|
أسلوب التعبير عن الاختلاف في الرأي عند الإسلاميين
مها فهد الحجيلان
الحوار المتمدن-العدد: 1228 - 2005 / 6 / 14 - 11:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن اختلاف الرأي بين الناس هو أمر صحيّ في أي مجتمع، ولا شك أنّه سنّة الله في خلقه إذ لو شاء الله لخلق الناس على قلب شخص واحد. لكن هناك من يعارض حكمة الله في خلقه بإلغاء هذا الاختلاف واعتباره مُروقاً من الدين أو انحرافاً عن الملّة. هناك فئة في مجتمعنا معنيّة بالسعي إلى طمس عقول الناس وأذواقهم وشخصيّاتهم وثقافتهم الخاصّة ووضعها في علبة ذات مواصفات معيّنة صادرة عن شخصيّة تزعم أنّها شخصيّة دينيّة ذات مؤهلات روحيّة عالية، ويبدو أنّهم قد نجحوا إلى حد بعيد في صياغة هذا النمط من الشخصيّة المذعنة الخنوعة التي تسير خلف هتافات الإنكار ودعوات الشتم والقذف واللعن وربما التكفير التي صارت تتخذ من رسائل الجوال ورسائل الإيميل ومواقع النت والفاكسات وسائل لها لتمريرها إلى أكبر قدر ممكن من الناس.
لقد تعرّض عدد من الأساتذة الفضلاء الذين يعتبرون من وجهاء المجتمع السعودي ومن مصادر المعرفة في بلدنا إلى أسلوب التهديد والإزعاج بسبب عرضهم لأفكار معيّنة لا يتّفق معها أصحاب مشروع الإنكار. لقد تعرّض الدكتور حمزة المزيني إلى أنواع فاحشة من السباب والقذف وسوء الأدب سواء في منتديات الإنترنت أو على هاتفه حينما كشف في مقالاته عمّا يحدث في المدارس من أنشطة مشبوهة ترتدي عباءة الدين للتغطية على أهدافها الأيديولوجية الأخرى. كما تعرض مؤخراً الدكتور محمد آل زلفة لحملة شرسة من هذه الفئة نفسها بسبب تبنّيه فكرة مناقشة موضوع السماح للمرأة بقيادة السيّارة في السعودية. وهناك آخرون تعرضوا ويتعرّضون لهذه الحملة الشرسة التي تسعى لثنيهم عن فكرهم بالتهديد والعنف. والعجيب أن هذه الحملات -التي يمكن وصفها بأنّها حملات يُراد بها إرهاب المجتمع- تؤتي ثمارها أحياناً في إقناع المسؤولين بإبطال محاضرة ما أو منع كتاب أو حجب موقع معين. ستحاول هذه المقالة أن تسلّط الضوء على سبب انتهاج سبيل العنف في التعبير عن الاختلاف في الرأي لدى هذه الفئة المؤدلجة بفكر معيّن، وآثار ذلك على الفرد والمجتمع والمصلحة العامّة في البلد.
يقول الفيلسوف الألماني آرلولند إسمبرق "حينما يفقد المرء الحجّة العقليّة يستخدم عضلاته"، ويقول قولمان في مقالة عن قلق العاطفة "عند تدقيق النظر فيمن يُعلي صوته ليُسكت غيره من خلال نبرته الفيزيائية العالية سنجد أنّه لا يملك سوى ذلك الصوت الفيزيائي الضعيف إذا قارنّاه بصوت حيوان متوحّش"، إنّه من الجليّ أنّ الشخص الذي يملك منطقاً ورأياً سديداً يمكنه أن يقوله بالطرق السلميّة الحضاريّة دون الرغبة في الفتك بالآخرين لكي تبقى فكرته دون منافسة. لكن الذي لا يملك المنطق السليم في التفكير الواعي فإنّه يصبح أسيراً لغرائزه الذاتيّة ويجد نفسه أمام قوة ضغط عاطفيّة تجيش في داخله ولا يستطيع السيطرة عليها بسبب ضعف مقدرة التحكّم العقلي لديه؛ ونتيجة لهذا الضغط الحسّي فإنّ الطريقة الجسديّة هي السبيل الوحيد لإفراغ هذا الضغط. ويتّخذ تفريغ هذه الشحنات السلبيّة عدة أشكال كالصراخ وشدّ الشعر والضرب باليد أو الركل بالقدم إلى الشتم واللعن وربما الدخول في عراك والمشّادة وقد يصل الأمر إلى القتل أحياناً.
