|
لماذا يرى الناس آلهة، أشباح، شياطين وملائكة
إبراهيم جركس
الحوار المتمدن-العدد: 4316 - 2013 / 12 / 25 - 16:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا يرى الناس آلهة، أشباح، شياطين وملائكة العلم يفسّر لماذا يرى الناس آلهة، ملائكة، شياطين، وغرباء... ولماذا يطوفون، يحلّقون، يطيرون، ويمرّون بتجارب الخروج من الجسد. مايكل شيرمر وبات لاينز ترجمة إبراهيم جركس
منذ حوالي 500 عام كان عالمنا مليئاً بالشياطين، وقد طاردت الكوابيس ضحاياها وعذّبتهم خلال نومهم في الليالي الحالكة الظلمة. منذ حوالي 200 عام كانت أرواح الموتى تزور الناس خلال النوم، وترقد بجانب أسرّتهم. ومؤخّراً ظهرت كائنات خضراء ورمادية غريبة وأخذت تتحرّش بالبشر أثناء نومهم. ما الذي يحدث فعلاً؟ هل هؤلاء الزوّار الغرباء موجودون في عالمنا فعلاً أم أنّهم موجودون في عقولنا فقط؟ إنّهم في عقولنا. جميع هذه التجارب هي من إسقاطات الدماغ، الذي يتكوّن من حوالي مئة مليار عصبون ومئة تريليون مشبك عصبي يربط بين هذه العصبونات. لا عجب أن يكون الدماغ قادر على صقل أفكار دقيقة ورفيعة كنموذج التطوّر وكوزمولوجيا الانفجار الكبير. لكنّه قادر أيضاً وتحت ظروف مختلفة في تنوّعها على توليد تجارب وأفكار مذهلة لكنّها ليست حقيقية بتاتاً.
1)العقاقير النفسية المنشّطة: إنّ قدرة العقاقير المهلوسة على توليد تجارب ماروائية خارقة للطبيعة قد تمّ توثيقها بدقّة. هناك مركّبات من الأتروبين وزهرة إكليل الجبل قد تولّد شعوراَ بالطوفان والطيران، ويمكن إيجادها في حشيش اللُقّاح أو أعشاب جيمسون التي كانوا يستخدمونها مشعوذو أوروبا وشامانات أمريكا الأصليين، بغرض توليد هلوسات على الأرجح. العقاقير الفصامية كالكيتامين يُعرَف عنها أنّها تولّد شعوراً بالخروج من البدن. كما أنّ تعاطي ميثيلين دوكسي أمفيتامين (MDA) قد يعيد استرجاع بعض الذكريات المنسية منذ أمدٍ بعيد ويولّد شعور العودة في الزمن إلى الوراء، في حين أنّ مركّب الدي ميثيل تريبتامين (DMT) _ويسمّى "بجزيء الروح"_ يسبّب انفصال العقل عن الجسد كما أنّه العنصر المُهَلوِس في عقار "آياهواسكا ayahuasca"، العقار الذي كان يتناوله شامانات جنوب أمريكا. الناس الذين تناولوا عقاراً يحتوي (DMT) نُقِل عنهم قولهم: "لم يعد لي جسد"، و"أشعر بأني أسقط"، "أطير"، أو "أرتفع في الهواء".
2)التأمّل: يقول عالم الأعصاب أندرو نيوبيرغ في كتابه: "لماذا يرفض الله الاختفاء والذهاب بعيداً" (2001)، أنّ عمليات مسح الدماغ التي أجريت على بوذيين ورهبان في حالة تأمّل وعلى راهبات فرانسيسكانيات خلال صلواتهنّ تشير إلى وجود نشاط طفيف في الفص الجداري العلوي الخلفي، المنطقة في الدماغ التي أطلق عليها الكُتّاب اسم منطقة جمعية التوجيه والإرشاد (Orientation Association Area AAO). وظيفة هذه المنطقة هي توجيه الجسم البشري وإرشاده ضمن حيّز المكان، والأشخاص الذين تضرّرت هذه المنطقة لديهم يواجهون صعوبة بالغة في تحريك أجسامهم وتوجيهها داخل منازلهم، حتى أنّهم يرتطمون ويصطدمون بالأشياء والأثاث لأنّ دماغهم لا يعالج الأشياء على أنّها أشياء منفصلة عن الجسد. وعندما يتمّ تحفيز هذه المنطقة واستثارتها بشدّة يصبح التمييز بين الذات والآخر [وغيرها من الأشياء والموجودات الأخرى في عالمنا] حاداً جداً. وعندما تكون المنطقة في حالة همود أو نوم _كما في حالة التأمّل العميق أو الصلاة_ ينكسر ذلك الحاجز الفاصل بين الذات والآخر، ممّا يؤدّي إلى تشويه وتشويش الفواصل والحدود الفاصلة بين الخيال والواقع، وبين الشعور بالجسد وبالخروج منه. على الأرجح هذا بالضبط من يحدث للكهنة والرهبان الذين يشعرون بالاتحاد مع الكون، أو الراهبات اللواتي يشعرن بالحضرة الإلهية، أو مع الذين يشعرون بأنّه قد تمّ اختطافهم من قبل كائنات غريبة من الفضاء عندما يشعرون بأنّ أجسادهم تطوف محلّقة في الهواء ثمّ يتمّ نقلهم إلى المركبة الأم.
