|
سيناريوهات جنيف -2- السوري في ضوء المتغيرات السياسية والعسكرية
عليان عليان
الحوار المتمدن-العدد: 4309 - 2013 / 12 / 18 - 20:08
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
من يتابع التطورات العسكرية على الأرض في سوريا ، يكتشف بسهولة أن مؤتمر جنيف "2" ، الذي جرى تحديد موعده من قبل كل من الراعيين الروسي والأمريكي في الثاني والعشرين من كانون ثاني القادم ، قد لا ينعقد ، وإذا ما انعقد فإن جولاته ستستمر سنوات وليس أشهر ، وأن مصيره الفشل المحتوم ، وذلك ارتباطاً بتطورات ومتغيرات عسكرية وسياسية محلية وإقليمية ودولية : فعلى صعيد المتغيرات العسكرية نشير إلى ما يلي : أولاً: تغير المعادلة العسكرية في سوريا ، بشكل متسارع لصالح الجيش العربي السوري وحلفائه ، وانتقال هذا الجيش منذ معركة القصير الاستراتيجية في فبراير/ شباط من العام الجاري ، من حالة الدفاع والصمود إلى حالة الهجوم ، في سلسلة انتصارات تكتيكية ، يحرر من خلالها العشرات من البلدات والقرى في الغوطتين الشرقية والغربية ، وفي ريف حمص والبلدات المحيطة بشرقي حلب وجنوبها ، ناهيك عن معارك الحسم في سلسلة جبال القلمون ، وصولاً إلى الهزائم التي يلحقها بالجماعات التكفيرية في منطقة دير الزور توطئة لدحرها من منطقة آبار النفط في شرق سوريا. ولا يغير من واقع الصورة ، الاختراقات العسكرية التي قد تحدثها العصابات الإرهابية في هذه البلدة أو تلك ، كما حصل في معلولا وعذرا مؤخراً ، فهي لا تعدو كونها محاولات لرفع الروح المعنوية لمقاتليها ، خاصة بعد فشل الهجوم المؤلل الضخم - المشكل من ( 5000 مقاتل ) جرى تدريبهم على يد خبراء أمريكان وإسرائيليين وسعوديين - الذي شنته هذه العصابات على الغوطة الشرقية الشهر الماضي ، في محاولة يائسة لفك الحصار ، عن مجاميعها المحاصرة فيها / ذلك الهجوم الذي أشرف على تخطيطه وتجهيزه مدير المخابرات السعودية بندر بن سلطان ، بالتنسيق مع الاستخبارات الإسرائيلية ، التي عملت على تعطيل شبكة الاتصال السورية في تلك المنطقة لحظة بدء الهجوم . ثانياً : تراجع ما يسمى بالجيش الحر إلى حد التلاشي ، في مواجهة العصابات التكفيرية وبخاصة " جبهة النصر وداعش وأحرار الشام " التي ألحقت به هزائم متتالية ، ناهيك عن التحاق العديد من سرايا هذا الجيش ، بالعصابات التكفيرية أو التي تطًلق على نفسها " بالتنظيمات الجهادية ". ثالثا : دخول السعودية بشكل كبير على خط تحطيم ما يسمى بالجيش الحر الذي دعمته سابقا ، كون قيادته السياسية والعسكرية ( أحمد الجربا وسليم إدريس ) وافقت على المشاركة في جنيف "2" نزولاً عند إملاءات الإدارة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ، ذلك المؤتمر الذي ترفضه السعودية من منظور إصرارها البائس على إسقاط النظام في سوريا. وقد عملت المخابرات السعودية ، بالتنسيق مع السلفي اللبناني زهران علوش على تشكيل الجبهة الإسلامية ، عبر توحيد مجموعة فصائل إسلاموية تضم التنظيمات التالية ( أحرار الشام ، وجيش الاسلام ، وصقور الشام ، ولواء التوحيد ، ولواء الحق ) وهي مكونات غي متناسقة عقائدياً وأيديولوجياً ، فبينما تنتمي أحرار الشام إلى تيار " السلفية الجهادية " تنتمي كل من صقور الشام ولواء التوحيد إلى فكر قريب من الأخوان