إنّ الفكرة - مهما كان نوعها - محلّها العقل وفي الغالب يكون العقل أقرب إلى الصفاء والهدوء، في حين أنّ ما يتعلّق بالشعور مرتبط بالحواس؛ لهذا فإنّ استجابة الحواس ترتبط ارتباطاً قويّاً بالمؤثرات الحسيّة الخارجيّة التي يتعرّض لها المرء. فحرارة الجو مثلا تجعل الشخص العاطفي - صاحب ردة الفعل السريعة - غاضباً، وكذا حينما يتعرّض لخطبة عاطفيّة أو يستمع إلى شريط تهييجي فإنّ انفعالاته ترتفع وتؤثّر على جسده مما يجعله يتحرك أو يخمد. أمّا الأفكار العقليّة المتوازنة فإنّها لا تدفع إلى العنف؛ إذ إنّ اقتناع شخص ما بفكرة معينة لا تدفعه للصراخ أو الشتم غالباً. وقد قيل من قبل بأنّ الذي يضرب ابنه هو الذي لم يستطع إقناعه بالكلام؛ فاستخدام القوة الجسدية للإقناع علامة على الفشل في الحوار؛ لأنّ الإقناع هو حالة عقليّة وليس سلوكاً حسيّاً فقط. الردع والكبت وسائل حسيّة تأثيرها مؤقت يزول بزوال المعوقات الحسيّة المفروضة، في حين أنّ القناعة العقليّة تتّسم بالاستمرار والصدق لأنّ الشخص يقوم بسلوكه عن قناعة وارتياح. والمثال من مجتمعنا واضح، حيث نمتلك أكبر جهاز لمتابعة تصرّفات الناس ومعاقبة السلوك الخارج عن رؤية القائمين على هذا الجهاز ومع كل هذا فإن التصرّفات غير الأخلاقيّة تتضاعف؛ والسبب أنّنا لم نغذ الرقيب الداخلي لدى الناس واكتفينا بالقمع الخارجي. صحيح أن القمع الخارجي سهل التنفيذ لكنه كذلك سطحي ومفعوله مؤقت؛ في حين أنّ تغذية الرقيب الداخلي تحتاج إلى جهد عقلي ومنطق وحوار يسعى إلى تنمية الوعي وتبصير المرء بمختلف المعطيات التي تجعله يبادر بنفسه لاقتناء سلوك مناسب يحترم الآخرين ويقدّرهم.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الفئة التي تستخدم العنف في لجم المخالف أو ردعه عن إبداء رأيه إنّما هي فئة لها سمات عاطفيّة معيّنة يكون فيها ترجيع الشعور قريباً، كما أنّ سيطرة العقل على نوازع الشخص الداخليّة ضعيفة للغاية؛ وليس مستغرباً من هذا الصنف من الناس أنّهم يرتكبون الجرائم الأخلاقيّة لأنّ قدرة العقل لديهم لم تتمكّن من السيطرة على الغريزة؛ لهذا فإنّ هذه الجرائم في الغالب ينسبونها إلى مصادر غيبيّة كالشيطان والقدر وغير ذلك. وليس مستغرباً إذا عُلم أنّ عدداً من المعاكسين والمتحرشين بالنساء في الأسواق هم من هذه الفئة التي تعتقد أنّها تكفّر عن خطيئتها عن طريق إزعاج الناس والتعدّي عليهم بالانضمام لحملات الإنكار. ولاشك أنّ الفعلين كليهما صادران عن عقلية واحدة تؤمن بالتعدي على حق الآخرين وانتهاك خصوصيتهم. وعند التركيز على هذا الفكر الأحادي المقصي لكل مختلف ربما يتّضح لنا خطورة إفرازاته على المجتمع بشكل كامل بل وتأثيره على مكانة هذا المجتمع بين غيره في العالم. فالأحادية لا تنجب سوى العزلة لأنّها ترتوي بنفسها فقط دون السماح لغير فكرها بالتواجد السلمي معها، وهذه العزلة لاشك أنها مقبرة اجتماعية كونها تفرض حدوداً صارمة على المجتمع تمنع فيه التبادل الثقافي والتغير الملائم لظروف الزمان والاحتياجات السياسية والاقتصادية. وبسبب الضعف المنطقي لهذه الحركة الفكريّة الأحاديّة فهي تبادر بكل شراسة لإقصاء أي فكر آخر لأنّه يمثل تهديداً لها فهي غير قادرة على البقاء في بيئة متعدّدة الأطياف لأنها لا تملك ما يؤهلها للمنافسة.
إنّ التعبير عن الرفض والاحتجاج هو حق مدني يجب أن يكون مكفولاً للجميع ولكن حينما يأخذ هذا التعبير صورة شرسة تحاول بخس غيرها حقوقهم العامة كما أنها تعتدي على خصوصيّات الأفراد باقتحام جوالاتهم أو إيميلاتهم برسائل لم يشتركوا فيها ولم يطلبوها - فهذا هو الخروج عن المسار الصحيح للتعبير عن الاختلاف في الرأي. وبهذا يبدأ التصادم الذي قد يؤدي إلى تناحر اجتماعي يؤثر سلباً على بينة المجتمع بكاملها. ولو أخذنا موضوع قيادة المرأة للسيارة على سبيل المثال؛ فمن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في الرأي وفي الرغبة، فمن لا تريد أن تقود السيارة فلها حقها بذلك ولكن لماذا تعتب على من تريد ذلك؟ لماذا تعتقد الفئة المعارضة أنّ لها حقوقاً أكثر من غيرها وأنّ على المجتمع السماع لها وحدها ونبذ غيرها تماماً؟ هل ستقوم هذه الفئة المعارضة مثلا بإحداث شغب متعمّد بتعرضها للنساء اللاتي يقدن سيارتهن حتى يثبتوا افتراءاتهم بأنّ قيادة المرأة للسيارة لا تصلح؟ وإن كان هذا صحيحاً فهل ستنطلي هذه الحيلة على المجتمع؟.
وممّا لاشكّ فيه أنّ الحوار هو رحم خصب يحوي الجميع وليس هناك عيب في الاختلاف، ولكن الخطر هو في الخلاف والتناحر. الحوار العملي الذي نتبنّاه في بيوتنا مع أطفالنا وفي مدارسنا وفي مجتمعنا هو الذي يمكن أن يساهم في ترسيخ فكرة تقبّل الرأي الآخر واحترام حقّ الغير في التعبير.
#مها_فهد_الحجيلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنف وثقافة الموت في مدارس البنات
-
كيف يدعم الإنترنت الإرهاب في السعودية؟
المزيد.....
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|