3)الأضرار الدّماغية: قام طبيب الأعصاب الشهير أوليفر ساكس _الذي يعرف بأشهر أعماله كتابه "الاستيقاظ Awakening" الذي يصف فيه حالات الشلل الدماغي لضحايا التهاب الدماغ والذي تحوّل إلى عمل سينمائي عام 1990 بعنوان Awakenings (تمثيل روبين وليامز بصفته الدكتور ساكس وروبرت دينيرو كأحد مرضاه)، _ بتأليف عدد من الكتب يصف فيها حالات هلوسة غريبة مرّ فيها مرضاه _مثال ذلك المريض الذي أخطأ بين زوجته والقبّعة_ والتي قال عنها الذين مرّوا بها أنّها تجارب خارجة عن الدّماغ، أي أنّها حدثت خارج أدمغتهم في العالم الواقعي. أحد مرضاه الكبار عانت من تنكّس بقعي macular degeneration وفقدت بصرها بالكامل وقد شخّص الدكتور ساسك مرضها بأنّها تعاني من متلازمة تشارلز بونيت بسبب هلوساتها البصرية المختلطة والمتداخلة، ومن ضمنها رؤيتها وجوهاً مشوّهة بأسنان وعيون غريبة. مريضة أخرى طوّرت ورماً في قشرتها الدماغية البصرية ثمّ بدأت برؤية هلاوس كرتونية _وبشكل خاص شخصية كورميت الضفدع_ شفّافة ولم تكن تغطّي سوى نصف مجالها البصري. في الواقع، يقول ساكس، أنّ حوالي 10% من الأشخاص الذين يعانون من ضعف البصر يمرّون بحالات هلوسة بصرية. تشير عمليات المسح المقطعي الدماغي لمرضى الهلاوس أنّ القشرة البصرية تكون مستثارة ومحفّزة أثناء هذه الهلاوس والصور البصرية الوهمية. وأثناء الهلاوس الهندسية نلاحظ أنّ القشرة البصرية الأساسية هي الجزء الأكثر نشاطاً من الدماغ _وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة الأنماط والنماذج (وليس الصور) في الدماغ. أمّا الهلوسات التي تتضمّن صوراً كالوجوه فهي ترتبط بحدوث نشاط أكبر بالمنطقة المغزلية في الفص الصدغي، والمسؤولة عن إدراك الوجوه والتعرّف عليها (الأشخاص الذين أصيبت هذه المنطقة لديهم بالأذى لا يستطيعون التعرّف على الوجوه، كما أنّ تحفيز هذه المنطقة واستثارتها تجعل المرء يرى وجوهاً).
