فادي كمال الصباح
الحوار المتمدن-العدد: 4306 - 2013 / 12 / 15 - 20:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ {الأعراف/120} قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ {الأعراف/121} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ {الأعراف/122} قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {الأعراف/123} لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ {الأعراف/124} قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ {الأعراف/125} وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ {الأعراف/126} وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ {الأعراف/127}
وردت هذه الآية في سورة الاعراف خلال المرحلة المكية من الدعوة المحمدية ,و منها يشكل المسلم صورة الفرعون الشرير السادي المجرم الذي حكم على السحرة الذين أمنوا برب موسى و هارون ,بما يلي : لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ {الأعراف/124} , و بشكل تلقائي ينفر المسلم من قسوة فرعون و يغيب عن ذهنه ,أن ما يوزاي تفاصيل هذا الحكم نسب الى الله في سورة اخرى ,جاءت بالمرحلة المدنية أي بعد امتلاك النبي محمد قوة عسكرية ,حيث ورد في سورة المائدة :
إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {المائدة/33}
مقارنة بين الآيتين و نقاط التشابه بين الكلام المنسوب لله والكلام المنسوب لفرعون:
الفرعون: وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ.
الله: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا.
الفرعون: قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ
الله: أَوْ يُصَلَّبُواْ
لايخفى على احد المقدار الكبير من التطابق الحرفي بين الآيات ,و عليه من المشروع طرح بعض التساؤلات:
- كيف يعقل أن كلام بشري لطاغية كالفرعون أن يتطابق بكل حرفي مع كلام لله ؟.
- لماذا الآيات المتعلقة بفرعون ظهرت بالمرحلة المكية وسبقت الآيات المنسوبة لله التي ظهرت في المرحلة المدنية؟.
المفسرون المسلمون لايتطرقون لمسألة التطابق والتشابه, بل فيما يختص بآيات سورة المائدة ,تتضارب آراءهم حول سبب نزولها ,فيوردون عدة روايات مختلفة و تتعلق بحوادث متعددة, يقول الطبري " اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية ,
فقال بعضهم : نزلت في قوم من أهل الكتاب كانوا أهل موادعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنقضوا العهد ، وأفسدوا في الأرض ، فعرف الله نبيه صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم . . وقال آخرون : نزلت في قوم من المشركين وقال آخرون : بل نزلت في قوم من عرينة وعكل ، ارتدوا عن الإسلام ، وحاربوا الله ورسوله .. قال : وبعضهم يقول : هم ناس من بني سليم ، ومنهم من عرينة ، وناس من بجيلة".
بالرجوع لتفسير الطبري و البغوي , نجد العديد من الرويات في كل تفسير, سنورد بعضهم:
من تفسير البغوي ص: 48:
وقال الكلبي : نزلت في قوم هلال بن عويمر ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وادع هلال بن عويمر وهو أبو بردة الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن مر بهلال بن عويمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو آمن لا يهاج ، فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من أسلم من قوم هلال بن عويمر ، ولم يكن هلال شاهدا [ فشدوا ] عليهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزل جبريل عليه السلام بالقضاء فيهم ، وقال سعيد بن جبير : نزلت في ناس من عرينة وعكل أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوه على الإسلام وهم كذبة فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى إبل الصدقة ، فارتدوا وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا واجتووا المدينة فأمرهم [ النبي صلى الله عليه وسلم ] أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ، ففعلوا فصحوا فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم ، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحسمهم حتى ماتوا .
من تفسير الطبري ,ص 243-244:
عن عكرمة ، والحسن البصري قالا قال : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله " إلى " أن الله غفور رحيم " ، نزلت هذه الآية في المشركين ، فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه لم يكن عليه سبيل . وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد . إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله ، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه ، لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصاب .
عن ابن عباس قوله : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا " ، قال : كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق ، فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض ، فخير الله رسوله : إن شاء أن يقتل ، وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف .
بغض النظر عن السبب الحقيقي لنزول تلك الآية , لا يمكننا إلا أن نتسائل عن كيفية و واقعية القول بمحاربة البشر لله ,الذين هم و الكوكب الذي يعيشون به لا يمثلون حبة رمل وسط صحراء الربع الخالي بالمقارنة مع حجم الكون المخلوق من قبل الله بحسب التصور الاسلامي ,ذلك الاله الموصوف بأنه أكبر و أعظم من كل شيء.
اذا قالوا بأن البشر بتكذيبهم و محاربتهم للدعوة الاسلامية يحاربون الله ,نقول هل يعجز هذا الاله عن ايجاد الحجة أوالدليل الذي يهدم كل محاولات التكذيب من البشر ليأمر بتقطيعهم و صلبهم؟!.
واذا قالوا بأن محاربتهم لرسول الله هي محاربة لله ,نقول هل عجز هذا الاله عن إيجاد طريقة أخرى أرقى دون هذه السادية الوحشية بالقتل؟!
لنتخيل معاً الرسول الذي قيل عنه بالقرآن: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {الأنبياء/107},و هو يطبق هذه الآية, كيف سيقطع أيديهم وارجلهم من خلاف و يصلبهم بكل رحمة!, من سيصدق بأنه رحمة للعالمين . و للعلم, أن كلمة رحمة العالمين تشمل كل البشر بمن فيهم الكافر والمؤمن.
لكن وللأسف أن واقع المسلمين لن يدعك تتكفل عناء تخيل مشهد تطبيق هذه الآية ,فما عليك إلا بالبحث غبر الغوغل واليوتيوب عن حد الحرابة لترى الصور و الفيديوات عن الفظائع و منتهى البشاعة من تقطيع أطراف و صلب رجال, على مرأى من الجميع في الساحات العامة.
لكم بعض الروابط ,عن عمليات تطبيق حد الحرابة :
حد الحرابة .. مصر تدخل النفق المظلم
http://www.vetogate.com/list/318/249218/
أهالي قرية بالشرقية يطبقون حد الحرابة على مريض نفسي بالخطأ
http://www.egynews.net/wps/portal/news?params=220129
السعودية تطبّق حد الحرابة على عصابة من 5 يمنيين
http://www.albawabhnews.com/46423
ذبح 4 شباب بدعوي تطبيق حد الحرابة عليهم
http://www.youtube.com/watch?v=E-s3Kf_mvU4
#فادي_كمال_الصباح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