|
مصفى ميسان والضجة المفتعلة
حمزة الجواهري
الحوار المتمدن-العدد: 4316 - 2013 / 12 / 25 - 18:09
المحور:
الادارة و الاقتصاد
2013-12-25 لعل المتابع البسيط لما يدور حول مصفى ميسان يظن أن أمرا جلل قد حل بالعراق، لكن في واقع الأمر أن القضية لا تعدو أكثر من توقيع مذكرة تفاهم مع شركة سويسرية صغيرة لبناء المصفى، وذلك من خلال توفير شركاء مستثمرين عالميين وشركات بناء عالمية لها خبرة معتمدة في بناء المصافي، وتفيد بنود المذكرة، بإن على الشركة المذكورة الإيفاء بهذا الالتزام خلال فترة لا تزيد على أربعة أشهر من تاريخ التوقيع، وهي فترة كافية لإقناع الشركاء بالمجيء للعراق والاستثمار في قطاع الطاقة الواعد. في واقع الأمر أن الشركة السويسرية لا تستطيع اقناع أي شريك مستثمر ما لم يكون لديها تفاهم رسمي مع الحكومة العراقية بهذا الخصوص، وهذا ما سنأتي عليه بشيء من التفصيل في السياق. قبل ذلك، خلال عام2010، كانت الحكومة العراقية قد طرحت أربعة مصافي استثمارية وهي مصفى كركوك وكربلاء وميسان والناصرية، الثلاثة الأولى بطاقة150 ألف برميل أما مصفى الناصرية فإنه بطاقة300 ألف برميل، لكن لم تتقدم أي شركة لبناء هذه المصافي، فقدمت الحكومة تنازلات لاستدراج الشركات، حيث قدمت خصم2% على النفط الخام ولم يتقدم احد، وزادته إلى3%، ثم5% ولم تتقدم الشركات، وتعهدت الحكومة بتقديم الأرض بلا أجر وتوفير الحماية للمصفى والعاملين به ومد الطريق له واحاطة المصفى بسياج آمن ومد أنبوب لتزويد المصفي بالنفط على حساب الحكومة، لكن مع كل هذه التنازلات والتسهيلات لم تتقدم الشركات الاستثمارية لبناء المصافي الأربعة. أخيرا قررت الحكومة بناء مصفى كربلاء من أموال الدولة كاستثمار وطني مباشر، وربطت مصفى الناصرية العملاق مع تطوير حقل الناصرية النفطي، أي ربطت الصناعة الاستخراجية بتصنيع النفط، وهذا ما طالبنا به منذ عام2007 وبقينا نطالب به حتى يومنا هذا من خلال عدة مقالات ودراسات تخصصية منشورة على موقعي الخاص لمن يشاء العودة لها، وهكذا سوف تجري جولة تراخيص خامسة تتعلق بهذا المصفى والحقل وذلك بداية العام القادم، لكن بقيت مشكلة مصفيي كركوك وميسان عالقة وتنتظر المستثمرين. وحين تقدمت شركة ستاريم السويسرية الصغيرة لم تدعي أبدا أنها مختصة بهذا النوع من الصناعة ولم تدعي أيضا، حسب علمي المتواضع، أنها تمتلك رؤوس أموال كبيرة وكافية لمشروع كبير كمصفى بطاقة150 ألف برميل يوميا، بل قالت أنها ستقنع الرأسمال المالي، أي البنوك في بلدها وفي الصين، كون أحد مالكي الشركة صيني الجنسية، ووعدت أيضا بأنها ستأتي بشركات بناء صناعية كبيرة، ربما صينية أيضا، لبناء المصفى، وأخرى لتشغيل المصفى على أن تبيع المنتوج للعراق لسد النقص بالمشتقات البيضاء وتصير الباقي للأسواق العالمية، وربما ستكون الصين المستفيد الثاني من هذه المشتقات، حيث أن العراق مازال يستورد مشتقات بيضاء بقيمة خمسة مليارات دولار سنويا لحد الآن. كل من يعمل بهذا المجال يعرف تماما بأن الرأسمال المالي لم ولن يتفاوض مع أي جهة لا تملك صفة رسمية للتفاوض حول استثمارات كبيرة قد تصل إلى ستة مليارات ما لم تتأكد من جدية المفاوض ومشروعية قيامه بالتفاوض. لا أستبعد أبدا أن يكون هذا الأمر هو السبب وراء توقيع وزارة النفط هذه المذكرة، فلو كان بالامكان أن تفاوض شركة ستاريم بدون المذكرة، لما أقدمت الوزارة على توقيعها وتسليح الشركة السويسرية بوثيقة مهمة ومقنعة للمستثمرين الحقيقيين. بهذا التحليل، أجد أن وزارة النفط لديها التبرير الكافي لتوقيع هذه المذكرة، كما وأتفق مع من يقول أن هذا يعني أن الشركة لا تعدوا كونها وسيط، وهذا الأمر يعتبر غير قانوني