المسلمين ، في حين أن " جيش الإسلام " بقيادة السلفي اللبناني زهران علوش يضم مزيج من الأخوان المسلمين وتياران دينيان سعوديان وهابيان هما "السرورية والجامية". واللافت للنظر أن قوات الجبهة الإسلامية ، التي تتلقى الهزيمة تلو الأخرى في مدن القلمون وبلدات الغوطة ، وجهت ضربة قاصمة لما يسمى بالجيش الحر عند معبر باب الهوى على الحدود التركية السورية ، باستيلائها مؤخراً على موقع رئاسة الأركان لهذا الجيش ، وعلى جميع مخازن الأسلحة والذخيرة له ، والمرسلة من قبل كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا. رابعاً : التنسيق ما بين الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة ، بترتيب استخباراتي سعودي ، الذي يعني فيما يعنيه أن السعودية دخلت على خط التنسيق مع تنظيم القاعدة لإفشال جنيف "2" ، حيث تؤكد الأنباء الواردة من سوريا أن هنالك غرفة عمليات مشتركة ما بين الطرفين ، ولم يحدث صدام بينهما كتلك التي حدثت بين مختلف تلك الفصائل في شمال وشرق سوريا . وعلى صعيد المتغيرات السياسية يمكن الإشارة إلى ما يلي : أولاً: تنامي الدور الروسي بشأن التعامل مع الأزمة السورية ، وتراجع الدور الأمريكي ، وهذا التنامي في الدور الروسي يرجع إلى تراجع الدور الأمريكي منذ إلغاء الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا ، وفق مبادرة الكيماوي الروسية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى جراء تراجع دور أداته السياسية والعسكرية ممثلة " بالائتلاف بقيادة أحمد الجربا والجيش الحر بقيادة سليم إدريس " ، ومن جهة ثالثة المد الهجومي للجيش العربي السوري . وهذا التنامي في الدور الروسي عكس نفسه في التصريحات المتتالية لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ، وبقية أركان الخارجية الروسية في أن مؤتمر جنيف "2" لا يعني بأي حال من الأحوال تسليم السلطة للمعارضة ، وأن مهمة المؤتمر الرئيسية هي محاربة الإرهابيين ، وأن على الجيش الحر أن يصطف إلى جانب الجيش العربي لمحاربة الإرهابيين وطردهم من سوريا. ثانياً: تراجع الدور القطري في الأزمة السورية ، بحيث بات في حالة من الارتباك فأحيانا يحاول الالتحاق بالدور السعودي في دعمه لما يسمى " بالجبهة الإسلامية" وأحياناً يبحث عن سبل لإعادة العلاقة مع النظام السوري ، ويسعى لتوسيط حزب الله بهذا الشأن. وهذا التراجع في الدور القطري جاء في سياق التكيف مع الموقف الأمريكي بعد صفقة الكيماوي مع سوريا وصفقة النووي مع إيران ، لكن محاولة قطر الخجولة الالتحاق بالدور السعودي ، جعلتها موضع تقريع في اللقاء المصغر لمجموعة ما تسمى " بأصدقاء سوريا " في لندن . ثالثاً : تراجع الدور التركي بشكل كبير جداً ، جراء فشل معارضة ما يسمى بالجيش الحر والائتلاف المدعوم من قبلها ، في تحقيق أي إنجاز يذكر على الأرض واندحار (الجيش الحر) المزعوم أمام "داعش والنصرة" وهزيمته الكبرى أمام الجبهة الإسلامية التي يقودها بندر بن سلطان ، ما يعني اندحار وتراجع الدور التركي أمام السعودية. وهذا التراجع في الدور التركي ، جعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يغيب عن مشهد التصريحات العنترية لإسقاط النظام في سوريا ، وباتت الدبلوماسية التركية تتجول ما بين بغداد