|
العقائد المسيحية
صبري المقدسي
الحوار المتمدن-العدد: 4306 - 2013 / 12 / 15 - 09:45
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
العقائد المسيحية الايمان هو أعظم موهبة مُنحت للبشر، وهو ليس شيئا شخصيا يحتفظ به المرء لنفسه، ولا هو اختبار عقليّ وليد التجربة والبرهان. وإنما هو الثقة المطلقة في الشخص الذي نؤمن به في كل الأحوال والظروف ومن دون أدنى شك. والإستسلام المُطلق له بالرغم من توافقه مع العقل أو عدم توافقه. فهو إذن الإختبار المُباشر والداخلي الذي لا يحتاج الى إثبات ولا الى برهان. هذه بعض الشواهد الإيمانية والعقائدية المشتركة بين معظم الطوائف المسيحية: • يؤمن المسيحيون بإله واحد وهو إيمان يُعاش عمليا وليس إيمان يُقال ويُردد نظريا. وهو نوع من الرفض للآلهة الوثنية وتأليهها ورفض تأدية أية عبادة لها أو أي إحترام لقواها الثلاث، التي تكمن في (الخبز والجنس والسلطة). • تؤمن المسيحية بأن الله قادر وحكيم وقدوس وعادل، وهو سيّد الكون والأشياء كلها والأشخاص جميعها، والإله الصباؤوت. وهو في الوقت نفسه ينبوع دائم التجدّد، الذي لا نهاية لمحبته في وحدة الثالوث المقدس(الآب والابن والروح القدس). • تؤمن المسيحية بأن المغامرة الإيمانية الاولى للبشر بالله بدأت مع ابراهيم حوالي 1850 ق.م، وتجسّدت المغامرة مع موسى النبي وشعب اسرائيل حوالي 1270 ق.م، وذلك في خروج شعب اسرائيل من مصر العبودية الى حرية الايمان في أرض الميعاد(كنعان). وتوسع مفهوم المغامرة الايمانية ليشمل كل البشر بعد صلب الكلمة المتجسد، يسوع المسيح الذي يقود العالم الى خروج جديد من عبودية الخطيئة الى حرية النعمة. • يؤمن المسيحيون أن المسيح هو كامل في كل شىء في حياته على الأرض، وأنه جاء الى الأرض ليُعلم الناس خطة الله، فعلى الناس أن يقبلوه أو لا يقبلوه وهو يعرض عليهم شخصه قبل أن يعرض تعاليمه وعقائده. • تؤمن المسيحية بأن المسيح مات على الصليب من أجل خطايا العالم وأن حُب الله فاض على العالم بشخص يسوع وأن الله يغفر خطايا كل شخص يتوب ويرغب أن يكون له أو لها بداية جديدة لحياته أو حياتها، ومن هنا يأتي التعبير المسيحي(الولادة الجديدة)، وهي الولادة الثانية أو الولادة الروحية، إذ يولد المرء طبيعيا من والدته(الولادة الاولى) ويولد ثانية ولادة روحية في المسيح يسوع (الولادة الثانية). • تؤمن المسيحية، بأن الأنسان لا يستطيع العيش إلا بالأيمان الذي يرتبط بالرجاء والتاريخ والمحبة والحياة الأخلاقية. وأن المسيح إنما جاء لكي يُحرّر الإنسان من قيود الخطيئة ومن قيود الشريعة وثقلها وتفاصيلها الدقيقة، لأن الشريعة تدفعه الى العمل الصالح الذي لا يستطيع أن يقوم به. وجاءت المسيحية بالنعمة لتحل محل الشريعة، ولكي تجعل كل من يؤمن بها تحت النعمة الآلهية وليس تحت الشريعة الآلهية (الموسوية). • تؤمن المسيحية، بيسوع المسيح رباً وإلهاً، وتوحد بين الأسم يسوع وبين اللقب المسيح. واللقب هو جزء من اسم العلم الذي يدل على رجل الناصرة. وأما الأسم (يسوع) فيعني (المخلص) ويدل على الوظيفة وعلى الشخصية، ويستحيل الفصل والتمييز بينهما لكون الوظيفة هي الشخص والشخص هو الوظيفة. • تؤمن المسيحية، أن الخلود ليس فقط من خلال الآخرين كالأولاد مثلا، إذ يؤكد البعض بقاءهم وديمومتهم في الحياة من خلال نسلهم وممتلكاتهم الأرضية فقط. • تؤمن المسيحية بالفرح والسعادة وبمشاركة الله في حياة الانسان وإعطائه دوراً مهمّا في تكملة مسيرة الخلق والإبداع. وهم(المسيحييون) مدعوون لممارسة الصوم والتقشف من أجل الوصول الى تمام الفرح والسعادة والسلام الداخلي. • تؤمن المسيحية، أن الإنسان لا يستطيع أن يخلص بطاعته للشريعة وحفظها وممارستها ولكن بالإتكال على المسيح والإيمان به وبالتضحية والمحبة، لأن الإيمان يظهر في المحبة وعندما تفحص محبتك فإنك تفحص إيمانك. • تؤمن المسيحية، أن الزواج والعزوبة موهبتان من الله وكلاهما لهما مكانتهما في إتمام