في العراق. لكن في حال دخول الشركة كطرف مستثمر بالعقد النهائي حتى لو كانت نسبته بسيطة، فإن الأمر سيكون مقبولا من الناحية القانونية. إن هذا العرض مقنع إلى حد بعيد للكثير من العاملين في الصناعة النفطية، خصوصا بعد أن فشلت الحكومة باستدراج المستثمرين لبناء هذه المصافي رغم التسهيلات والتنازلات الكبيرة المقدمة لها، أضف إلى ذلك أن مذكرة التفاهم لا تلزم الدولة بالتعاقد في حال لم تتوفر كل الشروط الموضوعية، كما وأن لها سقف زمني وهو أربعة أشهر من تاريخ التوقيع. لكن هناك العديد من المختصين بهذه الصناعة وبعض الاقتصاديين لم يقتنعوا بهذا الاتفاق، وهذا أمر جيد، ويعني أيضا أن هناك عيونا تراقب ولها الحق بذلك كون هذه الصناعة يجب أن تراقب بعناية ولكن ليس لأهداف إعاقة تقدمها، فهناك من يتصيد بالماء العكر وآخرون تنقصهم المعلومات وغيرهم تظللهم المعلومات المنقوصة، وهكذا نجد أن التدخلات كثيرة ومتنوعة، ولكن مع ذلك نستطيع القول "لابأس بذلك مادام الأمر يصب في نهاية الأمر بمصلحة البلد". لعل الكثير يسأل عن سبب عزوف الشركات العالمية بالاستثمار في المصافي العراقية، حيث في واقع الأمر أن العراق مازال يعتبر منطقة غير آمنة للاستثمار، وبالتالي سوف يكون التأمين على المنشآة كبيرا للغاية، وقد يكلف نسبة عالية جدا من رأس المال، كما وأن العديد من الشركات العالمية، خصوصا الغربية، غير مقتنعة بما توفره الدولة من حماية لتأمين المصفى والعاملين به، ثم هناك مسألة أخرى وهي بيع المنتج، فالدولة ترغب باستقبال ما يسد حاجة الاسواق المحلية فقط على أن تتكفل الشركة ببيع المشتقات للاسواق العالمية، وهذا يعني مد خط أنوب طويل من المصفى ولغاية الموانئ، وإنشاء حقلين للخزانات كبيرة لخزن المشتقات واحد في المصفى وآخر في موانئ التحميل، ومرفأ للتحميل، وغيرها من المنشآة الضرورية وكذلك تأمين سلامة الخط من الهجمات الارهابية وهجمات السراق الذين لم يتركوا خط أنابيب في العراق إلا وعبثوا به وسرقوا النفط منه، حيث أن هذا المنشآة ستضاعف من كلف المشروع، ويضاف إلى ذلك الوضع السياسي الهش الذي تتحاشى الشركات العالمية الوقوع ضحية له بشكل من الأشكال. من خلال علاقات العمل الخاصة بي، وجدت أن هذه العوامل وأخرى كثيرة هي التي تفل من عضد الشركات بالاقدام على عمل من هذا النوع، ورب سائل يسال، لماذا لم تفكر الشركات بهذه الطريقة عندما أقدمت على تطوير الحقول العراقية رغم أن العقود كانت مجحفة بالنسبة لها؟ وهذا ما صرحت به معظم الشركات التي تقدمت لعقود التراخيص الأربعة؟ في الحقيقة إن الاستثمار في الصناعة الاستخراجية يختلف عنه في تصنيع النفط والغاز اختلافا جذريا، فلكل منهما ضروفه وواقعه الموضوعي، أضف إلى ذلك إن الشركات كانت ومازالت تدرك أن تطوير الحقول العراقية يعني تبديد المخاوف التي كانت تطرق أبواب الأسواق النفطية من عدم تمكن المنتجين للنفط الخام من توفير إمدادات كافية للطلب المتنامي على النفط الخام، فلو لم يكن النفط العراقي الغير مطور موجودا لقفزت الأسعار إلى مستويات قد تزيد على200 دولار للبرميل، وهذا يعني انهيار للاقتصاد العالمي، وإن التغاضي عن هذه الحقيقة يعتبر كما القبول بحرب عالمية ثالثة تغير الخارطات السياسية والاقتصادية في العالم برمته، لذا فإن مخاطر الاستثمار في الصناعة الاستخراجية العراقية تتضائل أمام هذا الخطر الكبير الذي كان يواجه أسواق الطاقة قبل أربعة أعوام. لا يمكن أن نلوم الذين كتبوا حول هذا الموضوع، بل ندعوهم للمزيد من المراقبة لما يجري بهذا القطاع الذي يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية العراقية، لكن عليهم الحذر من الوقوع في مطبات لا تحمد