وطهران وموسكو ، للبحث عن دور في مؤتمر جنيف "2" في حال انعقاده . وبات وزير الخارجية التركي صاحب نظرية " صفر مشاكل " الذي كان مصراً على إسقاط النظام في سوريا ، بات حمامةً سلام يبحث عن حل سلمي سياسي للأزمة السورية!! وهكذا وعلى حد تعبير أحد المراقبين ، باتت السياسة التركية تعيش حالة من التخبط السياسي وتستجدي إيران وروسيا لإعادة الاعتبار لها ، وتحاول إظهار حرصها على وقف إراقة الدماء في سوريا ، متجاهلة أن أيديها ملطخة بدماء السوريين وتحاول التعاطي مع قضايا المنطقة ، " كما لو أنه ليس لشعوب المنطقة ذاكرة وكما لو أن شيئاً لم يحصل خلال السنوات الثلاث الماضية". رابعاً: تراجع الموقف الأمريكي والغربي عموماً الداعم " للجيش الحر " بعد استيلاء الجبهة الاسلامية وغيرها من الفصائل الإرهابية على مخازن الأسلحة الخاصة بالجيش الحر والمرسلة من قبل الدول الغربية ، ناهيك أن أجهزة الاستخبارات الغربية باتت تخشى من تنامي حضور تنظيمات القاعدة في سوريا مستقبلاً على أمن بلدانها ، وقامت بإرسال مندوبين عن هذه الأجهزة لسوريا للتنسيق المعلوماتي بشأنها وبشأن مواجهتها . خامساً : وفي مقابل انحسار دور القوى الاقليمية والدولية الداعمة للعصابات المسلحة ، التي تقاتل النظام في سوريا – باستثناء السعودية - نرى تماسكاً في الحضور التحالفي لسوريا عسكرياً وسياسياً فالأسلحة الروسية لا تزال تتدفق إلى سوريا ، وحزب الله يقاتل إلى جانب النظام بصلابة ، في منطقتي حمص والغوطة وإيران لم تبخل على سوريا بشيء لا سياسياً ولا عسكرياً. في ضوء ما تقدم من متغيرات سياسية وعسكرية نكون أمام السناريوهات التالية : السناريو الأول : أن لا يعقد مؤتمر جنيف " 2" بحكم تلاشي واندثار الجيش الحر خاصةً وأن "الائتلاف" الذي يمثل هذا الجيش سياسياً ، لم يعد له وجود يذكر على الأرض. السيناريو الثاني : أن يعقد هذا المؤتمر وتشارك فيه بعض أطراف ما تسمى بالمعارضة تحت يافطة " الائتلاف" أو إلى جواره ، لكن هذه المعارضة لا تملك القدرة على تنفيذ الشرط الأساسي ممثلاً "بوقف القتال على الأرض" بحكم أن القوى التي تقاتل على الأرض ، هي تشكيلات القاعدة " جبهة النصرة وداعش وغيرهما " والجبهة الإسلامية بقيادتها السعودية ، ما يعني أن الائتلاف وحلفائه سيكونون في موقف ضعف ، لا يؤهله أن يعلي صوته ، في مفاوضات تشكيل الحكومة الانتقالية ، ما قد يدفعه لرفض أي صيغة لصالح النظام السوري ، أو أية صيغة لا تمكنه مستقبلاً من الإمساك بزمام الأمور في سوريا. السيناريو الثالث : أن يضم وفد المعارضة المزعومة إلى جانبه الجبهة "الإسلامية" وذلك في ضوء المساعي الأمريكية ، التي يقودها السفير الأمريكي في سوريا روبرت فورد ، مع قيادات في الجبهة الاسلامية في اسطنبول ، للانضمام لمؤتمر جنيف " 2" ، حيث أن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري أدلى بتصريحات لا تمانع في التعامل مع فصائل إسلامية غير مرتبطة بتنظيم القاعدة. وفي حال مشاركة الجبهة الإسلامية في المؤتمر ، سنكون أمام معركة سياسية تصادمية بين سوريا والسعودية ، ينتهي في ضوئها المؤتمر إلى الفشل/ لأن الإستراتيجية السعودية منذ بداية الأزمة السورية ، لم تبرح موقفها الداعي لإسقاط النظام في سوريا ، والداعي إلى إسقاط حلف المقاومة