وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4314 - 2013 / 12 / 23 - 15:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الحشاشون في سورية :
الى جانب الاسماعيليين الظاهرين في سورية , كان هناك طوائف قريبة من الاسماعيليين في النظرية والمظهر مما جعل سورية ارضا خصبة امام دعاة آلموت . ومن هؤلاء طائفة الدروز في جبل لبنان والمناطق المجاورة وهي طائفة اسماعيلية منشقة . وهناك طائفة اخرى من المؤيدين وهم النصيريون او العلويون , وهم من اصل شيعي اثني عشري ( بحسب برنارد لويس ) وكانوا يعيشون في المناطق الجبلية شرقي وشمال شرقي اللاذقية . حاول اتباع حسن الصباح من الحشاشين استخدام الاساليب نفسها التي استخدمها رفاقهم في ايران .
لقد وجد الاسماعيليون ان مهمتهم في سورية اصعب ,ربما لان الدعاة كانوا من الفرس ويعملون في محيط غريب عنهم . وهكذا مضى حوالي نصف قرن من الجهد المتواصل قبل ان يحققوا اول اهدافهم ويركزوا مجموعة في المنطقة الجبلية باسم ( جبل البهرة ) وتعرف اليوم باسم جبل النصيرية .وكان زعمائهم جميعا من الفرس ( بحسب اعتقاد برنارد لويس ).
يعتبر تاريخ الاسماعيليين السوريين في معظمه تاريخا للاغتيالات . ففي اول ايار ( مايو )1103م تم اغتيال جناح الدولة حاكم حمص في مسجد المدينة خلال صلاة الجمعة . كان مغتالوه من الفرس ويتنكرون بزي صوفي . من الملفت ان معظم الاتراك فروا من حمص الى دمشق بعد حادثة الاغتيال .
لم يمضي اسبوعان او ثلاثة على مقتل جناح الدولة حتى مات الحكيم المنجم وخلفه في زعامة الحشاشين فارسي آخر وهو ابو طاهر الصايغ .
عام 1113م حقق الاسماعيليون احد اكثر ضرباتهم طموحا وهي مقتل امير الموصل مودود في دمشق وهو قائد سلجوقي لبعثة عسكرية جاءت من الشرق لمساعدة المسلمين في سورية في حربهم ضد الافرنجة (الصليبيين ). راى الحشاشون ان البعثة تشكل خطرا عليهم . في العام 1126 جاءت اول انباء مؤكدة عن تعاون بين الحشاشين والحاكم التركي لدمشق توتيجين استنادا الى المؤرخ الدمشقي ابن القلانسي ضد الافرنجة ( الصليبيين ).كانت الخلافة الفاطمية في مصر بنظر الحشاشين غير شرعية ومن الواجب الاطاحةبها .وفي العام 1121م اغتيل الافضل وهو قائد الجيوش في مصر والمسؤول المباشر عن خلع الخط النزاري وذلك على ايدي ثلاثة حشاشين جاؤوا من حلب .
في العام 1130 م اغتيل الخليفة الامر بواسطة عشرة حشاشين في القاهرة وكان معروفا بكراهيته للنزاريين .لقد كان الحشاشون معادين لال زنكي حكام الموصل الذين كانوا من اقوى الامراء الاتراك ويسيطرون على طرق المواصلات بين سورية وبلاد فارس , ويقيمون علاقات ودية مع زعماء السلاجقة في الشرق . عام 1128 م الغى نورالدين زنكي الاذان الشيعي في حلب وادت هذه الخطوة الى اثارة غضب عارم في صفوف الاسماعيليين والشيعة .لذا ليس بمستغرب ( بحسب برنارد لويس ) ان نرى مجموعة من الحشاشين تقاتل الى جانب ريموند حاكم انطاكيا لانه كان الوحيد في سورية الذي يستطيع ان يقاوم الزنكيين بشكل فعال في ذلك الوقت .وفي هذه الاثناء تولى قيادة الحشاشين اعظم زعمائهم في سورية وهو (سنان بن سلمان بن محمد ) المعروف برشيد الدين , وكان مواطنا من بلدة عقر السودان جنوب البصرة على الطريق المؤدية الى واسط .ويوصف احيانا كثيرا بانه كيميائي , او انه( معلم ).