عقباها وعرقلة المشاريع الاستراتيجية في البلد. أما مسألة التشكيك بوطنية العاملين بالقطاع النفطي فإنها، وكما يبدو، أصبحت عنوانا للوطنية في العراق الجريح، رغم أنه القطاع الوحيد الذي حقق ومافتئ يحقق نجاحات ويوفر لميزانية الدولة الأموال الكافية لبقاء البلد متماسك وعجلة البناء مستمرة بالدوران. لعل البعض يعتقد جازما بأنه لا يكون وطنيا لو قال كلمة حق بمؤسسة وطنية حتى لو كانت وزارة النفط والشركات التابعة لها، لأن بعرفهم يعتبر هذا الأمر محابات للسلطة وليس بحثا موضوعيا الهدف منه تصحيح الأخطاء وتقويم مسيرة العمل في مؤسسات الدولة. علينا التسليم بأن لا أحدا يقبل المزايدة على شعوره الوطني، لكن يمكن القبول بوجهات نظر مختلفة حول تحديد مصلحة الوطن، لذا اعتقد أن توجيه اتهامات لشخصيات ومؤسسات عملاقة كقطاع الطاقة في البلد مسألة قد تندرج بخانة التسقيط السياسي وليس التقويم أو النقد البناء، ففي مسألة مصفى ميسان وجدت آراء متباينة كثيرة ولم أرى رأيين متطابقين بالتمام والكمال، فكيف نتوقع من وزارة النفط مثلا أن تقوم بعمل يتفق عليه الجميع ولا خلاف عليه؟ هذا أمر مستحيل التحقيق، لذا يجب أن يكون النقد موضوعيا ومبنيا على معلومات متكاملة قبل الخوض بالتفاصيل، فالرسالة التي بعث بها الدكتور مثنى كبة كانت معتمدة على معلومات موثقة وأكيدة، ومع ذلك لم يشكك الرجل، بل طلب اجراء تحقيق بهذا الأمر للوصول إلى الحقيقة، لكن مع الأسف الشديد، استفاد منها البعض بترويج اكاذيب ونشرها بمقالات مستوحات من تخريفات نظرية المؤامرة، وما يثير الأسى والأسف هو اعتماد نظرية المؤامرة كمادة أساسية للنقد فيما بعد، وكأنها أصبحت حقيقة موضوعية مسلم بها. النقد مطلوب، بل ضرورة قصوى، ولكن يجب أن يعتمد على معلومات دقيقة وصادقة، وإلا فإنه سيكون أداة معرقلة لمسيرة النمو والتقدم، وحتى التخريب كما تفعل القاعدة، فالقاعدة تختلف مع الحكومة العراقية بكل شيء أيضا! فهل يحق لنا اعتبار عناصر القاعدة ومن لف لفهم ناس وطنيون؟
#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستر5%
-
الغاز العراقي على ضوء الاستراتيجية المتكاملة للطاقة
-
اشكالية التوافق والأغلبية
-
حرفة تحطيم المعنويات
-
خط نفطي عراقي عبر إيران
-
البترودولار فقط للمحافظات الغير منتجة دستوريا
-
معركة قانون النفط والغاز
-
قال المنجمون
-
هل حقا قانون البنى التحتية يرهن النفط؟
-
توتال الشريك النائم
-
استحقاق الإقليم من عائدات النفط
-
هورامي يوضح
-
تهريب النفط اهون الشر
-
هل محافظ نينوى مشاكس أم إيجابي؟
-
سياسة الكورد مضمخة برائحة النفط
-
معضلة عقود كوردستان
-
أزمة مضيق هرمز تهديد مؤجل
-
حوارات حضارية حول قوانين النفط والغاز-سادسا
-
حوارات حضارية حول قوانين النفط والغاز-خامسا
-
حوارات حضارية حول قوانين النفط والغاز-رابعا
المزيد.....
-
كوكاكولا وبيبسي في مرمى التغيير: هل تستمر منتجاتهما ضمن برنا
...
-
الذكاء الاصطناعي والأسواق المالية: رؤى عام 2025 وتحديات المس
...
-
عائدات السياحة في تونس تبلغ 2.3 مليار دولار للعام الحالي
-
خسائر قناة السويس تزيد على 7 مليارات دولار عام 2024
-
قادة الاتحاد الأوراسي يعطون الضوء الأخضر لاتفاقية التجارة ال
...
-
السيد الحوثي: هناك أضرار كبيرة جدا على العدو اقتصاديا نتيجة
...
-
السيد الحوثي: مؤشرات البورصة الاسرائيلية هبطت وانخفضت قيمة ع
...
-
الولايات المتحدة.. انخفاض طلبات إعانة البطالة
-
مصر.. حصيلة خسائر قناة السويس تتجاوز 60% في 2024
-
إسبانيا.. أسعار المنتجين تصعد في نوفمبر لأول مرة منذ 21 شهرا
...
المزيد.....
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|