4)حالات الغيبوبة: في كتابه الشهير "Proof of Heaven" يروي لنا الكاتب والبروفسور بجامعة هارفارد إيبن أليكساندر عن تجربة الاقتراب من الموت (NDE) التي مرّ بها خلال الغيبوبة التي أعبقت التهاب الدماغ الذي أصيب به حيث يقول أنّ صعد إلى السماء ودخلها. هل حدث ذلك فعلاً؟ ليس من المرّجح. أولاً، يزعم أليكساندر أنّ "قشرته الدماغية كانت معطّلة بالكامل" وأنّ "تجربتي في الاقتراب من الموت... لم تحدث لي عندما كانت قشرتي الدماغية مقصّرة، بل عندما كانت معطّلة وواقفة عن العمل ببساطة". ومع ذلك نلاحظ أنّ الطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها تذكّر تجربته هذه هي إذا كان دماغه يعمل. كما أنّ هناك سبب لتسمية هذا النوع من التجارب "بتجارب الاقتراب من الموت Near Death Experiment": والسبب هو أنّ الناس لا يكونون أمواتاً بشكل فعلي. إضافةً إلى أنّ الدكتور أوليفر ساكس يقول في كتابه الرائع ((هلوسات Hallucinations)) [2012] أنّ آلام الصداع النصفي تولّد هلوسات أيضاً، وقد عاني منها ساكس نفسه، ومن بينها "ضوء وامض" كان "لامعاً وبرّاقاً جداً": ((توسّع، وأصبح قوساً هائلاً يمتدّ من الأرض إلى السماء، بحدود حادّة، متألّقة، ومتعرّجة من اللونين الأزرق والبرتقالي)). قارن هذه تجربة الدكتور ساكس برحلة إيبن أليكساندر إلى السماء، حيث وجد نفسه ((في مكان من الغيوم. سُحُب كبيرة وردية وبيضاء منتفخة ظهرت بوضوح على خلفية السماء السوداء المزرقّة. وفوق ذلك السحاب، هناك أسراب من الكائنات الشفّافة، البرّاقة التي ترقد على القوس عبر السماء، تاركةً خطوطاً طويلة شبيهة بالأشرطة الملوّنة ورائها)). يعلّل الدكتور ساكس السبب وراء كون الهلوسات تبدو حقيقية "هو أنّها تستخدم نفس الأنظمة في الدماغ التي تستخدمها التصوّرات الفعلية وتعمل عليها. فعندما يمرّ الشخص بحالات هلوسة ويسمع أصواتاً فهذا معناه أنّ القنوات السمعية فعّالة ومحفّزة، وعندما يهلوس الشخص ويرى وجوهاً، فإنّ المنطقة المسؤولة عن التعرّف على الوجوه وإدراكها في الدماغ تكون نشطة. يتوصّل الدكتور ساكس إلى النتيجة التالية: ((التفسير الأكثر معقولية ومنطقية لحالة الدكتور ألكساندر هو أنّ تجربته الاقتراب من الموت لم تحدث أثناء غيبوبته، بل خلال مرحلة انتقاله من الغيبوبة إلى استعادة قشرته الدماغية لعملها. من المثير للانتباه أنّه لم يتقبّل هذا التفسير الطبيعي الواضح والبيّن، بل أصرّ على تفسيره الغيبي والماورائي)).
5)تأثير الحضور المحسوس: هناك ظاهرة معروفة جيداً عند متسلّقي الجبال، المستكشفين القطبيين، البحّارة المنفردين، والرياضيين الذين يختبرون قدرتهم على التحمّل، يطلقون عليها "تأثير الحضور المحسوس sensed-present effect" وهي الشعور بأنّ هناك أحد ما أو شيء ما موجود معنا في نفس المكان. هناك ظروف وأحوال أخرى تصاحب الحضور المحسوس منها: الوتيرة، الظلمة، المناظر الطبيعية القاحلة والموحشة، العزلة، البرد، الإصابة، التجفاف، الجوع، التعب والوهن، الخوف، والحرمان من النوم. شعر تشارلز ليندبيرغ بوجود "حضور شبحي" خلال عبوره للمحيط إلى باريس على متن الطائرة. وقد شعر متسلّق الجبال النمساوي الشهير هيرمان بوهل بوجود محسوس بعد صعوده قمّة نانغا باربات التي يبلغ ارتفاعها 266660 قدم حيث قال واصفاً الأمر: ((... أرى نقطتين. كنت أصرخ بفرح... كنت أسمع صوتيهما أيضاً، أحدهم كان يناديني "هيرمان"، لكني سرعان ما أدركت أنّهما كانتا صخرتين... هذا المشهد يتكرّر بشكل دائم... أسمع أصواتاً، أسمع أحدهم ينادي اسمي بوضوح وجلاء _[لكنّها مجرّد] هلوسات وأوهام... كان ينتابني شعور قوي بأني لم أكن لوحدي)). مهما كانت أسبابها المباشرة (الحرارة، الارتفاع، نقص الأكسجة في الدماغ، الإرهاق والوهن الجسدي، الحرمان من النوم، التضوّر جوعاً، الوحدة، الخوف) فإنّ أهم سبب وراء تأثير الحضور المحسوس موجود داخل الدماغ: 1) امتداد للحضور المحسوس الطبيعي الذي نشعر به للناس من حولنا، 2) صراع بين طريق العواطف البطيء وطريق العقل السريع، 3) صراع داخل أنظمة الجسم، أو إحساسنا المادي بالذات، حيث ينخدع الدماغ ويظنّ أنّ هناك أحدٌ آخر، 4) صراع داخل نظم العقل، أو شعورنا السيكولوجي/النفسي بالذات، حيث ينخدع الدماغ ويظنّ أنّ هناك عقل آخر.