في آب (اغسطس )عام 1164 م اعلن حسن القيامة في آلموت كما مر علينا سابقا , وارسل مبعوثين يحملون التعاليم الجديدة . وكان على سنان ان يبدا بتطبيق الشريعة الجديدة في سورية . في سورية لم يكتب المؤرخون الاسماعيليون عن انتهاء عهد الشريعة , بل المؤر خون السنة , ورددوا بهلع الشائعات التي بلغتهم عن الغاء الشريعة , وكتب احدهم :
(ان سنانا قد سمح لهم بتدنيس امهاتهم واخواتهم وبناتهم واعفاهم من صيام شهر رمضان ). هذه الاشاعات وجدناها ( والكلام لكاتب المقال ) تطارد الفرق الاسماعيلية كافة ومنهم قرامطة البحرين لانهم كانوا ثائرين على الخلافةالسنية الرسمية ويحملون برنامجا ثوريا .يقول المؤرخ كمال الدين بن العديم في كتابه (زبدة حلب من تاريخ حلب ) :
( في عام 572 هجرية ( 1176 – 1177 م )ارتكب سكان جبل السماق الاثام وسموا انفسهم (الطاهرين ) ,واختلط الرجال بالنساء في حفلات الشراب (راجعوا سلسلة مقالاتنا عن العلويين )ولم يمتنع رجل عن اخته او ابنته وارتدت النساء ملابس الرجال واعلن احدهم ان سنانا هو الههم) .
يقول المستشرق برنارد لويس حول هذه الاخبار والتلفيقات :
( من المحتمل ان تكون هذه الاخبار والشائعات الغامضة عن هذه الاحداث هي التي ادت فيما بعد الى ظهور اسطورة ( حدائق الفردوس عند الحشاشين ).
لقد حكم سنان في سورية ثلاثين سنة وارسل كبير دعاتهم في آلموت مبعوثين لقتله عدة مرات خوفا من ان يستولي على الزعامة ولكنهم كانوا يقعون في قبضة سنان فيقتلهم او يخدعهم ويقنعهم بعدم تنفيذ مالديهم من الاوامر . وهذا مايدل بحسب برنارد لويس ان سنانا وغيره من قادة الحشاشين في سورية قد تخلصوا من سلطة آلموت واتبعوا سياسة مستقلة .
جرت محاولتان لاغتيال صلاح الدين الايوبي تبعهما هجوم فاشل شنه صلاح الدين على مصياف ثم حوادث قتل وحرائق في حلب واغتيال القائد الصليبي كونراد مونتفيرات . لقد ادى ظهور صلاح الدين الى اعتباره العدو الرئيسي من قبل الحشاشين . وقد كانوا يميلون الى تحسين علاقاتهم مع الزنكيين في الموصل .ونجد في الرسائل التي بعثها صلاح الدين الى الخليفة في بغداد (1181 – 1182 م ) اتهامات لحكام الموصل بانهم يتحالفون مع الحشاشين المهرطقين .
قام الحشاشون باول محاولة لاغتيال صلاح الدين الايوبي في كانون الاول ( ديسمبر) 1174 م او كانون الثاني ( يناير ) 1175 م عندما كان يحاصر حلب . قرر سنان ان يقوم بمحاولة ثانية لاغتيال صلاح الدين فارسل في 22 ايار ( مايو ) 1176 م مجموعة من الحشاشين تخفوا في زي جنود جيش صلاح الدين وهاجموه بالسكاكين عندما كان يحاصر عزاز ولكنه اصيب بجروح طفيفة بفضل الدروع التي كان يرتديها .وبعد هذه الاحداث اتخذ صلاح الدين احتياطات امنية واسعة من اجل حمايته , ولم يسمح لاحد لايعرفه شخصيا بالاقتراب منه .
