|
حتى يكون مهدي تونس منتظرا
محمد الحمّار
الحوار المتمدن-العدد: 4310 - 2013 / 12 / 19 - 14:10
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
أن يصبح لتونس مرشحا لرئاسة الحكومة اسمه "المهدي" "جمعة" في عصر النمذجة وتنامي العلوم العقلية والألسنيات لا يمكن أن يكون نتيجة لاختيار وطني مائة بالمائة في بلد مازال يبحث عن سبيل إلى تملك تلك العلوم والسيطرة على تطبيقاتها العديدة والمختلفة في مجال تشكيل الرؤى وتوجيه الميولات وقيادة الرأي.
ففي ضوء الوضع الذي مرت به البلاد والذي استحال فيه التوافق الوطني حول اسم مرشح للمنصب المذكور، ليس من المستبعد أن تكون الدوائر العالمية المعنية بمستقبل تونس قد تدخلت في الحوار الوطني، في الدقيقة 90 وطبقا لتصميم دقيق للبدائل، وذلك بصفة حولته ضمنيا إلى حوار عولمي ("موندياليست").
ونستنتج من هذا أنّ الانتقال السياسي التونسي بما فيه اختيار العصفور النادر بالنسبة لقادة الرأي العالميين لا يعدو أن يُعتبر مسألة سوق وصفقة رمزية. وهنا تتدخل العلم و الابستمولوجيا حيث إنه من الوارد جدا أن جهات أجنبية مؤثرة قد تدخلت في توجيه المتنفذين في السياسة التونسية نحو فضاء رمزي مركزه شخصية "المهدي جمعة" كانت قد بنته هذه الجهات تدريجيا وحسب تطور ردهات الحوار الوطني.
في هذا السياق، الذي قد يعتبره البعض تفكيرا سحريا من طرفنا والبعض الآخر خيالا "علميا" وبعضهم تخمينا من محض العقلية التآمرية، قد يكون أصحاب القرار العولمي أرادوا أن "يهدونا" "مهديا" (منتظرا) حمالا لبركة يوم "الجمعة" الإسلامية. فكثيرا ما عوّل قادة الرأي الغربيين على المداخل السحرية في العقلة العربية الإسلامية وأفلحوا في اتخاذها معاول لتركيع العرب والمسلمين.
لكن الأهم من هذا كله أن تعي المجموعة الوطنية أنه مهما كانت النسبة التي تدخلت بها الدوائر في تعيين السيد مهدي جمعة رئيسا للحكومة (وهو أمر وارد كما قدمنا) فإن عليها أن تمتطي القطار وهو يسير وتتوحد حول هذا التعيين عسى أن تساهم بما يكفل للبلاد وللعباد الوصول إلى المكان المقصود. لكن هل بالإمكان تحقيق هذه الغاية من دون منهجية تضاهي منهجية المتخلين في شؤوننا من حيث القوة والنجاعة؟
لو يبقى الأمر موكولا لطبقة سياسية حالية ليس لها من الأدوات المعرفية ما يجعلها منافسا شرسا للقوى الخارجية سوف لن يكفي تونس سبعون "مهدي" لكي تقوم لها قائمة وتندمل جروحها على إثر ملازمتها فراش المرض لمدة لا تقل عن الخمسة أشهر.
ونعتقد أنّ هذا التوقع وارد سيما أنّ الشعب تربى طويلا على عقدة الأجنبي وما يسندها من عقيدة خاطئة تتلخص في إيمانه بأنّ "تونس صغيرة وفقيرة" بينما هي أكبر من انقلترا وهولندا وبلجيكا والبرتغال على سبيل الذكر وأثرى من حيث الموارد الطبيعية من عديد البلدان المتقدمة.
في سياق الحل أو البحث عنه، والآن وقد تبيّن أنّ الغرب فهِم الشعب التونسي أكثر مما فهمه السياسيون التونسيون (للأسف) وأنّ ثلاثي السلطة وعلى رأسه حركة النهضة من جهة والمعارضة من جهة ثانية على حدٍّ سواء، هما الخاسران في معركة الحوار الوطني، نعتقد أنّ التحول المعرفي والعقدي ضروريان لتحويل المسألة التونسية من معركة أشخاص وإيديولوجيات وأحزاب وكراسي إلى معركة أفكار.
