاريا الى سالونيقيا لغرض القيام ببعض الأعمال التجارية، فذهب للاقامة في سراي للمسافرين (مسافرخانة) في المدينة. كان في حوزته مالا بقيمة 100 دينار تركي، قد وضعها في كيس مصنوع من الخرز الصغير، ووضع أيضاً في داخل الكيس خاتم زواجه الذهبي المحفور عليه اسمه. ولكونه مقيم في فندق كهذا مع عدد من المسافرين، وخوفاً من تعرضه الى سرقة، بحث عن مكان أكثر أماناً ليؤمّن ماله ويطمئن باله. أخذ كيس المال واتجه صوب البطريرك المسيحي في سالونيقيا وأمَنه لديه، معتبراً أنه المكان الأكثر أماناً. بعد أيام قليلة وحين أتم تعاملاته التجارية، رجع الى البطريرك وسأله عن ماله المؤمّن لديه، لكن البطريرك نكر بأنه قد استلم مالاً من التاجر البلغاري، قائلا له : أنا لا أعلم عن أي مال تتحدث، ليس لدي أي فكرة. فاندهش التاجر ولطم على رأسه، باكيا، راجياً البطريرك أن يعيد له ماله الذي لا يملك غيره، وكل عمله يتعلق بهذا المال. لكن كل توسله من البطريرك ذهب هباءاً. فخرج التاجر حزيناً منكوباً من بيت البطريرك وتوجه في استشارة محامين وأناس متنفذين. فقالوا له : مادام ليس معك أي مستمسك أو وثيقة تثبت تسليم مالك للبطريرك، فلا يمكننا مساعدتك. وما كان من التاجر الا الذهاب الى القاضي المسلم الذي أخبره بأنه لا يمكن فعل أي شيء من دون شهادة تثبت ايداع المال لدى البطريرك. بعد أيام وبينما كان التاجر يمشي في حي لليهود، لاقاه أحد معارفه الذي تفاجأ برؤية صاحبه التاجر شاحب اللون مصفر الوجه. فسأله عن سبب هذه الحال، فأخبرالتاجر صاحبه بالقصة وعينان دامعتان. اقترح صديقه عليه أن يذهب ويخبر قصته للحاخام باشي اليهودي. فأخذ بنصيحة صاحبه. وذهب التاجر المسيحي وأخبر الحاخام باشي رابي رافائيل آشير كوفو بتفاصيل قصته. سأل الحاخام باشي التاجر إن كانت قصته حقيقية فأكد له التاجر ذلك. وطلب الحاخام باشي من التاجر العودة اليه بعد اسبوعين قائلا له : " بمعونة الله سوف أحاول أن أسترد لك مالك". فشكر التاجر الحاخام باشي وغادره. بعد أيام قلائل قام الحاخام باشي رابي رافائيل بزيارة البطريرك في بيته وتناقش معه في أمور عديدة ومختلفة، واثناء تلك المناقشات أخبر الحاخام باشي البطريرك : "قبل أيام جاءني رجل ليراني، يدّعي بأنه قد ترك مالاً له لديك كأمانة، وانت رفضت اعادة المال حين عاد ليستعيده منك. فنهرته وقمت بطرده من بيتي لأنني رأيت بأنه لم يكن صادقاً. وربما ترك ماله مع شخص آخر ويعتقد بأنه قد أمّنه لديك، وقدأصابه ربما النسيان الذي يُفقد عقل ورجاحة الانسان". لما سمع البطريك ما قاله الحاخام باشي رافائيل، شعر بوقوف الحاخام باشي الى جانبه وكان مسرورا، وبدأ بشتم ومسبة ذلك التاجر. بعد أيام قليلة قام البطريرك بردّ الزيارة للحاخام باشي. فاستقبله الأخير بحرارة وأمر بأن يتم احضار مائدة من أشهى الحلويات وأن توضع أمام البطريرك. كان للبطريرك سبحة (مسبحة) خاصة به يلعب بها، وكانت من نوعية ثمينة من الخرز النادر، ومعروف البطريرك بها. كان يلعب بها وهو في بيت الحاخام باشي. حين ابتدأ البطريرك بتناول الحلويات والانشغال بأكلها بشهية ، تمكن الحاخام باشي من أخذ السبحة خلسة وخرج من الغرفة الى القواس (الخادم الخاص بالحاخام باشي) قائلا للقواس : "خذ هذه السبحة بيدك واذهب الى بيت البطريرك وقل لحارس بيته بأن البطريرك طلب منك جلب كيس مصنوع من الخرز موجود في غرفته، وأره السبحة الخاصة بالبطريرك كعلامة، وحين تعود سلّمني الكيس والسبحة سراً". فذهب القواس الى بيت البطريرك، وحين رأى الحارس سبحة البطريرك