ان ظهور صلاح الدين كقوة كبرى في سورية المسلمة السنية جعل منه خصما خطيرا للحشاشين . في آب 1176 م توغل صلاح الدين في مناطق الحشاشين رغبة في الانتقام منهم . وحاصر مصياف لكنه لم يلبث ان فك الحصار وانصرف . وهناك روايات مختلفة عن ظروف الانسحاب , ومنها كما يرى مؤرخه وكاتبه عماد الدين ( وتستند اليه معظم المصادر العربية )انه انسحب بناء لوساطة من امير حماه وهو خاله والذي ناشده جيرانه الحشالشون التدخل لصالحهم . اما كمال الدين بن العديم فيذكر في كتاب تاريخ حلب ان صلاح الدين هو الذي طلب وساطة امير حماه للسلام نتيجة لما يبدو من هلع اصابه من اساليب الحشاشين . اما رواية الحشاشين فتذكر ان صلاح الدين قد خاف من القوى الخارقة للطبيعة التي يتمتع بها سنان فتدخل امير حماه لصالحه وطلب من سنان ان يسمح له بالانسحاب في سلام.
من الواضح ان الرواية الاسماعيلية مليئة بالخرافات . ولكن يبدو ان فيها شيئا من الواقعية وهو التوصل الى نوع من الاتفاق بين الرجلين . ومن الثابت انه لم يسجل فيما بعد اية اعمال عدائية علنية للحشاشين بعد انسحاب صلاح الدين من مصياف , بل هناك بعض اللمحات تدل على التعاون بينهما .
في 28 نيسان (ابريل )1192 م تمكن الحشاشون من توجيه ضربتهم الكبرى باغتيال المركيزكونراد مونتفيرات ملك بيت المقدس بينما كان في صور . وتتفق معظم المصادر على ان قاتليه تخفوا بزي رهبان مسيحيين وشقوا طريقهم الى خلوة الاسقف والمركيز . وعندما سنحت لهم الفرصة طعنوه حتى الموت . وقال مبعوثؤ صلاح الدين في صور ان القاتلين اعترفوا بان ملك انكلترا هو الذي دبر عملية الاغتيال . لكن سواء كان القتلة قد قالوا الحقيقة في اعترافاتهم او لا فهي مسالة اخرى .
كان اغتيال كونراد اخر انجازات سنان . ففي عام 1192- 1193 م , او 1193 – 1194م مات ( شيخ الجبل ) المخيف وخلفه فارسي يدعى نصر .وفي عهده يبدو ان آلموت استعادت نفوذها على اسماعيليي سورية وظلت كذلك الى مابعد الغزو المغولي . تاثر الحشاشون في سورية بالسياسة الجديدة التي اعلنها جلال الدين حسن الثالث باعتبارهم خاضعين لسلطة آلموت وهي تقضي باعادة الشريعة والتحالف مع الخليفة العباسي في بغداد . لم يسجل اي اغتيال لشخصيات اسلامية في سورية في حين سقط عدد من الشخصيات المسيحية واولهم ريموند بوهيمن الرابع حاكم انطاكيا الذي اغتيل في كنيسة في طرطوس عام 1213م وبعدها فرض ابوه حصارا على قلعة الخوابي.ولما كان الحشاشون قد اقاموا علاقات جيدة مع حلفاء صلاح الدين فقد طلبوا المساعدة من حاكم حلب وارسل هذا الاخير حملة عسكرية لرفع الحصار منيت بالفشل.عندها ناشد الحشاشون حاكم دمشق ان يسارع الى مساعدتهم فبعث اليهم جيشا ارغم الصليبيين على فك الحصار .
جاءت نهاية قوة الحشاشين مع الهجوم المزدوج للمغول والظاهر بيبرس سلطان المماليك في مصر .بعد القرن الثالث عشر لم يثبت حصول اغتيالات قام بها حشاشون سوريون لصالح الفرقة . ومنذ ذلك الوقت ركدت الاسماعيلية كجماعة مهرطقة صغيرة في بلاد فارس وسورية ولم يعد لها اهمية سياسية . في القرن الرابع عشر وقع انشقاق في خط النزاريين واصبح كل من الاسماعيليين السوريين والفرس يتبعون زعماء مختلفين . ومنذ ذلك الحين انقطعت العلاقات بين الطرفين .
(يتبعه الجزء الخامس والاخير )...
المصدر
كتاب ( فرقة الحشاشين:مذهب راديكالي في الاسلام ) 0- للمستشرق برنارد لويس – ترجمة المقدم الر كن الياس فرحات –دار الراية البيضاء – العراق – بغداد .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