والممانعة المكون من سوريا وإيران وحزب الله وبعض أطراف المقاومة الفلسطينية . وفي ضوء هذه الاحتمالات ، ستستمر الأزمة السورية في تصاعدها ، كما وأنه وارتباطاً بالمتغيرات السياسية والعسكرية سالفة الذكر ، سيستمر القتال على أشده في سوريا ، ناهيك أن عوامل الحسم والرجحان ، باتت لصالح الجيش العربي والنظام الوطني في سوريا ، بحيث أصبحنا أمام إمكانية منظورة لهزيمة التكفيريين تلوح في الأفق ، وذلك جراء ما تقدم من عوامل ، ومن ضمنها أيضاً الإغلاق الممكن وشبه الأكيد أمام تسلل الإرهابيين من الحدود اللبنانية ، في ضوء النتائج المرئية لمعارك القلمون ، وجراء إقدام الحكومة التركية على إغلاق حدودها مع سوريا ، ولجوئها إلى بناء سور على طول حدودها مع سوريا ، لمنع إرهابيي القاعدة من دخول تركيا خشية منهم على أمنها ، وهي التي سبق وأن وفرت لهم إمكانية الدخول للأرضي السورية وزودتهم بالدعم اللوجستي المطلوب .
#عليان_عليان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيري وأولوية الجانب الأمني (لإسرائيل) في خطته المنحازة لها
-
الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5 +1 ) إنجاز استراتيجي لإي
...
-
في مواجهة المبررات المتهافتة للاستمرار في المفاوضات
-
في ذكرى وعد بلفور : نحو إستراتيجية تحدد بوضوح معسكر الأعداء
-
حذار من النهج النيوليبرالي ومن أدوات العولمة القاتلة
-
إرهاصات ثورة اجتماعية وسياسية في السودان
-
الرابحون والخاسرون من الاتفاق الروسي الأمريكي بشأن الكيماوي
...
-
بوتين أذل أوباما في قمة العشرين حيال الأزمة السورية
-
تماسك القيادة السورية يربك الادارة الأمريكية
-
العدوان الامبريالي الرجعي المرتقب على سوريا سيفشل في تحقيق أ
...
-
ثورة 23 يوليو المجيدة : ثورتان في ثورة واحدة
-
كفى رهاناً على جون كيري وعلى خيار المفاوضات البائس
-
حملة مكارثية ظالمة ضد الفلسطينيين المقيمين في مصر
-
اغتيال القائد الميداني رائد جندية استحقاق لتحالف حماس مع قطر
-
في مواجهة الإجراءات التهويدية للنقب
-
مرسي يتسول ود أمريكا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق
-
انكفاء مصر في عهد مبارك والأخوان سهل مهمة (إسرائيل) في حوض ا
...
-
مسلسل المصالحة الفلسطينية وسراب الصحراء
-
الحصار المصري الرسمي لغزة لا يزال مستمراً
-
في الذكرى أل (65) للنكبة : العودة تقترن بتحرير فلسطين
المزيد.....
-
-حرب- التعريفات الجمركية بين الصين وأمريكا.. كيف ستستجيب بكي
...
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس وزراء يلتق
...
-
إجلاء أطفال فلسطينيين جرحى إلى مصر مع إعادة فتح معبر رفح
-
تعيين اللواء إيال زمير رئيسا جديدا لأركان الجيش الإسرائيلي
-
كاميرا تلتقط لحظة انفجار طائرة في فيلادلفيا في كارثة جوية جد
...
-
بوتين يهنئ البطريرك كيريل بذكرى تنصيبه الكنسي
-
قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مركبتين في مدينة جنين (فيد
...
-
الحرس الثوري الإيراني يكشف عن صاروخ كروز البحري بمدى يتجاوز
...
-
طالبة صينية أول ضحية لقانون ترامب بترحيل الطلاب المؤيدين لفل
...
-
ترامب يأمر بتوجيه -ضربة دقيقة- لاستهداف أحد زعماء -داعش-
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|