فالشخصية المرشحة لقيادة البلاد متوفرة الآن وما على النخب الجديدة، اتساقا مع ندرة الشخصية المختارة، إلا أن تثبت أنّ المتشبثين (عنوة) بالرأي القائل إنّنا مدينون للخارج، وللولايات المتحدة وفرنسا تحديدا، باختيار السيد مهدي جمعة، إنما هم كاذبون ولو صدقوا، وأنّ رفض هذا الأخير بناءً على ذلك الرأي لا يجوز التمسك به من طرف سياسيين كانوا يرفضون دوما السعي إلى بناء تدريجي لوحدة مع الجارتين الجزائر وليبيا ولا يفكرون أبدا في ربط صلات التعاون مع الأشقاء العرب بل يؤثرون إيفاد ذرياتهم للدراسة وللعمل وللإقامة الدائمة في أمريكا وفرنسا وألمانيا وسويسرا وغيرها ولم يفعلوا شيئا لمنع الآلاف من الشباب اليائس/الطموح من الهجرة المتوحشة أو من الموت غرقا في الأثناء ولا يحركون ساكنا لمّا يرون مدنا وأحياءا فرنسية وإيطالية بحالها تحتضن جموعا غفيرة من المهاجرين التونسيين (والمغاربة عموما) يفوق عددهم أحيانا عدد سكان البلد الحاضن.
في سياق الحل المعرفي والعقدي دائما، لن أجازف وأقول إننا لسنا أهلا بالديمقراطية فهذا غير صحيح إطلاقا ولكني متأكد أن الديمقراطية درس يُتعلم بينما لا الطبقة السياسية لها علاقة بالتعليم ولا الشعب له من التواضع ما يحثه على التعلم. وقد حان الوقت لنتعلم جميعا على الأقل كيف نُفشل أجندات الفساد والحث على الارتماء في أحضان التبعية.
ولكي لا يكون التغيير المرتقب في تونس تغييرا في الوجوه فحسب، مع الإبقاء على السياسة (سياسة الكومبرادور التابعة لمركز النفوذ الامبريالي)، نحن مطالبون باستخدام آليات معرفية جديدة يكون مفعولها إبطال رواج أفكار السياسات القديمة المشبوهة. ولتوظيف هذه الآليات فإن الوضع لا يتطلب انتظار حلول حكومة منتخبة وإنما يتطلب تحلي الحكومة الانتقالية المزمع تشكيلها من طرف المهدي جمعة بخصال تتلخص في التعاون الجدّي والمكثف مع من يحملون مثل هذه الآليات.
على سبيل المثال، يتوجب تثوير منهجية اختيار الفريق الذي سيعمل مع مرشح رئاسة الحكومة المختار. لا أعرف المهدي جمعة شخصيا لكني أتصور من خلال سيرته الذاتية أنّه، على عكس سابقيه في الحكومتين الإسلامويتين، يتقن اللغات الأجنبية. وهذا معطى هام جدا ولكنه سلاح ذو حدين، لأنه قد يخدم تونس كما قد يخدم الدوائر الأجنبية المتنفذة ويعود بالوبال على تونس.
ولضمان أن تكون تونس هي المستفيدة من خيار الانفتاح، الثقافي واللغوي والفكري والسياسي، فلا بدّ من البدء بتوجيه الحكومة المرتقبة نحو المنظومة الجيوسياسية التي يرغب فيها المجتمع حتى تتحول التعددية الانفتاحية من ورقة نفترضها جدلا تجلب الربح للأطراف الخارجية المساندة لخيار المهدي جمعة إلى ورقة تجلب الربح لتونس. ومن أجل هذا نعتقد أنّ إحاطة رئيس الحكومة بفريق من الخبراء يكونون من مخضرمي التكوين، أي من الوطنيين الأشاوس وفي الآن ذاته من المتمكنين من أسرار الثقافة الغربية، سيكون خيارا أكثر من صائب.
#محمد_الحمّار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في انتظار عثور تونس على حكومة
-
مخطط لإنقاذ تونس
-
7 توصياتٍ بشأن الحركة الإسلامية
-
تونس: المآسي وراء الحوار الوطني الأساسي
-
تونس بين تشبيب الشيوخ وشيخوخة الشباب
-
تونس: الجري مثل الوحوش وحكومة الريتوش
-
تونس: الكُتّاب الفاسدون وعودة الرجعية
-
تونس بين الإرهاب والفهم المتجدد للإسلام
-
تونس: اغتيال الأمنيين واغتيال العقل
-
هل سيخرج التونسيون إلى الشارع؟
-
في بلاد ما وراء الشرعية والانقلاب
-
تونس: في ضرورة الانقلاب الثالث
-
تونس: الإسلام بين اليمين و اليسار والحوار بين النفاق والوفاق
-
إدماج الإسلاميين لإنجاح المبادرة الوطنية التونسية !
-
تونس على ذيل وزغة !
-
تونس وكل العرب: اليوم سهرٌ وغدا أمرٌ
-
نحن وأمريكا والربع ساعة الأخير
-
تونس أكبر من الأحزاب وأغنى من النواب
-
الإسلام السياسي فُضَّ فماذا بقي؟
-
تونس ومصر: واقعٌ متأسلم ودامٍ، ونخب منتهية الصلوحية
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|