أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريمة مكي - لن أبيع لحمي -3-














المزيد.....

لن أبيع لحمي -3-


كريمة مكي

الحوار المتمدن-العدد: 4316 - 2013 / 12 / 25 - 23:18
المحور: الادب والفن
    


كان دمعي قد بدأ يستجيب لنحيبها فنهضت مسرعة إلى حوض الغسيل أغسل صحونا نظيفة...أردت أن أترك لها الوقت لتعفيني من رؤية دموعها الجارحة فلا قدرة لي على تحمل دموع الأذكياء فهم عادة مكابرون و إذا ما بكوا أمامك فإنما لِخطبٍ كبير.
استجمعت صوتي وعدت إلى الطاولة أهوّن عليها:
- لكن أن تكوني فكرت في العمل في البيوت رغم شهادتك الجامعية و مع كل ما لهذه المهنة من نظرة اجتماعية تحقيرية فهذا يعني شجاعة كبيرة لا شك أنها ستقودك إلى النجاح في حياتك.
- لا شجاعة و لاشيء يا مدام...هذا ما قد يبدو لك فقط ...أنت لا يمكن أن تتصوري الرعب الذي أعيشه قبل الذهاب إلى منزل جديد لا أعرفه حتى أني لا أعرف النوم ليلتها أبدا...أكثر ما أخشاه أن يكون المنزل لأحد زملائي في الجامعة أو لأي أحد نعرفه رغم قلة معارفنا في العاصمة فلا أحد يعلم أمري هذا و لو علم أبي فسينهار...إني أخاف عليه جدا فهو يعاني السكري و الضغط و الاكتئاب المزمن...
- و لماذا ترتعبين هكذا و أنت تكسبين رزقك من كد يديك عندما تعذر عليك العمل بفكرك...هناك نساء يتاجرن بأجسادهن و لا يرتعبن مثلك بل ربما كنّ بهذا العمل يتبجحن...
- نظرة الناس لما أفعله نظرة قاسية و مهينة إلى أبعد حد ربما أقسى من نظرتهم لبائعات الهوى و أنا لا أستطيع أن لا أتألم مهما حاولت أن أتغافل عن نظراتهم و حركاتهم المسيئة لفقيرة مثلي لذلك دائما ما أكون متوجسة و مرعوبة منهم و أدعو الله في سري أن يجنبني و عائلتي فضيحة الإهانة.
- ألم تُعلمي حتى والدتك بالموضوع؟
-أبدا... فكرت مرات عديدة أن أُلمّح لها لكني تراجعت...خفت أن تقسو على أبي في إحدى المشاجرات فتعيّره بأن ابنته تعمل في البيوت لأنه عاجز عن الإنفاق عليها و أنا لا أقبل أبدا لأبي الذي أعبده طعنة كهذه تأتيه بسببي...( وانخفض صوتها كأنما تحدّث نفسها ): يكفيه ما تلقى في دنياه من طعنات...
يا لرقة إحساسها و عظمة عاطفة البنوة لديها، كانت تخشى على أبيها نصل كلمات حادة يتبادلها الأزواج في لحظات الغضب الطائش- دون أدنى تفكير في عواقب وقعها الدامي على نفسية مخاطبهم أو صغارهم- فتتقطع بخناجر حناجرهم أوصال النفوس و تهتز أركان بيوت كانت يوم العرس موعودة بالطمأنينة و الرحمة.
سألتها و قد تصورت أباها عاطلا:- و هل والدك يعمل؟
- نعم يعمل( قالتها بأسف كبير) يعمل أستاذ تاريخ و جغرافيا و لا تتعجّبي يا مدام ...انه غير قادر على إعالتنا فأمي مريضة و لا تعمل و مصاريف إخوتي كثيرة و لا تنتهي...
- لذلك قررت أن تعملي مع مدام سعاد
- بعد تخرجي و إحرازي المرتبة الأولى في الكلية لم أفكر مباشرة في مواصلة المرحلة الثالثة قلت أعمل أولا و فيما بعد أعود لمواصلة الدراسة عندما تتحسن وضعيتنا قليلا...
عُدت "للبلاد" و حاولت و حاول معي أبي البحث عن وظيفة فلم نفلح و كنت أرى الانكسار و الهزيمة في عينيه حتى صرت أخشى عليه أن يرتكب جريمة فالضغوطات أعلى من أن يتحملها رب أسرة مكافح يخونه المال فيصغر في عيني نفسه و عيون من حوله و خاصة زوجته و أبناءه.
-لذلك عدت للعاصمة؟
- نعم... رغم أني أكرهها فلم أعرف فيها سوى التعب و الخوف و اضطراب النوم حتى أني لا أنام فعلا إلا عندما أكون في "البلاد" حيث أشعر هناك بإحساس فريد بالأمان.
- إنها الحبيبة الأولى ...مدينتنا الأم... أنا أيضا لا أرتاح إلا عندما أكون في "الكاف".
- أنت من الكاف؟ سألتني بفرح و انشراح حتى خلتها كافيّة ( أصيلة الكاف ) هي الأخرى.
- نعم و أنت؟
و كأنها ما انتبهت لسؤالي فقد كانت تسرع إلي بآخر حلّ للتو بخاطرها : - بربّي كيف حال "لامين النهدي" الآن؟
أضحكني سؤالها فسألتها : ألا تعرفي من الكاف إلا "لامين النهدي"؟
- إنه فنان كبير و نحن في الجنوب نحبه كثيرا...والله لقد بكيت عليه عندما سمعت بموته في الصيف الماضي..
- لقد كانت إشاعة تداولها الناس بعد أن شارف على الموت فعلا لكنهم قالوا أنه صار الآن بخير
- الحمد لله...انه من الوجوه المحببة للقلب فيكفي أن تراه حتى تبتسم و ينشرح قلبك...ربي يعطيه الصحة و يطوّل له في عمره...
قمنا لنرتب شيئا من المبعثر في أركان المطبخ و قد حمدت الله أن جاء ذكر "لامين النهدي" ليخفف من موجة الحزن التي غمرتنا و هي تقص علي خيبة نجاحها...

-يتبع-



#كريمة_مكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن أبيع لحمي -2-
- لن أبيع لحمي -1-
- بدم النساء
- أيدُ الجراح كيَدُ الإلاه؟!
- دنياك ليست في الحواسيب
- ألا فاهدأ...
- و لكل حاكم...امرأة يخشاها
- اللهم زدنا عشقا...
- في الحب تستوي النساء.
- كيدُها و كيدُ الهوى...
- العاشقة تحرّر الرهينة
- كلمة آخر الحكّام لأهل الصحافة و الإعلام...
- مومس في الفصل (الأخيرة).
- مومس في الفصل (قبل الأخيرة)
- إلى العفيف الأخضر...إلى قارئي الأوحد.
- مومس في الفصل 16
- مومس في الفصل (15)
- جدتي الأبية...ماتت صبيّة!!
- هو حكم أغبى الثورات...
- ضُعنا يا تونس... و ضيّعناكِ!


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريمة مكي - لن أبيع لحمي -3-