مقاصد الله. والزواج أوجده الله كوسيلة لتوفير الرفقة والتناسل وهو خير من التحرّق بالشهوة. وأما الجنس فهو عنصر جميل وضروري في الزواج ويكون إساءة الى الله والى قداسة الزواج عندما يُمارس خارج الزواج. وعلى الأزواج والزوجات ألا يمتنع أحدهما عن الآخر. • تؤمن المسيحية أن الموت ليس نهاية كل شىء بل هو مدخل الى الحياة الأبدية التي هي عطية مجانية من الله في يسوع المسيح الذي به يكون الخلاص من الخطيئة. • تؤمن المسيحية، أن الصلاة هي في ذاتها حديث مع الله وهي جوهر الإيمان المسيحي، فعلى المسيحي أن يُصلي كل حين من دون أن ييأس أو يملّ. وكما أن الجسد يتنفس بالهواء هكذا النفس تتنفس بمراحم الله من خلال الصلاة، لأن الله نبع لا ينضب للماء الحيّ وما على المؤمن إلا أن يمد وعائه ويأخذ منه على قدر ما يريد. وتتفق المسيحية منذ بدايتها على قانون للأيمان المسيحي الموّحد( قانون الرسل) والذي تقبل به معظم الكنائس المسيحية. وقد طوّر هذا القانون إلى أن إتفق الجميع على الصيغة النهائية له في سنة 325 ميلادية في مدينة نيقية في تركيا مع تعديلات طفيفة في المجامع المسكونية الاخرى. وتعتبر صيغة نيقية للقانون الايماني، الصيغة المُستعملة من قبل معظم الكنائس (الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية والكنيسة المشرقية الآشورية مع الكنائس البروتستنتية والانجيلية)، ويُسمى بقانون إيمان الرسل وهذا نصه. نؤمن بإله واحد/ الآب الضابط الكل/ وخالق السماء والارض/ وكل ما يرى وما لا يرى/ وبرب واحد يسوع المسيح/ إبن الله الوحيد/ المولود من الآب قبل كل الدهور/ إله من إله / نور من نور/ إله حق من إله حق / مولود غير مخلوق / مساو للآب في الجوهر/ الذي على يده صار كل شىء/ الذي من أجلنا نحن البشر / ومن أجل خلاصنا نزل من السماء / وتجسّد من الروح القدس / من مريم العذراء / وصار إنسانا / وصلب عوضنا في عهد بيلاطس البنطي / تألم ومات / ودفن وقام في اليوم الثالث كما في الكتب / وصعد إلى السماء / وجلس عن يمين الله الآب / وأيضا سياتي بمجده العظيم / ليُدين الأحياء والأموات/ الذي ليس لملكه انقضاء / ونؤمن بروح القدس الرب المحيّ / المنبثق من الآب والأبن / ومع الآب والأبن / يُسجد له ويُمجد الناطق بالأنبياء/ وبكنيسة واحدة / جامعة / مقدسة / رسولية / نقرّ ونعترف بمعمودية واحدة / لمغفرة الخطايا / وننتظر قيامة الموتى / وحياة جديدة في العالم العتيد، آمين. وهذا هو بإختصار ما يؤمن به المسيحيون ويُعلنوه منذ القرن الرابع الميلادي: • الايمان بالله الواحد الآب الضابط الكل. • الايمان بالله خالق السماء والأرض. • الايمان بيسوع المسيح ابن الله الوحيد. • الايمان بالروح القدس. • الايمان بالثالوث الأقدس. • الايمان بالكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية. • الاعتراف بالمعمودية والأسرار المقدسة. • الرجاء في قيامة الموتى والحياة الجديدة في الدهر الآتي. فالايمان المسيحي بحسب معظم آباء الكنيسة والعلماء البروتستانت والانجيليين ليس مجرّد صيغ ومعتقدات وتعابير طقسيّة جامدة، ولا هو نظريات علميّة نتعلمها عن ظهر القلب في طفولتنا. وإنما هو العلاقة الحميمة بين الله والانسان وذلك بأقوال صادقة لا غش فيها. وهو نعمة مجانية يقدمها الله للبشر من فيض حُبّه وسخائه. وأن يحيا البشر حسب منطق هذا الايمان على أن يُجسّدوه في حياتهم اليومية بأصالة وعمق وتواضع. وعهد الله وديعة الايمان الى مجمل كنيسته التي هي شعبه الجديد، فهي المؤتمنة على الوعد الالهي الجديد والمسؤولة على المحافظة عليه بدعم من الروح القدس المرشد والمدافع عن ايمانها لكي تبقى حيّة ومُتجددة بسلطتها التعليمية وشعبها المؤمن الذين يشتركون في خدمة كلمة الله بحسب مواهبهم الروحية، فمنهم الاساقفة والكهنة والشمامسة والعلمانيين. وتطورت فكرة الايمان لدى المسيحيين بمرور الزمن ومن دون أن تخرج من نطاق الكتاب المقدس الذي أكد على أن الله تكلم مع