|
لنتذكر ثوراتنا وانتفاضاتنا
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4314 - 2013 / 12 / 23 - 00:59
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
حين سقط من سقط ، وهرب من هرب ، وقتل من قتل ، من حكامنا الفاسدين تنبأ الكثيرون بمزيد من الشطب والكنس في حق حكام خونة قذرين ، فانتبه البعض ممن احتفظوا بكراسيهم الوثيرة الى دقة المرحلة وخطورتها عليهم وعلى المشاريع التي يعتبرون وكلاءها المخلصين في خدمة مفضوحة وممجوجة لأسيادهم ، فقاموا ببعض البهرجات والخدع السينمائية وأضافوا بعض الطلاء الرخيص على دساتيرهم . بينما اعتمدت دول المال والبترول على مضاعفة الأجور وتخصيص اعانات مالية مزجية ، وتقديم تسهيلات في التسوق . في حين كانت سقف الثورات هو تغيير أنظمة تجاوزها العصر بقرون على جميع المستويات وأخصها المستوى الحقوقي والسياسي . وتحولت الثورة في سوريا الى بحر من الدماء ، وتمت سرقتها في مصر مرتين ، بينما كان نصيب ليبيا تمزقا وتشتتا وحروبا من أجل عائدات النفط ، من قبل ميليشيات معظم أفرادها لم يخبروا مفهوم الدولة كنظام ومؤسسات ، وتوزع ظل القذافي في أصلابهم ، وصارت ليبيا موزعة بين أكثر من قذافي واحد ، وان اختبأوا وراء لغة مغايرة . كان للثورات طعم التحرر من أمراض نفسية واجتماعية وانسانية متراكمة ، جعلت الفرد العربي مجرد عبد مقموع وخادم أمين من أجل النظام الذي يحكمه . وفتحت الانتفاضات أفقا غير مسبوق في حرية التعبير عبر أرجاء الوطن العربي ، هذه الحرية التي شاءت الأقدار أن تبرهن الأنظمة الحالية ، بعضها قديم ، وبعضها لقيط ، عن كرهها لها ، وبالتالي كره المشرئب اليها ، وهو المواطن العربي ، فقانون المظاهرات المصري يعتبر ردة استثنائية في العالم المعاصر ، كما أن قانون المدونة الرقمية بالمغرب يعتبر انتكاسة حقوقية وقانونية تكاد تصل الى قانون بائد كان يطلق عليه في المغرب اسم " كل ما من شأنه " الشهير . فهل توقف قطار الثورات والانتفاضات العربية هنا ؟ . يعلمنا تاريخ الثورات أنها اشبه بتحولات النار التي قد تخبو دون ان تنطفئ تماما ، وتستعر بهَبّة ريح من أي جهة ما ، مادامت شروط استعادة الشرر لوهجه كامنة في أحشاء الرماد . وبما أن المقام لا يتسع لذكر تطورات الثورات التاريخية سواء في فرنسا او في انجلترا ، أو في روسيا سابقا أو في الولايات المتحدة الأمريكية او في اي دولة من الدول التي شهدت ثورات مختلفة ، هنا وهناك ، كايران مثلا ،فان القاعدة الأساسية هي أن تلك الثورات لاتلتزم بقاعدة ما ، كالبحث مثلا في طبيعة الخلفيات الثقافية ، او في نوع الأسباب التي تظل نفسها ، بما أننا نتحدث عن ثورات وانتفاضات وليس عن انقلابات أو تحولات انتقائية، قد يقوم بها حزب ما أو تيار ما . لقد منحتنا الثورات العربية دفقة جديدة من الحياة ، وغيرت رؤيتنا الى كينونتنا ، وأمدتنا بشيئ جديد في أنطولوجية الحكم في المنطقة العربية ، اذ لأول مرة تفرض الشعوب على حاكم عربي الهرب من قصره ذليلا حسيرا ، وتعتقل حاكما بعد تنحيته من الحكم ، وتشارك في اغتيال حاكم آخر ، وان في ظروف مشبوهة . ليصير الحاكم أمثولة واضحوكة أمام العالم . وهو الذي حسب أنه اله لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو الذي ظن أن شعبه مجرد قطيع خنوع لا يمتلك أظافرا لخمش الظالم المستبد . لأول مرة يصرخ المواطن العربي في وجه الحاكم الظالم ، ولأول مرة يرضخ مجموعة من الحكام لضغط الشارع العربي ، سواء كان هذا الخضوع مرحليا وتكتيكيا ، او كان عن قناعة ، وهذا ما لم يصنعه أي حاكم عربي للآن . لكن ما يهم هنا هو أن كل الحكام العرب ابان ذروة الثورات العربية ساورهم نوع من الخوف الذي يعشعش في وجدان كل فرد عربي . وصار بامكاننا أن نرى في عيونهم علامات الخوف والحذر ، ونقرأ على جباههم كل ضروب الحسابات من الضرب الى الجمع الى القسمة والطرح . وهم الذين كانوا لا يعرفون الا ضربا واحدا من الحساب ؛ هو الجمع . خبت جذوة الثورات في العالم العربي ، لكنها لم تمت ولم تنطفئ . وتمت فوضنة الثورة في سوريا ، والانقلاب على بعض تجلياتها في مصر ، وخلخلة مساراتها في تونس وليبيا ، وتحريفها في اليمن ، وبيع الحراك الشعبي في المغرب من قبل جهات معلومة ، لكنهم عجزوا عن اخفاء معالمها . قد يخذلنا التاريخ ، وقد نتسرع في جني الثمرات ، وقد نسقط مرة وأخرى ، لكن الشعوب تعلمت كيفية النهوض في وجه الحاكم الظالم المستبد الفاسد . وهو ما يحتاج الى اختمار في وجدان الشباب وفي وجدان كل فرد عربي ، كي تترسخ لغة الرفض لكل ما يخرجنا عن انسانيتنا ، ويجرح كرامتنا ، ويسرق أرزاقنا ، ويطبق علينا وحدنا قوانينه الجائرة . لهذا علينا أن نتذكر ثوراتنا وانتفاضاتنا ، فقد أمدتنا بشيئ أهم هو الانتباه الى انسانيتنا . وهذا هو المهم .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القصيدة .....هي القصيدة
-
بين ارادة الاصلاح واصلاح الارادة ، أو فضيحة العدالة والتنمية
...
-
مساومة
-
حوار مطول مع المفكر العالمي نعوم تشومسكي -مترجم-
-
دمي هو المعنى
-
سأبدأ ما لم ينته
-
مرثية للنسيان
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-26-
-
الثورة والعدالة مطلب لايموت
-
هل اتضحت الصورة ؟
-
لم أرفع الراية البيضاء
-
السعودية أكبر الخاسرين
-
كل الكون قبري
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-25-
-
سعدي يوسف بين حرية الابداع وحرية الشطط في الابداع
-
في ذهني فكرة
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-24-
-
ايران حصار بصيغة الانفتاح
-
فرار الى قمة الحلم
-
عودة المثقف ومثقف العودة . أي مثقف وأي عودة ؟
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|