وثق بالقواس وبكل براءة ذهب وبحث عن الكيس الى أن وجده وسلمه للقواس الذي عاد به الى الحاخام باشي سراً مع السبحة. أعاد الحاخام باشي السبحة للبطريرك. وحينما عاد البطريرك الى البيت لم يخبره الحارس بأي شيء، والبطريرك لم يدر في خلده أي شيء ليتحدث به مع الحارس. بعد أيام قام الحاخام باشي بزيارة البطريرك ثانية. قائلا للبطريرك : "أتعلم أن السماء كشفت لي بأن كيس التاجر البلغاري هو لديك، وأنت الذي أخذته منه، فان قمت باعادته كان خيراً، وإن لم تقم بذلك، فسأجعل من هذه القضية السرية عامة أمام الجميع". غضب البطريرك من كلام الحاخام باشي، ناكراً، مدعياً بأن كل ذلك سخافة وهراء. بعدها ذهب الحاخام باشي الى القاضي المسلم والى والي سالونيقيا ليجبروا البطريرك على الاعتراف بالحقيقة لكنهما لم يتمكنا من ذلك. أخيرا دعا الحاخام باشي كل من البطريرك والقاضي ووالي المدينة الى بيته مع بعض وجهاء المدينة إضافة الى التاجر المسيحي، ليبرهن للجميع بأنه على حق. قبل أن يصل المدعوون، وضع الحاخام باشي كيس مال التاجر في جرّة صغيرة وغطاها ووضعها على طاولة دائرية سيجلس حولها المدعوون. وبعد أن وصلوا بقليل، وقف الحاخام باشي طالباً من البطريرك للمرة الأخيرة بالاعتراف، وإن لم يفعل سيستخدم قدراته وموهبته (المقدسة والفائقة) لجلب كيس المال واحضاره هنا. لم يعر البطريرك أي أهمية لكلام الحاخام باشي. فقام الرابي بقراءة وتمتمة بعض الصلوات والمزامير ومدّ يده واضعا إياها في الجرة وسحب كيس المال منها، وأراه لجميع الحاضرين. فقفز التاجر المسيحي من مقعده: "يا حاخام باشي أنت على حق وصلاتك وتوراتك على حق". وتعجب باقي الحضور مما رأوا قائلين أحدهم للآخر، ان الحاخام باشي كان معه الحق، كأنه ملاك من ملائكة السماء الذي يعرف الخفايا والخبايا. بينما البطريرك أطرق برأسة نحو الأرض خجلا محمرّ الوجه. بينما الحاخام باشي كان فرحاً مبرهنا بأنه كان على حق. وحين غادر الضيوف ، اقترب الحاخام باشي من البطريرك وأخبره كيف تمكن من القيام بكل الأمر زكشف الحقيقة. اندهش البطريرك من حكمة ودهاء الحاخام باشي رابي رافائيل كوفو الذي تمكن من الوصول الى كيس المال من دون علم البطريرك. وبعد اسبوع من ذلك تم اعفاء البطريرك من منصبه وغادر سالونيقيا.
#سيلوس_العراقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من التراث اليهودي : السيناغوغ 2
-
من التراث اليهودي : السيناغوغ
-
خباثات يمكنها تقريب نهاية النظام الايراني
-
الكنيسة المارونية اللبنانية في خندق واحد مع محور الشر
-
اصلاحات آية الله بشار الاسد
-
الانصياع الى أبغض الحلال
-
ماذا سيولد من هذه الانتفاضات ؟
-
من وحي مقالة المجد للحب
-
من طيار انتحاري الى نحات
-
طارق عزيز أنقذ رأس نزار قباني
-
خواطر من مذكرات دلوعتي داليدا
-
سجن أبو غريب في روما
-
ومن الأدباء من يخترع ويتنبّأ
-
تعليم من أجل الحب
-
تأملات في الطاقات الحارقة
-
لست هندياً
-
نموذج من شخصيات عالمية
-
لبيبة بيت القربان
-
مغامرات - تن تن - باللغة الآرامية لأول مرة
-
آن أوان النخب العراقية المخلصة
المزيد.....
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
-
تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
-
هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه
...
-
حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما
...
-
هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
-
زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|