6)ثنائيون بالفطرة: يقول العالم السيكولوجي من جامعة يال باول بلوم أنّنا ثنائيون بالفطرة. فمثلاً الصغار والكبار على حدٍ سواء يتحدّثون عن "جسدي"، وكأنّ حرف الجسد شيء آخر غيري أنا، بمعنى أنّي أمتلك هذا الجسد، وبهذا فإنّ الجسد والنفس كيانان مختلفان. قام بلوم في تجربة أجراها بإخبار الصغار قصّة عن فأر افترسه تمساح وقام بمضغه. اتفق الصغار على أنّ جسد الفأر كان ميتاً _فهم لم يعد قادراً على الذهاب إلى الحمّام، لم يعد قادراً على السمع، ولم يعد دماغه يعمل كما كان. ومع ذلك فقد أصرّوا أنّ الفأر مازال جائعاً، قلقوا بشأن التمساح، ويريدون الذهاب إلى المنزل. يقول بلوم: ((هذا هو الأساس لنظرة أوضح تجاه الحياة الأخرى غالباً ما تجدها عند الشبّان الأكبر سنّاً والبالغين... ما أن يتعلّم الأولاد أنّ الدماغ مسؤولٌ عن التفكير، فإنّهم لا ينظرون إليه على أنّه مصدر ومنشأ الحياة العقلية، إنّهم لا يصبحون ماديين. إنّهم يفسّرون عملية "التفكير" ضمن سياق ضيّق، ويستنتجون أنّ الدماغ بديل إضافي إدراكي، شيء ما أضيف للروح لتحسين قدرتها على المعالجة)). السبب في أنّ الميل الثنائي حدسي أساساً هو أنّ الدماغ لا يدرك ذاته، وبذلك يضفي نشاطاً عقلياً على مصدر آخر منفصل عنه. إنّ الهلوسة ورؤية كائنات ماورائية كالأشباح، الآلهة، الملائكة، والكائنات الفضائية الغريبة وإدراكها ككيانات حقيقية، والمرور بتجارب الاقتراب من الموت كأحداث خارجية، ونمط المعلومات المخزّنة في ذاكراتنا، شخصيتنا، وذاتنا، كل هذه الأمور ندركها كروح كامنة فينا.
7)الدوبامين: وجد عالما النفس والأعصاب بيتر بروغر وكريستين موهر أثناء استكشافهما للكيمياء العصبية للخرافة والتفكير الخرافي أنّ الأشخاص الذين يتمتعون بمعدلات مرتفعة من الدوبامين هم الأكثر ترجيحاً لأن يجدوا نظاماً ما في الصدف أو يجدوا معنى أو نمطاً ما حيث لا يكون هناك أيّ منهما. في إحدى الدراسات قام الباحثون بتقديم عقار "إل-دوبا _L-Dopa العقار الذي يستخدم للمصابين بمرض باركنسون لزيادة معدّل الدوبامين في الدماغ_ لأربعين شخص ووجدوا أنّ اندفاعات الدوبامين تجعل الناس قادرين تمييز الوجوه المشوّهة المعالم والكلمات المتداخلة بشكل حقيقي وطبيعي. لماذا؟ إنّ الدوبامين يزيد معدّل الإثارة العصبية في الدماغ بالاشتراك مع وظيفة التعرّف على الأنماط، وهذا يعني أنّ التوصيلات المشبكية بين الصبونات ستتزايد عند الاستجابة إلى أي نمط مُدرَك. إنّ زيادة معدّلات الدوبامين في الدماغ تؤدّي إلى ارتفاع في القدرة على التعرّف على الأنماط، وقد وجد علماء آخرون أنّ الدوبامين لا يعمل فقط على تحسين التعلّم بل إنّه في حالات جرعات أعلى يمكن أن يطلق عوارض وعلامات ذهان واضطرابات عقلية كالهلاوس.