البشر من خلال ابراهيم والانبياء الآخرون، ولكنه في المسيحية أتى الله لملاقاة البشر بكشف ذاته لهم وبطريقة بشرية عن طريق المسيح يسوع ابن مريم الذي كان له في كل اعماله، بُعد الهي وبُعد بشري. فأقواله هي أقوال الله الآب وكذلك أعماله هي أعمال الله المقيم فيه، فمن رأه قد رأى الله الآب. على أن قبول أفكار يسوع وتطبيق نصائحه تؤدي الى التغيير الشامل في الانسان والمجتمع والى تجنب الحروب والويلات. فالعلاقة مع يسوع المسيح تغيّر الحياة، إذ يستطيع العالم عن جهل بحقيقة المسيحية أن يهزأ بالمسيحية، ويستطيع أن يسخر منها، لكنه لا يستطيع نكران قوتها في تغيير حياة الناس كما قال بعض الذين اهتدوا الى المسيحية وإعترفوا بتغيير جذري حصل في حياتهم بعد الايمان بيسوع المسيح وقبوله مخلصاً وحيداً. إذ بمجرّد وضع الثقة في المسيح واتخاذه مُخلصا وفادياً فإن الانسان يُغير حياته رأساً على عقب. ويوجه المسيح دعوة مفتوحة للجميع لقبوله فادياً ومخلصاً، والمبادرة الاولى تأتي منه كما جاء في سفر الرؤيا قائلا:((ها أنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه)) رؤيا 20:3. ينعم الفرد بقبوله ليسوع بحياة أفضل بكثير مما كانت له، وما يحتاجه الانسان هو الايمان به والعمل بحسب وصاياه بفعل سماع الكلمة والتأمل فيها والصلاة بصورة يومية. وما ينطبق على الفرد ينطبق أيضا على الجماعة وعلى الشعوب أيضاً، إذ أن الجماعات التي قبلت المسيح تاريخيا تغيرت الى حالة أسمى بكثير مما كانت عليه، والشواهد على ذلك الشعوب الاسكندنافية التي كانت جماعات بربرية وقراصنة وقطاع طرق، ولكنها تمدنت وإرتقت بمجرد قبولها للإيمان المسيحي وشعوب أخرى كثيرة سواء في آسيا أو أمريكا أو أفريقيا، لأن السمو المسيحي والاخلاق المسيحية تشهد لها المدارس والجامعات المسيحية والمستشفيات المسيحية المختلفة، وكذلك خدمة رهبانها وراهباتها ومؤمنيها وتضحياتهم الكثيرة من أجل مساعدة القريب المحتاج. فالسمو والارتقاء بالفرد والشعوب هو الخروج من الشريعة الطبيعية الى المثل السامية التي تدعو اليها المسيحية والتغيير من خلائق الله الى ابناء الله، والتغيير من الشريعة بصيغتها السلبية أو الطفولية الى الشريعة بصيغتها الايجابية والتي تخاطب الناضجين. ولعلك تسأل ماذا عن الحروب التي تمت بإسم المسيح والحروب التي اشتعلت بين الشعوب المسيحية انفسها التي حاربت بعضها البعض ولسنين طويلة؟. أقولها وبصراحة شديدة وبحسب الاثباتات التاريخية، أن الحروب التي قامت في اوروبا وغيرها من الدول، لم تكن يوما من أجل المسيح والمسيحية، فالمسيح لم يكن دافعها، وكذلك الكتاب المقدس، إذ لم يدعو اليها يوما، وحتى الحروب الصليبية لم تكن سوى حروب سياسية اقتصادية تمت بإسم المسيح، والمسيح منها برىء، (براءة الذئب من دم يوسف إبن يعقوب). صبري المقدسي
#صبري_المقدسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أساسيات الإيمان المسيحي
-
تعاليم يسوع أجوبة مستفيضة عن الحقيقة والحياة ومعناها
-
ميلاد المسيح تجسيد حقيقي لروح الأخوّة والمحبة والفرح والسلام
-
خلق الانسان بحسب الألواح السومرية(قراءة جديدة للألواح السومر
...
-
السومريون وانجازاتهم الحضارية والعلمية
-
السومريون: اصلهم وجذورهم
-
الرموز لغة صورية حية
-
الصلاة: سلاح ذو حدين
-
الثقوب السوداء: مكانس كونية تحير العلماء الى اليوم
-
الاحلام: رسائل رمزية باطنية تحمل معان مستقبلية
-
الفضاء والانسان
-
مفهوم الله في الاديان والثقافات العالمية المختلفة
-
قصص الخلق في الديانات والثقافات المختلفة
-
حقائق كونية فلكية
-
الجاذبية الثقالية: سبب الوجود والاستقرار في الكون العملاق
-
شجرة الحياة: رموزها ومعانيها ودلالاتها اللاهوتية
-
المجرات: جزر كونية في الفضاء العملاق
-
كيف ولدت التقاويم
-
البهائية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
-
الطاوية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|