8)الدماغ الأيمن مقابل الدماغ الأيسر: كتب كارل ساغان يقول: ((لاشكّ بأنّ نصف الكرة الدماغية الأيمن المسؤول عن التفكير الحدسي قد يميّز الأنماط والأشكال ويدركها الأمر الذي يصعب على نصف الكرة الدماغية الأيسر، لكنّه يمكن أيضاً أن يميّز الأنماط والأشكال حيث لا تكون موجودة)). قام العالم بيتر بروغر في تجارب الدماغ المنقسم split-brain بعرض كلمات لاهي حروف كاملة وواضحة وذات معنى ولاهي حروف خالية من المعنى على المجال البصري والأيمن والمجال البصري الأيسر، وطلب من الأفراد أن يبدوا استجابة عندما يميّزون نمطاً أو كلمة واضحة. وقد جرى توثيق إيمان الأفراد الخاضعين للتجربة بالإدراك الفائق أو فوق الحسّي ESP. النتيجة: الشكّاكون هم الذين يسيطر نصف الكرة الدماغية الأيسر أكثر من الأيمن كما هو الحال لدى المؤمنين الذين يسيطر نصف الكرة الدماغية الأيمن على التفكير لديهم.
9)اضطرابات النوم والأحلام الجليّة: تجارب الاختطاف من قبل غرباء فضائيين من خارج غالباً ما تحدث خلال النوم وتتجسّد أغلب الأحيان في الهلوسات النعاسية (hypnagogic أي بعد الاستغراق في النوم) وهلوسات ما قبل الاستيقاظ hypnopompic. أحلام أخرى تصنّف كأحلام واضحة وجليّة Lucid dreams وحالات شلل النوم paralysis وتتضمّن مكوّنات تشابه علامات تجارب الاختطاف. الهلوسات النعاسية وماقبل الاستيقاظ تحدث في الأراضي الحدودية الغائمة والمشوّشة ما بين اليقظة والنوم، عندما ينزلق عقلنا الواعي إلى عالم اللاوعي خلال سقوطنا في النوم، أو مراحل الانتقال إلى اليقظة من النوم. يتداخل الخيال والواقع. وقد تتنشّط عدّة وسائط حسية، كرؤية وسماع أشياء غير موجودة فعلياً كالصور التمثيلية، أنماط أو بقع أو لطخات أو خطوط هندسية. الصور الهلوسية قد تكون بالأبيض والأسود أو ملوّنة، ثابتة أو متحرّكة، مسطّحة أو ثلاثية الأبعاد، وفي بعض الأحيان تتضمّن قنوات لولبية أخبر عنها أناس مرّوا بتجارب الخروج من الجسد أو الاقتراب من الموت. يمكن للهلاوس أن تكون سمعية كسماع أحد ينادي باسمك، أو صوت جرس الباب أو طرق على الباب، حتى أنّك قد تسمع مقتطفات من حديث من شخص متخيّل آخر تعتقد أنّه موجود في الغرفة الأخرى. صور الأحلام الجليّة أكثر وضوحاً وحيوية لأنّ الشخص النائم مدركٌ أنّه نائم ويحلم وبإمكانه المساهمة وتغيير مجرى الحلم نفسه. شلل النوم هو نوع من أنواع الأحلام الجلية حيث يكون الحالم، مدركٌ للحلم، لكنّه بشعر بالشلل، ثقل على الصدر، وجود كائن ما في الغرفة، التحليق، الطيران، السقوط، أو الخروج من الجسد، بالإضافة إلى مكوّن عاطفي يتضمّن عناصر الخوف، الرهبة، الفزع، لكن مصحوباً بشعور بالإثارة، البهجة، النشوة، أو اللذّة.
10)النمطيّة: تخيّل أنّك هومينيد/أحد أسلاف الإنسان تعيش في هضاب إفريقيا منذ ثلاثة ملايين عام. تسمع خشخشة بين العشب. هل هي مجرّد ريح تحرّك العشب أم أنّه صوت حيوان مفترس؟ إذا افترضت أنّ صوت الخشخشة في العشب حيوان مفترس لكنّه تبيّن لاحقاً أنّها الريح، فستكون عندئذٍ ارتكبت خطأً من النمط [1] في الإدراك، والذي يعرف أيضاً "النمط الإيجابي الخاطئ"، أو الاعتقاد بشيء فعلي في حين أنّه ليس فعلياً. وهذا معناه أنّك عثرت على نمط غير موجود أصلاً. لا ضرر في ذلك. ستبتعد عن العشب المخشخش، وستكون أكثر حذراً وترقّباً، وتجد لنفسك طريقاً آخر لوجهتك. لكن إذا افترضت أنّ الخشخشة في العشب بفعل الريح لكن تبيّن لاحقاً أنّه حيوان مفترس، فستكون قد ارتكبت خطأً من النمط [2] في الإدراك، ويعرف أيضاً "بالنمط السلبي الخاطئ"، أو عدم الاعتقاد بوجود شيء فعلي في حين أنّه فعلي _كما في حالة الحيوان المفترس. عندئذٍ ستكون قد أصبحت طعاماً لذلك الحيوان! ولن تكون بعد الآن عضواً في مستنقع جينات أسلاف الإنسان. إنّ أدمغتنا عبارة عن محرّكات إيمانية، آلات تمييز أنماط متطوّرة تعمل على ربط النقاط وتخلق معنى من أنماط نعتقد أنّنا نجدها في الطبيعة. في بعض الأحيان تكون (أ) مرتبطة بـ (ب) فعلاً، وفي أحيان أخرى لا تكون. فلاعب البيسبول الذي لا يحلق (أ) في منزله (ب) يشكّل رابطة خاطئة بين (أ) و(ب)، لكنّها رابط غير مؤذية نسبياً. وعندما تكون الرابط حقيقية، نكون قد تعلّمنا شيئاً قيّماً حول البيئة أو العالم الذي أصبح بمقدورنا وضع توقّعات وتنبّؤات بشأنه تساعدنا في بقائنا واستمرارنا وتكاثرنا فيه. نحن أحفاد أولئك الذين نجحوا في العثور على أنماط. وتسمى هذه العملية بـ"النمطية patternicity"، أو الميل نحو إيجاد أنماط ذات معنى ضمن الضوضاء ذات المعنى والخالية من المعنى. المشكلة هي أنّ تقييم الفرق بين النمط [1] والنمط [2] من الأخطاء هو أمر مشكوك فيه إلى حدٍ بعيد _وخصوصاً في التوقيت الآني الذي يحدّد دوماً الفرق مابين الحياة والموت في بيئتنا السلفية_ إذن الموقف المثل هو افتراض أنّ جميع الأنماط حقيقية، وهذا معناه افتراض أنّ كافة أصوات خشخشة العشب من المحتمل أن تكون حيوانات مفترسة وليست الريح. وهذا هو أساس الخرافة والتفكير الخرافي.
11)الوكالة أو السحر المتعاطف: لنعود إلى أسلاف الإنسان الذين تركناهم في سهول إفريقيا والذين يسمعون خشخشة بين العشب، والمسألة الهامة سواءٌ ما إذا كان هذا الصوت هو صوت حيوان مفترس أم أنّها الريح فقط: "الريح" تمثّل قوى غير عقلانية وغير مدركة أو واعية، في حين أنّ "الحيوان المفترس" يشير إلى عنصر أو عميل واعي ومدرك. لذلك نحن نميل لإضفاء سمة الوكالة agenticity: وهي الميل لإضفاء معنى، قصد، وغاية على الأنماط. وهذا يعني أنّنا غالباً ما نضفي سمات مثل القصدية والوكالة على الأنماط التي نجدها في العالم، ونعتقد أنّ هؤلاء الوكلاء القصديون هو الذين يحكمون العالم ويسيّرون أموره عبر سلطة هرمية غير مرئية من الأعلى إلى الأسفل. أرواح، أشباح، آلهة، شياطين، عفاريت، ملائكة، كائنات فضائية، وكافة أشكال الوكلاء غير المرئيون الذين يتمتّعون بالسلطة ويمتلكون غاية ويسكنون عالمنا ويسيّرون أموره. وتكاد الأمثلة لا تُعَدّ ولا تحصي حول الوكلاء. أشخاص يشاهدون نقاط عاكسة تطوف داخل غرفة مظلمة، وخصوصاً إذا كانت النقاط تتّخذ شكل قدمين ويدين، إذ يزرع ذلك شعوراُ بوجود شخص ما أو شبح ما في الغرفة. يعتقد الأطفال أنّ الشمس تفكّر وتتبعهم أينما ذهبوا، وعندما يطلب منهم رسم صورة للشمس فإنّهم غالباً ما يرسمون لها وجهاً ضاحكاً، وهذا دليل آخر على الوكالة. الأطعمة على شكل أعضاء تناسلية الموز والمحار يعتقد أنّها تحسّن الأداء الجنسي. ثلث المرضى الذين أجريت لهم عمليات نقل أعضاء يعتقدون أنّ شخصية المتبرّع أو جوهره قد انتقل إليهم مع العضو المزروع فيهم. وجد العالم النفساني بروس هود أنّ أغلب الناس يقولون أنّهم لن يرتدوا ثياب قاتل، بل حتى أنّهم يعبّرون عن مقتهم لمجرّد التفكير في الأمر، وكأنّ الشرّ الكامن في نفس القاتل قد سكن ثيابه وسينتقل إليهم كالعدوى، لكنّ أغلبهم يقولون بأنّهم سيرتدون السترة الصوفية الخاصّة بضيف برنامج الأطفال السيد روجرز، اعتقاداً منهم أنّ ارتداء قمصانه سيجعل منهم أشخاصاً أفضل. نحن نجد الوكالة في كل مكان وأينما نظرنا، وفي بعض الأحيان هؤلاء الوكلاء يكونون أشباحاً أو آلهة أو ملائكة أو شياطين.
12)التنويم المغناطيسي والذاكرة: أغلب تجارب الاختطاف على أيدي الكائنات الفضائية يتمّ تذكّرها واستعادتها بعد سنوات أو عقود على حدوثها وعن طريق عملية تسمّى الإيحاء المغناطيسي، حيث يتمّ تنويم الشخص مغناطيسياً ويطلب منه أن يتخيّل بأنّه يعود بالزمن إلى الوراء لاستعادة ذكريات من الماضي، ثمّ يعيد عرضها على شاشة إسقاط خيالية داخل عقله، وكأنّ هناك قَزَم ضئيل يجلس داخل مسرح صغير داخل رأسه يخبر مدير الدماغ بكلّ ما رآه. لكنّ الذاكرة لا تعمل على هذا النحو. تشبيه الذاكرة كنظام إعادة للفيديو لا يمكن تطبيقه إطلاقاً على موضوع الذاكرة. ليس هناك آلة تسجيل في الدماغ. وتتشكّل الذكريات كجزء من نظام تعلّم مشارك لصنع وصلات وروابط بين الأشياء والأحداث ضمن المحيط، والروابط التكرارية بينها تولّد صلات جديدة بين العصبونات، والتي يتمّ تقويتها وتدعيمها لاحقاً عن طريق تكرار إضافي أو إضعافها عن طريق الإهمال وعدم الاستعمال. استخدم ما تعلّمته أو ستفقده. هل تتذكّر عيد ميلادك العاشر، أو تتذكّر ما قالته أمّك عنه وأنت تشاهد صور الحفلة وأنت في عمر العشرين؟ هل أضفت حوادث من حفلات أخرى كنت قد حضرتها أو مشاهد حفلات كنت قد شاهدتها على التلفاز؟ كل هذا قد جرى على الأرجح، وأكثر من ذلك. لذا عندما يسترجع أحد "المخطوفين" من قبل الكائنات الفضائية إحدى الذكريات، ما الذي قد استرجعه فعلاً؟ تظهر أشرطة وتسجيلات الإيحاد المغناطيسي التي استخدمها معالجو مرضى الاختطاف والذين طبّقوا طريقة التنويم المغناطيسي أنّهم يسألون المرضى أسئلة موجّهة ويبنون في عقول مرضاهم سيناريوهات وقصصاً خيالية يلفّق من خلالها المرضى قصصاً وروايات خيالية كاملة لأحداث لم تحصل إطلاقاً.
13)تجارب الاقتراب من الموت NDE: منذ اختراع الطائرات النفّاثة القادرة على الطيران بسرعات هائلة لدرجة أنّ الطيّارين قد يفقدون وعيهم ويصابون بالإغماء أثناء المناورات الجوية، أجرت قوّات الدفاع الجوية وأسطول البحرية الأمريكية عدداً من التجارب للتغلّب على قوى الدفع والجاذبية وحالات الإغماء وفقدان الوعي التي تسببّها G-LOC. أجرى العالم جيمس وينري دراسات على الطيّارين الذين يتدرّبون على أجهزة الطرد في مركز القيادة البحرية بوارمينستر، بنسلفانيا، حيث اكتشف ظاهرة عجيبة مرّ بها غالبية الطيارين _وقد أسماها "رؤى" تتضمّن مشاهد قصيرة من رؤية نفق في نهايته نور ساطع، بالإضافة إلى الشعور بالطوفان أو الشلل، وبعد أن كان الطيارون يستعيدون وعيهم، كان ينتابهم شعور باللذّة، السعادة، البهجة، والصفاء. هذه السمات هي نفس السمات التي تتميّز بها تجارب الاقتراب من الموت. جرّب وينري حالات الاقتراب من الموت آلاف المرات خلال تجارب مسيطر عليها بإحكام في جهاز الطرد المركزي. فتحت ظروف السرعات العالية أثناء التحليق، ينسحب الدم من الرأس ليتجمّع في الجذع، ممّا يجعل الطيار ينتقل من الحالة الرمادية كالدوّار والدوخة إلى حالة التعتيم الكامل وفقدان الوعي، وكل ذلك يجري خلال 15-30 ثانية. تجارب الاقتراب من الموت التي جرت أثناء مرحلة التعتيم "فقدان الوعي" قد حدثت بسبب: الأبوكسيا apoxia، أو نقص الأكسجين في القشرة الدماغية. عندما تزداد درجة الدوّار وفقدان الوعي بطريقة تدريجية أثناء تسريع جهاز الطرد المركزي أكثر بشكل منتظم، أول شيء يختبره الشخص هو رؤيا النفق، العمى، ثمّ الإغماء وفقدان الوعي، وهذا مردّه إلى نقص معدّل الأكسجة في شبكية العين أولاً ثمّ في القشرة الدماغية أخيراً (تنتج رؤيا النفق لأنّ العصبونات والوصلات العصبية تبدأ بالتوقف عن العمال من الخارج إلى الداخل)، ممّا يؤدي إلى حالة إغماء كلي عند توقّف كامل عصبونات القشرة الدماغية عن العمل. يمكن توليد تجربة اقتراب من الموت عن طريق تحريض التلفيف الزاوي الأيمن في الفص الصدغي كهربائياً. مريضة في الثالثة والأربعين من العمر تعاني من نوبات صرع حادة قالت أنها تشعر بأنّها "تغرق في السرير" و"تسقط من علوٍ شاهق" بعد تحريض كهربائي طفيف لهذه المنطقة. وعندما تمّت زيادة شدّة التحريض أدّى ذلك لتوليد شعور بأنّها "ترى نفسها وهي مستلقية على السرير من الأعلى..." حتى أنّ زيادة التحريض أدّت إلى شعورها بالخفّة الزائدة وبشعور بأنّها "تحلّق على علوّ مترين فوق السرير". اكتشف العلماء أنّ باستطاعتهم التحكّم بالارتفاع الذي يشعر به المريض فوق سريره عن طريق زيادة شدّة التيار الكهربائي المحرّض للمنطقة.
#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل شيء عن الإلحاد [1]
-
الأخلاق والقيم الأخلاقية
-
العلم والإيمان
-
منبع الأخلاق: هل نستمدّ أخلاقنا من عند الله؟
-
هل عثر العلم على الله؟
-
رد على ردود مقال ((قضية علمية ضدّ الله))
-
قضية ضدّ وجود الله
-
نهاية الدين
-
كتاب ((كيف وُجِدَت الآلهة)) كاملاً
-
كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [6]
-
كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [5]
-
كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [4]
-
كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [3]
-
كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [2]
-
كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [1]
-
سورة الأنفال: مثال صارخ عن الشر الإلهي عند محمد والمسلمين
-
محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (8)
-
محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (7)
-
محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (6)
-
الإسلام قارورة محكمة الإغلاق [1]... الدكتورة وفاء سلطان
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|